الجمعة، 1 أكتوبر 2010

الشاعر المهجري جورج شدياق

الشـاعر المهجـري جـورج شـديـاق
الامين لبيب ناصيف


قليلون جداً في الوطن من قرأوا للشاعر المهجري جورج يوسف شدياق، المعروف جداً في أوساط الجاليات العربية في فنزويلا، وذا الحضور المتقدم في مناسباتها.
قدره، كقدر شعراء المهجر المنسيين، الذين لا تلتفت إليهم وزارة الثقافة، ولا وزارة الخارجية والمغتربين، وطبعاً لا تعرف عنهم صحافتنا الادبية ولا تعير اهتماماً لهم. ولو لم يول الاديب نعمان حرب، ومجلة الثقافة في دمشق الاهتمام الجيد لأدباء وشعراء المهجر الاميركي اللاتيني الاهتمام المشكور فيصدر عنهم كتباً ضمن "سلسلة قبسات من الادب المهجري" لبقي معظم هؤلاء الشعراء في عالم النسيان.

فمن هو شاعرنا جورج شدياق المقيم في مدينة بورتو لاكروس في فنزويلا؟
• ولد الشاعر يوسف جورج شدياق في مدينة حلب السورية عام 1948
• تلقى علومه الابتدائية في مدرسة "الارض المقدسة"، ومنها انتقل الى اعدادية " اغناطيوس الانطاكي" ثم الى ثانوية القديس " نيقولاوس" في حلب حيث تخرج منها.
• هاجر الى فنزويلا عام 1967 لاتمام دراسته الجامعية فيها. ولكن الظروف القاهرة حالت دون تحقيق غايته، فأخذ يعمل في التجارة المتنقلة ثم الثابتة. واستقر في مدينة " بورتو لا كروس" عاصمة احدى المحافظات الفينزويلية.
• كان اول عمل ادبي له قصيدة بعنوان " ثورة الجراح" نشرها في مجلة " الجندي" .
• استمر فيضه الشعري بالتدفق. وانتشرت قصائده القومية والحماسية في المجلات والصحف العربية في الوطن والمهجر.
• يكتب القصيدة العامودية، ويعزف عن بقية الالوان الشعرية الاخيرة.

يقول عنه الاديب الراحل عبدالله يوركي حلاق صاحب ورئيس تحرير مجلة "الضاد" في حلب، في المقدمة التي حررها للكتاب الذي اصدره الاديب نعمان حرب عن الشاعر جورج شدياق:
لنستعرض لوحات رسمها جورج شدياق، بريشةٍ غمسها بدم مهجته، وأضفى عليها من فيض وحيه، ودفق حسّه، وتلاوين فنّه، ما جعلها تنبض بالحياة، وتختال بحلل قشيبة من الطرافة واللطافة والجمال الأخاذ.
وأول ما يطالعنا في هذا الديوان قصيدة مترفة عنوانها " كعبةُ الشرق" وهذا مطلعها وبعض أبياتها:

قف بالشـامِ وروِّ النفـسَ من بَـردى وانشـرْ على الغوطتيـن القلـبَ والكبدا
إنَّ الحيـاةَ علـى أعتابـها رقصـت والسـحـرُ رفَّ علـى أفنانـها وشـدا
حضـارةُ اليـوم بعضٌ من حضـارتنا أرسـى لـها قِـدَماً أجـدادُنا العمـدا

وفي مكان آخر يقول:
لقد طُهرت الشام، وستطهر القدس وغزة والخليل والناصرة وغيرها من بلادنا العربية الباقية في ايدي لصوص الاستعمار، فثورة الحجارة قائمة رغم القمع الوحشي والبربرية الاسرائيلية والاعتداء الغاشم على الشيوخ والاطفال والنساء الحوامل. ونحن نتساءل اليوم: ماذا أبقى الصهاينة للنازية والفاشية والذئاب الضارية؟
إن ثورة الحجارة حركت الضمير العالمي، وفتّقت قرائح الشعراء والكتاب، وأثبتت لهم أن هناك وحوشاً يسيرون على قائمتين، وذئاباً يلبسون القبعات الغربية. وهذه الثورة التي فجَّرها فتيان وفتيات في عمر الورد أوحت الى الشاعر قصيدةً نقتطف منها هذين البيتين:

لـم يقل شـاعر قصيـدته الحمـ ـراء إنْ لم يكـنْ مدَمّـىً جريـحا
إنـما الجـرحُ إن تكلَّـم حقـداً يـجعلُ الحـرفَ للطغـاة ضريـحا

ويضيف:
شاعرنا ذو شوق ملحّ ولهفة عارمة، وحنين لا يهدأ ولا ينقطع الى بيته وعشيرته. فقد أمضته الغربة، ولم يغره فيها الاصفر الرنان، بل بقي كما كان عربيّ الوجه والقلب والطباع.
وفي قصيدته " أوبة المشتاق " يقول:

عربيّـةٌ نبضـاتُ قلبـي يـا أخـي فليصـمـت الـمتبـجّـحُ البـوَّاقُ
كـلٌّ يتـوقُ الـى مسـارح لـهوِه ومـراحـهِ، وأنـا أنـا الســبّـاق
أطبقـتُ عيـني دونَ أوضـار الغـنى لـم يُغـرِ عيـني الاصفـرُ الـبـراق

وبالرغم من اغترابه وعيشه بين أقوام يجهلون لغتنا وعاداتنا وتقاليدنا، فإنه معتزٌ بلغة الضاد، لم يهم إلا بها وبوطنه الاول، وبسمائه الصافية، ومياهه الزاكية:

لغتـي الضـاد إن تسـاءلت فاخشّـعْ عنـدهـا ان دخلـت محـرابَ ضادي
لـم أهـم مـذ نأيـتُ إلا بـأرضـي فبـلادُ الغـريـبِ ليسـتْ بـلادي

وشعر الحنين يشغل حيّزاً كبيراً من هذا الديوان. ففي قصيدته " أشجان" ينبعث من أعماق وجدانه البيتان المشحونان بالالم الممض والحسرة الجارحة:
نأيـتُ عن وطنـي لكن على مضـضٍ يا ليـتَ لم تسـعَ بي نـحو النـوى قدَمُ
أنّى انتقلـتُ وجـدتُ الارض قاحلةً وحيـثُ جلـتُ تبـدَّى حـوليَ العدَمُ
* * *
ومن قصائده التي نشرها الاديب نعمان حرب في كتابه عن شاعرنا الشدياق، نختار عدداً من الابيات للتعريف أكثر على شاعريته:

كـوخ علـى ضفـة خضـراء وارفـة وأيكـة عـن ربيـع دائـم تَـرِفُ
يـحلو الـهدوء الـمرجى في جوانبهـا فكيـف لي ان أعيـش اليوم ما أصف
نعيـش في الـمهجر النائي على شـظفٍ فكيـف بعذب عيـش كله شـظَفُ ؟
بعـدي عن الربع يشـجـيني ويؤلـمني هيهـات يـحيا غريـباً شـاعر دنف
انـي وعـدتُ بـلادي بالرجوع لـها يـا ليـت من وعدوها بالرجوع وفوا
*
هـذا السـلام أكـاذيـب ملفقـة بألف سـتر من التضليـل منتـقـب
لا سـلـمَ . . لا صلح مع أعداء أمتنا إلا غـداة نرى الشـذاذ تنسـحب
*
الديـن فـي عـرف الحيـاة محبـة تلـقـى إليـهـا عـروة الارواح
أهوى المسـيح معـلمـاً متواضعـاً حـمل الفضيلـة فوق كف سـماح
وأجّـل فـي القـرآن ديـن محمـد يبنـي رسـالتـه علـى الاصـلاح
*
مـا حـاجتـي لثراء ليـس ينفعني ان الثـراء . . ثـراء العلـم والادب
خلقـت للشـعر، لا للمال والنشب فدولة الشـعر لا تبنـى على الذهب
ضعـني على ضفـة خضراء وارفة واخلـع علـيّ رداء الزهر والعشـب
يا عابـد المال ليـس الله من ذهب فكيـف تعبـد ربـاً ليس من ذهـب
مهـر الطمـوح الى مال متـاعبه أغلـى من المال عندي صحبة الكتب
* * *
الجدار الاخير
هو عنوان القصيدة التي نشرها الشاعر شدياق في عدد شهر ايار عام 1971 من مجلة " الندوة " التي كان اصدرها الامين عبد الله قبرصي اثناء اقامته في فنزويلا. في العدد المذكور نقرأ رسالة موجهة من الشاعر جورج شدياق بتاريخ 05 نيسان 1971 الى حضرة الامين عبد الله قبرصي هذا نصها:

حضرة الاستاذ عبد الله قبرصي المحترم
تحية وبعد،
احسست بعد لقائي بك الليلة الفائتة، انه ما زال هناك شخصيات فذة تعمل من اجل عقيدة قومية وواجب قومي . . وهو طرح المشكلة الفلسطينية على بساط البحث في بلد اجنبي كفنزويلا. اشكرك من صميم قلبي، على تقديرك واعتزازك بي ككاتب وشاعر، واشكر لك مجهودك المبذول من اجل رفع الكلمة العربية عالياً في سط المهجر.
ثمـة جـدار يمتد دون غـاية الانسان
ولكن دون غاية تحرير الارض، يمتد الف جدار
ايـن منا . . . فـي دجس الخطب جراح تتكلـم
ايـن منا . . . جيـل الموت آن رأى الموت تبسّم
ايـن منا . . . دفقـة من كلمـات تنضـح الدم
تنـزف الاحقاد ثأراً . . تصبح النـار لـها فم

اين منـا . . غضبـة تـمحو عن القدس الكآبة
تصرع الوحـش الذي انشـب في الاحقاد نابـه
ترفض الذلة . . تـأبى حرب لغـوٍ وخطـابـة
فلقـد ضـاع لنـا حق . . وقـد آن ايـابـه

يا اخي شـر ! . . واحرق الليل بحمراء الجراح
واكسـر القيـد . . فقـد آن لنـا عهد كفاح
ازرع السـاح سـعيراً . . ولتكن في كل ساح
وابلغ الـدرب . . فدون الدرب ادواح صباح
يـاخى ثر . . وتمرد . . دع خيام الذل وازحف
واحـمل الجرح المدمّى . . خلـه بالموت يرعف
سـر مع الركب، فلـن يأتي الثريا من تـخلف
ازرع الحقد . . . غداً في موسـم الثارات يُقطف
* * *
مؤخراً نشر الشاعر شدياق قصيدة كتبها اثر وفاة الصبية نور ابنة صديقه، رجل الاعمال في بورتو لاكروس، ومدير مديريتها الرفيق وليد غرز الدين، وقد فارقت الحياة عن أربعة عشر ربيعاً، قال:

من الأسـى لم ْ تعـدْ تشـدو العصافيـرُ مـذْ غادرتْ سـربَها قبل الضحى نـورُ
ذوتْ قُبيـل ربيـع العمـر برعـمـةٌ ريّـا، فخـفّـتْ لـمثـواها الأزاهيـرُ
الروضُ بعدكِ قد غَاضـتْ بشـاشـتُهُ فـأيُّ طيـرٍ علـى الأفـنـانِ مسـرورُ
غادرتـِنا وصروفُ الدهـرِ عـابسـةٌ فكـلُّ ما حـولنـا يـا نـورُ ديـجورُ
آمـالُ أهلوكِ ضاعتْ مذْ مضيتِ سُـدى أزرتْ بـهـنَّ بـلا رفـقٍ أعـاصيـرُ
ناحـتْ لفقـدكِ أمُّ والـحشـا مُـزَقٌ فدمـعُــها من وتيـنِ القلـبِ معصورُ
وما تـأبـى على سـحِّ الـدمـوع أبٌ أيـامُـهُ غُـصَصٌ حـرّى وتـذكـيـرُ
يـنـوحُ مـثـلهمـا من غمِّـهِ قلـمٌ يـهـوى أنـامـلَها الصغرى وطبشـورُ
ولـن تـضنَّ بـجمِّ الـحزنِ مـدرسـةٌ فقد نأى عن مغـاني العلمِ شــحـرورُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق