الجمعة، 1 أكتوبر 2010

ثريا الحافظ مناضلة واديبة

ثريا الحافظ.. مناضلة وأديبة

في زيارتي الاولى الى البرازيل عام 1976، اطلعت على جريدة حمص، وتعرفت على مراسلها في البرازيل الشاعر الصديق نبيه سلامة، وعلمت أنه كان لها مراسل في الارجنتين، الاستاذ رامز شقرا، وآخر في التشيلي.

تلك االبلدان الأميركية الجنوبية غنية بالجالية الحمصية: ففي سان باولو ناد في أهم شوارعها "باوليستا" Paulista، ولأبنائها الفضل الأكبر في تأسيس مستشفى القلب، الأهم في البرازيل، الى مأتم ودار للعجزة ومؤسسات عديدة تخدم الجالية، كما الشعب المضيف. أما إذا رغبنا الحديث عن الأدباء والشعراء المهجريين من أبناء مدينة حمص، كما عن الافذاذ منها الذين برعوا في التجارة والصناعة والاقتصاد، أو تولوا مسؤوليات في الحزب السوري القومي الاجتماعي (ألبرتو شكور، اديب بندقي، جورج بندقي، عيسى بندقي...) ومثلهم في كل من الارجنتين والتشيلي، لاحتجنا الى جهد غير قليل، والى كتب عديدة.

ومنذ فترة تسلمت من منفذ عام حمص الرفيق نهاد سمعان، مجموعة من اعداد جديدة صادرة عن جريدة "حمص"، ففرحت أنها مستمرة في الصدور، وفي قيامها بدور الجسر بين المدينة وأبنائها المنتشرين في الخارج، كما في نشرها نبذات مضيئة عن مفكرين وادباء وشعراء سوريين.
منهم هذه النبذة عن المناضلة الاديبة السيدة ثريا الحافظ، ننشرها لفائدة الاطلاع على احدى المناضلات المجهولات من نساء بلادنا.
الامين لبيب ناصيف
*





























السيدة ثريا الحافظ


«كنت عرضة لعداوة الطبقة الرجعية المتلبسة بلباس الدين باعتباري أول امرأة عربية سورية خرجت سافرة مع مئة سيدة سرن في مظاهرة ضد الرجعيين الذين كانوا يهاجمون النساء ويرمونهن بالبيض الفاسد والبندورة العفنة, أو بماء الفضة لا لسبب, بل لأنهن يرتدن داراً للسينما خاصة بالنساء, أو لأنهن يقصصن شعورهن, ويقصرنها, فيزعم الرجعيون أنهن يتشبهن بالرجال..».

تكشف السيدة ثريا الحافظ, في هذا المقطع من كتابها الحافظيات, عن جانب مهمّ ومؤثر في حياتها الاجتماعية والسياسية التي عاشتها بزخم عاطفي وإنساني كبير, كان ميزانه الأول القضية الوطنية ببعديها السياسي والاجتماعي, وتحتل المرأة جانباً هاماً من مسيرة النضال هذه... مسيرة طبعت حياة ثريا الحافظ الغنية بالعطاء والفعل والدفاع عن قضايا آمنت بها.

تعتبر ثريا الحافظ من أهم الرائدات السوريات، فهي أديبة ومناضلة ولدت في دمشق عام 1918 لأسرة مثقفة ناضلت ضد الاستعمار، وابنة المجاهد أمين لطفي الحافظ أحد شهداء السادس من أيار، درست في دمشق وعملت في إدارة المدارس، وتابعت النضال ضد الاستعمار الفرنسي لسوريا (أسوة بوالدها) وخاصة بعد اعتقال زوجها المناضل منير الريس عام 1939، إذ قادت مع رفيقاتها وبنات جيلها ومنهن: ألفة الإدلبي وجيهان الموصللي وسنية الأيوبي، المظاهرات للضغط على الحكومة التي أقامها الفرنسيون شعبياً، للإفراج عن زوجها وعن السجناء الوطنيين عامة، كما قادت حركة التوعية من أجل تحرر المرأة سواء من خلال الأحاديث الإذاعية والمحاضرات والأندية والجمعيات التي شاركت في تأسيسها ومنها: يقظة المرأة الشامية-خريجات دور المعلمات-دوحة الأدب-جامعة نساء العرب القوميات-الرابطة الثقافية النسائية-منتدى سكينة الأدبي-النادي الأدبي النسائي، وكذلك من خلال الاتصال المباشر بالنساء عن طريق المقاومة الشعبية، إذ تلقّت مع رفيقاتها التدريب على السلاح خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. كما أسست من خلال جمعية "خريجات دور المعلمات" جمعية رعاية الجندي، عام 1956 التي كان من أهدافها القيام بزيارات للجنود في مواقعهم، وتقديم الهدايا لهم في المواسم والأعياد وإرسال الكتب والنشرات والمجلات التي تزيد من ثقافتهم أو ترفــّه عنهم، وكذلك عيادة الجرحى في المستشفيات وإقامة الحفلات الترفيهية لهم في المناسبات القومية، كما انبثق عن جمعية "خريجات دور المعلمات" دار كفالة الفتاة لتعليم بنات شهداء 1945. كما نشطت ثريا الحافظ في دعم أطفال الشهداء مادياً ومعنوياً من خلال الميتم التابع لجمعية خريجات دور المعلمات.

وعلى صعيد آخر كانت رائدة في الدعوة إلى رفع الحجاب، إذ شاركت مع مئة امرأة برفع النقاب عن وجوههن في مظاهرة تحررية في شوارع دمشق، مما مهد الطريق أمام النساء للقيام بذلك. كما ناضلت من أجل حق المرأة في الانتخاب، ففي عام 1953 حصلت المرأة السورية على حقها كاملاً في الانتخاب، وأصبحت تَنتخِب وتُنتخب، وبذلك كانت ثريا الحافظ أول امرأة ترشّح نفسها للانتخابات، النيابية في العام نفسه. وعندما أسس زوجها الصحفي والمناضل منير الريّس "جريدة بردى" عام 1946، طالبته بأن تكون الجريدة صوتاً إضافياً يدعم قضايا المرأة ويقف إلى جانبها . وإذا كانت ثريا الحافظ قد لعبت دوراً مهماً في الحياة الثقافية والسياسية السورية حتى نالت بلادها الاستقلال عام 1947، فقد امتد نشاطها إلى خارج الوطن، إذ مثّلت بلدها سوريا في عدة منتديات ومؤتمرات في القاهرة-فرنسا-الهند-الصين-الاتحاد السوفييتي... وغيرها، كما مثّلت جمعية "خريجات دور المعلمات" في أول مؤتمر نسائي في بيروت.

كنتُ قد التقيتُ ثريا الحافظ في منزلها عام 1994 وقد بلغت الشيخوخة، ولكنها كانت في قمة حماسها وحيويتها وذاكرتها المتقدة... قدمت لي يومها نسخةً من كتابها "الحافظيات" وحدثتني عن حياتها ونشاطها السياسي والثقافي، فنشاط ثريا الحافظ الثقافي حافلٌ أيضاً ولا يقل أهميةً عن نشاطها السياسي والنضالي، فقد افتتحت عام 1946 صالونها الأدبي (حلقة الزهراء الأدبية) وكان مقره منزل زهراء العابد زوجة رئيس الجمهورية آنذاك. ثم بعد ذلك أسست (منتدى سكينة الأدبي) عام 1963ساعدها على ذلك كل من: إبراهيم الكيلاني وأسعد محفّل وفؤاد الشايب، وكانت غاية المنتدى رفع مستوى الآداب والفنون وتنمية الثقافة والذوق الأدبيين وتشجيع الأدباء وجمع وطبع نتاجهم, ونقل المهم من نتاج الغرب إلى اللغة العربية، ومن النتاج العربي الى اللغات الأجنبية... وفي هذا المنتدى تبارى كبار الشعراء في إلقاء روائع أشعارهم، والأدباء في قراءة القصص والمقاطع الفريدة من إنتاجهم، والفنانون في العزف على آلاتهم الموسيقية، وفرقة المنتدى المسماة بفرقة الأندلس تعرض الرقصات الشعبية على الحضور، من رقص السماح إلى الدبكة العربية بأزيائها التاريخية... كانت ثريا الحافظ تدير كل هذا في المنتدى الذي كان مقرُّه دارَها، التي أطلق عليها "دار الأمة"، وفي هذا المنتدى استضافت كبار مثقفي سوريا والوطن العربي: محمد مهدي الجواهري-نازك الملائكة-عبد السلام العجيلي-مدحت عكاش-غادة السمان-نجاة قصّاب حسن-فخري البارودي-إبراهيم الكيلاني-ميخائيل نعيمة-يوسف السباعي-فكري أباظة-حسين مروة-الأخوين رحباني وفيروز.... أما نتاج ثريا الحافظ الأدبي فهو كتابان، الأول بعنوان "حدث ذات يوم" وفيه تتحدث عن الفترة النضالية من حياتها، وقد دفعها الأمير مصطفى الشهابي لكتابته عندما سمعها تُلقي بالمذياع أحد أحاديثها عن الكفاح يوم زار مدرسة دار المعلمات المفوض السامي "دو جوفنيل" يومها غدت ساحة المدرسة ساحة مقاومة وكفاح وهتافات ضد فرنسا ومفوضها السامي الجديد.

الكتاب الثاني هو "الحافظيات " وفيه تتحدث عن الأحداث الهامة في حياتها، وقد أهدته إلى المجاهدات في سبيل تحرير فلسطين.. وقدّم له الأمير يحيى الشهابي الذي قال في المقدمة: "إنك لتجد نفسك أمام جاذبين أحدهما غنى الأحداث التي تُروى لك، ولعلك واجد نفسك فيها، والآخر صدق وصراحة ما يُروى. ففي حياة ثريا الحافظ مَعينٌ لا ينضب من الحركة والاندفاع. ابنة شهيد وزوجة أروع مناضل قضت الجزء الأوفى من حياتها في ميدان العمل الوطني والاجتماعي والفكري، وتعرضت لأقسى أنواع الإرهاق النفسي وهي تعرض علينا اليوم بعض صور الشريط، شريط ذكرياتها الغنية. وكان من الإنصاف لها أن يدرس هذا النتاج، ولكني أترك المهمة للقراء، إنهم لواجدون أنفسهم في الشريط. بعضهم عاش مع صاحبتها، وآخرون خطها تاريخ نضال بلادنا لهم".

رحلت ثريا الحافظ عام 2000 بعد أن خاضت معركتها مع بنات وأبناء جيلها، تاركةً لنا إرثاً كبيراً علّه ُيضيء لنا الدرب في مواصلة ما بدأته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق