الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

حفيد النسور الرواية التاريخية الخالدة للأمين نواف حردان

حـفـيـد الـنـســـور

الرواية التاريخية الخالدة للأمين نواف حردان


عندما قال وزير المغتربين الدكتور علي الخليل في 19 آب 1995 " أعاد نواف حردان للرواية التاريخية وجهها وتألقها وبلغ فيها قمة الإبداع " فهو كان يتكلم بجدارة عن الروايات التاريخية التي اصدرها الأمين نواف ، فاستحق ان يطلق عليه " امير الرواية " وتقام له الكثير من حفلات التوقيع لكتبه التي اغنت المكتبة العربية ، ادباً ورواية وتاريخاً .
ومن قرأ حفيد النسور التي ترجمت لاحقاً الى البرتغالية وصدرت عن " دار اديكون " المشهورة في سان باولو ، باسم O cartagines ، ثم الروايات التاريخـيـة الاخرى ، وقـف ، كما المـؤرخ د . يوسـف حـوراني يقـول في 27/06/2002 : من يقرأ نواف حردان في رواياته التاريخية لا يتمالك عن التساؤل متى كان لهذا الكاتب المفكر كل هذا الوقت ليقرأ كل هذه التواريخ ما دام يكتب كل هذه الكتابة ؟ انه عمل لا يقوم به الا راهب متنسك يتعبد لقيمة نبيلة .
*
صدرت رواية " حفيد النسور " في طبعتها الاولى ، في سان باولو عام 1970 في جزءين ، وطبعت ثانية في بيروت عام 1993 ، اما الطبعة المترجمة الى البورتغالية فصدرت عام 1985 .
مقدمة الطبعة الاولى ، للأمين البرتو شكور ، تحكي عن رواية خالدة صيغت باسلوب ممتع يأسرك منذ اللحظة الاولى فتبقى مقيداً الى ان تنهي آخر كلمة وانت مشدوه بالمعلومات الشيقة ، وبالاسلوب الروائي الممتع .

كتب الامين البرتو شكور
سـير الأحداث
تبدأ حوادث الرواية في قرطاجة ، المدينة – الدولة الفينيقية السورية ، على شواطيء افريقية الشمالية ، عام 186 ق . م
مع بطل الرواية حفيد هاني بعل ، القائد القرطاجي العظيم ، اكبر نابغة حربي في كل العصور وكل الأمم ، فتشهد الصراع العنيف القائم بين الحزب القومي ( الهانبعلي ) والحزب الارستقراطي الموالي لرومة للاستيلاء على الحكم في قرطاجة ، وسعي رومة الحثيث الدائم ، لإضعاف غريمتها قرطاجة وانهاكها ، باطلاق يد حليفها ماسينيسا ، الملك النوميدي البربري ، في التحرش بها والاستيلاء على املاكها . . ثم تسير الرواية بالقارئ ، الى الاسكندرية عاصمة البطالسة ، في عهد كليوباطرة الاولى ملكة مصر ، وابنة انطيوخس الثالث الكبير ملك سورية 181 – 174 ق . م فتصف مكتبة الاسكندرية الشهيرة ، ومنارتها العظيمة التي كانت من عجائب الدنيا السبع ، وسعي حفيد النسور البرقيين ، لإنقاذ كليوباطرة من المؤامرات الرومانية عليها ، وتثبيت دعائم عرشها وكسب مصر الى صف اعداء رومة التي كانت تحلم وتسعى للسيطرة على بلاد حوض البحر المتوسط كلها ، واذلال الشعوب والأمم ، ثم تنتقل الرواية الى فلسطين ، فتصف حرب السوريين واليهود 168 – 164 ق . م ( حرب المكابيين ) وانتصار ملك سورية انطيوخس الرابع عليهم . ثم تعرج على مدينة صور الفينيقية ، وتشهد الاحتفال الرائع بعيد الاله ملكارت في اول الربيع ، ثم تقصد انطاكية عاصمة سورية ، لتلم بتاريخ انطاكية من قبل سلوقس الاول، مؤسس العهد السلوقي السوري، وتصف ازدهار انطاكية وسطوعها ، والاعياد الادونيسية القومية فيها ، 166 ق . م وغابة دفنه الجميلة المقدسة التي كانت تجاورها ، والبلاط الانطاكي ، والنزاع الذي يدور في انطاكية حول العرش ، وعداء رومة ( اميركانية ذلك العصر ) لسورية وتآمرها عليها ، وانتصارها لليهود ، اضعافاً للسوريين وتمهيداً لإحتلال بلادهم . . الى استيلاء ديمتريوس الأول على العرش السوري بعد فراره من رومة حيث كان اسيراً ، بمساعدة قرطاجة وحفيد هاني بعل ، والصراع الطويل العنيف الذي قام به ، لإستئناف الحرب مع رومة وانقاذ قرطاجة .

ثم نعود الى قرطاجة ، لنرافق حرب الرومانيين الاخيرة لها 149 ق . م وعزمهم على تدميرها ، ودفاع قرطاجة عن نفسها طيلة ثلاث سنوات ونيف ، بقيادة البرقي الاخير حفيد هاني بعل ، وخطيبته السابقة زوجة ازرو بعل الخائن ، التي احرقت نفسها مع طفليها على سطح هيكل اشمون ، مفضلة الموت احتراقاً على الاستسلام للرومانيين .
وسـقوط قرطاجة ، لم يكن في التاريخ القديم بالشيء القليل او الحدث البسـيط بل كان حدثاً خطيراً هزّ العالم القديم هزاً عنيفاً ، وتغيّر من بعده مجرى التاريخ ، وعلى ذلك يعلّق المؤرخ الفرنسي جيرار والتر : " لقد بعث الحادث في العالم دهشة وذهولاً ، وأثار في الرأي العام ردود فعل قوية " .
ويقول كبير المؤرخين اليونان بوليبيو ، الذي عاصر تلك الكارثة العالمية ، مشيراً الى الرومان الذين احرقوا قرطاجة بعد احتلالها وتدميرها : " لقد غدروا غدراً شائناً وارتكبوا خيانة كبرى ، وخرقوا مقدسات حضارية وانتهكوها " .
هذا الى جانب ما قاله مؤرخون معاصرون وقدماء كثيرون ، وهم يجمعون ان رومة ، بغدرها بقرطاجة وتدميـرها وحرقها ، ارتكبت جريمة تاريخية بربرية لا مثيل لها . لقد دافع القرطاجيون عن مدينتهم دفاعاً كبيراً ، سجل في تاريخ الحروب والبطولات سطوراً لا تمحى ولا تزول .

بطلـة الروايـة : اليسـار
توقف التاريخ طويلاً ، امام الاميرة القرطاجية زوجة ازروبعل القائد القرطاجي الذي اسـتسـلم للرومانيين ، واسـتفاض بالحديث عن شـجاعة تلك الاميرة وصدق وطنيتها وبطولتها ، ونظم الشعراء حولها القصائد ونسجوا الاساطير التي تدور حول وقفتها الاخيرة ، وصيحتها بزوجها الجبان المستسلم امام القائد الروماني المنتصر وتوبيخها وتعييرها اياه ، بكلمات قاسية جارحة كالخنـاجر ، لأنه تخلى عن المقـاومة والدفاع ، ثم طَعْنها طفليها بالسـكين ، وارتمائها فوقهما في النار المشـتـعلة .
على هذه الأميرة الباسلة ، انصب اهتمام المؤلف ، فقرر ان يجعلها بطلة روايته .
سكت التاريخ سكوتاً تاماً ، عن اسم تلك الاميرة فلم يعرف اسمها . . فراح المؤلف يفكر ليجد مخرجاً ، اذا كان عليه ان يسميها . وأخيراً قال في نفسه :
" لماذا لا اسميها اليسار ؟ وهي لا شك تقمصت روح الاميرة اليسار الاولى التي بنت قرطاجة ، قبل ذلك بسبع مئة سنة تقريباً ، وانهت حياتها بنفس الطريقة اذ احرقت نفسها بالنار ، مفضلة الموت على الزواج بالملك النوميدي البربري ، الذي كان قد حاصر مدينتها الناشئة ، مشترطاً عليها القبول به زوجاً ، كي يفك الحصار .
واليسار اسم فينيقي صرف . . واذا سميت المدافعة الاخيرة عن قرطاجة اليسار . . هل هناك من يقدر على انكار ذلك ؟ وليس بين المؤرخين القدماء ، من يذكر لها اسماً آخر ؟ من يقدر أن يثبت ، بأن اسمها لم يكن اليسار ؟ "

حفيـد النسـور
يقول المؤرخ جيرار والتر ، كما يقول غيره كثيرون ، ان روحاً جديدة انتشرت بين المدافعين القرطاجيين ، عندما تأكدوا بأن الرومان يريدون تدمير ميدنتهم فهبوا الى الدفاع عنها وكأن هاني بعل جديداً كان بينهم يقودهم ويوجههم.
كان هاني بعل قد مات منذ خمسة وثلاثين عاماً ، فمن هو ذلك الشخص الذي قاد الدفاع عن قرطاجة ، طيلة ثلاث سنوات ونيف ، ونفخ روح البطولة في شعبها ؟
لا بد ان يكون هناك رجل آخر ، غير آزروبعل زوج اليسـار ، القائد الجبان الذي فضل الاسـتسـلام على الاسـتمرار في الدفاع . رجل يحبه الشـعب ويثق به ويسـير معه الى الموت ، رجل قائد جدير وزعيم بطل ، لا يبدو منه ما بدا من آزروبعل الذي كان قد انهزم امام ماسـينيسا ، قبل ذلك بثلاث سـنوات ، واظهر خوفه وضعفه وجبنه اثناء الدفاع ، فأسرع للاسـتسـلام ، مفضلاً ذل السـلامة على شـرف الدفاع ووقوف العز . فهـل كان قائد الدفاع الاخير عن قرطاجة ابن هاني بعل ؟

يقول المؤلف : بانه لم يكن يعرف شيئاً كثيراً عن ابن هاني بعل ، اكثر من انه ولد في اسبانية عام 219 ق . م اثناء حصار ابيه لمدينة ساغونت ، من امه الاميرة الاسبانية اميلكا . فراح يبحث وينقب في كتب التاريخ الكثيرة عنه . ماذا حدث له ؟ هل نما وترعرع وصار رجلاً ؟ هل تزوج ورزق بنون ؟ اسئلة كان من الصعب الجواب عليها ، وبقي الأمر يحير المؤلف وقتاً طويلاً ويشـغله ، الى ان عثر صدفة على كتاب بالاسبانية ، مترجم عن الانكليزية ، لمؤلفته ماري دولان ، وضعته بلسان المؤرخ سـوزيلو ناموس هاني بعل . فوجد في هذا الكتاب ضالته ، وعرف منه بان ابن هاني بعل الوحيد كان اسمه هيملقار ، وانه ترعرع وصار رجلاً ، ولقي اباه قبل معركة زاما واشترك فيها ، وكان قد تزوج ورزق بنون ، ثم رافق ابيه الى سورية عندما غادر قرطاجة عام 195 ق . م وظل يرافقه الى ان فرَّ من سورية الى جزيرة كريت .

وانحلت العقدة . . بعد ان علم المؤلف بأن هاني بعل كان له احفاد . وقرر ان يجعل احدهم بطل روايته ، بدلاً من ابيه الذي كان عمره عند سقوط قرطاجة 73 سنة . وبطل الرواية يجب أن يكون شاباً كامل القوة ، وافر الحيوية والعزم والنشاط .

وهكذا . . جعل بطل الرواية حفيد هاني بعل . . حفيد النسور البرقيين ، واطلق عليه اسم برقة . . برقة الاخير . . الذي قاد الدفاع الاخير عن قرطاجة .
لماذا غفل المؤرخون عن اسم قائد الدفاع الاخير الحقيقي في قرطاجة ؟ ! هناك غموض وابهام ، وتساؤلات كثيرة حول هذا الامر . ولقد ابرز المؤرخون اسم ازروبعل على انه كان قائد قرطاجة في ايامها الاخيرة ، بصورة غامضة تبعث على التساؤل والشك والاستنتاج ولعل بوليبيو اليوناني الذي كتب عن سقوط قرطاجة ذكر فقط اسم القائد القرطاجي المستسلم ، تشيعاً وانتصاراً لصديقه القائد الروماني سيبيون ، الذي سقطت قرطاجة بيده ، واستسلم امامه ازروبعل .
لم يكن بوليبيو ، الذي شهد المعركة وكتب عنها ، يعرف تمام المعرفة ما يجري وراء الاسوار داخل قرطاجة ، حتى سيبيون نفسه القائد الروماني لم يكن يعلم ، بشهادة بوليبيو نفسه . ولو كان ازروبعل القائد الاعلى للقوات القرطاجية وحده ، كان من المتوقع ان تنهار المقاومة القرطاجية ، ونسقط دفعة واحدة بعد استسلامه . ولكن ذلك لم يحدث ، بل استمر القتال والدفاع بضراوة وشدة طيلة ستة ايام كاملة ، دلالة واضحة على ان قائد الدفاع الاخير ، الذي ظل يدافع حتى الموت ، كان رجلاً آخر غير أزرو بعل .
ومن المعقول جداً والمنطقي ، بأن بوليبيو وتيت ليف وغيرهما من المؤرخين القدماء ، لم يذكروا اسم قائد الدفاع القرطاجي الاخير ، لأنه كان متغيباً عن قرطاجة قبل بدء الحرب القرطاجية الاخيرة ، كما سيتبين من قراءة هذه الرواية .

اهـداف الـروايـة
- تربط الرواية بين سورية وقرطاجة ، وتبرز العلاقات الكثيرة المتينة المستمرة التي كانت قائمة بينهما ، واهتمامهما بمجابهة رومة ، العدو الواحد المشترك .
- تنبـش من زوايا التاريخ ، حرب السـوريين واليهود 168 – 162 ق . م وتبرز بصورة واضحة ، تحيّز رومة ( اميركانية ، ذلك العصر ) لليهود ، وتقديمها العون والمساعدات لهم ، وتحريضهم على الثورات والمطالبة بالاستقلال الذاتي ، اضعافاً لسورية وانهاكاً لها ، ثم انتصار السوريين الساحق على اليهود .
- تبرز الملك السوري انطيوخس الرابع ( النبيل ) 175 – 164 ق . م وتدافع عنه من حملات المؤرخين الرومان و ( الانبياء ) اليهود المغرضة . وتظهره من جديد ملكاً سورياً شجاعاً ، محباً لشعبه وبلاده وبطلاً قومياً خاض الحروب الكثيرة " ونكّل " باليهود واذلهم ، دفاعاً عن ارضه وحدود بلاده ، وبنّاء ومنشئاً كبيراً محباً للعلوم والفنون ومشجعاً لها .
- ترد الرواية ردوداً مفحمة ، على القائلين بأن السلوقيين لم يكونوا سوريين وتقدم البراهين الكثيرة والحجج الدامغة ، على سوريتهم الصحيحة الاصيلة .
- تظهر الرواية بما لا يقبل الشك ، اجماع السوريين في تلك الحقبة ، من فينيقيين وآراميين وبابليين وغيرهم ، على عدائهم لليهود ، وتقديمهم المعونات التلقائية الكثيرة للملك انطيوخس في حربه لهم .
- تبرز بصورة واضحة مع براهين تاريخية ، مستقاة من اصدق المصادر ، علاقة قرطاجة بسورية والعرش السوري ، وسعيها لأن يستولي على ذلك العرش ، ملك يوطد علاقته بها ، ويجاهر رومة ، العدوة المشتركة ، بالعداء الصريح .
( ديمترس الاول ) .
- تشدد الرواية على ابراز مزايا هاني بعل الكبيرة ، ورسالته الحضارية ، وحربه لرومة الطامعة بالسيطرة على حوض البحر المتوسط والعالم ، وحمله علم الحرية والصراع والثورة على الظلم والعبودية ، وتلقي اضواء كثيرة على شخصية هاني بعل الفذة وعبقريته ونبوغه .
- تعنى الرواية اخيراً ، بابراز مزية البطولة واعلائها ، وتحث على الصراع المسـتمر المثابر الدائم ، من اجل قضية الامة ، و تمجد الاخلاق العالية والمناقب .

ادب وتـاريـخ . . وفـن يـخـدم غـايـة سـامـيـة
وهكذا . . يجمع المؤلف في كتابه القيِّم هذا ، بين التاريخ والأدب والفن . فالرواية فن من الفنون الادبية الرفيعة ، وهو اجمل أنواع الأدب على الاطلاق ، اذ يسـتطيع معه الاديب الموهوب ، ان ينفذ الى اعماق النفس البشـرية ، وينتزع منها اسـرارها ، ثم يصورها على الورق ، رسوماً رائعة ، فيها العمق والشمول والجمال والدرس المفيد والعبرة البليغة .
ونحن الذين نرى بأن الادب ، مع الفنون الاخرى ، يجب ان لا يخون الغاية التي اوجدت من اجله ، وهي ترقية الانسان وخدمة المجتمع ، ندعو الفنانين والادباء من ابناء امتنا ، الى مشاركتنا في نظرتنا واعتقادنا . . والى محاربة الفكرة القائلة " بأن الفن وجد لمجرد الادب، والفن من اجل الفن " . الفن وجد للانسان وليس الانسان للفن . والانسان كائن إجتماعي ، والعالم واقع مجتمعات .
" كل حق وكل خير وكل جمال وكل فن ، لكي يصح ان تكون قيماً عليا حقيقية مطلقة عندنا ( كمجتمع ) ، يجب ان تخضع لشرط رؤيتنا اياها كذلك او لإشتراكنا في رؤيتها كذلك " . الحق ان نراه نحن حقاً ليكون حقاً والخير والجمال كذلك . والفن يجب ان يكون توجيهاً وارشاداً . . وايقاظاً للهمم واستنفاراً للعزائم ، وتنبيهاً الى مكامن الزلل فنجتنبها ، ومطارح الخير فنذهب اليها . . اما صناعة الكلام لمجرد الكلام المنمق المقعر ، فهي صناعة كلام فقط ولا يصح ان تكون ادباً او فناً مطلقاً .
لذلك . . واقتناعاً بما تقدم ، ومساهمة في تغذية ادبنا الجديد وتنميته ، كانت هذه الرواية . . التي آمل ايها القارئ العزيز ، ان تجد فيها فائدة كبرى ، تعادل الجهد الكبير الذي بذله المؤلف في كتابتها ، واخراجها للنور .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق