الجمعة، 1 أكتوبر 2010

على دروب النهضة

علـى دروب النهضـة

لم يخسر الحزب برحيل الأمين نواف حردان، مناضلاً عتيداً، مشـعاً بفضائل الالتزام القومي الاجتماعي في اي مكان حلّ، مواجهاً، سـخياً، معطاء، لم يعرف سـوى الحزب عقيدة وسوى سعاده معلماً وزعيماً وطريقاً لحياة الامة انما خسره، الى ذلك، روائياً من النخبة، ومؤرخاً واديباً وصحافياً.
نشـعر كم ان رحيله موجع للمكتبة القومية الاجتماعية وكم كنـا نريده ان يبقـى اكثر، ليتحف قراءه بعدد وفير من الروايـات التاريخية التي كان يختنـزها في ذاكرته وفي عقلـه، ولينهي ما كان بدأه من تسـجيل لتاريخ فتـرة تواجد سـعاده في المهجر، وللأجزاء الاخـرى من مذكـراته بعد ان كان اصدر الجزء الاول من " على دروب النهضـة ".
الامين نواف حالة مميزة يُكتب عنه الكثير ويسـتحق ان يتقدم طلاب جامعات باطروحات لهم عن رواياته التاريخية، وعن كتبه الاخرى التي سـتبقى ذخراً لكل متتبع لتاريخ الحزب.
الجزء الاول من " على دروب النهضـة " يغطي مرحلة انتمائه في راشـيا الفخار عام 1941 الى ان شـارك بالثورة القومية الاجتماعية قائداً للقوات القومية الاجتماعية في منطقة مرجعيون، فانتقاله الى دمشـق ليتولى مسـؤوليات حزبية في المركز وفي الصحافة القومية الاجتماعية.
الاجزاء الاخرى، التي لم تصدر بسبب مرضه فرحيله في حزيران 2000، كانت لتغطي مرحلة نضاله الحزبي في دمشـق، ثم مغادرتها إلى الارجنتين مندوبـاً مركزياً، فإلى البرازيل التي شـهدت على مدى سـنوات طوال، تفانيه نحو حزبه، عضواً وناظراً للاذاعة، وناموسـاً فمنفذاً عاماً، ثم عودته نهائياً الى الوطن متابعاً نضاله رئيسـاً لهيئة منح رتبة الامانة، ومنكباً على تأليف الروايات الخالدة.
" على دروب النهضـة "، كتـاب من 430 صفحـة كتـاب من الحجم الكبير، كتـب مقدمته الرفيق الشـاعر عصام العريضي.

المقدمـة
أعترف انني تأثرت بالامين نوّاف حردان الى حد خشـيت معه ان يُلقي عليّ بظله، فيهجرني الحصان البريّ الذي صحبته طوال رحلتي الادبية.
لقد اعجبت به اديباً روائياً من المستوى العالمي، ومؤرخاً موسوعياً جاء بكنوز دفينة من تراثنا المغمور أو المشوّه. كما اعجبت به كاتباً يندر أن يجارى في اسلوبه السهل الممتنع.
وقد ظننت اني عرفتـه، وأحطت به، من خلال مؤلفاتـه ولا سـيّما تحفته رواية " حفيد النسـور " التي صفّق لها قلبي طويلاً، واستمتعت بها على مهل، رغم طولها، وأنا قلق أن آتي عليها، فأظمأ اليها، من كثرة ما ارتويت منها.
إلاّ انني عندما قرأت كتابه الجديد " على دورب النهضة "، الجزء الاول، وقد شرّفني اذ كلّفني بكتابة مقدمة له، وجدت أن ما عرفته عن الامين نوّاف، على اهميته، لا يفي بالاحاطة به مناضلاً قومياً اجتماعياً وإنسانياً يندر نظيره. فلقد قرن ادبه بالمسلك المناقبي القويم، وترجم النهضة ثورة وكفاحاً مريراً، وقد تحلّى بأخلاق سعاده فكان اقرب تلامذته اليه، على حين ان كثيرين تأثروا بفكر سعاده لكنّهم لم يتخلّقوا بأخلاقه، فكان بحق مناضلاً في ادبه اديباً في نضاله.

وما وقع لي مع " حفيد النسور " حدث لي مع كتابه الجديد " على دروب النهضة ". فالكتاب على ضخامته، لم يشبع نهمي لأطباقه الشهية، فتباطأت في قراءته، استمتاعاً به، وقد نسيت أو تناسيت أنّ عليّ ألاّ اتأخر في انجازه وكتابة مقدمته، فالمطبعة تنتظر، والأمين نواف يكاد ينفذ صبره، مع اتّساع صدره ومحبته لي.
إنه الجزء الاول من مذكرات الامين منذ فتح بصره، وتفتّحت بصيرته على الدنيا، وحتى رحلته الاغترابية الى الارجنتين والبرازيل في نهاية العام 1952. وقد ضمّن هذه المذكرات العديد من الرسائل لرفقائه واهله واصدقائه، وانهاها برسالة مؤثرة جداً الى امه، وهو في الجو فوق راشيّا وبيروت يقول فيها:
" إن كان ما يحل بنا هو اشـد هولاً مما حلَّ بأمثالنا من حَمَلة الرسـالات في التاريخ، فذلك يعود الى كثرة المفاسد في شـعبنا، والى الذل الذي يشـد برقبته الى الارض. وبقدر ما هو شـعبنا مفسّخ مجزّأ، والطائفية تفتك به والاقطاعية تشـل قواه، بقدر ما سـتكون تضحياتنـا كبيرة وآلامنا عديدة، ومهما تكاثر عدد شـهداءنا على دروب النهضة ".
هذا الكلام يختصر مرحلة نضال حزبي ووطني، توّجه الامين نواف بمشـاركته في الثورة القومية الاجتماعية التي اعلنها سـعاده عام 1949. وقد عيّنه الزعيم قائداً عسـكرياً في منطقة مرجعيون فتحصّن مع رفقائه من راشـيا وحاصبيّا، في جرود جبل الشيخ، منتظراً زيد الاطرش في عين عطا بعد احتلاله قلعة راشيا، للالتقاء بعساف كرم في مشـغرة، والدنادشـة في الهرمل وبعلبك، وجورج عبد المسـيح في عين عنوب وسـرحمول، وسواهم من الثوّار القوميين الاجتماعيين، في خطة عسـكرية محكمة، كاد يكتب لها النجاح، لولا خيانة حسـني الزعيم وغدره بسـعاده، واعتقال زيد الاطرش ورجاله في سـورية قبل ان يتمكن من احتلال قلعة راشـيا وحاصبيّا.
ولكم تذكرت الامين نوّاف وهو يتوقل جبل الشيخ ثائراً، قوله بعدما انتمى الى الحزب:
" إني اذا اردت استطعت ان أنقل جبل الشيخ من مكانه وأضعه في البحر ".
هذا الكلام قاله متأثراً جداً بقول سعاده: " ان فيكم قوةٌ لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ "!.
بهذا الايمان العامر، كان الرفيق المناضل " يبحث عن الثورة دون ان تبحث عنه ". كما قال عن نفسه. ويا لروعة قوله، في هذا المجال، من رسـالة الى قريبه الياس حردان: " كانت السـاعة التي انتميت فيها الى الحزب ساعة مباركة ".
صحيح يا امين نوّاف ! نحن بدورنا نردد هذا الكلام ونزيد : مبارك انت ايضاً تقدم على مغامرة النضال في حزب سعاده، غبر عابئ بالمشقات مردداً قوله البليغ: " على الواحد منا ان يسير بلا امل ولا عزاء لأن امراضنا الاجتماعية كثيرة وفاسدة ".
كان تأثره بسعاده عميقاً جداً حتى قبل ان يلتقيه، وقد طال اغتراب الزعيم القسري فقال: " متى تقع عيوننا على ذلك العظيم الغائب الغالي، الحاضر في عقولنا وارواحنا، زعيمنا المفدّى سعاده ".
ويصافحه الزعيم، عند عودته، لأول مرة، وهو منفذ عام مرجعيون فيقول له سـعاده: " بلّغ الرفقاء هناك ان يبقوا جنوداً مستعدين على حدود فلسطين ".
ويسأله الزعيم عن ذلك الرفيق الموسر، الذي عرض على الحزب ان يشتري تأييد القوميين الاجتماعيين له في الانتخابات النيابيّة في منطقة الجنوب، فيبدي فيه الرأي الصادق الصريح، فيتوجّه سعاده الى ذلك المتهالك الوصولي قائلاً: " لا ابيع آلام القوميين وتضحياتهم بكنوز الارض كلها " !
ويقرأ الزعيم كتاباته في " كل شيء " فيلتقيه بابتسامته المعهودة ويبادره بالقول: " صاير مثل الاصمعي في كتاباتك. اعجبتني مقالاتك في " كل شيء ". جيّد جيّد أهنّيك !
ويعجب بسعاده أكثر فأكثر عندما كان يقود الثورة في دمشق، وهو يقرأ كتاباً بالالمانية عن معركة كانّ (هنيبعل) وينجز فصولاً من كتاب نشوء الامة السورية، ويداعب زيد الاطرش، ويطلب منه ان يتعلّم الشعر من عجاج المهتار. كل ذلك ليلقي الزعيم، وبصورة غير مباشرة، دروساً على معاونيه من قادة الثورة، ومنهم الامين نوّاف، فيقول لهم: " لا تضطرب اعصابكم عند الخطر . . فإن الخطر في اضطراب الاعصاب ".
خبر واحد لم يكن يتوقعه، وهو في صميم المعركة، إنه اعتقال الزعيم فيصرخ: " ليبق الزعيم على رأس قيادة الحزب وكل شيء يهون !
آه ما اصدق صرختك يا امين نوّاف ! !
ويستشهد سعاده الذي ملك على الامين عقله وجوارحه، والذي ذكر عنه ما كتبه سعيد فريحه، في الصيّاد، يوم استشهاده: " تلقى حكم الموت وكأنه تلقّى دعوة الى غداء، وذهب بعد الحكم الى السجن فنام ملء عينيه، فكأنه حكم عليه بالنوم لا بالموت " !
باختصار . . " على دروب النهضة " مذكرات غنيّة بأحداثها، هي تأريخ حزبي الى جانب سيرة ذاتية للمؤلف، ابرز فيها شخصيته بتواضع جمّ، فتحدث عنها بصدق وبساطة، بعيداً عن العنجهية والتمدّح، فما تورّع عن التعريف بنفسه في بداية مذكراته، عندما طلب منه ان يكون منفذاً عاماً لمرجعيون فيعتذر ويقول " انا معلم مدرسة بسيط لا شأن لي ولا مركز، ابن فلاحين ".
بهذه العفوية ترك للقارئ ان يعتز بهذا المنبت الاصيل، ابن الفلاحين، الذي تعملق فيه قادة مناضلون ادباء وسياسيون، منه الوزير اسعد حردان ابن شقيقه حليم، المناضل والمقاتل الى جانبه إبّان الثورة القومية الاجتماعية الاولى.
ولأنني أريد ان اترك للقارئ فصولاً مشوّقة أخرى من هذا الكتاب، اتوقف عند ما ذكرته من عناوين بارزة فيه، واختصر القول: " ان الامين نوّاف حردان، في سـيرته وادبه، مدرسـة قومية اجتماعية مبدعة صادقة صافيـة، يصح فيها القول: هذا هو الذي طلبته النهضة القومية الاجتماعية فوجدته.
واذا كنت قد اطلقت على الامين عبد الله قبرصي الذي احب وأقدّر كثيراً، لقب " أمين هذه الامة ". فالأمين نوّاف حردان هو عندي بصدق: روح سعاده.
ولتحي سـورية عزيزة. وليحي سـعاده عظيماً في نفوسـنا، كما في نفـس الامين نوّاف حردان الاديب الكبير والمناضل القدوة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق