سـعـادة فـي البـرازيـل قـبل عـودتـه
إلى الـوطـن وتـأسـيسه الحـزب
تحت عنوان مواقف لسعادة قبل تأسيسه الحزب السوري القومي الإجتماعي، نشر الأمين لبيب ناصيف في " الديار" بتاريخ 19/ 11/ 2004 معلومات متنوعة ننشر منها أدناه ما ورد عن فترة تواجد سعادة في البرازيل.
كان الدكتور خليل سعادة، بعد أن استقر في الأرجنتين واصدر فيها مجلة " المجلة" عزم على التوجه إلى الولايات المتحدة ليلتحق بأولاده، إلا أن الجالية السورية في البرازيل وقد استقبلته بحفاوة في مرفأ السانطوس، ألحّت عليه للبقاء، هي المعجبة بما يكتبه، كما ان شهرته كوطني كبير، وكاتب ومؤلف ومترجم وصحافي، كانت وصلت إلى البرازيل التي فيها، إلى الجالية السورية الكبيرة، عدد كبير من أبناء بلدته الشوير.
لذا استقر الدكتور خليل في سان باولو وأرسل يطلب أولاده الصغار (أنطون، سليم، ادوار، وغريس) فيما بقي الكبار منهم يتابعون دراستهم في الولايات المتحدة.
عام 1921 وصل سعادة وأخوته إلى سان باولو، وفيما دخل أخوته المدرسة آثر هو أن يساعد والده في أعمال جريدة " الجريدة" التي كان والده باشر بإصدارها منذ ستة أشهر، منكباً على قراءات موسعة لمؤلفات وكتب بعد أن أتقن البرتغالية، ومستفيداً من إتقانه الإنكليزية والفرنسية فضلاً عن العربية. كانت مكتبة والده الغنية بتصرفه، ومكتبات أخرى، فضلاً عن شرائه الكتب المتنوعة من مكتبة يازجي.
كذلك تسنى لسعادة أن يدرس الألمانية على يد عائلة صديقة، والروسية على يد زوجة صديقه الدكتور عبده جزرا، وهذا مما ساعده على أن يقرأ كتب الفلسفة والتاريخ والآداب وغيرها من مصادرها الأساسية.
انكب ايضاً على قراءة إعداد مجلة "المجلة" التي كان أصدرها والده في الأرجنتين، وإعداد جريدة "الجريدة" التي كانت صدرت قبل وصوله إلى سان باولو.
في "الجريدة" ولاحقاً في مجلة " المجلة" التي أعاد إصدارها الدكتور خليل سعادة في سان باولو في شباط 1923 بعد أن كان أوقف " الجريدة"، نشر سعادة العديد من المقالات يعالج فيها شؤون الوطن، مظهراً بوضوح شعوره القومي المرهف، ونضجه ووعيه المبكرين وذكاءه الحاد النادر المثال، بحيث ان الجالية السورية استقبلت مقالاته بالدهشة وتساءل كثيرون منها عما إذا كان كاتب تلك المقالات هو سعادة الفتى نفسه، أم والده.
تـأسـيسه " جـمعيـة الـشبيبـة الـفدائيـة السوريـة".
في شباط 1925 نشر سعادة في مجلة "المجلة" بحثاً بعنوان "القضية القومية الصهيونية وامتدادها"، قال فيه: (حتى الآن لم تقم حركة سورية منظمة تنظر في شؤون سورية الوطنية ومصير الأمة السورية، لذلك نرى أننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا، فنحن أمام الطامحين والمعتدين في موقف تترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة أو الموت وأي نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها).
قبل ذلك كانت بدأت تختمر في رأس سعادة فكرة تأسيس جمعية وطنية سياسية، كما كان تجمّع حوله عدد من الشباب المثقف الثائر على ما يقوم به الإنتداب الفرنسي في الوطن من ظلم وطغيان. فاختار ستة منهم كاشفهم بعزمه على تأسيس جمعية وطنية سرية فدائية يكونون هم حجارة الأساس، وعندما وافقوا على تأسيس الجمعية التي أطلق عليها اسم "جمعية الشبيبة الفدائية السورية" طلب إليهم أن يتصل كل واحد بخمسة مواطنين ويدعوهم للإنضمام إليها على أن يكونوا وطنيين، من ذوي السلوك الحسن، وأن لا يتجاوز عمر كل منهم الثلاثين عاماً.
تتالت الإجتماعات، في إحداها قرأ سعادة مبادئ الجمعية التي وضعها بنفسه وغايتها، مشدداً في نظامها على سريتها. وفي هذه الجلسة تم انتخاب سعادة رئيساً للجمعية، لكن الامر لم يطل إذ سرعان ما بدأ البعض من أعضاء الجمعية يبدي تذمره من سريتها. مفضلاً العمل العلني وإطلاق الشعارات مما جعل سعادة يتقدم باستقالته من رئاسة الجمعية والإنسحاب منها. رافقه بالإنسحاب زملاؤه الستة وعدد آخر من الأعضاء، بينما بدل الأعضاء الباقون اسم الجمعية فدعوها "الرابطة الوطنية السورية" وحوّروا في مبادئها وفي غايتها.
حــزب الأحــرار السـوريـيـن
بعد ما يقارب الشهرين دعا سعادة زملاءه الستة وأخبرهم أنه قرر متابعة العمل وتأسيس جمعية جديدة باسم "حزب الاحرار السوريين" وتبقى سرية إلى أن يبلغ عدد أعضائها المئة.
اما مبادئ الحزب فكانت كما يلي، وهي مشابهة لمبادئ الحزب السوري القومي الإجتماعي:
1- سيادة الأمة السورية على نفسها.
2- توحيد البلاد السورية ضمن حدودها الجغرافية المعروفة.
3- فصل الدين عن السياسة في الدولة السورية.
4- مكافحة الطائفية.
5- اعتماد القوة لنيل الأمة السورية حقوقها وبلوغها أهدافها.
وافق الزملاء الستة على مبادئ الحزب، ورغبوا إلى سعادة أن يكون هو رئيس الحزب وزعيمه وله وحده حق القيادة العليا وحق تعيين مؤهلين للمسؤوليات.
في اليوم التالي أقسم الستة القسم، فقرأ عليهم سعادة قراره الأول بتعيين المجلس الإداري الأعلى وقد تشكل على الوجه التالي:
أنطون سعادة رئيس الحزب.
الدكتور عبده جزره نائب الرئيس (طبيب) هنري ضو، الناموس العام (صحافي).
فيليب لطف الله، أمين الصندوق (شاعر).
راجي أبو جمرة، مدير الثقافة (أديب).
والآخير من آل المر، مدير العلاقات العامة
راح الاعضاء المؤسسون ينشطون ويقومون بالإتصال بأصدقاء لهم في الجالية، فإذا اقتنع أحدهم يأتون به إلى مكتب مجلة "المجلة" ليلتقي سعادة، ويتم القسم، إلى أن فاق عدد الأعضاء في سان باولو وحدها الخمسين، كما تم إنشاء فروع للحزب في عدد من الولايات البرازيلية.
لم يقتصر اهتمام سعادة على تأسيس العمل الوطني في أوساط الجالية في البرازيل، إنما هو حاول أن يقيم علاقة وثيقة مع رئيس حزب "سورية الجديدة" في الولايات المتحدة، السيد سليمان يوسف عزام.
ففي 6/ 1/ 1927 يوجه له سعادة رسالة يقول فيها " إني بصفتي رئيس حزب الأحرار السوريين" وزعيمه، أتمكن من التصريح لكم بأننا على استعداد تام لقبول مخابرتكم بشأن توحيد قوانا وبذل الجهد لإزالة كل المسائل العرضية والأمور الثانوية التي قد تعترض هذا التوحيد.
ويضيف سعادة: "إن تفاهمنا يمكن أن يقوم على أساس أن نتولى نحن أميركا الجنوبية كلها، كما أنكم تتولون أميركا الشمالية، وما بقي من مسائل هذا التنظيم فنعتبره بديهياً كعقد المؤتمرات وإنشاء هيئة مرجعية لسائر أقسام الحزب
وفروعه وما شاكل".
* * *
في منتصف العام 1928، وبفضل اختباراته العديدة، كما تجربته في تأسيس "حزب الاحرار السوريين"، وكان سعادة قد تيقن أن في الوطن، لا في المهجر، يصنع مصير الوطن، وهناك يجب تأسيس الحزب الأفضل للعمل النهضوي، دعا أعضاء مجلس قيادة حزبه وأعضاء آخرين إلى اجتماع فشرح لهم أفكاره وأطلعهم على قراره بالعودة إلى الوطن في أول فرصة تسنح له، وعارضاً لهم موضوع تجميد العمل في الحزب ريثما يتأسس الحزب العتيد في الوطن، فيكتب لهم ويطلعهم على كل شيء، فمن رغب ينتمي إليه ويعمل على تأسيس فروع له. وبالفعل ، فإن عدداً جيداً من الذين كانوا انتسبوا إلى "حزب الأحرار السوريين" انتموا لاحقاً إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي بعد انكشاف أمره في الوطن في أواسط تشرين الثاني عام 1935.
في شهر حزيران 1930 كان سعادة يودع والده، وأخوته وأصدقائه، ويبحر إلى وطنه فيصله في 30 تموز 1930 وهو مزعم أن يؤسس الحزب الذي يريده نهضةً تحقق لأمته حياة جديدة لها، وخطة نظامية تتصدى للهجمة الصهيونية التي كان سعادة منذ العام 1925 قرأ أخطارها، ليس بالنسبة لفلسطين وحدها، إنما لكامل أرض الوطن.
الجمعة، 1 أكتوبر 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق