السبت، 11 ديسمبر 2010

الاخوان فليفل

الأخـوان فـليـفـل

معظمنا سمع بالأخوين فليفل. إنما القلّة منا، عرف عنهما نشأةً وانتاجاً موسيقياً. عن كتاب "بيروتنا" الذي كنا تحدثنا عنه في مرحلة سابقة، اخترنا التالي:

ولد الأخوان محمد وأحمد سليم فليفل أوائل القرن العشرين في محلة الأشرفية. ختما القرآن الكريم في كتّاب الشيخ مصباح دعبول الكائن في حي آل بيضون قرب جامع الأشرفية. ثم انتقلا إلى مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية فالمدارس السلطانية وحوض الولاية.
منحهما الله تعالى موهبة فنية ورثا جزءاً منها عن والديهما، وتعهداها بالعلم والتدريب والمراس. كان والدهما يتمتع بحس موسيقي فطري وشعور بالكرامة العربية، اشترى سيرة عنترة وطلب من أبنيه قراءتها له إعجاباً منه ببطولات العرب وأمجادهم. وعندما انتقل إلى السكن في محلة البسطة الفوقا، كان يتوجه إلى دكان زين لبيع الألبان في تلك المحلة، ويأخذ معه وعاءً خاصاً، ويقف منتظراً دوره وهو يردد:

لَبنـك لَبنـك يـا لبـان
طيـب لَبنـك يـا لبـان

وكان ديب صبرا، جد محمد وأحمد لأمهما، يتمتع بصوت جميل ويتولى الأذان وفرقة الإنشاد الديني في الجامع العمري الكبير، يصطحب معه حفيده محمد فليفل لحضور حفلة الإنشاد وسماع القصائد.
هذا الإستعداد الفني دفع الشقيقين فليفل إلى دراسة الموسيقى، فتابع محمد دراستها في دار المعلمين التركية، فيما كان أحمد يدرس البيانو والنوتة. وكانا يحضران مع والديهما حفلات موسيقية، كانت تؤديها فرقة موسيقى المتصرفية التي تأتي إلى بيروت، وتعزف في منشية المتحف وفي حديقة رستم باشا بإشراف ضابط إيطالي.
استدعي محمد خلال الحرب الأولى إلى المدرسة الحربية في استانبول، فوجدها فرصة سانحة لمتابعة دراسة الموسيقى في معهد الفنون التركية. فيما كانت فكرة تكوين فرقة موسيقية قد اختمرت في ذهن أحمد في بيروت، الذي كان قد تعرفَّ على عدد من الشباب الملمين بالموسيقى، وما أن عاد محمد من استانبول حتى باشرا بشراء الآلات وأسسا فرقة من ستة وعشرين شاباً، كانا يجمعانهم في حديقة بيتهما في البسطة، يعزفون الأناشيد والألحان الشائعة، ثم أخذت الفرقة تعزف للمدارس والجمعيات وفي الأعياد الشعبية، وعرفت باسم " موسيقى الأفراح الوطنية".
وفي عام 1942، وفي عهد الرئيسين ألفرد نقاش وسامي الصلح، اتصل العميد سليمان نوفل بالأخوين فليفل من أجل تأسيس فرقة موسيقى عسكرية، فصدر المرسوم رقم 6439 تاريخ 1/ 10/ 1942 بتأسيس موسيقى الدرك.
اشتهر الأخوان فليفل بأنهما لحنا أكثر من ألف قصيدة في موضوعات وطنية وقومية واجتماعية وتربوية، لشعراء وأدباء من مختلف أرجاء العالم العربي. مثل الأخطل الصغير(بشارة الخوري) وعمر فروخ وفخري البارودي وجورج غريب وابراهيم طوقان ومحمد يوسف حمود (الأمين في الحزب السوري القومي الاجتماعي) وشبلي الملاط وعمر أبو ريشة وسعيد عقل وعبد الرحيم قليلات وغيرهم.
ولم يفرّقا بين دين وآخر، بل كانا رسل سلام ومحبة وخير للمجتمع، لحنا قصائد بمدح النبي محمد(ص) والمسيح عليه السّلام والعذراء مريم.
تعرَّض الأخوان فليفل إلى معارك عنيفة مع سلطات الإنتداب. فقد وضعا لحناً يتغنّى بالوطن الأكبر، فطردا من وظيفتهما، ثم أعيدا إليها بعد تدخل الشيخ محمد الجسر وجبران التويني والرئيس شارل دباس. وفي سنة 1939 لحّنا نشيد العلى للعرب من نظم الشاعر المصري عبد الحميد زيدان، فهددتهما حكومة الإنتداب بالكف عن تلحين مثل هذه الأناشيد تحت طائلة النفي إلى معتقل المية ومية ورحّلت الشاعر المذكور.
كان أول نشيد لحّناه في العشرينات من نظم مختار التنير:
سـوريـا يـا ذات المـجـد والعـزة فـي ماضـي العـهد
إن كنـت لنـا أهـنى مهـد فـثـراك لنـا أهـنـى لحـد
ولحّنا نشيد الشهداء الذي نظّمه الشاعر الشهيد عمر حمد:
نـحـن أبـنـاء الألـى شـادوا مـجـداً وعـلا
نسـل قحـطـان فأصـلا لـيـس نـرضـى الأسـر
وكان الشاعر عبد الرحيم قليلات من أول من شجع الأخوين فليفل ونظّم لهما عدة قصائد وأناشيد منها نشيد المدارس:
تـعـهـدي دروسـنــا وبـيـضـي طـروسـنـا
وهـذبـي نـفـوسـنـا وروضــي الــبــدن
وأناشيد: المرشدات، ويا حياة المجد، والكشاف.
وعرّفهما عبد الرحيم قليلات على الشاعر ابراهيم طوقان فلحّنا له نشيد موطني:
موطـني الـجـلال والجـمـال والـسناء والـبـهاء فـي ربـاك
والـحيـاة والنـجـاة والهنـاء والــرجـاء فــي هــواك
يــا رعــاك يــا رعــاك
ولحّنا نشيد يا تراب الوطن للأخطل الصغير، ونالا الدرجة الاولى للحن نشيد الشجرة الذي نظّمه الشاعر (الأمين) محمد يوسف حمود وأصبح شائعاً:
جـنـة فـي وطـنـي مـن صـبـاح الـزمـن
تـمـلأ الأرض اخضـراراً والسـمـات افتـراراً
بـالشـجر يتعـالى فـي الـهـوا والثـمـر يـتـلالى كـالضـيا
مـا أحـب الشـجرا
يمنـح الدنـيـا شبـابـاً أخضـرا
وربـيـعـاً أنـورا
وثـمـاراً سـكـرا
وخـيـالاً
وتعرّفا إلى فخري البارودي فلحنا له عدة اناشيد شاعت في العالم العربي كله، منها:
بـلاد العـرب أوطـانـي مـن الشـام لبـغـدان
ومـن نجـد إلـى يـمـن إلـى مصـر فتـطـوان
ونشيد:
أنـت سـوريـا بـلادي أنـت عنـوان الفـخـامة
كـل مـن يأتيـك يومـاً طـعامـاً يلـقـى حمـامـه
كما لحنا للجامعة العربية نشيداً من نظم محمد المجذوب (مصر) اعتمد رسمياً:
أشـرق الفـجر فسـيروا فـي الضـياء ودعـا الـحـق فهـبوا للـنـداء
إنــه وحـي السـمـاء إنــه صــوت الآبـاء
* * *
لم يفز اللحن الذي وضعاه للنشيد الوطني اللبناني، ولكن كان الفوز لهما في تلحين النشيد الوطني السوري (حماة الديار) الذي نظمه خليل مردم بك.
يروى أن نشيدين ولحنين نجحا في التصفية النهائية أمام اللجنة التي تألفت لإختيار النشيد الوطني اللبناني. أولهما جاء فيه:
اسرجوا الخيول، واقرعوا الطبول، واقحموا السهول، واحرسوا الجبل.
من تأليف شاعر لبناني من بلدة شحيم في الشوف، جبل لبنان، هو عبد الحليم الحجار، لحنه فليفل اخوان. والثاني "كلنا للوطن" من تأليف شاعر لبناني من بلدة الباروك في الشوف، جبل لبنان هو رشيد نخلة لحنه وديع صبرا.
استبعد النشيد الأول واعتمد الثاني. وقيل في حينه إن اللجنة، وكان الإنتداب في أول عهده، لم تستمرئ قرع الطبول وإسراج الخيول للدفاع عن الوطن والإحتلال مازال حديثاً، وفضلت النشيد الثاني لأن إيقاعه مشابه، بل يكاد يطابق لحن المارسلياز، نشيد فرنسا الوطني.
* * *
وضع الأخوان فليفل للجيش اللبناني عدة مارشات ومعزوفات للطبول والأبواق والتشريفات والثكنات، حلّت محل الألحان الفرنسية.
ارتبط اسم فليفل بالألحان الوطنية والقومية في لبنان والعالم العربي، منها:

يـا تـراب الـوطـن


يـا تـراب الـوطـن ومـقــام الــجـدود
هـا نـحـن جـيـنا لمـا دُعـينا إلـى الخـلود
* * *
نصـدُّ عـنّا كـل بـاغٍ عـنـيد نفتـح للـمجـد طريقـاً جـديـد
صـفاً فصـفاً لـلعُـلى لا نحيـد ولا نــعــود ، ولا نــعــود
إلا وبـنـد الـحـق فـوق الـبنـود
الـلازمـة: يـا تـراب الـوطـن.....
* * *

الفـخـر فـي بـلادنـا

الفـخر في بـلادنـا والعـزُّ باتحـادنا وعـن ذرى أطـوادنـا والأرز لا تـسلْ
حـبـذا لُبـنـان جنّـَة الخـلـود مـهـبـط الـبـيان تُـربـة الجـدود
يـا بَـنِـي الأوطـان عُـصـْبـةَ الأُسـودْ
إذا دعـا داعـي الحمـى يثير فينـا الهممـا وسـالـت الأرض دمـا وروّع الجبـل
الـلازمــة
أسـرجـوا الخيـول، واقـرعـوا الطبـول واقحموا السهـول واحرسـوا الجبـل

إلا أن ما لم يشر إليه كتاب "بيروتنا" هو أن "الأخوان فليفل" كانا وراء تلحين نشيد "المقاومة" للأمين الشاعر محمد يوسف حمود:
نـشيـد الـمـقـاومـة

للتـراب وللسـما
دمـي وروحـي، فَهُـما
مِـنهُـمـا إليـهِـمَـا
فـي الصـعاب يا شبـاب
من غـيرنا يلـتاع مـن؟ إذا بكـت عين الوطـن!
مقـاومـه! مـقاومـه!
بالـنار لا مـسالمـة!

إنـي فـتى المقـاومـة! لا صـمـت لا مسـاومـه
فـي منـطق القـنابـل! أنـقـضُّ، مــا الـزلازل؟
بـالـحـق، فـالـبركـان بـات اسـمـه لـبـنـان!
يـفـجِّـر الـحـمـم بـالـعـزِّ فـي الـقـمـم!
الــلازمــة
بـطـولــةٌ تـُزغـردُ ومـهـجـةٌ تستـشـهـدُ
عيـنايَ، مـا الصـواعق؟ يــدايَ ، مـا الـبنـادق؟
تُرابُنـا الـغـضـبـان يُـطـاردُ الـطُـغـيـان!
نـيـرانـنـا قســم! فـلـتـشـهد الأمـم!
الــلازمــة
محـرراً مـن الـعـدى ومـوطـنـاً مـوحّـدا!
نـريــده مـنـائـر إطــلالــة الحـرائـر!
آفــاقــنـا أمـان طُـمُـوحُ عُــنْـفُـوان!
وَعِــزُّنـا عَــلَـمْ مُسَــيَّــجٌ بـالــدَّم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق