الـمـربـي الـشـاعـر فـؤاد ابـو غـانـم
لم يكـن رفيقـاً ، انمـا اباً لرفقاء أحدهم مُنح رتبـة الامانة (1) . نحن لا نكتب عنه لأنه كذلك ، انما لأنه كان مربياً مثـالياً ، وشـاعراً مميزاً بالفصحى والعامية ، وانسـاناً قدوة في الاسـتقامة والمناقب.
في التعريف الوارد في مقددمة ديوانه ، قال صهره الشـاعر الاسـتاذ فوزي ابو شـقرا :
" يأتي هذا الكتاب ليكشِـف عن ابداعات وعطاءات احد شـعراء عصر النهضة الثقافية والادبية التي كان للبنان حظ وافر فيها ، وفي فترة شـهدت انتاجاً وافراً من الشـعر المشـكّل الفصيح والعامي والزجل للعديد من الادباء والمثقفين، وشـاعرنا الذي سـنعرض لأهم نتاجاته المرحوم فؤاد أبو غانم أشـهر من أن يعرّف وأكبر من أن تسـتطيع الكلمات إيفاءه حقه .
إنها دون شـك سـيرة انسـان مبدع ومكافح بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حيث اسـتطاع الشـاعر فؤاد ابو غانم ان يمزج بكل إتقان وتأنٍ بين الموهبة والوفاء والتسـامح والسـخاء، ليحتل ذلك المكان المرموق في افئدة ونفوس جميع من عرفوه وعايشـوه، ولتكون عطاءاته الادبية المعروضة في هذا الكتاب شـاهداً صادقاً وواضحاً على نقاء التجربة وتفردها. فبعد هجرة والده الشـاعر سليمان ابو غانم الى الارجنتين في العام 1898 حين كان لفؤاد سـت سـنوات، اسـتطاع وهو في الخامسـة عشرة من عمره أن يتحمل مسؤولية العائلة رغم ضخامتها، ولم يكن عمله الشاق وكده لإحياء أرضه واستثمارها ليشغله أو يعيقه عن مواصلة صقل موهبته الادبية ونظم أروع القصائد الشعرية وكتابة القصص الروائية، ثم لينشيء عقب زواجه بيوتات كخلايا النحل تعج بالشعراء والادباء والمثقفين من أولاده وزوجاتهم وبناته وأصهاره وظل منزله مشرع الابواب أمام زواره من رواد العلم والثقافة والادب، ومحط أنظار الفقراء والمحتاجين الذين أمدهم بالعون والمسـاعدة عن غير قدرة مادية ؟ ودفع عنهم أقساط المدارس لتشجيع أبنائهم على مواصلة التعليم .
أما شـعره فقد تميّز بنكهة خاصة، وكانت له قصائد يعز حصرها في الفصحى والعامية، وهيأ له الابداع فيها ما أخذه من أصول اللغة العربية وقواعدها عن معلمه الشـاعر أمين بك ناصر الدين وما أدخره من كنوزها في حافظته النادرة المثال .
وفي شـعره القصصي الذي حملته الينا رواياته : ( جورج وأرنستين ) و( الغريب العاشق ) و ( شمائل الحسـين ) شـهادة صادقة بأنه روائي أصيل . وكما أثبت قدرة فائقة في نظم مئات القصائد وآلاف الابيات الشعرية التي غطت مختلف المناسـبات، كان له باع طويل في ارتجال العديد من القصائد معززة بموهبة الإلقاء التي اعطيت له بسـخاء فياض .
ولا غرو فيمن كانت هذه صفاته ومواهبه وإبداعاته، أن يكون نموذجاً ومثالاً للإنسـان الذي عايـش بصدق وتجرد هموم وطنه ومواطنيه فكان سـباقاً ومبادراً للتعبير عن آمالهم وآلامهم، وظل يقطف من كل روضة زهرة متنقلاً في قصائده من مسقط راسه كفر نبرج الشوفية إلى أرجاء لبنان مواصلاً مسيرته الى مساحات واسعة من أرض العالم العربي، وبمئات القصائد التي غطت مختلف انواع المناسبات، وفي طليعتها إعتزازه وإفتخاره بوطنه لبنان الشامخ كشموخ أرزه " .
*
ارتبط الرفيق أنيس ابو رافع بصداقة وطيدة، الى العلاقة القومية الاجتماعية، مع بكر ابناء الشاعر فؤاد، الأمين كمال ابو غانم، مقيماً في منزل العائلة في الشويفات كواحد من أفرادها .
في مقدمته للديوان يكشف الرفيق ابو رافع عن علاقته بالعائلة، ويضيء على ما تميز به الشاعر فؤاد ابو غانم شاعرية وثقافة وأخلاقاً . يقول :
" أواخر عام 1955، التقيت، صدفة، كمال ابو غانم، وكنا قد افترقنا منذ ثلاث سنوات بعد أن ترافقنا مدرّسين في ثانوية الحرية بصافيتا (2) .
سلّمنا وتذاكرنا تلك السنة الممتعة التي قضيناها سوية هناك، وأخبرني أنه أصبح مسؤولاً عن مدرسة النهضة في الشويفات، وسألني اذا كانت ارغب في التعاون معه في المدرسة . وقبلت دون تردد لأني أحببت العمل مع كمال ابو غانم، وأحببت كمال ابو غانم، ولأني كنت عاطلاً عن العمل ولأني أحب مهنة التعليم . .
وذهبت الى الشويفات، معلماً ومديراًَ للدروس، ومقيماًَ مع عائلة كمال ابو غانم وعلى رأسها ورأسنا رئيس المدرسة الاستاذ فؤاد ابو غانم . . وكانت سنة من العمر .
أتقاسم غرفة النوم مع فوزي أبو غانم شقيق كمال، واشترك مع العائلة في كل مناسباتها . . واحداً منها . وام كمال . . كانت لي الوالدة والممرضة، تعاملني كما تعامل كمال وفوزي تماماً، وما زالت حتى الآن .
الاستاذ فؤاد ايو غانم، كمال، وفوزي، أصبحوا في دنيا الحق، ولا أستطيع، حتى اليوم، أن اعتبرهم أمواتاً، إنهم يعيشون في ذاكرتي وذكرياتي . .
أخبرني الاستاذ فؤاد ابو غانم بعد حوالي أشهر من وجودي بينهم، أنه غضب من كمال عندما عرف أني سأكون معهم، خوفاً من أن يصبغ المدرسة بصبغة حزبية بوجود حزبي معروف مثلي . . ولكنه، كما قال لي بنفسه، غّير رأيه بعد أن تعاملنا معاً وعملنا معاً .
أهم ما يميّز فؤاد ابو غانم هو الانسان فيه . إنه الإنسان المثال، طيبة ومحبة وأخلاقاً وإخلاصاً وعطاءً ورحمة . . لا أعتقد أنه عادى احداً في حياته، فهو لم يكن يسمح لأي انسان ان يكون عدوه . حاضر البديهة، حاضر النكتة، متسامح متعالٍ عن كل ما يمس الانسان وسمعته، طيب القلب، نقي السريرة ، مخلص لأصدقائه وأقربائه حتى التفاني . جمع الفضائل كلها، وعلى كل حال فالفضيلة لا تتجزأ.
وهذا الفؤاد أبو غانم شاعر، شاعر بالسليقة، بالطبع، صقل شاعريته ثقافة غزيرة وعاطفة متدفقة، استطاع بهما أن يكون شاعراً مميزاً، خصوصاً في شعره الزجلي . وعلى الرغم من أن شـعره الفصيح هو شـعر مناسـبات، إلاّ أنه يتميز بمتانة اللغة وسلامتها، وبتعريف صادق عن أخلاقه ومناقبه، واحترامه للأخلاق والمناقب . إنه مدرسة أخلاق في حياته وفي شعره .
نظم الشعر الفصيح في أقربائه وأصدقائه ومعارفه وبعض القادة السياسيين وبعض المناسبات السياسية أو الوطنية أو الشخصية . . تبرز في هذا الشعر قدرته اللغوية العالية، وأحياناً عاطفة متدفقة، خصوصاً عندما يكون الأمر يتعلق بإنسان يحبه مادحاً أو راثياً أو مهنئاً أو معاتباً . . ولم ينظم أبداً هاجياً، فهو لا يعرف السوء لا قولاً ولا عملاً .
أعود الى شعره الزجلي وهو المهم .
فؤاد ابو غانم من مدرسة رشيد نخلة، تبعه في " الغريب العاشق " أو " أجود الهيّاف "، في طريقة السرد، في الجوازات التي كانت دارجة في تلك الأيام . . وتجاوزه في " جورج وارنستين "، " وبنت إسحق " ، عندما ألغى الجوازات التي سمح بها لنفسه في " الغريب العاشق " . ولكن أهم مكان يبزّ فيه رشيد نخله ويتجاوزه هو في وصف لبنان . وقد نزل في هذا الكتاب قصيدة رشيد نخلة وقصيدة فؤاد أبو غانم للمقارنة .
في هذه القصيدة الرائعة تبرز شـاعرية فؤاد ابو غانم متألقة صافية، وتبرز وطنيته عميقة سـامية، وتبرز قدرته على التحكم بالكلمة والمعنى والصورة حتى تأتي متكاملة متماسكة معبّرة عما يريد أن يقوله بوضوح وجمال وإنسجام .
فؤاد أبو غانم شـاعر كبير وإنسـان كبير . . ولكنه لم يكن مكثراً . فلو اعتنى بشـعره الفصيح لكان باسـتطاعته أن يترك تراثاً غنياً رائعاً . ولو انصرف إلى كتابة الشـعر الزجلي لكان من أفضل شـعراء الزجل في هذا العصر .
*
لمحة عن حياته :
• ولد الشاعر فؤاد ابو غانم في بلدة ( كفرنبرخ ) الشـوفية هام 1892 .
• انتسب في طفولته الى مدرسة الاب الياس الخوري في كفرنبرخ ثم مدرسة عمه مصطفى أبو غانم .
• في سن الثالثة عشرة انتقل الى كفرمتى ملتحقاً بمدرسة المعارف حيث امضى سنتين ( 1905 – 1907 ) تتلمذ فيهما على يد الشاعر أمين ناصر الدين .
• نزل الى العمل باكراً وهو ابن الخمسـة عشـر عاماً بعد أن هاجر والده، سـليمان وهبة ابو غانم، إلى الأرجنتين وهو ابن ستة أعوام .
• درّس اللغة العربية واللغة الانكليزية في مدرسـة المختارة بناءً على طلب الأسـتاذ جرجس طعمة وذلك من العام 1910 حتى 1913.
• درّس في مدرسة ( نبع الصفا ) من عام 1937 الى 1940 .
• ترأس مدرسة النهضة في الشويفات ودرّس فيها من عام 1956 الى 1961.
• شـغل منصب كاتب عدل منطقة العرقوب من سـنة 1922 حتى 1941 وكاتب عدل منطقة عكار من عام 1941 الى 1955 .
• تزوج من السيدة مهيبة كريمة الشيخ عبد الحميد أبو غانم عام 1924 .
• وأنجبت له ثلاثة صبيان هم الاسـتاذة : كمال، فوزي، منير. وكريماته : جوليا زوجة السـيد فرحان مشـرفية، منتهى زوجة الشـاعر فوزي ابو شـقرا، سـلمى زوجة السـيد فايز صعب، وسـعاد زوجة السـيد عصام ابو غانم .
• وافته المنيّة في كانون الاول عام 1975 مخلفاً وراءه هذا الإرث القيّم .
*
1- الأمين كمال ابو غانم، الرفيقان فوزي ومنير، وجميعهم متوفون .
2- إحدى المدارس التي اسـسها الحزب في الجمهورية الشـامية في أوائل خمسـينات القرن الماضي .
الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق