الخميس، 30 سبتمبر 2010

طرابلس الشام (3)

طـرابلـس الشـام
جولـة مصـورة في البطاقـات البريديـة (الحلقة الثالثة والأخيرة)
الرفيق بدر الحاج
طرق المواصلات

في مطلع القرن العشرين، كانت الطرق الداخلية في المدينة عبارة عن ازقة ضيقة لا تصلح لمرور العربات. وكانت الطريق الرئيسية الوحيدة تبدأ من المنطقة القريبة من بوابة الحدادين وتقطع المدينة من دون رصيف. ولم يكن لهذه الطريق إسم، وإنما كانت تسمى باسم المحلات التي تمر بها مصل بوابة الحدادين، والعطارين، والصاغة، والبازركان، والملاحة، والجسر، والتبانة. وكانت الأزقة التي تتصل بهذه الطريق ترابية، وقد تمّ رصفها بالحجر الاسود سنة 1922.
وكان يوجد في المدينة مركزان للبريد والتلغراف. يقع الاول في الميناء، وكانت تتم عبره الاتصالات الدولية باللغات التركية والعربية والفرنسية. اما المركز الثاني فكان يقع في ساحة التل، وكانت تستعمل فيه بصورة عامة اللغتان العربية والتركية في الاتصالات الداخلية.
أما خارج المدينة فقد كانت الطريق المؤدية إلى الميناء ضيقة، وكان الاهالي يتنقلون بواسطة الحمير. وفي اوائل سنة 1879 امر مدحت باشا والي سورية بالعمل على تحسين الطريق، فدفع اغنياء المدينة الى تأسيس شركة مساهمة برأسمال كاف لإنشاء طريق جديدة تسير عليها المركبات التي تجرها الأحصنة والبغال. فجرت تلبية طلبه وتأسست الشركة، وتمّ تدشين الطريق في شباط 1880.
وكانت العربات الخمس التي استحضرت من بريطانيا للاستعمال على هذا الخط تضم عربتين بطابق علوي واثنتين من دون طابق وواحد مكشوفة. وكانت تنطلق ذهاباً واياباً من المحطة الرئيسية في ساحة التل بالقرب من فندق " بهجة الشرق " وتجتاز المسافة إلى المحطة الواقعة من الناحية الشرقية للميناء في حوالي العشرين دقيقة وبأجرة مقدارها متليكان وتدريجياً، انتشر العمران على امتداد هذا الخط الذي توقف عن العمل في اواخر الثلاثينات حتى اصبحت السيارات الوسيلة المفضلة للنقل. وكان هناك خط آخر يربط منطقة التل بباب التبانة، وكانت العربات تخترق حي الزاهرية باتجاه عمق المدينة القديمة.
وأسس مدحت باشا ايضاً في حزيران 1879 شركة أخرى تعمل على نمط خط طرابلس - الميناء، وخصصت لأجلها عربات تجرها أربعة بغال، كانت تؤمن السفر بين طرابلس وحمص مرتين في الاسبوع قاطعة مسافة 97 كيلو متراً. ولاحقاً تمّ تنظيم رحلات يومية بين المدينتين. بعد إقصاء مدحت باشا، نجح الوالي الجديد احمد باشا سنة 1883 باستثمار هذا الخط الذي انشيء بنظام السخرة. وكانت الشركة تحتكر حق نقل الركاب والبضائع واستيفاء الرسوم على قوافل الحيوانات المحملة التي تعبر هذه الطريق. وكانت العربة الواحدة منها تتسع لـ 12 راكباً، يجرها خمسة من الاحصنة او البغال. وتستغرق الرحلة من طرابلس الى حمص 11 ساعة، كانت اجرة الراكب من طرابلس الى حمص وبالعكس ثلاث مجيديات. اما حافلات نقل البضائع، فكانت ذات الاربعة دواليب يجر الواحدة منها ثلاثة بغال. وكانت تنطلق رحلة واحدة في اليوم مؤلفة من سبعة مواكب وكل موكب يتألف من سبع عجلات، وتستغرق الرحلة ثلاثة ايام ذهاباً وثلاثة اياباً.
أما الخطوط الحديدية، ققد كان من السهل إنجاز خط حديد طرابلس - حمص نظراً الى عدم وجود عوائق مستعصية كما هي الحال بين بيروت ودمشق. لكن الاولوية بالنسبة الى الفرنسيين كانت فتح خط بيروت - دمشق حيث تمركزت مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية.
بدأ العمل على انجاز خط طرابلس - حمص في 16 آذار 1910 من قبل شركة فرنسية، وتمّ تدشينه في 19 ايار 1911. وخلال الحرب العالمية الأولى إقتلعت قضبانه الحديدية لإستعمالها في تجديد خط بغداد - نصيبين، ثم أعيد الخط الى ما كان عليه سنة 1921.
اما الطريق بين طرابلس وبيروت فكانت حتى العام 1909 عبارة عن طريق لعربات الديليجانس التي تجرها الحيوانات. وكانت الرحلة تستغرق 16 ساعة، كما كانت العربات تصل الى بلدة البترون فقط، وكان على الركاب بعد ذلك استئجار الخيول أو البغال وإكمال طريقهم نحو طرابلس بالالتفاف حول جبل الشقعة باتجاه قلعة المسيلحة، وذلك بسبب عدم تمكن عربات الديليجانس من عبور العوائق الجبلية في المنطقة.
إلا ان الطريقة الأفضل للإنتقال من بيروت الى طرابلس كانت تتم بواسطة السفن. كانت بواخر شركة المساجري الفرنسية تسافر ظهر كل يوم اثنين من بيروت الى طرابلس وتعود منها الى بيروت في اليوم التالي. وكانت بواخر شركة الخديوية المحدودة تسافر من بيروت ظهر كل يوم ثلاثاء الى طرابلس وتصل الساعة الرابعة بعد الظهر، اما بواخر شركة موسيلين البريطانية فكانت تغادر بيروت ظهر كل يوم اربعاء الى طرابلس ثم الى اسكندرونة، وكانت بواخر شركة فلوريو روباتينو الايطالية تغادر بيروت مساء كل يوم جمعة باتجاه طرابلس وتعود منها في اليوم التالي. اما الوابور المسكوبي فكان يغادر بيروت يوم الجمعة.
وكانت الطرق التي تصل طرابلس بالميناء مكونة من ثلاثة شوارع رئيسية: الاول شارع عزمي نسبة الى الوالي التركي عزمي باشا وقد تمّ انجازه سنة 1915. والثاني هو شارع المائتين الموازي لشارع عزمي وقد شقته شركة سكة الحديد سنة 1912. والثالث هو شارع الميناء الذي يبدأ من تل الرمل وينتهي في المنياء. وبعد الحرب العالمية الثانية شق شارع الكنائس على اطراف المدينة، وتمّ إزالة بعض المباني القديمة من اجل ذلك. وعلى هذا الشارع تقع ابرز ثلاث كنائس: الكاثوليكية والارثوذكسية والإنجيلية. اما الطريق المعروفة بطريق البحصاص فتبدأ من السراي القديمة التي كانت قائمة في ساحة التل وتمتد جنوباً بااجاه البحصاص، ولها فرع يمتد الى باب التبانة ثم يتصل بطريق حمص.
اما خط سكة حديد طرابلس – بيروت فتعود فكرة إقامته الى العسكريين البريطانيين في فلسطين خلال الحرب العالمية الثانية، ففي سنة 1941 باشر البريطانيون بمشروع إقامة خط حديدي يربط حيفا ببيروت وطرابلس وذلك بهدف نقل الجنود والمعدات العسكرية. ونفذ القسم الممتد بين بيروت وطرابلس الفرع الهندسي التابع للقوات الاوسترالية، وتمت الاستعانة بشركة مختصة من جنوب أفريقيا لحفر نفق جبل الشقعة. وبدأ العمل في هذا الخط في كانون الاول 1942.

نهر أبو علي
شكّل نهر ابو علي عنصراً أساسياً في حياة مدينة طرابلس منذ إستيطانها الاول في القرون الغابرة وحتى يومنا هذا. فهو ينبع من سفح جبل الارز، ويُعرف في مسيره الاول باسم قاديشا نسبة الى وادي قاديشا الذي يجري فيه.
يرفد النهر نبعان: الاول يتفجر من اسفل بلدة بشري، والثاني من تحت دير قزحيا. ويلتقي المجريان في اسفل الوادي الضيق حيث تصب جداول كثيرة من الجبال المحيطة بالوادي اضافة الى مياه نبعي رشعين وجوعيت بالقرب من بلدة زغرتا.
يتبدل إسم النهر عند اختراقه مدينة طرابلس فيصبح نهر ابو علي، وهو مأخوذ من إسم فخر الملك ابي علي بن عمار، آخر قضاة أسرةٍ حكمت طرابلس في العصر الفاطمي ( 492 – 501 هـ ) عشية بدء الحملات الصليبية على سورية.
شهدت منطقة مجرى النهر عبر المدينة تغييرات جذرية بسبب الفيضانات الكثيرة التي دمرت المباني القديمة والجسور. وأشار عدد من المؤرخين الى فيضانات عدة للنهر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ففي 8 ايار 1946 حدث فيضان تهدمت بسببه دار بجوار جسر طربيه قرب سوق الخضار.
وفي 17 كانون الاول 1956 جرفت مياه الفيضان قناطر مياه طرابلس القديمة التي بناها الصليبيون وهدمت البيوت وجسر السويقة القديم، وغمرت الطواحين التي كانت منتشرة على ضفتي النهر. وفوجئ سكان المنازل هناك، وفي الاحياء المجاورة، بسيل كاسح بلغ علوه من أرض النهر ستة امتار، إقتحمها إقتحاماً مفاجئاً مريعاً لم يترك لهم فرصة للنجاة. وتدفقت المياه الى جميع احياء المدينة وشوارعها، وطغت على المخازن والمصانع والاحياء في السويقة والزاهرية.
وفي منطقة البحصاص حيث كان يوجد جسران أحدهما جديد تمر عليه العربات المتجهة نحو بيروت، ولآخر قديم مهجور، كان للطوفان أثره أيضاً إذ دمّر الجسر الجديد وجرفت المياه سطح الجسر القديم.
أما جسر اللحامين أو اللحامة الذي كان يصل المدينة بضفتيها الشرقية والغربية فقد انهار أيضاً خلال طوفان سنة 1956. وكذلك دمر العديد من المطاحن التي كانت قائمة قرب مجرى النهر.
ونتيجة الدمار الذي احدثه الطوفان والخسائر البشرية التي قاربت 112 قتيلاً و90 مفقوداً، جرى تنظيم جديد للمدينة القديمة، وشق طريق عريض يمتد من محلة المولوية حتى برج رأس النهر في الميناء. وكان مشروع تنظيم مجرى النهر بمثابة الكارثة الكبرى التي اضيفت الى كارثة الطوفان. فقد تمّ تدمير قسم رئيسي من النسيج العمراني التاريخي الجميل للمدينة، وانتشرت نتيجة لذلك موجة من المباني العشوائية القبيحة.

الـتـل
منطقة التل هي المركز الرئيسي لمدينة طرابلس الآن. كانت هذه المنطقة في القرن التاسع عشر عبارة عن تل رملي يقع الى الجانب الغربي من المدينة ويشرف على بساتين البرتقال والساحل ويؤمّه المواطنون للتنزه.
تحول هذا الموقع الى مركز اداري للسلطة ومقر للحاكم العثماني. وفي الفترة ما بين 1880 وبداية الحرب العالمية الأولى توسعت المدينة خارج الاحياء القديمة وفتحت الطرقات من منطقة التل باتجاه الميناء والداخل السوري ونحو الجنوب باتجاه بيروت. كما تمّ تشييد العديد من المباني، فأقام مفتي المدينة مصطفى كرامي مسجداً بالقرب من منتزه التل لأنه رأى أن من الصعوبة إقامة فرض صلاة المغرب بمعزل عن مرتادي المنتزه. كما انشأ مدحت باشا مقهى الفوقانية على رابية التل العليا بعد ان احاطه بجدار حجري، وجرى تشييد السراي الحكومي سنة 1890 والذي كان يعتبر اول بناء خارج ابواب المدينة بعد بيت الحسيني.
وكذلك شيدت الساعة العمومية، ودار البريد، ومحطة الترام والعديد من المباني التي ضمت القنصليات والمصارف والفنادق والمخازن التجارية. وبنى حسن الآغا رئيس الشرطة في المدينة مسرحاً فوق مخازنه يتسع لخمسمائة مقعد.
وبمناسبة اليوبيل الفضي للسلطان عبد الحميد الثاني 1902، جرى جمع مبلغ من المال من الاهالي وساهمت البلدية بقسم آخر وكلف المهندس التركي في المتصرفية يوسف بك تصميم مبنى لإقامة ساعة عامة الى الغرب من ساحة التل. وشيد المبنى بارتفاع ست طبقات وبرأس هرمي الشكل وبعرض يتراوح ما بين 15 و20 قدماً وبارتفاع مئة قدم وثبتت في كل جهة من جهات المبنى الاربع ساعة. ويتميز البناء الذي لا يزال قائماً حتى الآن بتأثره بنماذج فن الباروك الذي كان سائداً في اوروبا، والذي قام العثمانيون بتقليده في العديد من مبانيهم. وبلغت التكاليف 1500 ليرة عثمانية.
ويقول وفيق التميمي ومحمد بهجت في كتاب " ولاية بيروت " ان منطقة التل كانت تشهد ازدحاماً هائلاً من الناس والمركبات التي كانت تضطر للتوقف في الطريق الموصلة الى الميناء حتى تتمكن من المرور. اما في الليل فكان ينار التل اكثر من ستين مصباحاً.
ويشير حكمت بك شريف في كتابه " تاريخ طرابلس – الشام من اقدم زمانها الى هذه الايام " الى ان مدينة طرابلس " كانت تنار ليلاً بزيت الغاز المعروف- بالبترول – ففي البلدة نحو 600 فانوس وفي الاسكلة نحو 200 فانوس ".
كما يشير الدليل السياحي الفرنسي Guide Bleu الصادر سنة 1932 الى النشاط الكثيف في منطقة التل التي تحولت الى مركز رئيسي للمدينة ومنطلق للتظاهرات والنشاطات الوطنية. ويضيف أنّ المنطقة تضم العديد من الفنادق كفندق " رويال " لصاحبيه أسمر وطويل (20 – 25 سريراً)، وفندق " نيو رويال " لصاحبه حبيب بركات والذي تحول الى " حكيم بالاس اوتيل " لاحقاً، وكذلك فندق " البلازا " ( 20 – 25 سريراً)، وفندق " السنترال " لصاحبه احمد خالد، و" الخديوي " بالقرب من السراي على الطريق الى بيروت، و" الاحرار " خلف السراي. وسبق أن اشار وديع ابو فاضل في كتابه " دليل لبنان " الى فنادق اخرى في ساحة التل هي فندق " بهجة الشرق" وفندق " طرابلس الكبرى"
وفندق " انكلترا ".
وضمت ساحة التل أيضاً قاعتي سينما والمكتبة السورية لصاحبها جوزف زبليط ومكتبة إدمون عبود ومكتبة عبد الله الرفاعي.

• الكتاب مجلد، حجم كبير، من 268 صفحة. يحتوي على مئات الصور القديمة عن طرابلس، بأحيائها وشوارعها ومنتزهاتها ودور العبادة وغير ذلك من اماكن يفيد أن يطلع عليها كل مهتم من ابناء المدينة والشمال كما كل لبنان والمنطقة.
انه كتاب يفيد الاطلاع عليه واقتناءه، وقد أخذ جهداً كبيراً من مؤلفه الرفيق بدر الحاج، وصدر عن دار "نكتب". سعر المجلد 75 دولاراً أميركياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق