الرفيق عفيف خضر، خريج الجامعة الاميركية، منفذ عام الشوف، ذو الثمانين من العمر حالياً، كان رافق جيداً فقيد الادب الرفيق سعيد تقي الدين، وكان معه في لجنة " كل مواطن خفير ". منه هذه الشهادة مع الشكر والتقدير.
سـعيد تقـي الديـن عاشـق بعقليـن
لعل اهم حدث شاهدته بعقلين حتى الآن في العام 2010 كان تدشين الساحة التذكارية للشيخ سعيد تقي الدين في منطقة بليط الشحارة التي كانت عزيزة على قلب سعيد ابن حارة الفوقا.
يحمل الحدث معان كثيرة اهمها انه يعيد الينا الثقة ان الدنيا لا يزال فيها خير وان البلدة التي انجبت عبقرياً مثل سعيد وغيره من العظماء بدءاً بفخر الدين المعني، ولدت ابناً باراً مثل امل ابراهيم(1) يمثلها في التعبير عن الوفاء الذي احسسنا اننا كنا نفتقده.
الشكر والرحمة للفقيد امل والتقدير له ولبلدته بعقلين التي تجاوبت مع امنيته ووافقت على المشروع.
لقد ربطتني بالشيخ سعيد علاقة خاصة تعود الى سنة 1951 يوم زارنا في منزلنا لسبب لا اذكره جيداً وان كنت اظن ان الزيارة كانت من ضمن جولة رد زيارات كان يقوم بها كل صيف. وكنت يومها طالباً في السنة النهائية في الكلية العامة في الجامعة الاميركية، وسألني عدة اسئلة عن الانشطة الطلابية والوطنية التي كنت من فرسانها المجلين، وتحدث عن ذكرياته في الجامعة.
وكان من نتائج تلك المقابلة انه عرض علي ان يأخذني يومياً معه بسيارته الى بيروت وكانت البادرة حلماً ادخل السعادة الى نفسي واشعرني بالعظمة بين رفاقي.
كان يعطيني المجلات العالمية مثل " لايف " و" تايم " و" ونيوزويك " لأقرأها عنه والخّص محتوياتها له كما كان يقول دون القول انه يفعل ذلك لتنمية ثقافتي وتمريني على البحث. وكان احياناً يقرأ لي مقالاته القصيرة قبل نشرها.
لقد وجدتني منجذباً اليه الى درجة اني لم اكن اضيع فرصة بعد دراستي إلا واذهب اليه حيث يكون في منزله او نادي الخريجين او مكتبه في بناية اللعازارية او في بعقلين، واصبحت بالنسبة اليه مثل الابن والمساعد والسكرتير والصديق الصغير.
كان الشيخ سعيد على قمة العظمة وما ذلك التواضع واللطف والاهتمام بالشباب سوى جزء منها. يتمتع بطبيعة جذابة ومحببة وتعليقاته ساخرة وصريحة، ولكنه يغضب عندما يشبهه احد بالادباء الساخرين مثل جورج برنارشو ومارك تواين ويرد باتهام المشبهين بعقدة الاجنبي.
كان محباً للناس ولا يحقد على احد. كان يستقبل الناس في الصالون الشمالي او على المقاعد الخارجية تحت ظل شجرة الزنزلخت.
كان يحب معاشرة ذوي الالوان كما كان يسميهم اي الذين يعبرون عن مشاعرهم دون مواربة او مجاملة وبلا اتيكيت مثل حسن نمور وابو ياسر رشيد حميدان وفواز الغصيني وفرحان ولي الدين وسعيد ابو تين وتوفيق ابو شقرا وكانوا بالنسبة اليه ممثلين للرأي العام.
كنت مرة اجلس معه قرب الزنزلختة وجاءه شخص من الشوف الاعلى باد عليه التعب والعرق يتصبب منه فناولناه الابريق ليشرب وبعد ان كرعه دفعة واحدة استعاد روعه طلب له الشيخ عنباً فأخذ يلتهم العنقود بنهم فقال له الشيخ سعيد: الظاهر انك تحب العنب كثير، فأجاب الرجل: انا بين الحبة والحبة اشتاق لأكل العنب. ضحك الشيخ وقال لي: اي اديب يستطيع ان يعطي تعبيراً افضل من هذا. اجبته بين المزاح والجد: يمكن ان يكون مشتاق لصحن بطيخ، وكان حدسي صادقاً اذ سرعان ما طلب له رغيف بلبنة فأكله. وهنا يظهر الفرق بين الاديب الذي التقط الصورة الجمالية وبين تلميذ الادارة الذي نظر الى الحالة المادية.
لقد غادرت لبنان للعمل في الخارج سنة 1955 ولم يتسن لي مرافقة الشيخ سعيد في ازماته السياسية المتتالية مع اهل الانظمة السائدة وقتها، وكنت قد عملت معه في " لجنة كل مواطن خفير " وهي اول مؤسسة شعبية لمكافحة النشاطات المعادية والتي ساهمت في الكشف عن امور خطيرة جداً. ويمكن ان يكون استهداف سعيد شخصياً ومحاولات اغتياله نتيجة لنشاطه في اللجنة التي انتهت فعاليتها بعد سفره. ولا يعجبن احد من هذه الفرضية فقد ظهر مما تلا من احداث غرائب وعجائب وكواهين وكوهينات(2).
كنت في جريدة " النهار " احضر مجلس الاستاذ ميشال ابو جودة بين السابعة والثامنة كل يوم، ويحضره كبار رجال السياسة والصحافة والادب، عندما ورد على احدى وكالات الانباء خبر وفاة سعيد تقي الدين بالسكتة القلبية فكان كالصاعقة على كل الحضور. عبّروا جميعاً عن حزنهم واسفهم واذكر ان الرئيس تقي الدين الصلح قال ان تلك الميتة خيبة امل لسعيد الذي طالما تمنى ان يموت شهيداً. وفيما بعد، اخبرني مغتربون كانوا معه انه توفي على كرسي بحري عند الشاطئ والجريدة على صدره.
في صيف 1961 وبعد فقد سعيد كنت على اهبة السفر الى الفيليبين للمشاركة في دورة تدريبية اقامتها الشركة التي اعمل فيها، التقيت المرحوم انعام رعد الذي طلب الي البحث عن اي اثر لسعيد هناك. وقد زرت قصر عمه الدكتور نجيب الذي استقدمه ورعاه، وقابلت ابني عمه المحاميين الشهيرين فريد وادوارد واولادهما المحامين الخمسة العاملين جميعاً في مكتب واحد. وقد تعرفت على افراد اسرة تقي الدين في الفيليبين التي لا يقل عددها عما هي في بعقلين واتيت ببعض الصور والوثائق الخاصة وسلمتها لابنته الآنسة ديانا.
ولكن الاثر الاهم الذي اطلعت عليه ولم احصل عليه كان مجموعة من الرسائل بعث بها سعيد من مهجره الجديد في كولومبيا الى شريكه في مانيلا بدرو عواد الذي خلفه في ادارة الشركة وفي مركز القنصلية الفخرية للبنان، وكلها تقريباً تدور حول المشاكل التي واجهت سعيداً ومحاولات اغتياله المتكررة وطلب مساعدات لوجستية لبعض رفاقه في رحلة المنفى.
انها رسائل ذات قيمة تاريخية اكثر منها ادبية، واني لم اضغط لأخذ صور عنها في حينه لأني كنت مضطراً لتلبية طلب الشركة التي اعمل لها بالعودة مباشرة الى بغداد مركز عملي الجديد. وقد قدرت ان وقوع تلك المستندات في ايد مخابراتية وايدي ناشرين سوف يلحق ضرراً بالسيد عواد.
فاكتفيت بطلب احضار الملف معه الى لبنان عند زيارته المقبلة على ان نتقابل ويقرر بنفسه كيفية التصرف بالرسائل، ولكن المقابلة لم تتم بسبب الاحداث التي تلت ثم لوفاة القنصل عواد.
1. الامين الراحل أمل إبراهيم.
2. العميل "الاسرائيلي" الشهير كوهين.
سـعيد تقـي الديـن عاشـق بعقليـن
لعل اهم حدث شاهدته بعقلين حتى الآن في العام 2010 كان تدشين الساحة التذكارية للشيخ سعيد تقي الدين في منطقة بليط الشحارة التي كانت عزيزة على قلب سعيد ابن حارة الفوقا.
يحمل الحدث معان كثيرة اهمها انه يعيد الينا الثقة ان الدنيا لا يزال فيها خير وان البلدة التي انجبت عبقرياً مثل سعيد وغيره من العظماء بدءاً بفخر الدين المعني، ولدت ابناً باراً مثل امل ابراهيم(1) يمثلها في التعبير عن الوفاء الذي احسسنا اننا كنا نفتقده.
الشكر والرحمة للفقيد امل والتقدير له ولبلدته بعقلين التي تجاوبت مع امنيته ووافقت على المشروع.
لقد ربطتني بالشيخ سعيد علاقة خاصة تعود الى سنة 1951 يوم زارنا في منزلنا لسبب لا اذكره جيداً وان كنت اظن ان الزيارة كانت من ضمن جولة رد زيارات كان يقوم بها كل صيف. وكنت يومها طالباً في السنة النهائية في الكلية العامة في الجامعة الاميركية، وسألني عدة اسئلة عن الانشطة الطلابية والوطنية التي كنت من فرسانها المجلين، وتحدث عن ذكرياته في الجامعة.
وكان من نتائج تلك المقابلة انه عرض علي ان يأخذني يومياً معه بسيارته الى بيروت وكانت البادرة حلماً ادخل السعادة الى نفسي واشعرني بالعظمة بين رفاقي.
كان يعطيني المجلات العالمية مثل " لايف " و" تايم " و" ونيوزويك " لأقرأها عنه والخّص محتوياتها له كما كان يقول دون القول انه يفعل ذلك لتنمية ثقافتي وتمريني على البحث. وكان احياناً يقرأ لي مقالاته القصيرة قبل نشرها.
لقد وجدتني منجذباً اليه الى درجة اني لم اكن اضيع فرصة بعد دراستي إلا واذهب اليه حيث يكون في منزله او نادي الخريجين او مكتبه في بناية اللعازارية او في بعقلين، واصبحت بالنسبة اليه مثل الابن والمساعد والسكرتير والصديق الصغير.
كان الشيخ سعيد على قمة العظمة وما ذلك التواضع واللطف والاهتمام بالشباب سوى جزء منها. يتمتع بطبيعة جذابة ومحببة وتعليقاته ساخرة وصريحة، ولكنه يغضب عندما يشبهه احد بالادباء الساخرين مثل جورج برنارشو ومارك تواين ويرد باتهام المشبهين بعقدة الاجنبي.
كان محباً للناس ولا يحقد على احد. كان يستقبل الناس في الصالون الشمالي او على المقاعد الخارجية تحت ظل شجرة الزنزلخت.
كان يحب معاشرة ذوي الالوان كما كان يسميهم اي الذين يعبرون عن مشاعرهم دون مواربة او مجاملة وبلا اتيكيت مثل حسن نمور وابو ياسر رشيد حميدان وفواز الغصيني وفرحان ولي الدين وسعيد ابو تين وتوفيق ابو شقرا وكانوا بالنسبة اليه ممثلين للرأي العام.
كنت مرة اجلس معه قرب الزنزلختة وجاءه شخص من الشوف الاعلى باد عليه التعب والعرق يتصبب منه فناولناه الابريق ليشرب وبعد ان كرعه دفعة واحدة استعاد روعه طلب له الشيخ عنباً فأخذ يلتهم العنقود بنهم فقال له الشيخ سعيد: الظاهر انك تحب العنب كثير، فأجاب الرجل: انا بين الحبة والحبة اشتاق لأكل العنب. ضحك الشيخ وقال لي: اي اديب يستطيع ان يعطي تعبيراً افضل من هذا. اجبته بين المزاح والجد: يمكن ان يكون مشتاق لصحن بطيخ، وكان حدسي صادقاً اذ سرعان ما طلب له رغيف بلبنة فأكله. وهنا يظهر الفرق بين الاديب الذي التقط الصورة الجمالية وبين تلميذ الادارة الذي نظر الى الحالة المادية.
لقد غادرت لبنان للعمل في الخارج سنة 1955 ولم يتسن لي مرافقة الشيخ سعيد في ازماته السياسية المتتالية مع اهل الانظمة السائدة وقتها، وكنت قد عملت معه في " لجنة كل مواطن خفير " وهي اول مؤسسة شعبية لمكافحة النشاطات المعادية والتي ساهمت في الكشف عن امور خطيرة جداً. ويمكن ان يكون استهداف سعيد شخصياً ومحاولات اغتياله نتيجة لنشاطه في اللجنة التي انتهت فعاليتها بعد سفره. ولا يعجبن احد من هذه الفرضية فقد ظهر مما تلا من احداث غرائب وعجائب وكواهين وكوهينات(2).
كنت في جريدة " النهار " احضر مجلس الاستاذ ميشال ابو جودة بين السابعة والثامنة كل يوم، ويحضره كبار رجال السياسة والصحافة والادب، عندما ورد على احدى وكالات الانباء خبر وفاة سعيد تقي الدين بالسكتة القلبية فكان كالصاعقة على كل الحضور. عبّروا جميعاً عن حزنهم واسفهم واذكر ان الرئيس تقي الدين الصلح قال ان تلك الميتة خيبة امل لسعيد الذي طالما تمنى ان يموت شهيداً. وفيما بعد، اخبرني مغتربون كانوا معه انه توفي على كرسي بحري عند الشاطئ والجريدة على صدره.
في صيف 1961 وبعد فقد سعيد كنت على اهبة السفر الى الفيليبين للمشاركة في دورة تدريبية اقامتها الشركة التي اعمل فيها، التقيت المرحوم انعام رعد الذي طلب الي البحث عن اي اثر لسعيد هناك. وقد زرت قصر عمه الدكتور نجيب الذي استقدمه ورعاه، وقابلت ابني عمه المحاميين الشهيرين فريد وادوارد واولادهما المحامين الخمسة العاملين جميعاً في مكتب واحد. وقد تعرفت على افراد اسرة تقي الدين في الفيليبين التي لا يقل عددها عما هي في بعقلين واتيت ببعض الصور والوثائق الخاصة وسلمتها لابنته الآنسة ديانا.
ولكن الاثر الاهم الذي اطلعت عليه ولم احصل عليه كان مجموعة من الرسائل بعث بها سعيد من مهجره الجديد في كولومبيا الى شريكه في مانيلا بدرو عواد الذي خلفه في ادارة الشركة وفي مركز القنصلية الفخرية للبنان، وكلها تقريباً تدور حول المشاكل التي واجهت سعيداً ومحاولات اغتياله المتكررة وطلب مساعدات لوجستية لبعض رفاقه في رحلة المنفى.
انها رسائل ذات قيمة تاريخية اكثر منها ادبية، واني لم اضغط لأخذ صور عنها في حينه لأني كنت مضطراً لتلبية طلب الشركة التي اعمل لها بالعودة مباشرة الى بغداد مركز عملي الجديد. وقد قدرت ان وقوع تلك المستندات في ايد مخابراتية وايدي ناشرين سوف يلحق ضرراً بالسيد عواد.
فاكتفيت بطلب احضار الملف معه الى لبنان عند زيارته المقبلة على ان نتقابل ويقرر بنفسه كيفية التصرف بالرسائل، ولكن المقابلة لم تتم بسبب الاحداث التي تلت ثم لوفاة القنصل عواد.
1. الامين الراحل أمل إبراهيم.
2. العميل "الاسرائيلي" الشهير كوهين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق