الجمعة، 5 مارس 2010

الـشـاعـر عـلـم الـديـن شـرّوف

عرفته منذ العام 1960، واستمرت علاقتي به قوية وطيدة، في بيروت، في حاصبيا ثم في البرازيل، إلى أن وافته المنية في 30/01/1993.
على مدى تلك السنوات لم اعرفه سوى طود شامخ من المناقب والوطنية. صادقاً، غيوراً، محباً، وفياً، لم يتراجع لحظة امام جبروت الاحتلال الاسرائيلي، يقاومه بالفكر والكلمة والموقف، ويقدم لمواطنيه في حاصبيا والجوار قدوة في الوطنية كان لها أثرها البالغ في صمودهم، وفي رفضهم للاحتلال وعملائه.
شاعراً شعبياً كان، يقرضه عفوياً في كل مناسبة، ويعتلي المنابر.
عنه أصدر الشاعر المعروف الرفيق شريف ابراهيم كتابه " الأرض لا تموت. علم الدين شروف الشاعر والانسان "، حكى فيه عن ولادته، نشأته، التزامه القومي، نضاله في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، تعرّضه للاعتقال. كما قدم شرحاً وافياً عن شاعريته، وعن قصائده في المناسبات القومية.
في تقدمته للكتاب، يتحدث الرفيق الشاعر شريف ابراهيم عن ولادات ثلاث للرفيق علم الدين شروف. نورد هنا الولادة الثالثة والأخيرة.
حوالي نصف قرن من الزمن، وبالتحديد على مساحة ثماني وأربعين سنة امتدّ جهاد الرفيق علم الدين شرّوف في سبيل تحقيق مبادئ حزبه وغايته فقضاها مصارعاً ضد ما يعيق تقدّم ونهوض أمته من تخلّف وجهل وضد الانظمة الكيانية التي لم تحبل هزائمها سوى بالجنين الصهيوني، فأنظمة المجتمع المفكك- الممزّق، تبقى حرّيتها ملجومة، وهويتها ملغومة، وبطولاتها وهمٌ يمارس خلف الميكروفونات في مهرجانات التحرير الكرنفالية ومحاضرات الزنى الفكري.
وبما أن السوري القومي الاجتماعي هو مشروع شهيد للدفاع عن بلاده ومجتمعه لُقّب الرفيق علم الدين شرّوف بالشهيد الحي ومنحه حزبه وسام الواجب..
وكما كان بين دمه وأرضه قامة شهادة، كان بين وطنه وقلبه مسافة شعر، وكما توهّج بشمس العقيدة، اشتعل شعراً مضيئاً في سماء وقفات العز يغني بطولات الرفقاء والشهداء والقادة الكبار من أبناء شعبه، فكانت قصائده، للشهيد يوسف العظمة، والسلطان باشا الاطرش، والشهيد غسان جديد، والاديب سعيد تقي الدين، والشهداء سعيد فخر الدين وسعيد العاص وحسين البنا، والأمينة الاولى، وشهداء المقاومة: وجدي الصايغ، سناء محيدلي، مالك وهبي، خالد الأزرق، ابتسام حرب، علي طالب، مريم خير الدين، وعمار الاعسر... الخ. فانشد فيهم البطولة، كما انتقد المتخاذلين من أبناء شعبه وادان جنابتهم و" كواير رخاوتهم" لأنهم وقفوا موقف المتفرّج والمهزوم.
كما أنشد المحطات الحزبية الرئيسية التي يحييها القوميون الاجتماعيون كل عام وهي ذكرى ميلاد الزعيم في الاول من آذار، وذكرى استشهاده في الثامن من تموز، وذكرى تأسيس الحزب في السادس عشر من تشرين الثاني.
ولم تكن قصائده القومية من صنع الخيال، بل إن إصغاءه الحقيقي لنبض الواقع القومي الذي عاشه هو الذي كان الدافع الأساسي في تحريك الملكية الشعرية لديه في هذا المجال.
إنه الرفيق الرفيق، والشاعر الشاعر، والانسان الانسان، والرجل الرجل، عاش حياته من ألفها إلى يائها رفيقاً مؤمناً بعقيدته، وشاعراً مشتعلاً بالقصيدة، وإنساناً مشعاً بجوهر حقيقته، ورجلاً لا يتراجع في سبيل الحق.
فرغم هول الاجتياح الاسرائيلي بقي في وطنه مع أبناء بلدته في حاصبيا، ورغم اعتقال سلطات الاحتلال له واسره في معتقل " الخيام" لم ينثنِ ولم يتراجع ولم يستسلم، ورغم تقدمه في السن ومداهمة المرض له، لم ينهزم امام أسواط الجلادين- المحتلين، لأن إرادته لم تعرف الختيرة، بل كانت تتجدّد شباباً كلما تقدم في السن.
في أيامه الاخيرة زار البرازيل لرؤية ابنته الوحيدة ورفيقته وداد، وصهره محمود عز الدين وحفيديه زهير وثريا وشقيقه أحمد، وعندما أحسّ أن المرض سيشتد عليه أصرَّ على العودة الى الوطن، وعندما ألحوا عليه في البقاء أصرَّ أكثر على العودة فكان له ما اراد، فودّع البرازيل بقصيدته الرائعة " الثواني الاخيرة ".
كان شاعراً رقيقاً وإنساناً مناقبياً، والشعر كالشمس يُضيء ويُنير ويُحرق في آن، وليس من أحد يستطيع أن يمد يده إلاّ إذا كان شاعراً وإنساناً مثل الرفيق علم الدين شرّوف وإلاّ أصبح رماداً.. أضاء وانار بقصائده واحترق بها احتراقاًَ مبدعاً..
والآن يستمر في حزبه وفي شعره..
الآن يستمر إلى الأبد في ولادته الثالثة، لأنه يتوزّع في تراب حاصبيا وأرضها، والأرض لا تموت ".
*
مـن قصـائـده
في الحنيـن الى الوطـن

الثواني الاخيرة (*)

يـا بـرازيـلْ يـا نـارِ اغـترابـي بـمـهـجـرْ حـلـوْ يـا سـارق حـبابـي
يـا قـلب كبـير بالقلـب احتـواني يـا حـب مـعـتّـق بـريـقِ الـخـوابـي
قـطفت من الشّـعر دمـع الْمَعـاني تـعـبـر عـن حـنـيـنـي واكـتـئابـي
وقـطـفت من الوجـع خفـقةِ معاني تـوصّـلـك مـعـانـاتـي وعـتــابـي
انـزرعـتـي بْـدَقّـةِ القلب وكياني انـزرعـتـي بـبـتـعـادي واقـتـرابـي
رمـانـي الـدهر في ارضك رمـاني وصـار فـي بـيّـنـا عـهـد وقـرابــي
بـ "وداد وابـنـها وبنتا"(1) وحـناني لـحـبّــك صـرتْ قــدِّم انـتـسـابـي
أمـانـي فـي الـي عـنـدك أماني كـونــي الإمْ إلـهـنْ فــي غـيـابــي
قَصَـدْتـّك زائـر وكان لي مكانِهْ (2) بـيـن رفـاق دروبـي وبَـنِ صِـحــابـي
هَـجَرْتِ الـوطن كنـتي وطـن تاني سـألـتي كـتـيـرْ وسْـمـعـتي جـوابـي
لأنـو ظــل حـبّـي الأولانــي لأرضـي يخـفـق بـقــوّة وصــلابــة(3)
وطـنّـا تـيـابـنـا ومـهما كواني بـبـرد اذا بــطـلـع مـن تــيــابـي
وطـنّـا للـحـضـارة مـهد هاني جـبـال الـمـجــد قـدّامــو روابــي
خـيـانة نتـركوا وحـدو خـيانِـة لـلأعـداء ولْـعـمـلــوا عـصــابــه
عـطـيـت بـلادنـا مـن دم قـاني سـنـين العـمـر فـي زهـرة شــبـابـي
اصـطـفاني حـزبنا الغالي اصـطفاني بـوسـام الـواجب(4) لحـضـرة جـنـابـي
يا ريـت بيسـمـح العـمر وزمـاني بـعـد أعـطـي قـبـل مـوتـي وذهـابـي
بجـسـد تـعبان صـار الظهر حـاني عــم بـيــزيــد آلامــي وعـذابـي
رهـاني صـار عـرفـاقي رهـانـي مـعُن(5) بـالحـزب بـاقـي انـسـيـابـي
واذا مـن مـرض قاسـي صرت عاني ومـرض فـتّـاك مـكّـنـلـي الإصـابــه
صـرت عـم عـد بسـنـيني الثواني وع غـصـن الـعـمـر عـم بيـنـعق غرابي
واذا الـزَّيـتـاتْ خلصوا مـش اهانة وقـدر محـتـوم طـفّـالـي شــهـابـي
بـدي كـل قـاســي وكـل داني يـوعـي مـقصـدي وجـوهـر خـطـابي
أنـا بـرجـع على المهد الكسـانـي حـنـان وحــب، تــارِدّ الـوديـعــه
وروحـي تـظــل بـأرضـي وتـرابـي

(*) القصيدة الاخيرة التي كتبها قبل عودته إلى الوطن وهي في وداع البرازيل.
(1) إشارة الى ابنته وداد وحفيده زهير عز الدين وحفيدته ثريا عز الدين.
(2) تُكتب مكانه وتلفظ مكاني وينطبق ذلك على إهانة تلفظ إهاني.
(3) صلابة، وعصابة وإصابة، تلفظ أثناء القراءة العامية صلابي، عصابي، إصابي.
(4) منح الرفيق الشاعر علم الدين وسام الواجب تقديراً لنضاله الحزبي الطويل.
(5) معُن: بالاصل معهم.


يـا زعـيـمـي

لـما رصـاصو البُـطـل عـا صـدرك طلـق بـكْـيتْ عـيـون الحـق مـن أول طـلـق
وجـه الـبـسـيطة تبـشـنق بمشـلح حداد وسـوس النـدم في قـلـب جـلادك خـرق
ومـا هي كبـيرة عليـك يـا فـادي البـلاد قلـبـك مسـيح الحـق عـا دربـك مـرق
تـارك رسـالـة حـب لـلأمــة وجـهـاد وللـخـصم طـعـنة وللحسـد رعبـة وقلق
ومـش متـل غـيرك عـا الهـوية بـها لعـباد بيـقـتل مـواطـن كـل مـا بحـيّـو مرق
حـرقـوا وطـنّـا وهـدّمـوا والـحـق زاد لـكـنـما الإيـمـان فـيـنـا ما احـترق
قـم يـا زعـيـمـي صـافح رجـال العـناد إنـت الـمـخلص للـقـراب وللـبـعـاد
لـلـيـوم غـيـرك بـعـد الـلـه مـا خـلـق

طـل الـزعـيـم (*)

آذار شـهـرك زَهـرْ، يـا زَهـرة العـبـي عـابـق أريـجو بْـمـوطنـي الحـرّ الأبـي
لـمـا فـتـى آذار فـاديـنـا الأمـيـن فـجّـر وجـود ونـور أجـلـى الْـغـيهبي
مـن قـلب قـومي مخـلص وشـاعرْ حكيمْ مـن عـمق روح العـبـقرية مـن الـصميم
مـن صـخر "سـوريـا"- وصلابتها- المقيم مـن هـياكـلـها القـديـمه مـن الـقديم
طـل الـزعـيـم وكـان بـالـطـلـة عـظـيـم
طـل الـزعـيـم وكـان بـالـطله عظيم عـامـوطنـي ... فـجـر بـأمـتنا الـوعي فـجـر بـطـولـه وتـضـحـيـه وكـان الـنـبـي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق