طـرابلـس الشـام
جولـة مصـورة في البطاقـات البريديـة ( الحلقة الثانية )
الرفيق بدر الحاج
الابواب، المساجد، الأبراج، المدارس، والمنتزهات
تركز استيطان التجمعات البشرية الكبرى على طول الساحل السوري حول مجاري الانهار، ولم تشذ عن هذه القاعدة مدينة طرابلس التي يخترقها نهر ابو علي الذي تقع على ضفته اليسرى تلة ابو سمرا. أما منطقة القبة فتقع على الضفة اليمنى، وقد تميزت هذه في مطلع القرن العشرين بالبيوت ذات النسق الحديث المطلة على المدينة وبساتينها.
كانت المدينة مطوقة ببساتين البرتقال والزيتون، وكان طولها من الشمال الى الجنوب يقارب الكيلومترين، وعرضها من الشرق الى الغرب حوالي الكيلومتر. أما البيوت فكان عددها في مطلع القرن العشرين "عشرة الاف بيت ثلثها من الطراز الحديث". وبلغ عدد السكان سنة 1912 ما يقارب الثلاثين الفاً.
وكان طرفا المدينة متصلين بواسطة جسور عدة يعود بعضها الى المرحلة الرومانية مثل جسر القناطر القديم وجسر السويقة، بينما يرجع بعضها الآخر الى الحقبة العثمانية. وقد هدمت هذه الجسور بفعل الفياضانات المتكررة، وبصورة خاصة فيضان سنة 1956.
*
الأبواب
وكان للمدينة خمسة أبواب تقفل عادةً عند مغيب الشمس، وهي لجهة الجنوب باب الرمل المطل على مقبرة باب الرمل قرب جامع أرغون وقد أزيل هذا الباب عندما شقت البلدية شارع الراهبات. وباب الحدادين قرب قهوة موسى في باب الرمل، وقد أزيل أيضاً. وباب الحديد الذي أزيل وكان يقع على الطريق المؤدية إلى المولوية. وباب السراي أو التل الذي ظل قائماً حتى الحرب العالمية الأولى، ثم أزيل من اجل توسيع الشارع. وباب التبانة الذي يقع بجانب جامع محمود بك.
*
المساجد
احاط العمران بالجامع المنصوري الكبير الذي أمر ببنائه السلطان الناصر محمد بن قلاوون عام 1294، وأكمل بناءه الملك الاشرف ابن المنصور. يعتبر هذا المسجد اول مساجد طرابلس، وهو يقع تقريباً في وسط المدينة على الضفة اليسرى من نهر ابو علي. وتوزعت من ابوابه الاربعة الاسواق المؤدية الى محلة باب الرمل وسوق العطارين وبوابة الحدادين وسوق الصاغة.
كما انتشرت المساجد الاثرية العديدة في المدينة والتي أحصي منها 14 مسجداً سنة 1912، وعدد مماثل من الكنائس إضافة الى كنيس يهودي واحد.
ومن المساجد الرئيسية القديمة مسجد عبد الواحد المكناسي الذي شيّد سنة 1305 ويقع خلف سوق الصاغة، وجامع البرطاسي الذي سمي نسبة الى بانيه عيسى بن عمر البرطاسي وقد شيّد سنة 1325 في المنطقة التي تتوسط محلتي السويقة وباب الحديد. اما مسجد طينال الذي شيّد سنة 1336 من قبل نائب السلطنة في طرابلس سيف الدين طينال الحاجب، فيقع الى جانب مقبرة باب الرمل على الضفة اليسرى لنهر ابو علي. وجامع العطار الذي بناه سنة 1335 الشيخ بدر الدين العطار احد العطارين الاثرياء ويقع في سوق البازركان بالقرب من بركة الملاحة. وجامع الاويسية الذي يعود تاريخ بنائه الى سنة 1460 على يد محي الدين الاويسي احد شيوخ الطريقة الاويسية الصوفية، ويقع عند طلعة القلعة في محلة الصاغة. وجامع التوبة او جامع الناصري، نسبة الى السلطان الناصر بن قلاوون والذي يعتقد بأنه أنشيء اثناء ولايته، وقد بني ما بين 1309 و1341، ويقع على الضفة اليسرى لنهر ابو علي في محلة الدباغة. وجامع ارغون شاه الذي يرجح بأنه بني من قبل نائب السلطنة في طرابلس أرغون شاه الإبراهيمي المتوفي سنة 1399، ويقع في شارع صف البلاط عند الطرف الغربي من المدينة على الطريق المؤدية الى باب الرمل، وغيرها من المساجد.
ويحصي عمر تدمري في كتابه " تاريخ طرابلس السياسي والحضاري " 114 موقعاً معمارياً أثرياً في المدينة، تتوزع بين المساجد والحمامات والخانات والاضرحة والمدارس وسبل المياه وغيرها. اما بعثة الاونيسكو فقد أحصت سنة 1954 فقط ما مجموعه خمسة وثلاثون موقعاً من المرحلة المملوكية، وقد أزيل بعضها بسبب شق الطرقات وتوسيع الشوارع.
*
الابراج
وبالاضافة الى بناء القلعة والمساجد والأبنية الاخرى، عمد المماليك إلى بناء الأبراج على شاطئ البحر بهدف الدفاع عن المدينة. والمتداول بين معظم الرحالة الغربيين ان عدد هذه الابراج ستة، لكن المصادر العربية تقدم لنا صورة أشمل وأدق. يذكر الادريسي في كتابه " نزهة المشتاق في اختراق الآفاق " برج ابي عدس في المنطقة الواقعة الى الشمال من البداوي، وهناك برج راس النهر الذي كان يقع عند الطرف الغربي من مصب نهر ابو علي، وبرج برسباي وهو الوحيد القائم حتى الآن ويقع بالقرب من الشاطيء في الميناء، وبرج الشيخ عثمان او التكية ويقع عند الطرف الشرقي للميناء. وقد بيع هذا البرج من قبل الدولة الى الحاج عثمان علم الدين فهدمه وأزال معالمه وبنى مكانه عمارة مربعة الشكل.
وهناك كذلك برج الفاخورة أو القناطر وكان يقع بين برجي السباع والشيخ عثمان بالقرب من محطة سكة الحديد وبيع الى نقولا كرم من تجار الاسكلة فأزال معالمه وأقام مكانه بناء كبيراً. وبرج المغاربة او برج عز الدين الذي كان قائماً عند الطرف الغربي من الميناء بجوار مطعم الشاطئ الذهبي وإبتاعه من البلدية التاجر مصطفى عز الدين فإستبقى العقود القديمة واقام فوقها بناء مؤلفاً من ثلاثة مساكن. وبرج الديوان أو السراي ( المعروف أيضاً باسم برج ايمتش نسبة الى الأمير البجاسي الذي امر ببنائه ) وكان يقع على مسافة 300 متر من برج الشيخ عثمان واتخذته الحكومة اللبنانية كمركز للشرطة وخلال حوادث 1958 تعرض للنسف، ويقوم مكانه الآن مسجد عمر بن الخطاب. أما البرج الأخير فهو برج البحصاص الذي كان قائماً عن مدخل طرابلس الجنوبي وكان ولا يزال موجوداً حتى العام 1335 وقد اشار اليه ابن الشحنة في كتابه " الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب ".
*
المدارس
كان التدريس في طرابلس في النصف الاول من القرن التاسع عشر يتم في تكايا المساجد حيث يعقد الشيوخ حلقات دراسية لتعليم اللغة العربية والصرف والنحو والخط، وكذلك العلوم الدينية كالحديث والفقه والسيرة. وبرزت في هذا الاطار مدارس وتكايا عدة كالمدرسة القرطاوية ، والناصرية، والشمسية، والخيرية، والنورية، والطوشية، والقرقية، والعجمية، والزريقية وغيرها.
وبعد صدور الدستور العثماني سنة 1840 والسماح بحرية العمل للمؤسسات التعليمية الاجنبية، دخلت الارساليات الغربية الى كافة المدن السورية بشكل مدروس ومنظم. وكانت سنة 1852 عام الانطلاق بالنسبة الى الرهبان الفرنسيسكان في مدينة طرابلس حيث افتتحوا مدرسة بالقرب من دير القديس فرنسيس في الميناء.
اما سنة 1854 فكانت بداية عمل المرسلين الانجيليين في ميدان التدريس فافتتحوا في الميناء مدرسة في ملك نائب قنصل اميركا انطونيوس يني، وهو اول انجيلي في طرابلس. كما افتتحوا مدرسة اخرى للبنات سنة 1856 وكانت بادارة سعدى غريغوري، واقفلت حوالي الثلاث سنوات ثم اعيد إفتتاحها سنة 1873. كما إفتتحت رسمياً المدرسة الانجيلية للصبيان سنة 1900 وتغير مكانها عدة مرات، وكان موقعها في الزاهرية ثم انتقل سنة 1904 الى بناية توفيق بك ( حالياً بناية راشد سلطان ) وفي عام 1912 إستقرت في موقعها الحالي في القبة حيث تعرف باسم المدرسة الانجيلية للبنين.
وفي سنة 1863 شهدت طرابلس افتتاح مدرسة راهبات المحبة " العازارية " في حي النوري، وكانت الدروس فيها باللغتين الفرنسية والعربية اضافة الى دروس دينية مسيحية وفق المذهب الكاثوليكي. كما ظهرت مدارس أخرى كالمدرسة التهذيبية في الميناء والمدرسة الوطنية التي اسست سنة 1873 والمدرسة العلمية.
وفي سنة 1878 أسست شعبة المعارف في طرابلس، وقد أوقف مدحت باشا والي سورية بعض العقارات الأميرية على هذه الشعبة كي تصرف من ريعها على المؤسسات التعليمية التي افتتحها ومنها المدرسة الرشيدية والمدرسة الابتدائية ومكتب العطار ومكتب محلة النوري وباب التبانة ومدرسة الجامع وغيرها.
وعند زيارة التميمي لطرابلس سنة 1917، كان هناك مدرسة دار معلمين، ومدرسة سلطانية للذكور، وأخرى إعدادية للإناث، وعشر أخرى إبتدائية منها خمس للذكور وخمس للاناث.
وأسس أخوة المدارس المسيحية (الفرير) سنة 1890 مدرسة شيدت على أنقاض دير الكبوشيين في الزاهرية ولا تزال قائمة حتى اليوم. أما الآباء الكرمليون فقد أسسوا مدرستهم أيضاً في الزاهرية، وبدورهن فإن راهبات الاحسان أسسن في أواخر القرن التاسع عشر مدرسة لا تزال المنطقة التي اقيمت فيها تعرف حتى الآن بحي الراهبات.
ودخل الروس وإرسالياتهم التبشيرية الأرثوذكسية مجال التنافس مع الانجيليين والكاثوليك، وافتتحت الجمعية الامبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية سبعاً وثمانين مدرسة في جميع انحاء سورية منها اربع مدارس باشرت أعمالها سنة 1887 بين طرابلس والميناء. وكانت هذه المدارس تدرّس اللغتين العربية والروسية الى جانب الحساب والتاريخ والجغرافيا والتعليم المسيحي وفق المذهب الأرثوذكسي. وقد توقفت هذه المدارس عن العمل سنة 1914 بسبب دخول روسيا الحرب ضد الدولة العثمانية، ثم ألغيت نهائياً بعد انتصار الثورة البلشفية سنة 1917.
*
المنتزهات
كان من أبرز منتزهات طرابلس قديماً منتزه التل في جانب المدينة الغربي، وهو يشرف على البحر وبساتين البرتقال والحديقة التي كانت تتوسط دار الحكومة والمنازل الحديثة الطراز. وكان يؤم هذا المنتزه علية القوم وكبار العائلات منذ مطلع القرن العشرين.
ومن المنتزهات أيضاً مقام البداوي الواقع على بعد حوالي ثلاثة كيلو مترات إلى الشمال من المدينة. يحوي هذا المنتزه حوض مياه يبلغ محيطه، كما يذكر حكمت بك شريف في كتابه " تاريخ طرابلس الشام " نحو 80 ذراعاً
" وفيه الأسماك التي تلمع كالفضة الناصعة ويقصده الناس للفرجة والنزهة ".
ويذكر الرحالة الفرنسي لويس لورته ( Louis Lortet ) الذي زار المدينة سنة 1875 أنّ القنصل الفرنسي في طرابلس السيد بلانش ( Blanche ) وهو أيضاً عالم طبيعيات متميز، يعتبر أنّ اسماك حوض البداوي هي من نوع Capoeta Tractercula أو السمك النهري كما يسميه الطرابلسيون. ويضيف أن من عادات السوريين إعتبار هذا النوع من الاسماك مقدساً، ولذلك يمنع صيده أو أكله، ويعتقد لورته ان هذه القناعة لدى المواطنين تعود إلى التاريخ القديم حيث تميّز الآشوريون بمثل هذا المعتقد.
وجاء في دليل سياحي فرنسي نشر سنة 1860 أن منتزه البداوي يحتوي العديد من الاشجار الباسقة وآلاف الاسماك.
ويذكر بروس كوندي في كتابه " شاهد لبنان " أنه احصى سنة 1960 ما يقارب الألفي سمكة في حوض البداوي، وأن المتنزهين كانوا يقومون على تغذية الاسماك ولا يأكلونها احتراماً للتقاليد القديمة. ويضيف كوندي انه في الفترة المملوكية أقيم مبنى الدراويش بالقرب من حوض المياه، على نمط معماري صليبي شبيه بكنيسة القديس أنطونيوس البادواني ( St. Anthony of Padua ). ويعتقد المؤلف بأن التسمية جاءت من هنا. وقد أقيم حديثاً مسجد بالقرب من ذلك الموقع.
ومن منتزهات طرابلس القديمة ايضاً البحصاص، وهي المنطقة الواقعة جنوبي المدينة حيث كانت تتواجد عيون المياه التي كان يستقي منها الاهلون.
*
الكتاب مجلد من 270 صفحة من الحجم الكبير، ويحتوي على مئات الصور لمدينة طرابلس في اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين.
الخميس، 30 سبتمبر 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق