الجمعة، 5 مارس 2010

الـرفـيـق الشـاعـر سـلـيمـان سـلـيـقـا


يورد الأمين نواف حردان في كتابه "على دروب النهضة" الرسالة التالية التي وجهها بتاريخ 20 آب 1941 الى صديقه سليمان سليقا في بلدة الفرديس. فيها اضاءة على كيف عمل رفقاؤنا تأسيساً لفروع الحزب، حيث كانوا يقطعون المسافات سيراً على الاقدام، من بلدة الى دسكرة الى قرية الى مزرعة، في البراري والأحراش والمناطق النائية، ينشرون التعاليم السورية القومية الاجتماعية ويعملون على انتماء المواطنين الى حزب النهضة.
أخي الحبيب سليمان
لقد تلاقى والدانا في الارجنتين فتصادقا ثم تآخيا.. وأصبحت علاقة كل منهما بالآخر مضرب المثل.. على كون الأول منهما مسيحياً والآخر درزياً.
أما أنت وأنا.. فقد تلاقينا منذ الصغر ثم درسنا على مقاعد المدرسة الواحدة، وتصادقنا وتآخينا.. وأشعر اليوم بأن الرابطة المتينة التي تربطني بك، هي أقوى وأعمق جذوراً من رابطة الاخوة.
وقلبي يحدثني الآن.. أن هذه الرابطة سوف تقوى وتشتد وتتعمق كل مرة أكثر، وسوف نحقق انت وأنا أموراً كبيرة وخطيرة من اجل مصلحة بلادنا في المستقبل.
كان اجتماعي بك أول امس اجتماعاً ناجحاً، ولقد اعجبت بالروح الوطنية المتوثبة التي تعصف بين جنبيك، فبوركت وبورك أمثالك من شباب الوطن الناهضين المخلصين.
ها نحن الآن نستريح من اعباء حرب ومعارك ضاربة، قاست منها منطقتنا الشيء الكثير، وجرت عليها الدمار والخراب، دون أن يكون لنا في هذه الحرب ناقة أو جمل.
ما رأيته ولمسته في هذه الحرب، ايقظ في نفسي افكاراً ومشاعر كثيرة، هي هادئة راكدة الآن، لتعصف قريباً.
تساؤلات عديدة صارت تنتصب أمامي، منها الاسئلة التالية:
هل لنا وطن يا سليمان؟ أين هو وطننا؟ هل نحن شعب يريد الاستقلال؟ لماذا لا نكون مستقلين؟
هل تصدق ما حملته منشورات الجنرال الفرنسي كاترو، عن ان فرنسة "ستعطي" الاستقلال لسورية ولبنان؟
وهل الاستقلال يعطى؟ أم يؤخذ بنضال أبناء الوطن وجهادهم، واستماتتهم في سبيل الحصول عليه؟
أسئلة أطرحها عليك وعلى نفسي.. وأزيد سؤالاً آخر: لماذا مات المئات من شباب بلادنا في هذه الحرب؟ ادفاعاً عن الوطن سقطوا قتلى؟ أم دفاعاً عن مصالح فرنسة وبريطانية؟
حديثنا أول أمس، وصل بنا الى الاعتقاد المشترك، بأنه لا ينقذ وطننا التاعس، الا حزب يلتف حوله شباب الوطن، صادق المبادئ شريف الغاية وذو قيادة مخلصة كفوءة.
انت وانا نميل للاعتقاد، بأن الحزب السوري القومي الاجتماعي، هو الحزب المنشود.. شعور داخلي تلقائي نابع من أعماقنا يجعلنا نعتقد كذلك.
ولكن قبل الاقدام على اتخاذ القرار النهائي، يجب ان تتولد لدينا القناعة العقلية اللازمة لذلك.. خاصة انا.. بناء على الثقة التي يمحضني اياها زملائي وأصدقائي في راشيا، الذين اعتبر نفسي مسؤولاً عن القرار الذي سيتخذونه أيضاً، والطريق التي سيسيرون عليها.
كم اعجبتني قصيدة عجاج المهتار "البلبل الشادي"، لقد حفظتها غيباً، وأنشدتها أمام الشباب، فاعجبوا وطربوا وصفقوا.
ما تزال نفوسهم بكراً.. وهم على استعداد تام لتقبل أي توجيه اذا كان صادراً عن اخلاص وطيب ونية وقصد، ويكون رد الفعل عكسياً، اذا اكتشفوا فيما بعد، أنه غرر بهم واستغلوا.
بعد أيام قليلة.. سيصل راشيا مواطن مسؤول في الحزب السوري القومي الاجتماعي، اسمه عادل عجيمي(1)، طالب في الجامعة الاميركية.
بعد طرح بعض الأسئلة عليه ومناقشته، سوف اتخذ القرار النهائي.. فاما الانتماء الى الحزب السوري القومي، واما الاستمرار في "جمعية البحث عن الحقيقة" التي حدثتك عن تأسيسها في راشيا واطلعتك على مبادئها وغايتها.
وكل ما اتمنى الآن.. هو ان تصح ظنوني في هذا الحزب، فلا يكون عدواً للعروبة، فننتمي اليه كلنا، ونحل الجمعية ونقدم ما تجمع في صندوقها للمسؤول الحزبي.
سأخبرك بكل ما يجد معي قريباً، فكن على استعداد، لنلتقي على طريق العمل للوطن الحبيب، كما التقينا ونحن اطفال وفتيان على طريق الصداقة العائلية المتينة.
*
بعد ذلك انتمى الرفيق سليمان سليقا، ومثله عدد كبير من رفقائنا في راشيا الفخار والقرى المجاورة إلى أن انشئت منفذية تولاها الأمين نواف حردان.
الرفيق سليمان لم يستمر على أرض الوطن بعد استشهاد سعاده في 8 تموز 1949، ملبياً دعوة والده وشقيقه فايز للاتحاق بهما في الأرجنتين.
فيها عمل في التجارة الثابتة والمتنقلة. تولى مهمة ممثل مشيخة عقل الطائفة الدرزية في الأرجنتين(2) ساعد الأمين الراحل عيسى سلامة في جمع آلاف الكتب المهجرية، التي عمل الأمين عيسى فيما بعد الى نقلها الى مكتبة الأسد في دمشق حيث قسم خاص يحمل اسمه.
*
في زيارته القصيرة الى الوطن صيف العام 1990 أصدر له نسيبه الأديب غالب سليقا ديواناً شعرياً حمل العنوان التالي "الشاعر سليمان سليقا شاعر عنيد وبلبل غريد".
في مقدمة الديوان قال الأديب غالب معرّفاً:
تربع على عرش الشعر أكثر من نصف قرن، قضى القسم الأكبر منه على ضفاف نهر "الفضة" (ريو دي لابلاتا) في الأرجنتين بعد أن أشبعه على ضفاف نهر الحاصباني موطنه الأصيل.
شاعر ألهبَ المشاعر والأكف، اذكى نار الفؤاد. أجاد وأشاد، اعتلى وسما، ترنّم وشذّف.. شاعر المناسبات العظمى والمواقف الرجولية الثابتة، شاعر قلّ ودلّ. أصاب الهدف بعد رميه السهام، وضع كل مرئ في قدره، ما كان التملّق هدفه يوماً ولا الاستزلام شعاره أو مطلبه، عاش فقيراً ولم يزل. وكما قال في هذا الصدد: " ما عرقت يوماً من التعب المضني ولا مددت يدي يوماً لاستلام مكافأة ولا نمت ليلة مشوش الضمير". لهذا أحبه كل من عرفه وكل من عاشره. أصبحت قصائده وأشعاره ترانيم دينية عند العقلاء الأجلاء وأناشيد وطنية عند الشباب في المناسبات وهمسات حبٍ وانبلاج وأشواق عند العاشقين والمتيّمين، لا بل أصبح يتناقل قصائده الكثيرون. وخاصة ممن عاشوا مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات شباباً قبيل تيمّم وجه الشاعر المذكور نحو المهجر المشؤوم.
ويضيف: "هنالك في المهجر وقف صادحاً ومنشداً فما أقيمت مناسبة أو حفلة ترفيهية وفي معظم النوادي اللبنانية أو السورية، أو في جميع المحافل العربية إلاّ وكان شاعرنا شاعرها وخطيبها ولسانها.
أليس هو المنشد في استقبال المطربة فيروز عندما قدمت الى الارجنتين؟..
لـبـنان جـنـة ربـنا مـن المـبـتـدا أرواحـنـا كـرمـال أرزا تـوفــدا
عـاكـل دولـة مـن الـدول ودّا سـفير لـكـن مـثل فـيروز مـا ودّا حـدا
- صحفي بارز ساهم في تحرير العديد من الجرائد والمجلات المهجرية في تلك الديار.
- مستشار رسمي لسفير لبنان بالارجنتين وسفير مقيم ودائم في تلك الديار.
- صديق وقريب من جميع سفراء العرب.
- المعتمد الرسمي لمشيخة عقل الطائفة الدرزية في الأرجنتين حيث يقوم بمهامه الدينية من عقود الزواج واقامة الصلوات أمام الجنائز واعظاً ومرشداً في الاجتماعات الدينية..
- كتب الكثير من المقالات وقاد العديد من المظاهرات للدفاع عن قضايا وطنه الأوّل في بلده الثاني الأرجنتين.
*
· ولد الرفيق سليمان سليقا في قرية الفرديس- قضاء حاصبيا- في 20 آب سنة 1920. نشأ وترعرع في كنف والديه الشيخ جبر سليقا والسيدة ورد جودية.
· تلقى علومه في مدرسة قريته أولاً ثم انتقل بعد ذلك إلى مدارس راشيا الفخار وحاصبيا لإكمال تحصيل علمه.
· بدأ حياته العلمية مدرساً في قريته (الفرديس) حيث ساهم في تثقيف الكثير من ابنائها، كما ساهم في العديد من النشاطات المحلية والحزبية.
· بدأ ينظم الشعر وهو في الخامسة عشر من عمره. سافر الى الارجنتين ملتحقاً بوالده وشقيقه فايز في 24 كانون الاول سنة 1949 ثم عاد الى وطنه في زيارة قصيرة بعد غياب واحد واربعين عاماً وذلك في 26 ايلول سنة 1990، لكنه رجع بعد ذلك بوقت قصير الى موطنه الثاني الارجنتين.
· بعد فترة من عودته الى الارجنتين، فارق الرفيق سليمان الحياة اثر نوبة قلبية.
(1)- هو الأمين عادل يعقوب العجيمي، أول رفيق في راشيا الفخار. تولى في الحزب مسؤوليات عديدة منها رئاسة مكتب عبر الحدود.
(2)- في الفترة ذاتها كان الرفيق نجيب العسراوي (من اوائل رفقائنا في البرازيل و أول منفذ عام فيها) يتولى معتمدية مشيخة عقل الطائفة الدرزية في البرازيل.
*
القصيدة التي القاها في 18 ايلول 1976 في الحفل التأبيني الذي اقيم في بيونس ايرس للأمينة الاولى جولييت المير سعاده.
بـذكرى جوليا الأم الرصـيــني رجـع للقلب أشـواقي وحنـينـي
ذكرى الحزب، وبلادي وجـهادي ورفـاقي، وضيعـتي وزخمـة يقينـي
فـيك روح متّـصلـي بسـعاده حمـلـت جـروح أمتنـا الحـزينـي
سـنين الحبـس، وقيود الأعـادي اسـاور فـي ايـديـكي يا (أمينـي)
لـو ما عواطفك ما هيـي رقيقـة مـع الزعـيم ما مشـيت دقيـقـة
كنـت الـزنبقـة الحـرة النقيـّة ورده مفتـحـة بأجمـل حـديـقـة
مشـيت بعـزم، وبهمّـة قـويّـة رفيقـة خـيـر، يا نـعم الـرفيقـة
رفـيقتِ الزوبعة الحـمـرا العليـة وزعيمـك قـال شـكراً للأعـاديبـعـد مـا سـجـل بـدمّـو الـوثـيـقـة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق