الجمعة، 5 مارس 2010

هـاني بــعل. رســول حــضارة - للأمين نواف حردان

عندما أُعلن الأمين نواف حردان "امير الرواية التاريخية"، فلأنه اتحف قراء العربية بروائع من الروايات الخالدات بادئاً بـ"حفيد النسور" التي يعدها قارئوها بالعربية، وبالبرتغالية بعد أن ترجمت وصدرت في البرازيل عن "دار اديكون" في مصاف الروايات العالمية، وصولاً إلى آخر رواية صدرت له قبل رحيله، "أسد بابل".
الرواية التاريخية الثانية، بعد "حفيد النسور" حملت اسم "هاني بعل رسول حضارة" وصدرت عام 1995. وفي العام نفسه اصدر روايته التاريخية الثالثة "زنوبيا قضية وسيف وكتاب".
كلمة المؤلف الأمين نواف حردان حررت في سان باولو في 8 ايلول 1990 وتصدرت كتابه بعد مقدمة للناشر مؤسس مكتب الدراسات العلمية، الأمين منصور عازار.
*
كلمة المؤلف
كان المؤرخ اليوناني سوزيلو، معلماً لهاني بعل في مطلع شبابه، درسّه اللغة اليونانية والتاريخ، ثم أصبح ناموسه وصديقه وأقرب الناس اليه.
رافقه في حملته على ايطالية وبقي الى جانبه طيلة مكوثه فيها تقريباً، فسجّل وقائع تلك الحملة، وتفاصيل ما حدث للقائد الكبير، والمعارك التي خاضها وانتصر فيها كلها على الرومانيين.
وقبل ان يغادر هاني بعل ايطالية، بعد لقائه فيها ستة عشر عاماً منتصراً، وعندما رأى تقدم سوزيلو في العمر، سمح له بالسفر مع زوجته الى مصر، فأقام في الاسكندرية يقضي بقية عمره فيها، ويكتب كتاباً مفصلاً عن هاني بعل، ضمنه سيرته وأخبار حروبه وصراعه الطويل الجبار ضد رومة.
إلا أن ما يؤسف له، هو أن الرومانيين، صادروا ذلك الكتاب واتلفوه فيما بعد، ولم يبق منه سوى شذرات قليلة، استعان بها بعض المؤرخين لاحقاً فيما كتبوه عن هاني بعل.
هذا الكتاب المفقود.. هو ما رأيت أن أعيد كتابته بلسان سوزيلو، وأضمنه ما عثرت عليه من معلومات عن هاني بعل في كتب التاريخ العديدة، دون أن أدعي بأني ابلغ ما بلغه سوزيلو، من حيث الدقة الكاملة والاحاطة الشاملة، بجميع تفاصيل وأخبار ودقائق حياة القائد القرطاجي السوري العظيم.
ذلك لأن سوزيلو كان رفيق هاني بعل، واكب صراعه عن قرب، وسجل ما شاهد من افعال وحوادث، ووصف معارك شارك فيها بنفسه، فجاء ما كتبه بالغاً أوج الدقة والصدق والكمال ولا شك، بينما من غير المعقول ان يكون ما كتبه غيري من قبل وما أكتبه الآن، معادلاً ما كتبه رفيق هاني بعل، خاصةً لأن اعداءه الرومان، عمدوا بعد استشهاده، الى تشويه سمعته وتزوير الحقائق عنه بسبب حقدهم الكبير عليه. ومعظم المؤرخين القدامى الذين كتبوا عنه فيما بعد، كان يعمل في خدمة رومة، فتحيز لها وخدم اغراضها فيما سجل وكتب، خاصة المؤرخ بوليبيو، الذي كان صديق القنصل الروماني سيبون بطل معركة زاما، والمؤرخ تيت ليف، فلم تصلنا الحقيقة الكاملة المفصلة عن هاني بعل.. وما وصلنا كان ناقصاً مبتوراً، لا يعطينا عنه صورة صادقة واضحة كل الوضوح.
الحقيقة الكاملة عن هاني بعل، حقيقة شخصيته وعبقريته ونبوغه وتفوقه، وما قام به من أعمال عظيمة، وصراع هائل جبار غير منقطع، دام ما يقارب الاربعين عاماً، كان يحتويها كتاب سوزيلو فقط، الذي كان رفيقاً وصديقاً وفياً لهاني بعل، كتب باطلاع عميق وامانة ودقة وانصاف واخلاص وصدق كشاهد عيان، ما عرفه عن القائد العظيم، وما لمسه وشاهده منه اثناء مرافقته له وبعد ذلك.
وهذه الحقيقة .. وإن بقيت غير معروفة بكاملها منا، لأن الرومانيين اتلفوا كتاب سوزيلو، فلا يجوز ان نبقى مكتوفي الايدي، ونقنع بما وصلنا من المؤرخين المتحيزين.
لأن عدم الحصول على الحقيقة الكاملة الشاملة، لا يجيز لنا اهمال المعلومات القريبة منها أو الشبيهة بها، والا فُقد النفع وانعدمت الفائدة بالمرة.
لذلك آليت على نفسي، أن أكتب هذا الكتاب عن هاني بعل، بعد أن قرأت الكثير عنه مما كتبه العديد من المؤرخين، وقمت بغربلة وتلخيص ما كتبوه، ومحّصت ودققت وقارنت، ليأتي ما أكتبه قريباً جداً من الحقيقة، بفعل الحس والمنطق التاريخيين اللذين استعنت بهما.
أكتب بلسان سوزيلو، استاذ هاني بعل، وصديقه الصدوق الوفي، تقديراً مني له واعجاباً به وإحياء لذكراه من جهة، وليكون ما أكتبه، تحت تأثير الشعور بهذا، نابضاً بالحرارة والعاطفة والصدق، كما كان ولا شك ما كتبه سوزيلو الأمين الكريم عن صديقه العظيم.
أضع هذا الكتاب أمامك يا قارئي، عن حياة هاني بعل، هذا العظيم الخالد في تاريخ بلادنا (أعظم نابغة حربي في كل العصور وكل الأمم) إقتناعاً مني بوجوب كتابة تواريخ وسير عظماء أمتنا من جديد، بعد تجريدها وغسلها مما الحقه بها المغرضون والاجانب من شوائب، لكي تعود الى الاشعاع واللمعان في صفحات تاريخنا، وتوزع على دروبنا نوراً وقوة وهداية.
إن كتابة تاريخنا من جديد، أمر ضروري هام ومُلح وواجب، لكي ندرسه ونعرفه جيداً فتتعمق معرفتنا بهويتنا وتتأصل.. وعلى مؤرخينا وكتابنا أن يبادروا الى ذلك بسرعة، لكي نعلم كيف نعود الى جذورنا الحقيقية، ونتسلح بالمعرفة وتستمد نهضتنا روحها من مواهب أمتنا العظيمة وتاريخها المجيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق