الاثنين، 18 يوليو 2011

من قلب تايخ جبيل ... قرية إده

من قلب تاريخ جبيل.. قرية إدّه


ميراي برق – "البناء" 04/02/2011
إذا لم يكن لنا البصر الذي يمتّد الى الأزل وإلى الأبد، فنحن مُكرَهون أن نروي لبعضنا بعضاً ما كان من أمرنا مع الطبيعة، وأن نتشارك مع بعضنا بعضاً في المدى الضّيق من الزمان والمكان الذّي يتناوله وعينا وتسجّله ذاكرتنا، والذّي نرويه هو ما درجنا على تسميته «التاريخ».
قرية إدّه، واحدةٌ من قرى لبنان الجميلة الوادعة في أحضان الطبيعة، تعلو عن سطح البحر ابتداءً من 200 متر، ثم ترتفع تدريجياً لتصل في الحد الأقصى إلى علو 400 متر تقريباً. قائمة على رأس رابية فسيحة، في الجهة الشرقية الشمالية من مدينة جبيل التاريخية. تحدّها شرقاً كفرمسحون وبنتاعل وكفرحتّى، وشمالاً نهر عين الجديدة، وهو الفاصل بين عمشيت وغرفين، أما جنوباً فتحدها قرية حبوب، وغرباً مدينة جبيل والبحر الأبيض المتوسط.
في هذه القرية الوادعة المطلة على البحر والجبل في آن كيفما اتجهت الأنظار، تلتقي أشجار نخيل تخاطب السحاب، وأشجار غار طيبة الرائحة، تستقبل كل وافد إلى المنطقة بعبيرها الفوّاح. وتساعدها في واجب الاستقبال أشجار مثمرة وحرجية من كل نوع وصنف. على جانبي القرية، وضمن خراجها الواسع واديان تجملهما الأشجار الدائمة الاخضرار كالسنديان والعفص والصنوبر. المياه في إدّه صافية نقيّة ومعدنية، وتتوفر على عمق 250 مترا في جوف الارض.
المختار والتاريخ
«البناء» التقت مختار بلدة إدّه بطرس إدّه، واستطلعت منه تاريخ القرية وعائلاتها.
يقول المختار لـ«البناء»: «آل إده مثل عدد كبير من العائلات اللّبنانية، هم فرع من عائلة اخرى أكثر عدداً وأقدم عهداً. ذكر بعض المؤرخين أنه ربما كانت تربط هذه الأسرة صلة نسب بآل إده المتحدّرين من أسرة مالك أبي الغيث. لكن ليست هناك براهين مقنعة على ذلك، أما أكثر المؤرخين والباحثين القدامى فأجمعوا على أن العائلة – الأصل هي أسرة حبيش، نظراً الى أدلّة تاريخية مقنعة شرحها مؤرخون عرفوا بمقدرتهم ومصداقيتهم».
ويتابع: «في مستهل البحث التاريخي عن آل إدّه، لا بدّ من العودة الى الينبوع، إلى الأصل، مقدّمين لمحة تاريخية خاطفة عن آل حبيش، لكي نعرف كيف ولماذا وفي أي زمن تفرّعت عن هذه الأسرة العريقة».
«آل حبيش أسرة مسيحية قديمة متحدرة من قبيلة «الهوازن» اليمنيّة. هذه القبيلة، قبل العهد المسيحي، كانت مثل أغلبية سكان اليمن تدين بالصابئة، أي عبادة الأجرام السماوية كالشمس والقمر والنجوم. ويقول خليل حبيش: «جاء في معاجم اللغة أن كلمة «حبيش» تعني الذي يتحلّى بالقوة والظرف. وتثبت بعض الأدلة التاريخية أن لفظة حبيش هي كنية أطلقت على المتحدّرين من تزاوج نصارى الهوازن بأبناء مملكة الحبشة. ثم امتّد اللقب إلى الأبناء فالأحفاد. لقد غزا الأحباش اليمن مرتين. الأولى في العام 340 ميلادية، والثانية في أوائل القرن السادس. لذا فإن «ذو نؤاس» آخر ملوك «حِمَير» أراد الانتقام من الأحباش، فنكّل بنصارى اليمن مضطهداً إياهم في نجران العام 523. وأسفر هذا الاضطهاد عن مذبحة رهيبة ونزوحاً كبيراً من اليمن إلى البلدان المجاورة».
ويتابع المختار نقلاً عن خليل حبيش: «تعرّف أحد الحبيشييّن اللبنانيين في اليمن الى أفراد من عائلة حبيش إبّان الحرب العالمية الثانية، حيث كان من أعضاء الوفد الذّي زار اليمن مبعوثاً من قبل قيادة جيوش «الحلفاء»، وإن الحبيشيين المسلمين في اليمن، يعرفون الكثير عن أقاربهم النصارى في لبنان ويتنسّمون دائماً أخبارهم. ولمّا انتشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية، تفرّق كثيرون من مسيحيي اليمن في الحجاز، ثم انتقل بعضهم إلى العراق ومنه إلى تدمر في سورية، ثم دخلوا لبنان. ومن بين النازحين بعض عائلات من آل حبيش إستوطنت بلدة دير الأحمر. وبعد مدة من الزمن نزح أفراد منهم إلى المغيّرة التي كانت تسمّى يانوح. وهذه لفظة فينيقية الأصل. يانوح كانت ذات شأن في العهد الفينيقي. شيّد فيها هيكل أدونيس الذي قال عنه عالم الآثار أرنست رينان إنه كان معاصراً لهيكل أفقا. وفيها آثار نواويس وبقايا قصر يقال له قصر بنت الملك».
وأضاف المختار: «يانوح هذه موقعها بين قرطبا والعاقورة. سمّي القسم الأعلى منها تدمر، ربّما تيمّناً بتدمر السورية التي عرفها سابقاً الحبيشيون قبل انتقالهم إلى دير الأحمر. أما المنطقة بكاملها فهي جزء من جبة المنيطرة الممتدة من نهر الفيدار إلى نهر إبراهيم ومن البحر إلى سطح الجرد».
الحاج يونان وافتراق الإخوة
وتابع المختار حديثه لـ«البناء» قائلاً: «ذكر بعض المؤرخين أن أخوة حبيشيين ثلاثة نزحوا مع عيالهم من يانوح، على أثر تلك المعارك، إلى كفرسالي شمالي جبيل، وهم حبيش والحاج يونان وخليل. انتقل حبيش من كفرسالي إلى مدينة غزير مع جميع أفراد عائلته، في أوائل القرن السادس عشر، وربّما كما ذكر هؤلاء المؤرخون أنفسهم، في العام 1516. وصادفوا الراحة والأمان بعد معركة مرج دابق التي تكلّلت بانتصار السلطان العثماني سليم الأول ومصرع قانصو الغوري. وبعدئذ قصدوا مزرعة تدعى «كفرسالي» كائنة قرب بلدة عمشيت ومشرفة على «إده»، وما لبثوا أن هاجرو فانتقل يونان إلى «إده» واستوطنها عام 1515، وقصد حبيش بعد حين غزير وخدم الأمراء بأمورهم الهامة فأطلقوا عليه لقب «شيخ» مكافأة له على حسن خدمته، وهو الجد الأعلى لعائلة حبيش التي خرج منها رجال مشاهير في علوم الدين والدنيا. أما خليل فقصد مزرعة قرب قرية حبالين وأقام فيها، وهي لا تزال تعرف باسمه حتى أيامنا هذه، وبعد حين انتقل أعقابه إلى حبالين. وقد هاجر منهم كثيرون إلى أميركا وعادوا وشيّدوا في قريتهم دوراً حسنة الطراز.
وجوه.. مهاجرة
وعن الشخصيات التي لمعت في المغتربات يقول المختار: «من هاجر من أبناء إده إلى ما وراء البحار، هاجروا هجرة نهائية، وهذا في القرن التاسع عشر، والعدد الأكبر منهم هاجر إلى البرازيل. وقد عثر على أسماء أكثرهم في كنيسة مار جرجس إدّه في دفتر الوفيات». ومن تلك المدونات: «توفي مارون يوسف جرجس نوهرا إدّه في أميركا (البرازيل) في 20 أيار 1889»، «توفي منصور عبد الله منصور إدّه في أميركا (البرازيل) في 25 تموز 1889».
عائلات
الاصول التاريخية التي ترتكز عليها قرية إدّه هي الأصول نفسها التي ينتمي إليها أبناؤها أينما حلّوا. فالعلاقة بين الاثنين وطيدة عميقة، لا يمكن زعزعتها لا خلال الترحال المحلي، ولا بسبب الاغتراب.
وفي إدّه اليوم عائلات عديدة، مثل مرعي وفيّاض، وهي ليست في الأصل فرعاً من عائلة إدّه. لكن أفراد هذه العائلات نزلوا في القرية منذ القرن الثامن عشر أو التاسع عشر، وانسجموا في بيئتها، وصهروا في بوتقتها، وتمّ الاندماج التام بالاختلاط والزواج، فأصبح الأبناء والأحفاد من آل إدّه ولا فرق بينهم وبين الذين تفرعوا رأساً من الحاج يونان. والدليل على ذلك أوّل رئيس لنادي إدّه الثقافي كان المرحوم حنا مرعي.
التسمية
يقول بعض المؤرخين أن إسم إدّه مصدره لفظة سريانية معناها الغار. والسبب وجود أشجار الغار بكثرة في أراضيها. ويقول الرأي الثاني إن جذر «إدّه» سامي مشترك يرمز إلى القوة والمناعة والصلابة والشدّة. ولقد ورد في «التوراة» «إدّو» وهو اسم علم، وثمة رأي ثالث محوره تحريف الكلمة السيريانية «ايدو» أي يد، ومعناها اليد القوية.
آثار القرية
تاريخ إدّه بدأ مع تاريخ جبيل، لأنها كانت منذ القدم حياً من أحياء مدينة الأبجدية. ضمن نطاق خراجها يقبع الكثير من الآثار القديمة التي تعود إلى العهود الفينيقية والرومانية والبيزنطية وإلى أيام الصليبيين. فيها معابد وثنيّة تحوّلت إلى كنائس، ومنها أعمدة ضخمة أحنت الأيام ظهرها وأوهنت قوائمها فاستلقت على الأرض ممدّدة مستريحة أو مكسّرة، وتيجان منقوشة في الصخور وبقايا خرائب قديمة، حجارتها ضخمة ومبعثرة في كل ناحية، وصلبان.
ومن الآثار: كنيسة مار جرجس – كنيسة مار يوحنا ومارتادروس – كنيسة مار اليشاع – معابد في ضواحي القرية.
مشاهيرها
بعد الحديث عن الموطن الجديد للحاج يونان، قرية إدّه – جبيل وآثارها، لا بد للحديث أن يصل إلى بعض مشاهير هذه الأسرة، ومنهم الشيخ يوسف إدّه الذّي اشتهر بثقافته وبراعته في فنّ الكتابة وجمال الخط وحسن التدبير وبعد النظر في الإدارة والسياسة والمال. تزّوج الشيخ يوسف من فتاة من قريته اسمها ورده الملقبة «قمره» لفرط جمالها. أنجبا ولدين حازا على شهرة عظيمة. هما المعلّم الياس إدّه الشاعر وأخوه الخوري جرجس تلميذ روما».
واشتهر من أبناء الخوري تادروس، الشيخ منصور والآغا بطرس. هما من مواليد إدّه في القرن السابع عشر، ومنذ القرن الثامن عشر أدخلهما الشيخ يوسف إدّه في خدمة الأمراء الشهابيين فسّروا بذكائهما ورأوا فيهما ملامح النجاح والأمانة والفراسة، فخصوهما بخدمتهم ثقافياً وإدارياً وأجزلوا عليهما العطايا».
«المعلّم الياس إدّه الشاعر وأبناؤه: هو نجل الشيخ يوسف والسيدة قمره، ولد المعلّم الياس في إدّه سنة 1741، نشأ وترعرع في حمى والديه كريمَي الأخلاق. أبوه الذي كان أول من شق طريق الشهرة لأبناء إدّه سعى ليكون ابنه في طليعة المثقفين، فدرّبه على فنون الكتابة والمطالعة والإدارة والسياسة. فكتب الياس في ديوان الأمير منصور الشهابي. ثم جعله الأمير يوسف ابن الأمير ملحم كاتباً خاصاً به وأكرمه كثيراً وأصبح رفيقه المميّز في روحاته وغدواته». و لا ننسى الياس نعمه إدّه، الملّقب بـ«أعمى إدّه».
إدّه اليوم
وما يميّز بلدة إدّه في الوقت الحالي هو وجود الثانوية المهنية الرسيمية التّي تضمن عددا كبيرا من الاختصاصات المطلوبة في سوق العمل من ادارة الفنادق، سياحة وسفر، بيع وتسويق، الحضانة، فافتتاح هذا المعهد المهني في إدّه التابع لوزارة التربية والتعليم العالي، ساعد على تطور وازدهار هذه البلدة، وخفّف على الأهالي الأعباء المادية وتكاليف المواصلات إلى المعاهد البعيدة الأخرى. إنها تعطي فرصة لجميع أهالي المنطقة والبلدات المجاورة لإكمال تعليم أبنائهم الدراسة المهنية الثانوية، بمختلف شعبها وفروعها والانتقال بالتالي إلى الدراسة الجامعية.

هناك تعليق واحد:

  1. أستاذ لبيب نصيف
    تحية طيبة
    نأمل منكم تعاونكم الكريم مع ""مكتبة علوم النسب""
    نأمل الحصول على إيميلكم

    ردحذف