الـشـاعر الـمـهـجـري الـرفـيـق فـارس بـطـرس
الأمين لبيب ناصيف
عرفته جيداً عند اقامتي في البرازيل لمرحلتين، عام 1976، ثم عام 1983، كما عرفت شقيقه الأديب الرفيق هلال، ورافقت العديد من المناسبات الحزبية والعامة التي كان له حضوره فيها.
ساهم مع الأمين نواف حردان وعدد جيد من شعراء وادباء المهجر البرازيلي في تأسيس عصبة الأدب العربي، وتولى عام 1980 رئاستها.
من هؤلاء الشعراء نذكر الرفيق شفيق عبد الخالق، والرفيق يوسف المسمار، الشيخ الراحل شكيب تقي الدين، الراحل نبيه سلامة، ابراهيم سلمان، الأديب ميشال اليازجي والعشرات غيرهم.
*
عام 1981 أصدر الأديب نعمان حرب، ضمن سلسلة " قبسات من الأدب المهجري " كتاباً عن الرفيق الشاعر فارس بطرس. في شرحه لسيرة الرفيق الشاعر يقول الاديب نعمان:
في أول عام 1922 يمم الطالب النجيب شطر مدينة القدس، تحدوه الامال العريضة، ويدفعه حب العلم والمعرفة، فانتسب الى الكلية الاستعدادية الاميركية، وهي الوحيدة في القدس يومذاك، ونهل من معينها الدروس والعلوم باللغتين العربية والانكليزية، حتى نهاية عام 1925.
في تلك السنة نشبت الثورة السورية الكبرى، بقيادة المجاهد سلطان الأطرش، وانقطعت المواصلات بين جبل العرب وبيت المقدس، بسبب المعارك الدامية التي كانت تدور بين جيوش الثورة وجنود الاستعمار الفرنسي، وبذلك توقفت امدادات نفقة الدراسة، وانتصبت المخاطر بوجه الطالب الشاب، وسدت السبل في وجه عودته. وحاول مرات عديدة العودة ليحمل البندقية، ويخوض المعركة، ولكن بعد المسافات، وانقطاع المواصلات، وخطورة الطرقات، وقفت حجر عثرة بوجه طالب الجهاد، ومنعت الثائر من الاسهام في مواكب الثورة.
إلى البرازيل
لذلك لم ير من وسيلة لمتابعة العيش والحياة إلا الهجرة، والاغتراب. وهو لما يزل في ربيع العمر وعنفوان الصبا. فاختار الهجرة الى البرازيل، وهي من البلدان المزدهرة، المرحبة بكل وافد اليها، المهللة لكل زند قوي، يحط في ربوعها، ويساعد في نهضتها وعمرانها.
ومع انتصاف سنة 1926 انتقل الشاب الطموح من صفوف العلم والدراسة، من المقاعد التي جلس عليها أكثر من اربع سنوات، الى الحياة الجديدة، الى الصراع من أجل المستقبل المادي الزاهر، الى بلاد البرازيل، الرحبة الواسعة.
في خضم المعركة
بدأ فارس بطرس عمله في التجارة المتنقلة. ولا بد لكل من يمارس هذه المهنة، من مواجهة الصعوبات، واحتمال المشقات. فكان يناضل، ويكدح، ويعرق. ويسير المسافات الطويلة، بين القرى والدساكر، بين الاحراج والسهول. بين الوديان والجبال، سيراً على الاقدام، وينوء كتفه بالبضائع المحمولة الثقيلة، عندما يتعذر عليه وجود واسطة للنقل، وكم قاسى، وكم تصبب العرق من جسده، وتبللت ثيابه، وانهارت قواه. وكل هذه المشقات لم تثنه عن مواصلة كفاحه، ولم تُغيّر من الفضائل التي اشتهر بها. فلقد كان ولا يزال معروفاً بصدق المعاملة، ونقاء الأخلاق، وطيب السريرة، وحسن السلوك، لا يعرف الكذب الى نفسه طريقاً، ولا يعرف الغش في عمله مكاناً.
واصبح موضع ثقة التجار المتعاملين معه، ومثالاً يحتذى في الطيب، والاجتهاد، والصدق.
فائدة المطالعة
ان صعوبات الحياة التي واجهت فارس بطرس، والمعركة النضالية التي خاضها في صراعه مع هذه الحياة، لم تمنع خريج كلية القدس النضالية من مطالعة كل ما يتيسر له من مجلات "الهلال" و"المقتطف" و"الفنون" و"الشرق" و"الرابطة". وهذه المنشورات كانت تعج بأعظم قبسات الفكر، واعلى دفقات الادب والشعر، يكتبها عمالقة الفن، والابداع، أمثال: نعيمة، وجبران، وخليل سعاده، وفوزي وشفيق معلوف، وحبيب مسعود، وشكر الله الجر، ونصر سمعان، وميشيل مغربي، وحسني غراب، وتوفيق بربر، وجورج صيدح، ونبيه سلامة، وغيرهم كثير من أصحاب الفكر المبدع.
من هذه المطالعات، لاعاظم الادباء والشعراء والمفكرين، تكون قلب الشاعر فارس بطرس، ذخراً ذاخراً متفجراً، وحساً شاعرياً مرهفاً، وخميرة من الفن والالهام. هذه المعطيات الجديدة، قوت المواهب وصقلتها، وجعلتها، تفرز العصير المستساغ، والماء القراح، وتعطيها الألوان الحلوة الزاهية، والكساء الأصيل الفتان.
أول الغيث
بدأ الشاعر فارس بطرس ينظم ابياتاً شعرية، ومقطوعات ادبية منذ عام 1933، بعد أن قوي عوده، ورسخت أصالته. وأخذ ينشر شعره ونثره في مجلة " الشرق " وجريدة " الرابطة " ومجلة " العصبة " وجريدة " أخبار العرب " وجريدتي " الأنباء " (1) البرازيلية و" الوطن" (2) الارجنتينية، وفي جرائد أخرى في الأوطان العربية.
وبقي هذا الحصاد الأدبي، يعطي أشهى الثمار. وأزكى الطعوم. ولئن شغلت الشاعر فارس بطرس انشطة العمل، وتكاليف الحياة، في بلاد لا تعرف إلا المادة مثالاً وهدفاً، فإن روحه وفكره ومواهبه، بقيت منطلقة من غصون وارفة الى فروع قوية. من خيط من النور الى مصابيح. من جداول منسابة الى انهر دفاقة.
وينتقل فارس بطرس في شعره من مرحلة الى مرحلة اقوى وأعمق، وكلما انصرمت الأيام وتعاقبت السنون، ازداد فكره المتوهج اشعاعاً ونوراً. وهو يستعد الآن لإصدار ديوان من الشعر، تحت عنوان ( شفق الغروب ) يصدر فيه انتاجه خلال نصف قرن مضى من الزمن.
مـن شـعـره
إن غَـداً ضَمّـنـي الـرَّدىَ وحَـيَـاتِـي ضَـمّـهَا الليـلُ في سُـكُون مَـمَـاتي
واَسـتـراحَـتْ مِمَّـا لـها مَن شقاءِ الارضِ حِـمـلاً يــذوبُ طَـيَّ رُفَـاتـي
جَـنَّـتي أنـنَّـي أَهِيـمُ عَلـىَ الـدُّنـيَـا عبـيـراً وَفـي شَـذَا ذِكْـريَـاتـي
وَغــذاءُ الــوُرُود أَنْــوَاءُ بَـحــرِ وجَـمَـالُ الـدُّجَى ضِـيَا الـنَّـيّراَتِ
أمـانـي ...
يا هزاراً يشـجـيه صـمت الليـالي شـادياً راضيـاً على كـل حـال
طـاردتـك الفصـول في كل أفـق كنـت فيه تشـكو بعاد الوصـال
اينـمـا كنـت في الأنـام غريـب أنت - يا ناسـك الـربى والجبـال
لا ينـاجيـك مـن صروف اللـيالي غـير فجر حاكته سـود الليـالي
يحـمل الـزهر في الربيـع انعتـاقـاً مـن قيـود الثـرى ودنيا المحـال
خفـفي اللـوم – يارفيقـة عمـري وأخبريني – ما تشـتهي – ما تخالي
لا تـخافي - يا منيتي – كيف حـالي إنـنـي شـاعر غريـب الخصـال
أنـا مـن يـزرع الـحنين دمـوعاً أنـا مـن يزرع العـلى في مقـال
أنـا مـن يـزرع الأمـاني كبـاراً أنـا من يـزرع الرؤى من خيـال
أنـا مـن يزرع الـمكارم اخـلاقـاً ومجـداً وعـزةً فـي الـنـضـال
أنـا مـن يزرع الـمروءة عـطـفاً أنـا مـن يزرع الصفا من جـمال
هـمـتي هـمة النسـور التي عاشت لتحـيـا وحيـدة فـي اعتـذال
أنـا مـن يـزرع الحروب انتـصاراً فـي ميـادين عـزهـا والـرجال
أنـا اشـقى مـن عـاش في غربـة الأرض وحيـداً ما بـين قفر الرمال
أمـتـي سـوريـا ولبنـان طـودي وربيعـي الـهول ودنيا الـمعالي !
كـل مـا أمعـن الزمـان اغتيـالاً وحـروباً فـي أمـتي لا – تـبالي
هـمها أن تـرى الـوجود جـمالاًَ هـمها أن تـرى العلـى باكتمـال
يـا بـلادي– يا منيـتي – يا بلادي أتـمنـى أن افتـديـك بحـالـي
أنـت مـن عرقنـا هلال خصـيب أنـت مـن شـعبنا وقود اشـتعال
أنـت مـن ناضـل الاعادي قـروناً أنـت مـن يطلب العلى باحـتمال
*
عـيـد الـجـلاء
جـددوا العيـد – عـيـد يـوم الجـلاء واعــدوا الافـراح لـلـشــهـداء
جـددوا الـوعـي والفنـون ومـا فيـها مـن الـنـور – مـن جمـيـل السـناء
جـددوا العلم فـي المعـاهـد والأريـاف حـتـى فـي ظـلـمـة الـبـؤسـاء
جـددوا مـا لـلـحـيـاة تنـبت فيـنا مـن جـديـد التـلـقـيـح والأغـراء
جـددوا الشـعـب مـن عـقـائد جيل الجـهـل حـتى مـن سـلـطة الزعمـاء
كـي تشـع الحيـاة فـيـنـا جـمـالاً ومـضــاءً فــي شــدة الأنـواء
ومـن الـعـار لـلـبـلاد بـأن تبـقى حـطـامــاً عـلـى دروب الـفـنـاء
كـان عـيـد الأحـرار عـزاً ونـصـراً فـاق مـجـداً أعـيـاد كـل سـمـاء
قـد تـجـلـت فـيـه الـبلاد بفخـر واعـتـزاز بـالـرايــة الـشـمـاء
ولـه هـالـة المـلايـين تـسـتـوحي نـشـيـداً فـي نشـوة الـكـبـريـاء
عـمـمـوا ثـورة الـبـلاد رقـيـاً يـتـخـطى مـظـالـم الـظـلـمـاء
وانـشـروا الـعـلـم في الشـبيـبة نو راً يـتـهـادى عـلـى خطـى العـلماء
واعـمـلوا الهـدم في القـديـم لـتبنوا وطـنـاً شـامـخـاً رفـيـع الـبـناء
*
- ولد الرفيق الشاعر فارس بطرس عام 1906 في بلدة خربا، القرية الصغيرة الرابضة على حدود محافظتي السويداء ودرعا ( سوريا ) ومنذ صغره تنبأ له معلموه مستقبلاً باهراً لما وجدوه فيه من علائم الذكاء والفطنة والذهن المتّـقد.
- ما إن انهى دراسته في مدرسة القرية حيث كان يحتل المرتبة الأولى بين اقرانه، حتى واصل الدراسة الاعدادية والثانوية ثم عام 1922 غادر الى القدس.
- اصدر ديوانه " اضواء وانواء " عام 1987 .
- توفي في 6 نيسان 1992 وأقيمت له حفلة تأبين رسمية وشعبية في بلدته خربا يوم الجمعة 22 نيسان 1992.
*
1- صاحبها ورئيس تحريرها الأمين نواف حردان.
2- اشتراها الرفيق بدرو تشاكماكيان من الامين عبد اللطيف يونس في الارجنتين، وصدرت بالاسبانية.
الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق