الاستقلال اللبناني ودور القوميين الاجتماعيين
الأمين لبيب ناصيف
الأمين لبيب ناصيف
إذا كان الرفيق سعيد فخر الدين هو الشهيد الوحيد الذي سقط في بشامون ، والرفيق حسن عبد الساتر هو الشهيد الوحيد الذي سقط دفاعاً عن العلم اللبناني المرفوع فوق قبة البرلمان ، إلا أن القوميين الاجتماعيين منذ تأسيس الحزب كانوا في صميم المواجهة مع الاحتلال الفرنسي ، ليس فقط على صعيد التوعية العقائدية ، إنما على صعيد التصدي والمواجهة اللتين لم تتوقفا رغم الاعتقالات التي تعرض لها زعيم الحزب وقياديوه والكثير من أعضائه .
نحن إذا رغبنا أن نسطر لكل المواجهات التي تمت مع السلطات الفرنسية ، منذ انكشاف أمر الحزب في 16/11/1935 في لبنان والشام لاحتجنا إلى الكثير ، إنما نحصر حديثنا في المشاركة الفعلية التي قام بها القوميون الاجتماعيون في معركة الاستقلال التي جرت في لبنان .
* * *
معركة الاستقلال في لبنان وإن هي بدأت في 11 تشرين الثاني عندما أفاق اللبنانيون على نبأ اعتقال السلطات الفرنسية خلال الليل كلاً من رئيس الجمهورية المنتخب حديثاً (في 21 أيلول) بشارة الخوري ، رئيس الحكومة رياض الصلح ، والوزراء كميل شمعون ، عادل عسيران ، سليم تقلا ، ونائب طرابلس عبد الحميد كرامي ، وسوقهم مكبلين إلى مكان مجهول في حراسة عسكرية فرنسية مشددة (تبين لاحقاً أنه قلعة راشيا الوادي) ، إلا أن الانطلاقة الحقيقية كانت في 8 تشرين الثاني عندما انعقد مجلس النواب بصورة عاجلة للنظر في تعديل الدستور الموضوع عام 1926 ، والاقتراع على مشروع أعده مجلس الوزراء قبل ثلاثة أيام ، مضمونه إلغاء جميع المواد المتعلقة بالانتداب الفرنسي وصلاحيات المفوض السامي وكل ما يتصل به ، وجعل اللغة العربية وحدها لغة لبنان الرسمية .
جاء ذلك تنفيذاً لما كان قد ورد في البيان الوزاري الذي نالت الحكومة على أساسه الثقة في 26 أيلول .
تلك الجلسة انتهت بالموافقة على تعديل الدستور وإعلان الاستقلال اللبناني واستعادة السيادة الوطنية ، بعد أن كانت مناقشات حادة قد دارت ، انسحب على أثرها النائب إميل إده .
في الساعة الثامنة من صباح يوم الخميس 11 تشرين الثاني وجه رئيس مجلس النواب صبري حماده دعوة إلى أعضاء المجلس لعقد جلسة مستعجلة ، إلا أن الجنود الفرنسيين كانوا طوقوا مبنى البرلمان لمنع النواب من الاجتماع . مع ذلك استطاع عدد من النواب ، رغم الحصار العسكري والمظاهرات التي كانت اندلعت في بيروت ، ثم في باقي المدن اللبنانية ، الدخول إلى المبنى فبلغ عددهم سبعة بمن فيهم رئيس المجلس ، وهم: سعدي المنلا ، هنري فرعون ، صائب سلام ، رشيد بيضون ، محمد الفضل ومارون كنعان .
اتخذ النواب الحاضرون بعد مشاورات هاتفية مع النواب الذين تعذر عليهم الوصول ، قراراً يؤكد المواقف السابقة في تعديل الدستور واعتبار الانتداب الفرنسي لاغياً.. كما رفعوا مذكرة شديدة اللهجة وقعها النواب الحاضرون ، وخليل تقي الدين (أمين السر العام لمجلس النواب) وعمدوا إلى تأمين إرسالها إلى حكومات الولايات المتحدة ، بريطانيا ، وروسيا كما إلى ملوك ورؤساء وحكومات البلاد العربية (1) كذلك تقرر الاستمرار في اعتبار الحكم القائم وحده شرعياً ورفض رئاسة السيد إميل إده بعد أن كان عينه المفوض السامي ، والحؤول دون تأليفه أية حكومة .
من أبرز ما تقرر في هذا الاجتماع تغيير العلم اللبناني الذي كان قائماً في ظل الانتداب، وهو العلم الفرنسي (أزرق – أبيض – أحمر) مع أرزة في الوسط ، وجرى الاتفاق على علم جديد هو المعروف والمعتمد حالياً . وقد تمّ رسم العلم الجديد على ورقة نزعت من دفتر مدرسي ووقع عليها النواب الحاضرون .
بينما كان المجلس منعقداً ، بنوابه السبعة ، اقتحمت قوة فرنسية على رأسها ضابط برتبة نقيب وهو شاهر لسلاحه قاعة الاجتماع وطلب إلى الرئيس والنواب مغادرة القاعة ، ومبنى البرلمان ، وإلا يجرى إخراجهم بالقوة .
توجه النواب وسط بحر صاخب من اللبنانيين المتظاهرين إلى منزل رئيس الجمهورية بشارة خوري في منطقة القنطاري (المعتقل في راشيا) وكان نواباً آخرين قد توجهوا إلى هناك ، فبلغ عدد النواب 17 نائباً ، إلا أن إطلاق الجنود الفرنسيين النار على القصر الجمهوري جعلهم يتلاقون في اليوم التالي ، 12 تشرين الثاني ، في منزل النائب صائب سلام ، حيث قرروا ما يلي:
- اعتبار الدستور قائماً .
- منح الثقة للحكومة المؤقتة التي كانت تواجدت في بشامون ، والمؤلفة من الوزيرين الباقيين خارج الاعتقال : الأمير مجيد أرسلان وحبيب أبو شهلا .
- اعتبار الحكومة التي يرأسها إميل إده باطلة وكل قرار أو قانون أو مرسوم أو تدبير تتخذه باطلاً لا يعتد به .
- تفويض الحكومة تفويضاً تاماً مطلقاً بإتخاذ جميع التدابير ، والقيام بجميع المساعي والمخابرات في سبيل عودة الحياة الدستورية والافراج عن المعتقلين .
هذا على صعيد مجلس النواب ، أما بالنسبة للحكومة المؤقتة التي إنضم إليها رئيس مجلس النواب صبري حماده فكانت إتخذت من منزل المواطن حسين الحلبي (2) في بشامون مقراً لها ، وراحت تشهد ، كما بشامون والمنطقة المحيطة ، تدفق مئات المتطوعين من كل أنحاء لبنان أتوا ليذودوا عن رجال الاستقلال ، والدفاع عن بشامون فيما لو هاجمتها القوات الفرنسية .
بدورهم كان القوميون الاجتماعيون يهرعون إلى بشامون من مناطق الجبل ، وخارجه ، حتى قدر عدد الرفقاء بالمئات (3) ، كان من أبرزهم الرقيب في الدرك الرفيق أديب البعيني الذي جعلته حميته الوطنية يترك مركزه في جرود عكار ويأتي إلى بيروت ويصطحب الوزيرين أرسلان وأبو شهلا إلى بشامون حيث فيها تولى قيادة الحرس الوطني ميدانياً (4) وكان من أبرز المجلّين أثناء التصدي لتقدم القوة الفرنسية .
يقول المربي الرفيق أنيس أبو رافع وقد كان في الرابعة عشرة من عمره ، تلميذاً في مدرسة الجامعة الوطنية في عالية عندما جمعهم أحد الطلبة القوميين الاجتماعيين - يظنه القاضي الرئيس كامل ريدان – ليتوجهوا إلى بشامون التي تحولت إلى قلعة للنضال في مواجهة الاستعمار الفرنسي : " بشامون ، عين عنوب ، سرحمول ، تحولت إلى ثكنات ، في كل بيت جنود متطوعون ، وفي كل بيت مطبخ ومخبز ، يقطعون اللقمة عن أفواه أطفالهم ليطعموا متطوعي الحرس الوطني ، وتحول خارج البيوت إلى مرابض ومتاريس ، وراء كل جدار ، تحت كل شباك ، بجانب كل صخرة ، خلف كل زيتونة وسنديانة ، عيون ساهرة لرجال نذروا أنفسهم لحرية وطنهم واستقلاله " .
بدوره يقول الأديب المؤرخ الأمين نواف حردان في كتابه " على دروب النهضة " ، " أن القوميين الاجتماعيين كانوا في طليعة الذين أسرعوا إلى بشامون وفي مقدمتهم كامل أبو كامل وأديب البعيني .
بين هؤلاء الرفقاء كان محصل مديرية عين عنوب الرفيق سعيد فخر الدين . إلى جانب السنديانة الشاهقة التي ما تزال قائمة حتى اليوم ، شرقي الطريق ، وقف وراء متراسه . صباح الخامس عشر من تشرين الثاني تقدمت مصفحات الجيش الفرنسي بجنودها السنغاليين (5) من ناحية سوق الغرب – عيتات . فتصدى لها الحرس الوطني وكانوا أقاموا الحواجز على الطريق وسدوا مدخل بشامون بالحجارة الضخمة والصخور . ثلاث هجمات قامت بها القوة الفرنسية ، الهجوم الثالث جرى صباح الثلاثاء 16 تشرين الثاني ، ويومها تقدمت المصفحات كثيراً . الرفيق أديب البعيني راح يقذف المصفحات بطلقات سريعة من الرشاش الثقيل الذي كان يحمله على كتفه (وهو سلاح يقتضي وضعه على الأرض نظراً لثقله) ويقفز من مكان إلى آخر ، دائم الحركة والنشاط .
جنديان حاولا رفع الحجارة فيما المصفحة التي تقدمت تطلق النار لتحمي عمل الجنديين ، فقابلها رجال الحرس بالمثل وأردوا الجنديين فوراً ثم راحوا يطلقون النار على المصفحة المتقدمة والمصفحتين المتأخرتين ، إنما دون جدوى . عند ذلك خرج الرفيق سعيد فخر الدين ، بعد أن كان أطلق من بارودته الرصاص من وراء متراسه ليقذف المصفحة المتقدمة بقنبلة يدوية ، إلا أن رصاص المعتدين كان أسرع من اندفاعه وجأشه ، فلقد إنهال عليه من رشاش ضابط فرنسي كان يحاول الالتفاف من الخلف . " لقد رأيته بأم عيني ، يقول السيد منير تقي الدين في كتابه " ولادة استقلال " ، يخاطر بنفسه ويقوم بأعمال يعجز اللسان عن وصفها " .
الرفيق عادل قائدبيه وكان حينئذ شبلاً في الثانية عشرة من عمره شاهد الرفيق سعيد فخر الدين يصاب برشق على طول ظهره ، يروي " أنه بعد انسحاب المصفحات هرع رفقاؤه ولفوه بلحاف ثم حملوه على باب خشبي عتيق واتجهوا به نزولاً عساهم يصلوا به إلى الشويفات لكنه كان لفظ أنفاسه وهو في الطريق إليها ، فعادوا به ودفنوه في مأتم متواضع جداً " .
* * *
إذا كان الشهيد الرفيق سعيد فخر الدين ورفقاؤه قد قاموا بالأعمال البطولية في بشامون – عين عنوب ، إلا أن القوميين الاجتماعيين في المناطق اللبنانية لم يكونوا بعيدين عن المشاركة في التظاهرات التي عمت المدن . التظاهرة النسائية في بيروت شاركت في قيادتها كلودا ثابت - شقيقة رئيس المجلس الأعلى نعمة ثابت ، المعتقل مع العشرات من رفقائه في المية ومية – والعديد من الرفيقات ، من أمثال : جمال ناصيف ، نعم فاخوري ، أميرة تيماني ، انجال عبد المسيح وغيرهن . فيما التظاهرة الطلابية التي تصدى لها الجنود السنغاليون في بيروت وسقط فيها عدد من الشهداء ، كان من جرحاها الرفيقان ادمون كنعان (الأمين – عميد المالية لاحقاً) ووفيق عضاضة .
أما في قلعة راشيا حيث كان سيق إليها رئيسا الجمهورية والحكومة ، وعدد من الوزراء ، والنائب عبد الحميد كرامي ، فقد كان للدور الذي قام به الأمين جبران جريج يعاونه الأمين أنيس فاخوري ، والرفيق زكريا لبابيدي في إيصال المعلومات إلى رجالات الدولة المعتقلين ، الأثر الكبير في رفع معنوياتهم وتعزيز صمودهم ، الأمين جبران جريج تحدث عن أيام راشيا تفصيلاً في كتابه " حقائق عن الاستقلال – أيام راشيا " ، وما تحمّله ورفيقاه من خطر انكشاف أمرهم مما كان يترتب على ذلك من عقوبات شديدة ، خاصة أن الذي تسلّم أمرة المعتقل كان النقيب في الأمن العام الفرنسي Boutillon " المشهور بقساوته المجرمة والذي طبقت شهرته الآئمة الخافقين . كان بوتييون مرادفاً لشبح الرعب في قصص الإجرام أو مغامرات السفاحين " (الأمين جريج ، حقائق عن الاستقلال) .
عن تلك الأيام ، نوجز التالي :
كانت سلطات الاحتلال قد أبعدت من معتقل المية ومية إلى قلعة راشيا كلاً من الأمناء نعمة ثابت، مأمون أياس ، جبران جريج ، أنيس فاخوري والرفيق زكريا لبابيدي ، حيث التقوا الأمين وديع الياس مجاعص الذي كان نفي قبلهم إليها ، كذلك عدداً من الوطنيين من لبنان الشام الذين كانت اعتقلتهم سلطات الاحتلال ومن أبرزهم : الأمير فريد شهاب الذي تولى فيما بعد مديرية الأمن العام ، الصحافي نجيب الريس ، فكتور موسى ، الشيخ طه الولي ، معروف سعد والشيخ مصطفى السباعي ، (كانا في المية وميه ونقلا إلى راشيا) .
الأمير فريد شهاب كان مكلفاً بمسك دفاتر حسابات المعتقلين فعندما اتصل به أن الإفراج عنه بات وشيكاً طلب منه الأمين جبران جريج أن يرشحه لتولي المهمة بعد مغادرته ، فوافق وتمّ ذلك ، مما أفسح للأمين جبران في مجال الانتقال خارج غرفته وبالتالي أمكن له أن يقيم اتصالات مع آخرين في المعتقل ، ومن بينهم " خوسي " أحد الشغيلة الأجانب الذي اختير من بين زملائه للخدمة العامة ، وخوسي أصله إسباني يحسن اللغة التركية ، وآخر كان مسؤولاً عن مركز الهاتف " شاب من جزين اسمه جان رزق ، يأتي صباحاً عند الساعة السابعة وينصرف مساءً عند الرابعة . أصبحنا صديقين " كما يقول الأمين جبران جريج في كتابه .
لم تمض أيام حتى أعيد نعمة ثابت ومأمون أياس وغيرهما إلى معتقل المية ومية كما أخلي سبيل البعض الآخر . في 11/11/1943 وصل المسؤولون اللبنانيون إلى المعتقل على دفعتين: قبل الظهر الرئيسان بشارة خوري ورياض الصلح والوزيران كميل شمعون وسليم تقلا ، ثم بعد الظهر الوزير عادل عسيران الذي اعتقل في عاليه، والنائب عبد الحميد كرامي الذي أقتيد من مرياطة قرب طرابلس.
أمكن للأمين جبران جريج ، بمعاونة الأمين أنيس فاخوري والرفيق زكريا لبابيدي ، وبفضل الوظيفة التي تولاها ، بعد مغادرة الأمير فريد شهاب ، والتي جعلته يطلع على ما هو جار خارج المعتقل في المناطق اللبنانية من مظاهرات وإضرابات ومواجهات مع سلطات الانتداب ، أن يكون على تواصل مع رجالات الدولة المعتقلين فشدد بذلك من أزرهم ورفع من معنوياتهم التي كانت شبه منهارة .
الغليان الشعبي والضغوط التي مارستها بريطانيا (6) بشخص الجنرال سبيرز جعلا فرنسا تتراجع وتفرج عن رجالات الدولة المعتقلين في راشيا بتاريخ 22 تشرين الثاني 1943 ، وهو التاريخ الذي ثبت يوماً وعيداً للاستقلال . إلا أن الحنين لفرنسا ورغبة فريق من اللبنانيين إلى بقائها في لبنان لم ينته بإعلان الاستقلال واضطرار السلطات الفرنسية المنتدبة للرضوخ للإرادة الشعبية والإفراج عن المعتقلين من رجال الحكم ، فلقد قرر أنصار السياسة الفرنسية الاستفادة من حضور النائب يوسف كرم الذي كان فاز في انتخاب فرعي لمقعد زغرتا النيابي إلى المجلس يوم 27 نيسان 1944 ، للاستيلاء على البرلمان وطرد النواب منه وإسقاط العلم اللبناني ، ورفع العلم الفرنسي مكانه .
انطلق يوسف كرم من زغرتا ترفده على طول الطريق مواكب أخرى تنضم إلى الحشد الذي كان ينتظر في محلة الجميزة ، فتزحف جميعها من هناك إلى ساحة النجمة حيث البرلمان ، وتنفذ مخططها بمساعدة الفرنسيين الذين كانوا ما زالوا متمركزين في بناية إدارة الهاتف المجاورة لمجلس النواب (7).
لم تكن الحكومة اللبنانية تملك القوى الكافية لوقف هذا الزحف فاكتفت بنفر من الدرك والشرطة تمركز قرب مجلس النواب . التظاهرة المسلحة تدفقت على ساحة البرلمان تهتف لفرنسا وليوسف كرم، بحيث اصبح البرلمان والنفر القليل من رجال الأمن الذين يحرسونه جزيرة صغيرة وسط بحر من الرجال الأشداء المسلحين .
انطلقت الشرارة عندما رفع المتظاهرون العلم الفرنسي على باب البرلمان وحاولوا نزع العلم اللبناني عنه فتصدى لهم عند باب المجلس نفر قليل كان في عداده الصحافي نعيم مغبغب (النائب والوزير لاحقاً) الذي أطلق النار من مسدسه على محاولي إنزال العالم اللبناني . كان الوضع ميؤوساً منه وقد اختبأ النواب ورجال الحكومة والحضور في زوايا المجلس . في هذه المعمعة أخذ الحماس بالرفيق الدركي حسن عبد الساتر الذي راح يحدو بصوته الجمهوري متصدياً ببطولة للمهاجمين ، مستثيراً نخوة زملائه ، فلفت حداؤه العالي وغزارة رصاصه المهاجمين والفرنسيين المتمركزين في البناية المجاورة ، فأسقطوا الرفيق حسن برصاصة في رأسه توفي بعدها في اليوم التالي في مستشفى أوتيل ديو .
المأتـم
وعن مأتم الرفيق الشهيد حسن عبد الساتر وإنزال آخر علم فرنسي في منطقة بعلبك يقول الأمين مصطفى عبد الساتر في كتابه " أيام وقضية " :
كنت آنذاك أقضي عطلة الربيع في بعلبك . استثارت المعركة البطولية واستشهاد حسن عبد الساتر عواطف البعلبكيين إلى أقصى حد . استقبلوا جثمانه خارج بعلبك بحشود غفيرة رافعـة الأعـلام اللبنانية الجديدة . وأمام سراي بعلبك " وقفت خطيباً لأول مرة أؤبن قريبي وأطري بطولته واستشهاده وأستثير النقمة على المستعمرين الفرنسيين وعملائهم داعياً إلى الثأر .
" كان من المفروض أن ينقل جثمان الشهيد إلى مثواه الأخير في قرية إيعات . وكانت الطريق تمرّ حكماً أمام مركز الأمن العام الفرنسي بجانب هياكل بعلبك . وكانت الدائرة الوحيدة في بعلبك التي لا تزال ترفع العلم الفرنسي بعد أن كان الإنكليز قد قلّصوا النفوذ الفرنسي إلى حد بعيد .
" قبل دخول الجثمان إلى بعلبك حسبت للأمر حسابه وأعلنت رفضي بأن يمرّ الجثمان تحت العلم الفرنسي . كان رئيس المركز قريباً لي . اتصلت به ودعوته إلى إنزال العلم حتى لا نضطر إلى إنزاله بالقوة ، الأمر الذي يسفر عنه مهاجمة المركز وإحراقه . حاول إقناعي ، بروابط القربى ، أن أعزف عن ذلك . وأصرّ كل منا على موقفه .
" استدعيت نفراً من الشبان المتحمّسين ، قوميين وسواهم ، وهيأنا الخطة لاقتحام المركز وإنزال العلم الفرنسي وإحراقه ساعة مرور الجثمان أمام المركز . وقد أظهر الشبان حماساً واندفاعاً في ذلك . ولكن عملية الاقتحام لم تجر لأن الأوامر جاءت من بيروت إلى مركز الأمن العام في بعلبك ، بالموافقة على إنزال العلم وطيّه بالحسنى ، وطي العلم . وبإنزاله طوي آخر علم فرنسي كان ما زال مرتفعاً في سماء بعلبك . ولم يبق من مظاهر السلطة الفرنسية فيها غير مركز ومنزل المستشار الفرنسي دون أن يرفع على أي منهما أي علم .
" زاد ذلك في حماس الجماهير التي حملت جثمان الشهيد على الأكف بموكب مهيب ، مسافة خمسة كيلومترات إلى قرية " إيعات " حيث ووري الثرى وسط احتفالات امتدّت أعراس بطولة على عدد من الأيام إلى ما بعد عيد الشهداء في 6 أيار " ، حيث أقيم في سينما الأمبير في بعلبك مهرجان خطابي حاشد تكريماً للرفيق الشهيد .
بدورها أقامت عائلة عبد الساتر ذكرى الأربعين في بلدته " إيعات " ، وجهت فيها الدعوات إلى قرى وبلدات المنطقة كما مدت ولائم الطعام الضخمة . ألقيت في المهرجان كلمات عديدة كان منها كلمة العائلة ألقاها المواطن جميل عبد الساتر .
هوامش
ـــــــــ
1- تأمن إرسال المذكرة بواسطة مرافق الرئيس صبري حمادة ، مرشد شمص الذي وضع المذكرة داخل حذائه .
2- والد الرفيقين عادل وكامل الحلبي ، شقيق السيد يوسف الحلبي والد الرفقاء رفيق ، فؤاد ، أنيس ، بديع وبهيج الحلبي .
3- من المستحيل أن نورد أسماء جميع الرفقاء الذين شاركوا في القتال ، أو ساهموا في أعمال أخرى تعزيزاً للصمود . إنما نشير إلى أمناء ورفقاء وردت أسماؤهم في أدبيات الحزب دون أن نغفل تقديرنا لجميع الرفقاء الآخرين الذين لبّوا نداء حزبهم ، والواجب القومي :
الأمين كامل أبو كامل (كان منفذاً عاماً للمنطقة ، وقام مع الأمين فؤاد أبو عجرم ، إلى إشرافه ميدانياً ، باتصالات سياسية مع الحكومة المؤقتة في بشامون . عن هذا الأمر يشير الرفيق جورج عبد المسيح في يومياته) ، أمين سري الدين (من بزبدين) ، هاني وحمود الهاني (من رأس المتن)، معروف موفق (الشهيد عام 1949) وشقيقه فريد (من ديرقوبل) ، شفيق وتوفيق نور الدين (من سرحمول) .
4- كانت الحكومة المؤقتة اختارت لقيادة الحرس الوطني السيد منير تقي الدين (عيّن لاحقاً مديراً عاماً لوزارة الدفاع ، شقيق الرفيق الأديب سعيد تقي الدين) إلا أن القيادة العسكرية الميدانية كانت بعهدة الرفيق أديب البعيني .
5- من المعروف أن القوات الفرنسية كانت تضم جنوداً سنغاليين إذ كانت السنغال مستعمرة فرنسية في تلك المرحلة .
6- في حمى الصراع على النفوذ بين بريطانيا وفرنسا ، كانت بريطانيا إلى جانب بشارة الخوري في مواجهة اميل اده ، الفرنسي الميول والاتجاه .
7- يوضح الأستاذ غسان تويني في الصفحة 206 من " كتاب الاستقلال " ، " إن عناصر موالية لفرنسا ومدعومة من أجهزتها والأجهزة الخاضعة مباشرة لها ، من جيش وأمن عام ، استغلت مناسبة انتخاب يوسف كرم نائباً لمقعد نيابي شغر في الشمال ، فسارت إلى البرلمان وتسلق بعض الشباب إلى سطح المبنى لإنزال العلم اللبناني ورفع العلم الفرنسي القديم مكانه (العلم الفرنسي وفي وسطه أرزة) فتصدى الدرك للمحاولة وانتصر له بعض المؤيدين ، فوقع نتيجة الحوادث خمسة قتلى وسبعة عشر جريحاً " .
* * *
معلومات
ـــــــــ
• هناك " أشبال " ساهموا بطريقة أخرى في معركة الاستقلال وأصبحوا بعد ذلك رفقاء ومناضلين :
- عادل وتوفيق رافع حمدان اللذان شاهدا من منزلهما الكائن في عين عنوب لجهة سوق الغرب تقدم القوات الفرنسية ، فراحا يعدوان لإيصال الخبر ، ولأن توفيق كان أصغر سناً من شقيقه عادل فقد وصل قبله إلى مدخل بشامون حيث كان رجال الحرس الوطني .
- فايز عبد الخالق (أبو رمزي) الذي حمل رسالة من الملازم الأول فؤاد لحود الذي كانت تربطه علاقة بالعائلة ، موجهة إلى " حكومة بشامون الشرعية " ، فراح يعدو حتى أمكنه الوصول إلى بشامون وتسليم الرسالة إلى الأمير مجيد .
• حاول البعض ثني السيد حسين الحلبي عن تقديم منزله لرجالات الحكومة عند انتقالهم إلى بشامون – لماذا تتحمل المسؤولية ؟ من السهل على الفرنسيين وهم متواجدون في مرتفعات فوق بشامون أن يدمروا منزلك بكامله .
أجابهم المواطن المؤمن بشعبه ووطنه : لقد عمّرت البيت بفلوسي ، ومستعد أن أعمّره مرة ثانية . إلى جوار منزل المواطن حسين كان يقع منزل شقيقه يوسف ، الذي كان بدوره يستقبل الاجتماعات التي كانت تجريها الحكومة المؤقتة مع الجنرال سبيرز .
• يقول السيد منير تقي الدين الذي اختارته الحكومة المؤقتة في بشامون مسؤولاً مشرفاً على " الحرس الوطني " . في كتابه " ولادة استقلال " : " فلما اعترضت الصخور طريق المصفحة الأولى ترجل منها جنديان راحا يحاولان رفع الحجارة عن الطريق ، بينما أخذت المصفحة تطلق النار ذات اليمين وذات اليسار ، لتحمي نزول الجنديين فقابلها الحرس بالمثل فصرع الجنديان حالاً، وأخذ الرصاص يتساقط على المصفحة المتقدمة والمصفحتين المتأخرتين ، فلا يعمل فيها شيئاً . عند ذلك خرج من وراء المتاريس شاب قفز إلى الطريق وقذف المصفحة بقنبلة يدوية فانهال عليه رشاش من الرصاص مزقه تمزيقاً . إنه سعيد فخر الدين من عين عنوب وقد رأيته بأم العين يخاطر بنفسه ويقوم بأعمال يعجز اللسان عن وصفها " .
• نص البلاغ رقم 1 الذي صدر عن وزير الدفاع الوطني الأمير مجيد أرسلان بتاريخ 17/11/1943 :
هاجمت قوات فرنسية مسلحة مركز الحكومة الشرعية في بشامون مساء الاثنين في 15 تشرين الثاني 1943 فردتها وحدات الحرس الوطني دون خسائر في النفوس ، وفي صباح اليوم الثاني شنت القوات المصفحة الفرنسية هجوماً عنيفاً على المركز المذكور فردت على أعقابها أربع مرات متوالية حتى الساعة الثالثة بعد الظهر وسقط بعض القتلى والجرحى من الجنود السنغاليين وفقدنا شهيداً واحداً يدعى سعيد فخر الدين من عين عنوب .
* * *
• لما التبجح ؟ لقد سقط شهيد واحد في معركة استقلال لبنان عام 1943 اسمه سعيد فخر الدين وهو سوري قومي اجتماعي .
(النائب كمال جنبلاط في المجلس النيابي اللبناني عام 1969) .
• كان البطل أديب البعيني منهم (أي من القوميين الاجتماعيين) رحمه الله ، وكان منهم أيضاً سعيد فخر الدين الشهيد الوحيد الذي وقع في حوادث بشامون .
(النائب كمال جنبلاط عام 1949 في الاستجواب الذي قدمه للحكومة حول استشهاد سعاده).
• تميز الرفيق أديب البعيني بقوته البدنية الفائقة وبجرأته النادرة ، كما أنه كان شاعراً زجلياً نظم العديد من القصائد وكانت له مساجلات مع شعراء آخرين . رثاه العديد من شعراء الزجل ، كان من بينهم الأمين عجاج المهتار ، الرفيق قاسم نجد (من العبادية) والرفيق وليم صعب صاحب مجلة " البيدر " وامير الزجل اللبناني .
• يقول السفير السابق المرحوم الشيخ حليم أبو عز الدين (من العبادية) بعد أن يتحدث عن الصّلات القديمة والتي توثقت مع الأيام بين عائلتي البعيني وأبي عز الدين ، أن الرفيق أديب " حضر إلى عندنا وعاش بيننا ومعنا في بيتنا عدة سنوات كأحد أفراد عائلتنا " ويضيف : " أذكر عنه ذكاءه الحاد ومروءته وإقدامه وشجاعته ، كان محبوباً من جميع أقرانه وقد ذهب إلى المدرسة في العبادية وأنشأ علاقات طيبة مع أبناء جيله الذين بقوا يذكرونه بالتقدير والإعجاب .
ويقول السفير أبو عز الدين أن شقيقه نجيب كان تولى إدارة شؤون مشروع حمامات الحمة المعدنية على الحدود الشامية الفلسطينية، لصاحبها سليمان ناصيف، من المختارة ومن اللبنانيين الذين أنشأوا لهم مركزاً أدبياً ومادياً في مصر ، ولأن منشآت الشركة كانت محاطة بمئات البدو الذين يريدون العمل فيها بالقوة ، فقد تولى الرفيق أديب بين السنوات 1933 – 1936 حراسة منشآت الشركة وأشرف على الأمن فيها . " ذات يوم هجم رجال البدو علينا وكانوا حوالي 30 بدوياً وأرادوا تحطيم المنشآت ، وفي لمحة البصر رأينا أديب يأتي بعصا غليظة ويهجم بسرعة البرق على هؤلاء فجرح منهم ثلاثة وولى الباقون الادبار " .
• مجلة " بلبل الأرز " كتبت عنه تقول : في الخامسة والعشرين من عمره . لا يخاف الموت ، جبار ، عملاق ، شديد العضلات ، مفتول الساعدين ، مخلص وكريم وشجاع لدرجة الجنون الأهوج الذي لا يوصف ، يبيع راحته ليكون وفياً ، ويبيع ثيابه ليهب ويبيع روحه في أسواق المعارك ومعامع شرف النفس " .
• يقول الأديب نجيب البعيني في كتابه " رجالات من بلادي " أن الرفيق أديب عين رئيساً للحرس الوطني في بشامون نظراً لما يتمتع به من شجاعة وجرأة وحنكة ، وقضى ثلاثة عشر يوماً ساهراً ينظم الصفوف ، يفترش الأرض ويلتحف السماء ، يسند رأسه إلى الحجارة ويده على " المتروليوز " (الرشاش) لا يتركه لحظة متعطشاً في كل وقت إلى القتال .
• يروي السفير الشيخ خليل تقي الدين في مذكراته بعنوان " مذكرات سفير " : كان أديب لا يفارق رشيشه لا في الليل ولا في النهار وكان يتحرق للقتال . فلما هوجمت بشامون رأيناه حركة دائمة يطلق النار من هنا ، وهناك ، وينتقل بسرعة فائقة من مكان إلى مكان لكي يوهم المهاجمين أن عشرات الرشاشات مصوبة بين أشجار الزيتون . فلما انجلت المعركة عن مقتل الشهيد سعيد فخر الدين وانسحاب المهاجمين رأيته يبكي فسألته ما بك يا أديب ؟ قال : " كيف يموت سعيد فخر الدين وأبقى أنا أحيا ؟ لقد وضعت دمي على كفي فأبى الموت أن يأخذني .
• كافأت الدولة اللبنانية الرفيق أديب البعيني بأن نقلته من رئاسة مخفر للدرك في منطقة عكار إلى تولي رئاسة الحرس الجمهوري في القصر الجمهوري الذي كان كائناً في محلة القنطاري . إلا أنه قتل غدراً مساء 31 كانون الأول 1943 . وقد وقع الحادث عندما كان رئيس الجمهورية بشارة الخوري عائداً مشياً على الأقدام من سهرة بجوار منزله وبرفقته أحد أزلامه من بلدة رشميا يدعى سليم الحران . ولما طرق هذا ، الباب الخارجي ، تأخر الحرس في فتحه ، فأخذ سليم يشتم ويصيح، فخرج إليه الرفيق أديب (رئيس الحرس) وانتهره بأن يكف عن إهانة الحرس ، ولما أدار ظهره أطلق عليه النار غدراً .
بعد استسلامه ، حكم على سليم الحران بالسجن مدة خمسة عشرة سنة . إلا أنه لم يمكث في السجن سوى ثلاثين شهراً ، وأطلق سراحه .
* * *
• كان الرفيق الشهيد حسن عبد الساتر طويل القامة ، ممتلئ البنية وقويّها ، جهوري الصوت ، يغني العتابا بصوت جميل قوي يسمع إلى مسافات بعيدة جداً .
• أخوه علي موسى عبد الساتر كان دركياً في الهرمل في أوساط العشرينات . يوم اندلعت الثورة السورية وانضم إليها قسم من عشيرة الجعافرة بقيادة زين جعفر في جرد الهرمل ، بمساعٍ وتحريض من سعيد العاص (الرفيق الشهيد عام 1936) ونظير النشواتي . أخذ علي موسى عبد الساتر سلاح المخفر والتحق بالثورة ، وناضل ببطولة مع الثائرين . ولما همدت الثورة اعتقل في بعلبك وأمضى سنوات طويلة في سجن بيت الدين إلى أن خرج منه بعفو سنة 1936 مريضاً مصاباً بأمراض عصبية ألحقت بأطرافه العليا رجفة دائمة .
الأمين مصطفى عبد الساتر (من كتابه أيام وقضية)
• أبرزت جريدة " النهار " في عددها الصادر في 28 نيسان 1944 خبر الحادث أمام البرلمان ، فأوردت التالي : "ثبت أن النائب يوسف بك كرم قدم من طرابلس ومعه سيارتان من رفاقه فقط . وثبت أن جماعات كانت تنضم إلى هاتين السيارتين في الطريق ثم تندس جماعات غيرها في الموكب كلما تقدم في السير حتى إذا وصل إلى مدخل بيروت كانت جماعات عديدة في انتظاره ، كأنها كانت على موعد " .
• لم تمنح الدولة اللبنانية الشهيد الرفيق حسن عبد الساتر ميدالية ، ولا هي أدرجت اسمه في عداد شهداء قوى الأمن ، ولم يصلنا أنها ذكرته يوماً عند الحديث عن معركة الاستقلال .
بطاقة هوية
ــــــــــ
سعيد خليل فخر الدين .
- مواليد عين عنوب عام 1903 .
- انتمى إلى الحزب في مديرية عين عنوب عام 1941 وكان يتولى مسؤولية محصل يوم استشهاده .
- عمل الرفيق سعيد في زراعة أرضه ، ثم اقتنى طنبراً كان ينقل بواسطته الخضار إلى بيروت .
- اقترن من السيدة نبيهة الشعار ، ورزق منها ثلاث أبناء : أمين ، رشيد ، ووجيه .
- استشهد في 16 تشرين الثاني 1943 في عين عنوب – مفرق بلدة بشامون .
حسن موسى عبد الساتر .
- ولد في ايعات (بعلبك) هام 1909 .
- اقترن من السيدة زينب عبد الساتر ، ولم يرزقا أولاداً .
- التحق بسلك الدرك اللبناني .
- انتمى إلى الحزب في منفذية بعلبك عام 1942 .
- أصيب أمام البرلمان اللبناني في ساحة النجمة ، بتاريخ 27 نيسان 1944 واستشهد في اليوم التالي ، 28 نيسان ، في مستشفى أوتيل ديو في بيروت .
مدالية الجهاد الوطني
ـــــــــــــــــــــ
بتاريخ 2 تموز 1946 صدر المرسوم رقم 9377 بمنح الرفيق الشهيد سعيد فخر الدين " مدالية الجهاد الوطني " ، بعد أن كان أقر بتاريخ 20 تشرين الثاني سنة 1945 القانون الذي نص على إنشاء " مدالية الجهاد الوطني " ومنحها للأشخاص الذين جاهدوا في سبيل لبنان أثناء حوادث 11 – 22 تشرين الثاني 1943 . وفيما منحت الدولة المدالية إلى عدة شخصيات لبنانية أبرزها : رئيس الجمهورية بشارة الخوري ، وزوجته السيدة لور ، صبري حمادة ، رياض الصلح ، الأمير مجيد أرسلان ، جميل لحود وغيرهم (1) إلا أنها حجبتها عن أبطال الاستقلال في قلعة راشيا الأمينين جبران جريج ، أنيس فاخوري ، والرفيق زكريا اللبابيدي ، كذلك عن الرفيق البطل أديب البعيني ، ولاحقاً عن الرفيق الشهيد حسن عبد الساتر .
نص المرسوم :
ـــــــــــــ
مرسوم رقم 9377
إن رئيس الجمهورية
بناء على الدستور اللبناني
ولما كان المرحوم سعيد فخر الدين من أهالي بشامون (2) قد ضحى بحياته في سبيل لبنان في حوادث 11-22 تشرين الثاني سنة 1943 .
وبناء على قرار مجلس الوزراء المتخذ في 20 تشرين الثاني سنة 1945
يرسم ما يلي :
المادة الأولى: منح المرحوم سعيد فخر الدين مدالية الجهاد الوطني تخليداً لذكراه بعد الوفاة .
المادة الثانية: ينشر هذا المرسوم حيث تدعو الحاجة .
بيروت في 2 تموز 1946 .
صدر عن رئيس الجمهورية .
الإمضاء : بشارة خليل الخوري .
رئيس مجلس الوزراء
الإمضاء : رياض الصلح .
1. منهم أيضاً ، الزعيم زهران يمين (الرفيق الذي سيكون له دوره في أواخر الأربعينات في تدريب صف الضباط القوميين الاجتماعيين) والملازم محمد زغيب (الرفيق ، شهيد معركة المالكية عام 1948) .
2. الصحيح أنه من أهالي عين عنوب وقد ولد فيها عام 1903 .
مناسبات أقيمت للرفيق الشهيد سعيد فخر الدين
ــــــــــــــــــــــــــــ
مهرجان العام 1954
ـــــــــــــــــــ
في تشرين الثاني عام 1954 أقامت منفذية الغرب مهرجاناً شعبياً في بشامون في ذكرى استشهاد الرفيق سعيد فخر الدين . في المهرجان المذكور ألقى ناظر إذاعة منفذية الغرب الأمين إنعام رعد خطاباً شاملاً نشرته جريدة "البناء" عندما كانت تصدر في دمشق ثم أعادت نشره جريدة "البناء" في بيروت في عددها رقم 703 بتاريخ 23/11/1960 ، وفيه يقول الأمين إنعام : " إن الشهيد الرفيق سعيد فخر الدين لم يكن القومي الاجتماعي الوحيد في المعركة ، وإن كان الشهيد الأوحد فيها . إن عشرات الرفقاء من بشامون والشويفات وسرحمول وعين عنوب ، ومن أمكنة قريبة وبعيدة من الوطن ، اشتركوا في القتال هنا ، ليس كأفراد موزعين ، بل كوحدات علها مسؤولون ، وكان الاتصال دائماً بالقيادة القومية الاجتماعية في عالية .
* * *
في مهرجان حاشد في بشامون توافد إليه الألوف بذكرى الاستقلال .
رئيس الحزب يقول: الخطير الخطير أن نكتفي من الاستقلال بعيده .
يوم الثلاثاء 22 تشرين الثاني العام 1960 وفيما الدولة تقيم احتفالها الرسمي في بيروت ، في ذكرى الاستقلال ، كان ألوف القوميين الاجتماعيين يقيمون الذكرى في بيت المرحوم حسين الحلبي ، هذا البيت الذي احتضن حكومة الاستقلال ورافق ولادته ، وعلى مشارف التلال والوديان التي شهدت ثورة بشامون واستشهاد البطل القومي الاجتماعي سعيد فخر الدين .
لبى دعوة الحزب وزير الدفاع الوطني الأمير مجيد أرسلان ونائبا منطقة عالية الشيخ فضل الله تلحوق والأستاذ إميل مكرزل .
عريف المهرجان الرفيق أنيس أبو رافع ، ثم تكلم مدير مديرية بشامون الرفيق جان عازار ، فقصيدة لكل من الرفيق فؤاد ذبيان (الأمين لاحقاً) والرفيق عارف حسان ، واختتم المهرجان بخطاب سياسي وقومي شامل لرئيس الحزب آنذاك الأمين الدكتور عبد الله سعاده .
• كان في برنامج الاحتفال أن يلقي الرفيق يوسف المعلم كلمة (الأمين لاحقاً – عميد المالية) إنما ضيق الوقت حال دون ذلك فنشرتها "البناء" في عددها الصادر يوم الخميس 24 تشرين الثاني 1960 ، وفي العدد تغطية كاملة للمهرجان المذكور .
• ازدانت بشامون بحلة لم تشهدها من قبل : صورة الزعيم وعلم الزوبعة يزينان مدخلها ، مكبرات الصوت وزعت في داخل البلدة ، على السطوح ، وفي الشوارع علقت اليافطات الترحيبية .
• منذ الصباح الباكر كانت وفود منطقة الغرب تتوافد إلى بشامون ، وكانت وحدات القوميين الاجتماعيين تهبط البلدة التاريخية لتنتظم في صفوف بديعة التنظيم ، فغصت الشوارع بالحشود واستطالت صفوف القوميين مئات الأمتار على عرض الطريق الرئيسية المؤدية إلى مكان الاحتفال .
من كلمة رئيس الحزب الأمين عبد الله سعاده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بفضل وعي الشعب في لبنان وجهاد القوميين الاجتماعيين والمخلصين نعمنا بهذا العيد وكان بداية عهد صعب علينا . ليس عاراً ولا ضيراً أن نعترف متواضعين بأننا لا نزال ، من عهد الاستقلال، من أول الطريق ، وليس عاراً ولا خيراً أن نعترف بأن مسؤوليات الاستقلال على جمالها وعلى نعمتها أثقل وأقوى واصعب من مسؤوليات الانتداب والاستعمار. أما اليوم وقد رحل المستعمر إلى غير عجلة، وزال عنا الانتداب الثقيل ، هل نكتفي ببهجة العيد وفرحته ؟ وهل نكتفي بالعمل الحثيث التائه رويداً رويداً فيسبقنا الزمن وتسبقنا الأمم ونتخلف عنها ونحن نسعى إلى الأمام ، أم يجب أن تعصف فينا الثورة المغيّرة كل مفاهيم حياتنا ، فنبني عهداً ثورياً جديداً لا سلاح فيه ولا حديد ولا رصاص ولا نار، بل ثورة أفعل وأمضى وأعمق وأبعد من السلاح وزمن الرصاص ومن الحديد ومن النار .
* * *
مهرجان العام 1972
ـــــــــــــــــــ
• عن مجلة "البناء" العدد 44 تاريخ 23 تشرين الثاني 1972 :
دعا المجلس البلدي في عين عنوب مع جمعية نهضة الشبيبة الخيرية فيها ولجنة شهيد الاستقلال سعيد فخر الدين ، لحضور مهرجان خطابي أقيم بعد ظهر يوم الاثنين الواقع فيه 22 تشرين الثاني في الساحة التي قدم فيها شهيد النهضة وديعة الأمة في عروقه يوم معركة الاستقلال عام 1943.
لبت الدعوة وفود شعبية من مختلف القرى المجاورة ، وقد تمثلت الدولة بشخص وزير الصحة الدكتور إميل بيطار ، وقيادة الجيش بمندوب عنها ، شارك الحزب التقدمي الاشتراكي بوفد منه ، أما الوفد الحزبي فقد تشكل من حضرة عميد الداخلية وحضرة عميد الإذاعة وحضرة عميد الدفاع ، كما شاركت فرقة من الكشاف بمعزوفات قدمتها بين الكلمات التي ألقيت في المهرجان كما حضره بعض نواب المنطقة .
قدم الخطباء الأستاذ عجاج نويهض مشيداً بالقيم التي يمثلها الشهيد مفتتحاً الاحتفال بدقيقة صمت احتراماً لشهداء لبنان .
كان حضرة نقيب الصحافة الأستاذ رياض طه في عداد الخطباء ، فقدم عريف الاحتفال اعتذاراً باسمه لعدم تمكنه من الحضور . ثم قدم الأستاذ باسم الجسر الذي ألقى كلمة تعرض فيها لدولة الاستقلال والثغرات التي يعاني منها النظام مطالباً بوضع حد لها ليكون للاستقلال معنى وقيمة ، مشيداً بالصداقات الدولية التي دعمت لبنان في موقفه والتي أسهمت في الحصول على الاستقلال ، فكسبت صداقة اللبنانيين . ثم قدم العريف الرفيق عصام العريضي ، عضو المكتب السياسي في الحزب ، فارتجل كلمة قوطعت مراراً بالتصفيق مركزاً على أهمية الدم في صناعة تاريخ الشعوب ، متسائلاً عما حققته دولة الاستقلال لمواجهة الغزوة البربرية الصهيونية التي تهدد مصيرنا ومستقبلنا والتي شردت قسماً من شعبنا في فلسطين ، بعده قدم الأستاذ مالك حمدان قصيدة نقدية يتعرض فيها لمساوئنا وقد استعيدت بعض مقاطعها وقوطعت مراراً بالتصفيق . بعد ذلك ألقى الأستاذ يوسف حرب كلمة شكر فيها باسم آل فخر الدين وعين عنوب جميع الذين شاركوا بحضورهم هذا الاحتفال مقدماً بعض النصائح لصيانة الاستقلال ومحاربة الرجعية والإقطاع المتحالفين مع الاستعمار ضد تقدم شعبنا وتنعمه بمواده التي يجب أن يوفرها الاستقلال الصحيح .
احتفال تكريمي لشهيد الاستقلال في مسرح المدينة عام 2001
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الذكرى الثامنة والخمسين لاستشهاد الرفيق البطل سعيد فخر الدين ، أقام الحزب بتاريخ 21 تشرين الثاني 2001 احتفالاً تكريمياً حاشداً بالمناسبة ، في مسرح المدينة – كليمنصو – ببيروت .
حضر الاحتفال إلى رئيس الحزب وعدد من أعضاء القيادة المركزية ، وزير الدفاع الوطني خليل الهراوي ممثلاً رئيس الجمهورية العماد اميل لحود ، النائب ناصر قنديل ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري ، وزير العمل الأمين علي قانصو ممثلاً رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري ، والنواب : محمود أبو حمدان ، علي حسن خليل ، فيصل الداوود ، عباس هاشم ، الأمين د. مروان فارس ، الأمين غسان الأشقر ، والنائب السابق مروان أبو فاضل ، وممثل عن قائد الجيش العماد ميشال سليمان ، ممثل عن مدير عام الأمن العام اللواء جميل السيد بالإضافة إلى شخصيات رسمية وحزبية واجتماعية ورؤساء بلديات ومخاتير وحشد من السوريين القوميين الاجتماعيين والمواطنين وعدد من أفراد عائلة فخر الدين .
استهل الاحتفال بنشيد الحزب والنشيد اللبناني ، ثم قدم الاحتفال الرفيق أنيس أبي رافع بكلمات تعبر عن المناسبة ، وتخلله قراءات شعرية للأمينة نضال الأشقر ، وتكلم فيه كل من رئيس الحزب الأمين جبران عريجي ، وزير الدفاع الوطني النائب خليل الهراوي ، الرفيق جان دايه ، الدكتور شوقي عمار باسم أهالي عين عنوب ، كما قدم الفنان خالد عبدالله وصلة فنية رائعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق