المـعلـم رزق اللَّـه الحلـبـي
ومجلـة " قب اليـاس "
في اكثر من مكان تحدثنا عن مجلة " قب الياس "، المسـتمرة بالصدور بفضل السـيدة سامية قرداحي، وعدد جيد من الغيارى الذين يريدون للمجلة ان تستمر، وهي باتت تشكل مرجعاً جيداً لتاريخ بلدة قب الياس، في الوطن والمهجر، و" شيخة المجلات المناطقية " كما حكى عنها الرفيق جان داية في كتابه: " المعلم والصحافي والاديب رزق الله حلبي "، الصادر عن منشورات قب الياس، بتاريخ 1996.
في مقدمتـه يضيء الرفيق جـان دايـة عن المعلـم رزق الهر حلبي فيقول:
هل اقصد تشـبيه رزق حلبي بالمعلّم بطرس البسـتاني؟ نعم ولا ! نعم، فبطرس قد لقّب بالمعلّم، لأنه أسّـس
" المدرسـة الوطنية " في زقاق البلاط – بيروت عام 1863، وكان المعلم الاول فيها، اضافة الى ادارته لها. وهو ظل كذلك طيلة عشرين عاماً. وكان أولاده في عداد طلابها- باسـتثناء سليم الذي درّس فيها – وقد سـاواهم بسـائر الطلاب.
وبالمقابل انتمى رزق الله حلبي الى المدرسة الاميركية في قب الياس ( البقاع ) عام 1925 بصفة مدرّس اللغة الفرنسية، وسرعان ما اصبح مديراً لها طيلة ثلاثين عاماً. ولكنه ايضاً بقي معلمها الاول. وتلقت بناته العلوم الابتدائية والتكميلية فيها، فضلاً عن التربية، من غير اي تمييز او امتياز، على حد تأكيد بعض طلابها القدامى.
واسس المعلم البستاني مجلة " الجنان " وجريدتي " الجنة " و" الجنينة " خلال ادارته لمدرسته وتعليمه فيها وهو استوحى اسماءها من اسم عائلته. صحيح ان ابنه البكر سليم كان يساعده في ادارة وتحرير الدوريات وبخاصة " الجنان " . . ولكن بصماته واضحة في جريدته الرئيسيّة " الجنّة " خصوصاً في افتتاحياتها .
أما المعلم حلبي، فقد اسس ايضاً مجلّة " قب الياس " مستعيراً اسمها من اسم البلدة التي كان يدرّس فيها، وقد استوطنها بديلاً عن زحلة التي " هاجر " منها حين قرر احتراف مهنة او ابالاحرى رسالة التدريس. ومن يعرض اعداد المجلة منذ عامها الاول ( 1936 ) حتى لحظة رحيل مؤسسها في العام 1989، يتبين له أن هيئة تحريرها كانت مؤلفة من رجل واحد هو الصحافي رزق الله حلبي.
وبالمناسبة، فإن الرجلين بدآ الصحافة هواية. ولم يحترفاها تماماً كما كانت حال احمد فارس الشدياق ويعقوب صروف وجرجي زيدان. كان البستاني يكتب في جريدته، في الوقت الذي كان التدريس عنده احترافاً. وحلبي احترف التدريس، في الوقت الذي كان يحرر مجلته من الغلاف الى الغلاف، ويساهم في تحرير بعض الدوريات الأخرى.
وكان المعلم بطرس مارونياً. ولكنه اعتنق البروتستانتية اثر احتكاكه ببعض اركانها مثال القس ايلاي سميث الذي صار يعرف باسم عالي سميث.
ولم يكن ايمانه الجديد لمصلحة شـخصية، حتى اذا انتفت المصلحة، انتهى الايمان، كما كان حال الانجيليين في بلادنا. لقد اسـتمر اعتنـاقه المذهب الانجيلي حتى توقف خفقـان قلبه. وخلال ذلك، اشـترك في تأسـيـس جمعية دينية في بيروت وكان المسـؤول الاول فيهـا، اضافة الى نيله رتبة دينية وإلقـائه الاحاديث والعظات الدينية خلال الصلوات.
وبدوره كان رزق الله حلبي روم كاثوليك. ونتيجة لقائه بالقس موسى قرداحي في الدرجة الاولى، اعتنق المذهب الانجيلي، وصار احد اركانه في لبنان. نال لقب شيخ. وألقى أحاديث كثيرة في عدة اذاعات وفي اماكن الصلاة. وهو حررّ في مجلّة الانجيليين " النشرة " تماماً كما فعل من قبله المعلم بطرس. وبالطبع، بقي انجيلياً حتى لامس الله قلبه، على حد تعبير القس سليم صهيوني اثر وفاته.
ومن النقاط المشتركة بين المعلّمَين، المثالية اللامحدودة، والمترافقة مع مجموعة فضائل كالمحبّة والتضحية والتسامح. واذا تجلّت هذه الفضائل نظرياً في العديد من كتاباتهما . . فإنها تجسّدت تماماً في سلوكهما اليومي وخصوصاً مع طلابهما في المدرسة. وهي حقيقة يجدها دارسو البستاني وعارفو حلبي، بسهولة.
وبتأثير من المذهب الانجيلي، تجنّب الصحافيان الهاويان اي حوار تصادمي خلال كتاباتهما ما استطاعا اليه سبيلا. والظاهر ان الانجيليين يؤثرون عدم كتابة اية كلمة تندرج في قاموس العنف الفكري. صحيح ان المعلم بطرس قد استدرج الى بعض الحوارات التصادمية، خصوصاً مع احمد فارس الشدياق والقس لويس صابونجي. ولكنه سرعان ما طوى صفحة السجال، منصرفاً الى ابداء آرائه بلغة هادئة وبمضمون مبدئي موضوعي غير مرتبط بالاشخاص. اما المعلم رزق الله، الذي تلقى سـلسـلة من الاستفزازات وحتى التعديات خلال اصداره مجلته، فقد تجنب قدر المسـتطاع الاجـابة عليها. ولكنه، كالمعلـم بطرس، ردّ على القليل منها، ومن غير التوقّف الطويل عندها.
واذا قرأنا ما كتبه رزق الله حلبي في مجلته رداً على الحرب الاهلية التي اشتعلت نيرانها في عموم لبنان عام 1975 ، نتذكّر ما كان المعلّم بطرس قد كتبه في نشرته ذات الصفحة الواحدة والمعنونة " نفير سورية " رداً على حرب 1960 الاهلية التي بدأت في جبل لبنان وامتدت نيرانها الى دمشق. اتسمت الحربان الاهليتان باللون الطائفي. ونتج عنهما خسائر فادحة في الارواح والممتلكات. أما ردّ البستاني وحلبي فكان واحداً لجهة رذله الطائفية وتأكيده على احلال الوحدة الوطنية الحقيقية مكان الاقتتال المذهبي. ويستحيل سبر غور الالم الذي سببّته الحرب الداخلية لديهما بسبب عمقه اللامتناهي. لعل الفرق الوحيد هنا بين البستاني وحلبي، ان الاول تسنى له التمتع بنعمة السلم الاهلي، ربما لأن فتنة الستين لم تعمّر كثيراً، ولأنه كان في مطلع شبابه. في حين رحل الثاني قبل اتفاق الطائف، فيما كان على مشارف الثمانين، في الوقت الذي كان قد مضى على الحرب ثلاث عشرة سنة.
ثمة نقاط مشتركة أخرى كثيرة ليس مجال عرضها في هذه المقدّمة الخاصّة بكتاب متمحور على رزق الله حلبي فقط. لذلك أكتفي بما ورد، لأنتقل الى بعض الفوارق أو أهمّها، قبل أن يتهمني بعض النقّاد بالمبالغة، مع ان بعض ذلك البعض سوف يطلق عليّ مدفعية اتهاماته، كما فعل يوم صدر لي " جبران تويني وعصر النهضة".
لو شئت تلخيص الفوارق او معظمها وأهمها، وجمعها في حيّز مشترك، لقلت انها تتمثل في المرتبة او الرتبة. فالمعلم بطرس كان رائداً نهضوياً، بل رائد الرواد. والمعلّم رزق الله كان من رعيل الاحفاد في الحقل النهضوي. الاول حقق انجازات اضخم بكثير من التي حققها حلبي، من مثل دائرة المعارف، التي هي اول انسيكلوبيديا باللغة العربية. وانجازات حلبي، على كثرتها وأهميتها، جاءت متواضعة بالمقارنة مع الانجازات البستانية. ولكن ذلك لا يعني ان بعض انجازاته لم تكن موازية لما انجزه البستاني، وتحديداً في حقلي التعليم والدين. بل يمكنني القول، انطلاقاً من معرفتي بالمعلّمين، ان حلبي قد حقق في المجالين الروحي والتعليمي والتربوي اكثر مما حققه البستاني.
بعبارة أخرى، فإن قامة المعلم البستاني النهضوية اكبر بكثير من القامة التي عرف بها المعلم رزق الله. ولكن القامتين نهضويتان. كلاهما من مدرسة واحدة.
لذلك، اطلقت على رزق الله حلبي لقب المعلّم، وقارنته بالمعلّم بطرس، ولم احصر اللقب في النطاق التعليمي- التربوي كما بات محصوراً عندنا في القرن العشرين، بل اطلقته وعمّمته على اكثر من ورشة نهضوية، وفق ما كان يعنيه في القرن التاسع عشر.
***
ان تعدّد الحقول التي نشط فيها رزق الله حلبي وكتب عنها، تجعل من المستحيل حصره في قمقم كتاب واحد. وبالمقابل يمكن ان يتمحور الكتاب الواحد حول ابرز محاور كتاباته وأعماله، وباختصار شديد. وباعتبار ان هذا الكتاب هو الباكورة، فهو يعتبر الحلقة الاولى، بحيث ان السلسلة يمكن ان تتألف من ثلاثة كتب أخرى يتناول كل واحد منها محوراً أساسياً من أعمال حلبي ونتاجه. فالكتاب الذي نحن بصدده يلخص الكتب العتيدة الثلاثة، ويتناول الصحافة والتعليم والدين لدى حلبي.
أما الصحافة، فإن المرجع الرئيسي عنها مجلة " قب الياس " التي اصدرها منذ الثلاثينات ولم بوقفها خلال الحرب رغم انها " مناطقية "، وان العديد من الدوريات البيروتيـة قد توقّف عن الصدور والبعض بصورة نهائية. ولكن حلبي لم يبدأ الكتابة الصحفية منذ العام 1936، بل انه بدأ كتابة المقـالات والتحقيقـات قبل ولادة مجلته بحوالي عشـر سـنوات. لذلك، كانت كتاباته الصحفيّة في " قب اليـاس " وغيرها من الدوريات المرجع الرئيسـي الذي ارتكزت عليه فصول هذا الكتاب. وبالطبع فإن عارفيه وأهله، فضلاً عن الوثائق غير المنشورة من رسائل ومذكرات، شـكّلت المرجع الاسـاسي الآخر، واذا كانت " قب الياس " مصدر المعلومات الاول للكتابة عن قب الياسيّة حلبي وبقاعيته، فإنها أيضاً كانت المرجع الرئيسي للكلام على رزق الله حلبي الصحافي، ناهيك بدراسة المجلّة والاضاءة على ابرز ما تميّزت به وما حققته من سبق صحفي رغم تواضعها كمؤسـسة صحفية. من هنا كانت المقالات المعنونة: " شيخة المجلات المناطقية " و" قب الياس للقب الباسيين " و" قب الياس للبقاعيين ولسائر اللبنانيين " و" جبران خليل جبران " و" كتّاب المجلة المتبرعون ".
أما رزق الله الحلبي المدرّس والمربّي، فقد خصّصت له مقالاً مستفيضاً، وهو الذي يستأهل كتاباً باعتبار ان التدريس والتربية كانا الكفة الراجحة في ميزان أعماله وكتاباته.
وهنا، غدت مجلة قب الياس مرجعاً ثانوياً قياساً لمجلة " النشرة " التي كتب فيها سلسلة مقالات تربوية – تعليمية، ناهيك بالمرجع البشري الذي تمثّل في بعض طلابه وعلى رأسهم الشاعر جورج واصاف والسيد منيف المعلّم.
ولما كان الدين محوراً رئيسياً آخر في حياة حلبي ونتاجه، فقد خصصّت له مقالاً مستقلاً. واذا كانت بعض كتابات حلبي المحفوظة أو المنشورة مصدراً للمعلومات في هذا المجال، فإن القس سليم صهيوني والشيخ يعقوب حوراني شكّلا مصدر المعلومات الآخر. وهنا لا بدّ من التنويه بالمعلومات الغنية التي تلقيتها من بنات رزق الله حلبي اللواتي تسنى لي الاجتماع بهنّ:
سامية، وكوزيت، وآمال. ومعلوماتهن لم تقتصر على الشأن الديني، بل تخطته الى الشؤون الأخرى، من صحافية وحياتية وتربوية – تعليمية.
وعلى ذكر افراد عائلـة رزق الله حلبي، فإن العلاقة المميـزة بين اعضائها، وبخـاصة بين عميدها من جهـة، والزوجة والبنات والاصهرة والاحفاد، دفعني الى تخصيص فصل كامل عنها.
وتبقى بدايات حلبي الصحافية، التي خصصت لها مقالين، نظراً لأهميّتها. وباعتبار أن ارشيفه لا يحتوي على اي شيء منها، فقد تمكّنت من نبش نماذج عنها من بعض الدوريات اللّبنانية المحفوظة في المكتبة الشرقية التابعة للجامعة اليسوعيّة.
ومن عناصر النهج الذي اتبعه في الدراسة، الارتكاز على المعلومات الدقيقة والثابتة قبل اصدار أي حكم، وتجنّب المبالغة والمديح، رغم انهما سمة معظم الدراسات التي تتناول سير الرواد.
ولما كان أرشيف حلبي يعج بالمخطوطات وبخاصة الرسائل التي خطّ بعضها عدد من المشاهير، فقد رأيت نشر نماذج منها في الصفحات الأخيرة من الكتاب، إلى جانب بعض الصور.
وأخيراً، لو جئت أختصر رزق الله حلبي في خمس كلمات، لما وجدت أفضل من " رفة جناح " سعيد تقي الدين حيث يؤكد فيها بأن " الرجل الكبير لا ينتهي بمأتم ".
الكتاب من الحجم الوسط، 231 صفحة، ومحتوياته:
• الفصل الاول
- المقال الأول: البدايات
- المقال الثاني: البدايات
• الفصل الثاني
- المربي
• الفصل الثالث
- المقال الاول: شيخة المجلات المناطقية
- المقال الثاني: قب الياس للقب الياسيين
- المقال الثالث: قب الياس للبقاعيين وسائر اللبنانيين
- المقال الرابع: كتّاب المجلة المتبرعون
- المقال الخامس: جبران خليل جبران
• الفصل الرابع
- الشيخ رزق الله حلبي
• الفصل الخامس
- نفير لبنان
• الفصل السادس
- الزوج والاب والجد
الخميس، 30 سبتمبر 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق