الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

الصحافية والاديبة وصال خالد

الصحافيـة والاديبــة وصــال خـالـد

من حق الأمين الدكتور محمد معتوق ان نحكي عنه، وكثيراً، هو الذي تألق في حزبه، صحافياً ومثقفاً ومناضلاً ومسؤولاً، فعميداً للثقافة، الى ان خسره وهو في أوجّ عطائه وانتاجه، وكان يَعدُ بالكثير من العطاء الثقافي، والعام، في حزبه وفي مجتمعه.
ولأنه تميز في التزامه، فمثله تميزت قرينته الأديبة وصال خالد، التي خسرها باكراً، وخسرناها نحن الذين عرفناها في سنواتها الأخيرة وخبرنا ما كانت عليه، انسانة وكاتبة وصحافية وأديبة.
كتابها الأخير " بالصوت العالي " صدر بعد رحيلها.
المقدمة التي حررها الأمين محمد معتوق، ناشر الكتاب، تضيء على " وصال خالد "، نوردها معلنين استمرار حزننا على خسارتها.

هذا كتاب ثالث لوصال خالد، هو الأول لها خارج الفن القصصي الذي استغرق معظم نشاطها الأدبي. انه مجموعة مقالات تروي تجربتها الصحفية التي تطورت على مدى عشرين عاماً وصادرتها في أوائل التسعينات فأبعدتها فترة عن عملها الروائي وأبقت لها فرصاً قليلة لممارسة القصّ.

دخلت وصال خالد عالم الصحافة في العام 1975 بترتيب مع مجلة لبنانية أسبوعية " الديار " خصصت لها زاوية-صفحة أسبوعية تتناول فيها ما تختاره من قضايا اجتماعية وتربوية وشبه سياسية ( فما اهتمت كاتبتنا يوماً بالسياسة وألغازها بقدر اهتمامها بعناوين السياسة وأغراضها وانعكاساتها على المجتمع الوطن والقضية ). كان ذلك بينما نار الحرب الأهلية مستعرّة في صيف ذلك العام المشؤوم. وكانت وصال خالد تتجشم عناء النزول الى بيروت كل اسبوع لتقدم مقالها. ولم يكن عناء المجيء من مزبود – الشوف الجسدي يقاس بالعناء النفسي في مواجهة الحواجز والحواجز الطيارة واحتمالات اندلاع موجات القصف العشوائي بين مناطق الجانبين المتحاربين.

جاءت وصال بلغتها الأدبية وخيالها الفني الى الكتابة الصحفية وتمكنت بفنتازيتها التي عرفت عنها في مجموعتها القصصية الأولى ( تذكرة لمتاهة الغربة 1973 ) أن تتفوق على عبثية الحرب وحوادثها الغريبة المرعبة، فكانت مقالاتها تسلّط الضوء على تلك الحوادث فتستخرج منها صوراً مثيرة طريفة تليق بكاتبة موهوبة ذات صوت متفرّد.

واستمرت وصال خالد تعمل في الصحافة اللبنانية حتى انتقالها الى لندن في مطلع العام 1981. وحالما اتيحت لها فرصة الكتابة الصحفية من جديد اختارت المقال – الزاوية الذي كانت تفضله على كل ما عداه من أشكال الكتابة، وان تكن التزاماتها المهنية فرضت عليها تقديم التحقيقات والمقابلات الأدبية والفنية والشاملة ( نذكر بين هذه مقابلة طويلة مع ريمون اده نشرت في مجلة " التضامن " اللندنية في 1984 ). وهكذا كتبت زاوية اسبوعية منتظمة في صحيفة " الخليج " التي تصدر في الشارقة ( دولة الامارات ) والتي عملت وصال في مكتبها في لندن في الفترة 1985- 1987، ثم انتقلت الى مجلة "الراصد" الاسبوعية اللندنية التي صدرت لمدة ستة اشهر في العام 1988. وبعدها ارتبطت بصحيفة " الحياة " في العامين 1991 و 1992 فاقتصر انتاجها عموماً على التحقيقات التي أحسنت تدبيجها وكانت تتناول فيها قضايا اجتماعية بين موضوعاتها الشباب والمرأة والطفولة والشيخوخة والمراهقة وغيرها، بالاستناد الى كتب صدرت حديثاً او حوادث أثارت اهتمام الخبراء والمختصين في واحدة أو غيرها من تلك الموضوعات.
في هذه المجموعة التي اعدّت بعد رحيلها ( في 10 تموز 2003 بعد مرض عضال ) مختارات من مقالات وصال خالد في المطبوعات الثلاث: " الخليج " و " الراصد " و "الحياة "، بالاضافة الى اخر مقال كتبته قبل ان يغلبها المرض، وهو عن محمد الدرة الذي كان من أوائل شهداء " انتفاضة الاقصى " في ايلول 2000. وباستثناء هذا المقال الذي نشرته جريدة " السفير " اللبنانية، فإن جميع المقالات التي تضمّها المجموعة كتبت في المغترب الانكليزي، وان تكن مادة بعض المقالات (مقابلة مع الرئيس الحص مثلاً) جُمعت أثناء زياراتها القصيرة الى بيروت.
وقد كانت وصال خالد في كل ما كتبت ثابتة في موقعها وجريئة في مقاربتها. فهي صاحبة قضية اسمها " الحرية "، وهي عاشقة ذات اسمها " الوطن "، وهي في كل حال تتلبس شخصية السجين في غربته الذي يضيق ذرعاً بسجنه ويحس بالاختناق لأنه يتنفس هواء حرية زائفة، فتتحول معاناته الى صرخات احتجاج عالية تطلق من مقام أخلاقي رفيع، وتحمل نبرة النبوة بحرارة صدقها والحاحها وكونيتها.
وفي كثير مما كتبت وصال خالد، خصوصاً في باب " الوطن والغربة "، كانت شاعرة، وهي ما كانت قبل ان تختار القصة القصيرة كنوع أدبي. وكما في قصصها كذلك في مقالاتها نفحه شعرية تبقى صفتاها الرئيستان غرابة الصورة واقتضاب التعبير.
أما " بالصوت العالي " الذي اخترناه عنواناً هذا الكتاب فهو اسم زاويتها في غير مطبوعة. وكان المحرر يختار هذا العنوان من عناوين عدة مقترحة عليه لأنه يجد فيه تعبيراً مناسباً عن الجرأة في اختيار الموضوع ومقاربته. فرأينا تبنّي هذا العنوان للاعتبارات نفسها.
***
الى محمد الدرة
قالوا لك ان الأب يحمي، وان الوطن يحمي، والرب يحمي.
كنت مشرعاً أمام الله. لم يكن هنالك حاجب يحجبك عنه.
كانت السماء تتفرج، ولم يهطل لها دمع.
لم ينفع صراخ أبيك، ولا رعبك الذي لو وزعته على عيون أطفال العالم لفاض وأغرق الدنيا.
*
كذبوا عليك يا محمد درة!
لم يقولوا لك: ان القوة هي الحق.
عندما احتميت بأبيك، وعندما طلبتما النجدة، كان الظن انكما تتوجهان الى بشر.
لقد اسقطت عنهم صفة الانسان منذ نصف قرن.
كنت تعيش تحت رحمتهم المفقودة.
صدقت ان السلام ممكن معهم، وان العيش ممكن.
براءتك صدّقتهم. اما نحن فلم نصدق.
سكتنا لأننا ضعفاء.
ضعفنا هو من قتلك.
*
استغاثة أبيك، رعبك، موتك، أعاد الوعي لمن ظن ان العيش ممكن معهم.
لا! لا مكان لهم بيننا. لأنهم لا يعرفون الحب.
لأنهم قتلوك يا محمد.
وان هم بقوا سيقتلون رفاقك.
فكيف نقبل العيش مع قاتلنا بالفعل والقوة؟
*
لقد شاهد العالم موتك، طلوع روحك، وتفرج على رعبك.
ثلاث لقطات اختصرتهم.
أنت أهم من الشجرة التي نثور عندما تقطع، وأهم من حيوان الفقمة الذي وجد من يتبنى قضيته، وأهم من النعجة التي يتألمون عندما تذبح بالحلال.
انت قضية الكون الاولى.
لأنك تشبه الله.
*
سامحنا يا محمد! لأننا لم نستطع ان ننقذك.
لكن صدقني ان رفاقك الذين شاهدوا عذابك سيكون لهم شأن مع قاتليك.
من قال ان الانسان انقرض، وان المبادىء اندثرت، وان سرقة الأوطان أصبحت حقاً يفرضه القوي متناسياً ان للتاريخ دورته ورجاله، وان قوة الانسان ليست في احتمائه بدباباته، بل في تلك القوة الكامنة في اعماقه والتي تحرّكه وتحيله عملاقاً يواجه أقزاماً يحتمون بالحديد؟
ليس بالحديد وحده ينتصر الانسان.
***
من مقالة بعنوان " صلاة الغائب " نشرت في " الراصد " 11 حزيران 1988.
لا بحر الا الوطن. لا سماء الا الوطن. لا شمس ولا قمر ولا أرض الا الوطن. انها صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، والتراويح ايضاً.
ارجموني ان اردتم، ولكنكم لن تستطيعوا قتل الوطن فيّ.
لا تغتالوا بحري وتطلبوا مني ان أحب مستنقعات العالم.
لا تلطخوا وهج شمسي وتطلبوا مني البحث عن شعاع بارد في صقيع سماء الغربة.
لا تخنقوا قمري وتطلبوا مني التغني بضوء معلّب داخل كرة زجاجية.
أعيدوا لقلبي عزفه في سيمفونية الوطن فهو لا يحب العزف المنفرد.
عندها فقط ستستعيد أوتاره توازنها وتستطيع العزف في سيمفونية العالم.
خذوا أجمل بقاع الأرض واتركوا لي وطني.
قد أغيب عنه، لكن وعداً جميلاً ينتظرني ويقول لي بأنه هناك، وبأنني أستطيع أن أعود اليه وقتما أشاء فيمدني بدفء يساعدني على تذوق جمال العالم.
***
صدر بالصوت العالي عن مؤسسة " نوتابيني "، وهي التي أسسها الأمين د. محمد معتوق مع عقيلته وصال خالد، وأخذ لها مكاناً في " ساقية الجنزير "، كانت مكتبة ونادي كتاب.
قبل ذلك كان صدر لها:
- تذكرة متاهة الغربة
طبعة أولى 1973 نفذت.
طبعة ثانية 1982 نفذت.
- دموع القمر
طبعة أولى 1980 نفذت.
الكتابان مجموعة قصص، عن " دار الافاق الجديدة " وكان سيصدر لها، لو لم يسرقها القدر:
- لماذا كذبت عليّ يا بيتر؟ (مجموعة قصص).
- تفاحة الأرض (رواية).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق