الجمعة، 1 أكتوبر 2010

الامينة الراحلة نجلا معتوق

الأمينـة الراحلـة نجـلا معتـوق حداد

الأمينة الراحلة نجلا معتوق حداد، اسم سطع في تاريخ العمل الحزبي، رفيقة وأمينة ومناضلة لم تتقاعس يوماً، واستمرت على زخم ايمانها والتزامها العقائدي وانتظامها الحزبي في الوطن، في مختلف الظروف، ثم بعد ان انتقلت الى تورنتو – كندا، وحتى آخر لحظة من حياتها.
اذ نحكي عن دور المرأة في الحزب، نحكي كثيراً عن الأمينة نجلا معتوق، معتبرين نضالها الحزبي قدوة لكل مواطنة ورفيقة، وصفحات ناصعة في تاريخ الحزب.
لعل الحديث الذي أجراه الرفيق يوسف الجبري (تورنتو) مع حضرة الأمينة نجلا ونشر في العدد 775 تاريخ 02/03/1991 من مجلة " البناء - صباح الخير " وشاركته فيه المواطنة فخرية القاوقجي، من أفضل ما يلقي الضوء على السيرة الشخصية والحزبية للأمينة نجلا.

الأمينـة نجـلا معتـوق حـداد:
ليس لنا خلاص إلا بالنهضة القومية الاجتماعية
الأمة تنتصر بكم وبمبادئكم أو ينتصر أعدائها

حضرة الأمينة هل لك أن تحدثينا منذ متى تعرفت على الحزب وكيف؟.
سنة 1935 وفي مدينة طرابلس حيث كنت أسكن واعمل معلمة في احدى مدارس المدينة للبنات وكما تعلمون في ذلك الوقت كانت طرابلس مدينة محافظة جداً لا تسمح بالاختلاط وكان عالم الرجال هو المسيطر، كانت النساء محجبات، وحتى عدد كبير من النساء المسيحيات كن محجبات ايضاً، وكان عمل المرأة مقصور على الطبخ وتنظيف البيت فقط.
في هذا المجتمع المغلق والمتعصب الذي لا يسمح للمرأة ان تنزل من البيت وتخرج لتحمل مسؤولياتها في المجتمع مع الرجل جنباً الى جنب، في هذا الجو المتزمت تعرفت على الحزب، بوساطة الرفيق أنيس فاخوري، حيث كانت تربطنا وعائلته صداقة قديمة، فاتحني الرفيق فاخوري بأمر الحزب وأطلعني على مبادئه وأهدافه وكانت في ذلك الوقت لا تزال مكتوبة بخط اليد، وعرض عليّ حضور الاجتماعات الاذاعية التي كانت تعقد سرياً بسبب ملاحقة الفرنسيين، وحين بدأت حضور تلك الاجتماعات تعرفت على عدد من الرفقاء منهم خالد أديب، مصطفى المقدم، وسعد الله أديب، تابعت حضور تلك الاجتماعات بشغف، أناقش وأسأل وأستوضح كل كبيرة وصغيرة، أود أن اعرف وأتعلم كي أعلّم غيري، أود أن اتسلّح بالحقيقة كي أدافع عنها، كنت أصغي بعمق، كنت أخذ كل شيء وأهضمه بسرعة، لا تتصور كم كان شغفي كبيراً للتعرف، كنت أحب ان اختصر الزمان كله بساعة واحدة. لقد رأيت في تلك الاجتماعات صورة أمتي وهي تعطي العالم الحرف والعلم والفلسفة والشرائع، رأيتها تشق البحر لتعلّم وتعمّر وتبني، رأيت نبوخذ نصر وأبو العلاء المعري ويوسف العظمة يقودون أمتهم الى مراضي العزّ والفلاح، يدافعون عن كرامتها وشرفها وعزها، رأيت كل هذا في تلك الاجتماعات، ولما اختمرت الفكرة بداخلي وحصلت عندي القناعة التامة، أعلنت للرفقاء المسؤولين أنني جاهزة للانتماء.
فدخلت الحزب سنة 1936 وأقسمت يمين الولاء لأمتي ولحركتها التي أخذت على عاتقها تحقيق وحدتها القومية الاجتماعية، كنت وحدي بين الرجال أحضر الاجتماعات الحزبية، وأقوم بكل ما يُعهد به اليّ بروح ثابتة وايمان عميق بالقضية والزعيم، أتنقل بين الوحدات الحزبية المنتشرة في لبنان والشام، أنقل الأوامر الحزبية والتعليمات دون أن ألفت اليّ نظر المراقبين المستعمرين الذين كانوا يتربصون بالحزب وأعضائه ومسؤوليه وكنت ألبس الحجاب أحياناً لأبعد عني الشبهات.

كيف تجاوزت العادات التي كانت سائدة في طرابلس والتي كانت تحرّم على المرأة دخول الأحزاب والاختلاط بالرجال؟.
كانت لزيارتي الاولى لسعاده والتعرّف عليه الأثر الكبير في دفعي الى الأمام واجتيازي صعوبات كثيرة، أنك تشعر في حضرته انك أمام قضية مقدسة كبرى، أنك تشعر في حضرته أنك تواجه أمة بكل تاريخها وأمجادها وعظمتها وترى المستقبل أمامك باسم مشرق، انه يصبّ فيك كل هذا التاريخ وكل هذه العظمة ويزوّدك بثقة عظيمة وأمل لا حدود له. في نهاية المقابلة تحدث سعاده عن أهمية المرأة في المجتمع، وانه لا يجوز ان يكون نصف المجتمع معطّل وان المرأة لا ينقصها شيء من أن تأخذ دورها في النضال الى جانب الرجل وان النهضة القومية بحاجة ماسة للمرأة الواعية مسؤوليتها كأم وزوجة ومربية للأجيال القادمة لذلك يجب ان تكون واعية هذه المهام. من ضمن نظرة قومية اجتماعية، خرجت من عند سعاده وكلي أمل وثقة بالمستقبل.
عدت الى طرابلس وبدأت أبشر بالقضية بين النساء. لاقينا صعوبات كثيرة من الأهالي لكننا تجاوزناها بكثير من التأني والصبر، وكان الحزب يبعث لنا لجنة اذاعية لتساعدنا على نشر المبادىء، وهكذا دخلت الفكرة القومية الى بعض البيوت وقد أصبح كثير من الأهالي يقدّرون الحزب.
لقد تجاوزنا تلك الحواجز بأن ثابرنا على العمل البنّاء، وكنا نثبت للسيدات أن نشاطنا هذا هو أثمن من أن نجتمع على حديث خاص، أو زيارات خاصة نقتل فيها الوقت بدون فائدة، نضيعه على سفاسف الأمور.
وصادف أن طلب مني المسؤولون في جمعية رعاية الطفل في طرابلس أن ادخل معهم بالجمعية كأمينة صندوق ولكني رفضت وفضلت ان استلم المسؤولية الثقافية فيها لأتمكن من نشر مبادىء الحزب بهذه الطريقة، واول عمل قمت به في تلك الجمعية أن بذلت كل جهدي لأدخل الى الجمعية، النساء من جميع الطوائف حيث كانت العضوية فيها مقصورة على طائفة معينة فنجحت تلك الفكرة وأصبحت العضوية مفتوحة لكل المواطنات بغض النظر عن دينها، وطائفتها ومن خلال عملي في تلك الجمعية واصلت عملي الحزبي، واخترت عدداً من السيدات، الذين توسمت بهن خيراً وبدأت أحدثهم عن الحزب وعن مبادئه وعن واجباتنا كنساء والتي لا تقل عن واجبات الرجال وطلبت منهن ان يحضرن الاجتماعات الاذاعية، فلبين الدعوة باندفاع حيث كان الكثير منهن بانتظار من يكتشفه، وكانوا على استعداد وشوق للعمل القومي الجاد.
وأنشأنا مديرية للسيدات في طرابلس قامت بنشاطات كثيرة في بث الروح القومية والابتعاد عن الطائفية، وأقمنا المشاريع المالية المتعددة لمساعدة خزينة الحزب الفقيرة، وقمنا بتأمين الكثير من المراسلات المهمة، وتبليغ المهمات السريعة.

هل لكِ ان تحدثينا عن نضالك الحزبي خاصة أثناء الانتداب الفرنسي حين كان الحزب ملاحق من الفرنسيين والدولة اللبنانية؟.
أذكر مرة ان مديرية النساء كانت مجتمعة في بيتنا إذ داهم البيت رجال الشرطة وفتشوا البيت واخذوني والرفيقة املي الحلبي الى المنفى في ضيعة اسمها الدراكين بتهمة اننا نقوم بنشاط لحزب غير مرغوب فيه، بقيت في ذلك المنفى مدة شهر كامل حيث أفرجوا عني بسبب أني كنت حاملاً بإبنتي أميمة، كما أفرجوا عن الرفيقة أملي شرط ان نثبت وجودنا في دائرة الشرطة مرتين باليوم.
كان حضرة الزعيم يستعمل عنواني في مراسلاته من مغتربه القسري مع المسؤولين في الوطن، وفي احدى تلك المراسلات التي وصلتنا بواسطة البريد جريدة مرسلة من حضرته ناطقة باللغة الاسبانية وفي داخلها مبلغ من المال يطلب مني حضرة الزعيم ان أسلمه للمسؤولين وأذكر منهم المرحوم اسد الأشقر.
تابعت القيام بتلك المهمات وصرت انقل البريد عبر الحدود الذي كان يصلنا عبر ذلك العنوان دون ان الفت النظر فكنت اتحجب دائماً أثناء تنقلاتي بين الوحدات الحزبية.
وبالرغم من كل الحذر والتخفي فقد اكتشفت الشرطة بأني أقوم بنشاطات حزبية، فعادوا والقوا القبض عليّ وأجروا معي التحقيقات وكان رئيس المحكمة التي حققت معي آنذاك الجنرال فؤاد شهاب، وأعضاء محكمته في ذلك الوقت من الفرنسيين. وقد حكم عليّ بالسجن مرة اخرى، وبعد ما يقارب الشهر من وجودي بالسجن أفرج عني بسبب أني أم ولي أطفال بحاجة الى رعايتي.

حدثينا عن ذكرياتك مع حضرة الزعيم؟.
بعد عودة حضرة الزعيم من مغتربه القسري ذهبت وزوجي للسلام عليه وكان قد صحبنا في ذلك المشوار الأمين أنيس فاخوري وذهبنا الى مكتبه وكان في شارع المعرض، فاستأذن لنا الأمين فاخوري، واستقبلنا سعاده بابتسامته المعهودة التي تضفي على الجو الثقة والاطمئنان، فوقف من خلف طاولته البسيطة جداً ومشى نحونا ليسلم علينا ودعانا للجلوس على كرسيين قديمين كانا موجودين بالغرفة، طلب منا حضرته أن نحدثه نحن ونخبره عن سير الأمور في منطقتنا، وقد استمع لي ولم يقاطعني أثناء حديثي أبداً الى أن انتهيت، وقد ظهر لي من تعليقه على حديثي بعد ان انتهيت انه على علم بكل شيء فبعد أن زوّدنا بتوجيهاته، ودّعنا كما استقبلنا بابتسامة الواثق من قضيته، بعد ان خرجنا من عند الزعيم تطلع زوجي اليّ وقال: هل لاحظت طاولة الزعيم البسيطة " المكسورة "؟ قلت: نعم لاحظت. كان زوجي يملك مصنع "موبيليات" وقد فوجئت بعد أسبوع بأن طلب مني زوجي ان أرافقه الى بيروت لنقدم لحضرة الزعيم مكتباً فخماً بالنسبة لتلك الطاولة، كان قد صنعه خصيصاً في ذلك الأسبوع لتقديمه لمكتب الزعيم، وذهبت معه وقدمناه، وهو موجود الان بحوزة الرفيقة اليسار ابنة حضرة الزعيم.
في احدى المرات أرسل سعاده في طلبي وقال احضري معك رفيقة ذات ثقافة حزبية عالية، وذهبت واصطحبت معي مذيعة المديرية الرفيقة زينب عرفات، وكانت بالرغم من عضويتها في الحزب لا تزال محجبة، وعند وصولنا عرض علينا حضرة الزعيم خريطة وقال سوف تذهبون الى دمشق وتنشئون أول مديرية للسيدات فيها، وقال خذوا هذه الخارطة معكم وستذهبون الى هذا البيت، وأشار بإصبعه الى الخارطة، وفعلاً ذهبنا الى دمشق والى نفس البيت فوجدنا هناك الرفيق جورج بلدي (1) وعدداً من السيدات وكن جاهزات للقسم والانتماء، وقمنا بإجراء مراسيم القسم وأنشأنا المديرية وقمنا ايضاً بإجراء الأمور الدستورية والادارية وتمّ انشاء اول مديرية للنساء في دمشق. نمنا تلك الليلة في دمشق وفي صباح اليوم التالي عدنا الى بيروت، وقدمنا تقريراً لحضرة الزعيم عن مدى نجاح تلك المهمة، ومرة اخرى في طريقه لزيارة كان قد قام بها لصافيتا ومرمريتا، مرّ على بيتنا وكان الوقت وقت غداء وبينما كنا معاً نتناول طعام الغداء اذ داهمتنا الشرطة بحجة أنهم يبحثون عن السلاح فما كان من حضرته وبكل رباطة جأش وهدوء أعصاب ان تحدث معهم حديثاً شيقاً، ودعاهم لمشاركتنا بالطعام فاعتذروا شاكرين. بعد تناول الغداء واصل رحلته المقررة. وبعد فترة من الزمن زار حضرته منطقة الكورة بدعوة من المرحوم الأمين عبد الله سعاده وقد تجلّت عظمة الحزب وقوته بالحشود الكبيرة التي جاءت من كل مكان، وكانت الهتافات تشق عنان السماء بحياة سورية وسعاده وارتجل حضرته خطابه المشهور الذي قوطع مراراً بالهتاف والتصفيق.

كيف ومتى مُنِحتِ رتبة الأمانة؟.
قبل مغادرة سعاده الوطن بفترة بسيطة متجهاً الى المغتربات بُلغت لحضور اجتماع لمجلس الأمناء، فحضرت وهناك بُلّغت منحي رتبة الأمانة، وكنت أول سيدة بالحزب تمنح هذه الرتبة وصار لقبي "الأمينة الاولى"، الى أن عادت زوجة حضرة الزعيم الى الوطن، فاجتمع المسؤولون ورأوا انه من اللائق ان تحمل زوجة الزعيم لقباً حزبياً، خاصة وانها كانت تساعده وتسهر على راحته وتوفر له كل أسباب الاستقرار والطمأنينة وكانت له الرفيقة والزوجة والمساعدة وشاركته في كل مصاعب ومسؤوليات الحياة التي كانت تواجهه وتواجه العمل الحزبي في مغتربه القسري، فوجدوا ان لقب الامينة الاولى هو أفضل ما يمكن ان يطلق على زوجة سعاده. وهكذا فقد استدعوني وأطلعوني على رغبتهم، فتجاوبت معهم في الحال وتحمست كثيراً للفكرة وكنت سعيدة أن أقدم لرفيقة سعاده هذا اللقب وتنازلت فوراً عنه فأصبحت زوجة الزعيم هي الأمينة الاولى، وصرت احمل لقب الأمينة وهو اللقب المعروف لرتبة الأمانة.

كيف كان سعاده يعالج الأزمات سواء كانت حزبية داخلية أو خارجية سياسية مثلاً أو مواجهة السلطة الحاكمة؟.
بالنسبة للأمور الداخلية وهي في نظري الأهم، لقد كان سعاده صاحب عقيدة ومبدأ ونظرة جديدة الى الحياة والكون، وهذا يتطلب من المقبلين على هذه الحركة، والأعضاء فيها على السواء ان يكون سلوكهم منبثق من هذه النظرة الجديدة، وان يكون سلوكاً قومياً اجتماعياً، في جميع الحالات وتحت كل الظروف فما الفائدة بأن نقول بالقومية الاجتماعية ويتصرف بعضنا كطائفيين وعشائريين، ونقول بإقامة الحياة الجديدة ولا نصارع من أجلها أو أن يقتصر صراعنا من على المنابر فقط، وينهار أحدنا أو بعضاً منا تحت أول سوط يقع على جسده.
سعاده أرادنا كباراً كبر القضية، أرادنا تجسيداً لعظمة هذه الأمة، ورسل هدى للمبادىء التي وضع. بعد عودة سعاده من المغترب رأى ما آل اليه وضع الحزب على يدي نعمة ثابت ومأمون اياس وفايز صايغ وعن مواقفهم المساومة على القضية وعلى الأخلاق القومية الاجتماعية من أجل الوصول الى الكرسي، وبالرغم من ان كل واحد منهم يتمتع من الناحية العلمية والثقافية والمكانة الاجتماعية التي لم تتوفر للكثيرين غيرهم.
هنا ظهر سعاده انه صاحب قضية لا صاحب أشخاص، هنا فضّل سعاده القضية على الأشخاص مهما بلغ شأنهم مع ان الحزب كان بحاجة ماسة لهم، واختار القضية ونبذ الأشخاص، لأنه من كانت غايته الوصول الى الكرسي فإنه ينتهي بإنتهاء فترة الجلوس عليها ومن كانت غايته العمل للحياة فإنه يبقى ما بقيت الحياة نفسها، اليس هو القائل، نحن جماعة لم تفضل يوماً ان تترك مبادئها وايمانها واخلاقها لتنقذ جسداً بالياً لا قيمة له.

ماذا تنصحين الأجيال الجديدة من القوميين الاجتماعيين؟.
أبلغهم بأن ليس لنا خلاص الا بالنهضة القومية الاجتماعية واخلاقها والأحداث الجارية على أرض الوطن الان خير دليل، على ما أدعوكم " أن تعو مهمتكم بكامل خطورتها"، ليس هناك الا حلّين اما ان تنتصر الأمة لكم وبمبادئكم وإما ان ينتصر اعدائها، لا تعايش بين الحق والباطل الحق انتصار على الباطل في معركة انسانية.
انتم جنود الحق واكتافكم اكتاف جبابرة أصغوا الى صوت سعاده يقول، "ما أشد اعتزازي بكم وما أعظم الانتصار الذي أسير بكم اليه".


(1) من مناضلي الحزب، تولى مسؤولية منفذ عام دمشق.
هاجر الى كولومبيا حيث استقر في مدينة كرتجنا، نشِط حزبياً وتولى مسؤولية منفذ عام ومندوب مركزي. مُنح رتبة الأمانة. توفي في كولومبيا منذ ما يزيد على عشر سنوات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق