الرفيق يوسف مروّة
عالـم الذرّة، الكـاتب والـمخترع
كامل جابر - النبطية
في المنزل الذي أبصر فيه النور قبل خمسة وسبعين عاماً، التقينا يوسف مروة. بدا عالم الذرة المتقاعد متأثراً بالأجواء الاحتفائية التي أحاطته في النبطيّة (جنوب لبنان)، خلال تكريمه بمبادرة من مركز «كامل يوسف جابر الثقافي». رغم حمله للجنسيّة الكندية مع «مرتبة الشرف» تقديراً لإنجازاته في مجال الذرّة، بقي يعتز بانتمائه العربي واللبناني. وهو يتفرّغ حالياً لدراسة الحضارة العربية قبل الإسلام وبعده. دراسةٌ جعلته يرغب في نشر هذا التراث، إذ تراه لا يتعب من تنظيم محاضرات في كندا وأميركا وغيرها، للحديث عن «المآثر العربية في العلم والحضارة الغربية». «هذه الدراسات زادتني إيماناً وثقة بأهمية تراثنا، وخصوصاً في جنوب لبنان. درب الحرير التي كانت تعدّ الشريان القوي للتجارة العالمية في العالم القديم، كانت تبدأ بمدينة صور وتصل إلى آخر الصين، ثم تعود إلى صور. صور كانت المنطلق والمنتهى لكل تجارة العالم»، يقول:
يتذكّر والده النجار الذي امتلك، رغم مستواه العلمي المتواضع، مكتبة غنيّة ورثها عن والده وجده. «تعلمت صغيراً هنا في النبطية، في المدرسة الابتدائية. كنت أقرأ كتب والدي، ما جعلني أتفوق على زملائي في المدرسة. أتذكر أنني كنت أحب الحساب والرياضيات كثيراً». امتزجت طفولته الهانئة بآلام مرحلة تاريخيّة، اختلط فيها الانتداب الفرنسي بالحرب العالميّة الثانية، ودخول الجيش البريطاني التاسع إلى جنوب لبنان. يتذكر كيف أنزل العلم الفرنسي مع أترابه في المدرسة وأحرقوه حين اعتقل الانتداب رجالات الاستقلال في قلعة راشيا. يتذكر أيضاً يوم ذهب للتقدم إلى امتحان الشهادة الابتدائية في أحد أيام ربيع 1948، وكانت الجيوش العربية تدخل فلسطين لتحريرها من العصابات الصهيونية. رآهم يمرون على كتف دباباتهم، ويترجلون لأخذ كؤوس المرطبات من والده وشقيقاته.
ابن عائلة مروة، اعتاد وجود رجال الدين في بيتهم. تلك العائلة العريقة، ضمت عدداً كبيراً من المبلغين والأئمة، الذين كانوا يزورون منزل والده، وكان مروة الطفل يناقشهم ويتعلم منهم. لكنّ المشهد الذي لا يفارق ذاكرته، هو قبة ضريح كامل الصباح الذي كان يراها كلما فتح نافذته. تأثر بالصباح وبتراثه العلمي، وصار الأخير نموذجاً بالنسبة إليه في النبوغ والتحصيل، ليضع لاحقاً كتباً ودراسات ومشاريع تتعلق بالصباح، معتمداً على وثائق وأوراق منحته إياها والدة الراحل. كذلك، كانت القنبلة الذرية الأميركيّة على هيروشيما عام 1945، محطة مفصليّة في مسيرته. راح يجمع من الصحف والمجلات كل ما كتب، ووضع نصب عينيه الغوص في عالم الذرة.
«سافرت لإكمال دراستي العالية» انطلاقاً من إنكلترا مطلع الخمسينيات ثمّ ألمانيا «فصرت أشتغل في المنجم، وأخرج منه مساءً ووجهي أسود من الفحم، من أجل متابعة دراستي». وضع تفسيراً جديداً للجاذبية الكونية على أساس الظاهرة الموجية، عام 1967، وفي العام نفسه، أسّس «الجمعية اللبنانية للأبحاث العلمية». في لبنان، اقترح مشروع قانون تنظيم استخدام النظائر المُشعّة. وفي الخارج، كدّس الشهادات في علوم الطاقة النووية والهيدروليكية المائية والهوائية والجيوحرارية، لينال الدكتوراه في الفيزياء النووية من «جامعة جاكسون» في ولاية ميسيسيبي الأميركية عام 1973.
هكذا، راح يدرّس الفيزياء والكيمياء والرياضيات في معاهد سوريا والبحرين والمغرب والجزائر ثماني سنوات. وفي سوريا، حاز براءة اختراع عن ابتكاره محركاً لتوليد القوة المحركة بواسطة الضغط والحرارة الناتجة من تفكيك الهواء فيزيائياً ثم تركيبه كيماوياً. وسُجّلت البراءة في وزارة الاقتصاد السورية.
بعدما أنهى الدكتوراه، سعى كي يجد له مكاناً في لبنان، كما سعى إلى تأسيس «بنك الأدمغة» مع الراحل موريس الجميل، لكنه هاجر بعدها إلى كندا «لأن الظروف التي كانت سائدة في لبنان لا تشجع المبدعين في أي مجال. لم أقرر الهجرة من لبنان إلا بعدما أصبت باليأس من الأوضاع. بعدما قدمت للحكومة اللبنانية أول قانون يتعلق بتنظيم النظائر المشعة في الطب والزراعة والصناعة، لم يلق أي اهتمام يذكر. تقدمت كذلك بمشروع لتعقيم الفاكهة اللبنانية بواسطة الإشعاع النووي، وهذه العملية توفر ملايين الدولارات وتحفظ الفاكهة اللبنانية والبطاطا والبصل والثوم وتعقمه ولا يعود قابلاً للتلف. لكنّ أحداً لم يهتم. حينها قال لي موريس الجميل إنّك تضيّع وقتك سدى في هذا البلد، وما عليك إلا أن تهاجر... وهذا ما حصل».
في كندا، اشتغل في أكبر محطة نووية في العالم، وأسهم في بناء وتشغيل وفحص واختبار وضبط نوعية المنشآت النووية في محطات لتوليد الطاقة الكهربائية بواسطة المفاعلات النووية. ترأس مختبر الفحوص اللاتكسيرية، وتتعلق بفحص كل قطع الغيار التي يبنى منها المفاعل النووي. «قبل استخدام أي قطعة، يجب أن نتأكد بأنّها خالية من أي خلل من الداخل باستخدام أشعة «غاما» وأشعة «إكس» والموجات فوق الصوتية. ومن ضمن مسؤولياتي، توليت هندسة ضبط النوعية، للتأكد من نوعية القطع وتركيبتها المعدنية، ولم يكن يجري فحص إلا يجب أن أكون مشرفاً عليه، وأن أوقّع موافقتي على التقرير. وإذا شككت في أي تجربة، كنت أوقفها».
توصل في كندا إلى اكتشاف نوع جديد للمفاعلات النووية، بعد المفاعلات الانشطارية والتفاعلات الاندماجية، «خلصت إلى شيء سمّيته تفاعلات التلاؤم النووي، ويتناول الاندماج الذي يختص بالذرات الخفيفة، أدى هذا الاكتشاف إلى نشأة عنصر كيميائي جديد عرف هذا باسمي سنة 1989».
خلال وجوده في أوروبا، لم يكن يترك مؤتمراً يتعلق بالطاقة النووية إلّا يحضره. هذا الرحّالة، الذي زار أكثر من أربعين بلداً في العالم، دخل إلى معظم المفاعلات والمحطات النووية، و«مثلت لبنان من دون أن يكلفني أحد، وكنت العربي الوحيد في تلك المحافل».
في كندا، أيضاً أشرف مروّة على إنشاء شركة «أونتاريو» لتوليد الطاقة عن طريق استخدام الهواء، بتشغيله محطة تجريبية لإنتاج الطاقة الكهربائية مباشرة بواسطة الريح. بعد تقاعده عام 1993، انصرف إلى البحث التاريخي عن مرحلة ما قبل الإسلام. درس التاريخ السومري، والبابلي، والأشوري، والكلداني، والفينيقي. «اكتشفت في دراساتي وتأكدت من أن الفينيقيين والعرب والمسلمين، أتوا إلى أميركا قبل كولومبوس، الفينيقيون سبقوا كولومبوس إلى أميركا بألفي سنة».
حاضر ونشر وكتب حوالى 600 دراسة وبحث ومحاضرة، وزار 47 بلداً. لكنّ هاجسه الأوحد في مختلف أنشطته الدينية والثقافية، يبقى بناء جسور من التفاهم والمحبة والتفاعل.
**
1934- ولد الرفيق يوسف مروه في مدينة النبطية (جنوب لبنان).
1973- نال الدكتوراه في الفيزياء النووية من "جامعة جاكسون" في ولاية ميسيسيبي الاميركية.
1989- وضع دراسة حول الاندماج البارد. وكشف عن ظاهرة نووية جديدة أطلق عليها اسم تفاعلات التلازم النووي.
2006-كرّمته حكومة "أونتاريو" الكندية.
2009- كرّمه " مركز كامل يوسف جابر الثقافي" في النبطية.
يعمل على إصدار كتاب "اضواء على الجالية العربية في كندا".
له مؤلفات عديدة، أولها كتابه عن المخترع حسن كامل الصباح، بعنوان "عبقري من بلادي".
الأربعاء، 22 سبتمبر 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق