المـوسيـقـار الـرفيـق
تـوفـيق البـاشـا
قليلون هم الرفقاء الذين يعلمون أن الموسيقار توفيق الباشا كان قومياً اجتماعياً، تتلمذ على يد خاله الموسيقي الرفيق خليل مكنية، وإن الحزب قدم له، إلى أمناء ورفقاء آخرين، منهم منير خوري، مصطفى عز الدين، زكي ناصيف، هاجم فلوح، عبد الله محسن، وتمّ ذلك في احتفال حاشد أقيم في إحدى صالات السينما في رأس بيروت. عنه هذه النبذة التي تساهم في الإضاءة على تجليّه في عالم الموسيقى.
ولد توفيق الباشا في بيروت العام 1924. وكان لخاله الموسيقي خليل مكنية فضل كبير في إقناع الأهل بتوجه ابنهم نحو الموسيقى، ودور أكبر في توجيه الباشا وارشاده وتشجيعه.
منذ مطلع شبابه، وعى توفيق الباشا حقيقة موهبته الموسيقية وأدرك أنه خلق ليلعب دوراً أكبر من دور عازف هاوٍ على آلة (الفيولونسيل) أو (التشيلو). فقد أيقن أنه سيكون مؤلفاً موسيقياً، الامر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بالعلم وبالمزيد من الدراسة...
إلتحق بالمعهد الموسيقي في الجامعة الأميركية في بيروت بين العامين 1941 و 1944، ليعمّق دراسته الموسيقية على يد أستاذ روسي ابيض يدعى ألكسي كوغل، كما كان للفرنسي برتراند روبيار فضل كبير في تثقيفه موسيقياً وفي تلقينه دروساً في التأليف الموسيقي، شأنه شأن الأخوين رحباني اللذين تلقيا الدروس عينها على يد روبيار. وكان قد سبقهم إلى ذلك الرفيق زكي ناصيف.
بدأ الموسيقار الرفيق توفيق الباشا رحلته مع التأليف الموسيقي متحدياً كل الصعوبات والعقبات، وفي مقدمتها ترجيح كفة الألحان الغنائية على الألحان الموسيقية البحتة لدى الجمهور العربي.
ورغم إدراكه لأهمية التأليف ووعيه الحاجة إلى أوركسترا متكاملة قادرة على تنفيذ هذه المؤلفات، وإلى جمهور مثقف، فقد تعامل في البداية مع الواقع، فلحّن عشرات الاغاني ومئات القصائد للبرامج الغنائية الإذاعية، وأعطى اهتماماً خاصاً للموشحات الأندلسية وأشبعها درساً، حتى أصبح مرجعاً أساسياً فيها.
هذه الأعمال لم تعقه عن هدفه الأساسي أي التأليف، فكان يعمل باستمرار على المقطوعات والمؤلفات الموسيقية ويصممّها. أعدّ بداية مجموعة من الألحان الشعبية والفولكلورية اللبنانية:"عمي يا بياع الورد"، "قهوة بلدي"، "يا مايلة ع الغصون"، "زوروني"، "طلعت يا محلى نورها"،"يا أم العباية" الخ.... ثم كتب أعمالاً موسيقية أصدرها في اسطوانة تحت عنوان "فانتيزي أورينتال (Fantaisie Oriental )" وهي مجموعة جمل موسيقية من فاصل "أسق العطاش" تلعب فيها كمان عبود عبد العادل دور المطرب في العمل الأساسي.
واتبعها بثانية عنوانها "الأندلس (Andalouse suites)" بثالثة عنوانها "السجادة السحرية ((Le Tapis Magique" وهي مستوحاة من ألف ليلة وليلة.
مـهام إداريـة ومـناصـب:
تولى الموسيقار الرفيق توفيق الباشا إدارة القسم الموسيقي في إذاعة القدس من رام الله من العام 1949 حتى العام 1951 ليتفرّغ للتأليف الغنائي والموسيقي وقيادة الأوركسترا في فرقة باليه "الشرق الأوسط". ومعها قدم أعماله على أهم المسارح في العديد من الدول العربية منها، أوبرا القاهرة، وبغداد والقدس ودمشق، وصولاً إلى بومباي وكلكوتا ونيودلهي في الهند.
عاد في العام 1953 إلى الإذاعة في محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية إلى حين توقفها عن البث في العام 1956. وكان من مؤسسي مهرجانات بعلبك الدولية وقائداً للأوركسترا في الأعوام 1957 و1959 و1964 و1974.
أسهم في العام 1960 في تأسيس فرقة "الأنوار العالمية" التي قدمت حفلاتها في مسرح كازينو لبنان وجالت في قبرص وباريس وفرانكفورت والقاهرة والكويت وعمان وأوكلت إليه في العام 1961 رئاسة دائرة الموسيقى في إذاعة لبنان.
الـمـسز كـوك:
محطة هامة ومفصلية في مسيرة الرفيق توفيق الباشا الموسيقية، وهي تعرّفه على مسز كوك سنة 1951، التي ما فتئ يذكرها ويذكر تأثيرها عليه وعلى توجهاته الموسيقية ويعتبرها نقطة تحوّل في حياته.
المسز كوك سيدة أميركية على جانب كبير من الثقافة والمعرفة، أحبّت المشرق وروحانيته وانشغلت بإبن عربي وجلال الدين الرومي وغيرهما من المتصرفين. أنشأت فرقة للباليه جمعت عناصرها من إيران وجالت في عواصم العالم: الهند، مصر، ايران، البلاد العربية... الخ. وكانت هذه السيدة قد أفردت في عرضها لوحة تعبيرية للمولد النبوي الشريف، وكانت تبحث عن موسيقي مسلم يضع لها موسيقى لهذه اللوحة. استمعت بالمصادفة إلى قطعة موسيقية لتوفيق الباشا، وصرخت: "هذا هو". وتم اللقاء والتعاون بينهم.
الإذاعـة الـلـبنانيـة والـتحـدي:
ترك الموسيقار الرفيق توفيق الباشا بصماته بقوة على الإذاعة اللبنانية، فقد تسلم فيها زمام الدائرة الموسيقية بقسميها الشرقي والغربي لمدة ناهزت ربع قرن. وأدت جهوده الدؤوبة إلى تحقيق إنجازات عديدة على صعيد التجهيز والتنظيم، وهي إنجازات كان لا بد منها لتنفيذ سياسته التي وضعها للإرتقاء بالأغنية اللبنانية شكلاً ومضموناً، سواءً لجهة الكلمة أو اللحن أو الأداء.
وبعد جهود مضنية مع الروتين الإداري والبيروقراطية في الوزارات المعنية، تمكن من تجهيز استوديو الإذاعة بآلات موسيقية متطورة.... والتعاقد مع مجموعة من العازفين الذين يجيدون قراءة النوتة الموسيقية وكتابتها، للعزف على هذه الآلات، الأمر الذي زوّد الإذاعة بأفضل فرقة للموسيقى الشرقية في لبنان على الإطلاق، وقد استعين بهذه الفرقة في جميع المهرجانات الفولكلورية والحفلات الموسيقية الكبرى في شتى بقاع الوطن. كما ضاعف عدد أفراد الكورال العاملين في الإذاعة، وتعاقد مع مجموعة من الموسيقيين والملحنين المشهود لهم بالعلم والخبرة للعمل كمخرجين موسيقيين والاشراف على تنفيذ الأعمال الموسيقية والغنائية.
وكان يتابع عملية التنفيذ سواء بحضوره شخصياً في الاستديو أو من خلال جهاز الاستماع الذي جهزت به مكاتب جميع المسؤولين في الإذاعة.
إستطاع الرفيق توفيق الباشا، بقيادته دائرة الموسيقى وبمشاركة مجموعة من الموسيقيين اللبنانيين الذين استقطبهم حوله (أمثال عبد الغني شعبان، ميشال خياط، حليم الرومي، خالد أبو النصر، أنطوان زابيطا، الياس الرحباني، يعقوب طاطيوس، والذين انضم إليهم في ما بعد إحسان المنذر وسليم سحاب)، أن يحقق للإذاعة السمعة اللائقة في العالم العربي.
مات الموسيقار الرفيق توفيق الباشا بعد صراع طويل مع المرض في السادس من كانون الأول 2005، عن 81 عاماً، كما يموت الكثير من المبدعين، قبل أن يشهدوا من يتعرف حقيقةً إلى ماهيتهم وحضورهم وعناوينهم الجمالية ودورهم الحيوي كما ينبغي.
إنه من جيل المؤسسين الذين صنعوا الفن صافياً طموحاً مختمراً بتجارب حلوة، وأخرى مرّة. ولقد ترك الراحل للعالم عازفاً يعتبر من الأوائل على المستوى الدولي هو عبد الرحمن الباشا.
رحل الموسيقار الكبير المبدع قلقاً على "الأوبرا التراثية التاريخية أوروبا وقدموس" من تأليف سعيد عقل، والتي أمضى سنين من عمره لإنجازها، والتي لم تكن تحتاج إلا لمن يدعم إنتاجها.
مـؤلفـاتـه الغـنائـيـة:
* ألف ألحاناً غنائية لمعظم الشعراء في لبنان وبعض شعراء الأقطار العربية تربوا على مئات الأغنيات والقصائد بين العامين 1959 و1981 لكبار المطربين اللبنانيين والعرب.
* ابتدأ العام 1962 في كتابة الألحان والموسيقى لأكثر من 3000 قصيدة من تراث الأدب العربي، توزعت على برامج إذاعية وتلفيزيونية، منذ العصر الجاهلي إلى العصر العباسي ومنها: " ليالي الأصفهاني في كتاب الاغاني"، "مجالس الطرب عند العرب"، "ليالي شهرزاد"، "بدائع النغم"، "عباقرة الغناء عند العرب"، "اشعب والكندي"، "جحا".
المـؤلفـات السمـفـونـية:
* سمفونية "الليل" مستوحات من شعر لسعيد عقل 1953.
* سمفونية "فوق البنفسجية: اللامقامية" (جائزة المعهد الموسيقي الوطني) 1969.
* سمفونية "بيروت 82" (عن الاجتياح الاسرائيلي لمدينة بيروت) 1983.
* سمفونية "السلام" 1985- 1986. عزفتها في العام 1988 أوركسترا الفيلهارموني لمدينة لياج في لياج وبروكسل وفيرفييه.
* الثلاثية المقامية "لآلة البيانو والأوركسترا الوترية" 2000- 2001. ألف الموسيقى التصويرية لخمسة أفلام تسجيلية طويلة.
* استحدث في الفن الإنشادي الروحي العربي آل "أوراتوريو" فألف "الإنشادية النبوية" شعر أحمد شوقي "أوراتوريو" 1995، وإنشادية "عظماء الدنيا وعظماء الآخرة" 1996. النص الأدبي للدكتور مصطفى محمود عن تراث الشيخ محي الدين بن عربي "أوراتوريو2" قدمتهما أوركسترا القاهرة السمفوني مع كورال أوبرا القاهرة.
* صدرت له في العام 1998 مجموعة مختارة من أعماله الموسيقية والغنائية الكاملة على 17 CD
كـتـبه:
* المختار من الموشحات الأندلسية (تحقيق وتأليف).
* الإيقاع في الموسيقى العربية (تحقيق ومقارنة).
* الكمان والارباع الصوتية (21 دراسة عالية).
أوسـمته وجـوائـزه:
ميدالية الإستحقاق اللبناني الفخرية 1975.
* ميدالية مدينة "باريس" 1961.
* وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى (جمهورية مصر العربية) 1975.
* وسام الإستحقاق اللبناني من رتبة فارس 1997.
* ثلاث أوسمة من جمعية Paris- Sacem.
* الوسام المذهب من جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية 1989.
* جائزة مؤسسة عبد الهادي الدبس 1997.- الجائزة التقديرية من " المجمع العربي للموسيقى" (جامعة الدول العربية) 2002.
* الجائزة التقديرية من " مؤتمر الموسيقى العربية" (دار الأوبرا المصرية) 2002.
الجمعة، 1 أكتوبر 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق