لم يكن الصحافي عبد الله مشنوق عضواً في الحزب، ولا من اصدقائه. على العكس فهو في فترات عديدة كان من خصوم الحزب، وكانت جريدته " بيروت المساء " منبراً للنيل منه.
لذلك تعتبر كلمته في سعاده التي نشرت في العدد 222 تاريخ 07/11/1979 من مجلة " صباح الخير – البناء "، شهادة رجل مطلع، رافق الحياة السياسية – الاعلامية في لبنان، وعرف اسرارها ورجالاتها.
نعيد نشر كلمته لفائدة الاطلاع.
سـعـاده رجـل عـظـيـم ورسـالـته خــالـدة
عـبد اللـه المشنـوق
عندما نريد ان نتحدث او ان نتكلم عن الحزب السوري القومي الاجتماعي ومؤسسه الزعيم انطون سعاده لا بد لنا من وقفة تأمل كبيرة امام عظمة هذا الحزب وشخصية زعيمه الفذة. هذا الانسان الذي كتب التاريخ اسمه بأحرف من نور في صفحاته البيضاء الى الابد.
لقد عرفت انطون سعاده في مطلع الاربعينات. كان وطنياً كبيراً بكل ما للكلمة من معنى. صادق ومخلص في مبادئه، لا يساوم على القضية القومية. يرفض الطغيان ويكره المستعمر ويحاربه بكل ما يملك من قوة. وكان كل الذين يحيطونه يراقبونه بحذر ويتتبعون خطواته بخوف، واعتبروه خصمهم اللدود، فكانوا يحاربونه ويوجهون له الاتهامات للنيل منه لكنهم فشلوا لأنه كان اقوى منهم جميعاً ايماناً وعقيدة ووطنية. حتى ان المستعمرين الفرنسيين والانكليز الذين كانوا يخدمون اليهود ويساعدونهم في تثبيت دولتهم الصهيونية في فلسطين المحتلة. كانوا يحسبون للزعيم حسابه ويدركون انه جاء ليقول شيء للشعب المسحوق المغتصبة حقوقه القومية. فحاولوا بدورهم النيل منه ومن حزبه بشتى الوسائل لكنهم ايضاً فشلوا. الى ان استطاعوا اخيراً القضاء عليه حين اعدمته السلطات اللبنانية بعهد الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح عام 1949.
قبل اعدامه حاولت اقناع رياض الصلح بالعدول عن القرار لانقاذ الزعيم فلم يوافق فاستعنت بالرئيس عبد الله اليافي فلم يوفق ايضاً. وكانت ليلة سوداء حين عرفت بالخاتمة الاليمة لهذا الرجل العملاق. وقد ألمني كثيراً ان ارى رجل فكر عظيم كأنطون سعاده يحاكم بأربع وعشرين ساعة ويحكم بالاعدام، فكانت هذه المحاكمة لطخة عار في تاريخ لبنان. ويمكنني القول بكل صراحة وجرأة ان الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح لن يذكرهما التاريخ الا لأنهما اغتالا انطون سعاده. الزعيم والمعلم والقائد..... ولكن يخطئ كل من يعتقد ان مؤامرة اغتياله كانت من صنع رياض الصلح او بالأحرى كانت محلية او عربية، ابداً ان اغتيال انطون سعاده مؤامرة عالمية صهيونية هذه حقيقة يجب ان نجاهر بها وان يعرفها الجميع ويدركها. نعم كانت هناك مؤامرة عالمية صهيونية واسعة على انطون سعاده وعلى حزبه ولا تزال تلك المؤامرة مستمرة على اتباعه وتلاميذه الذين حملوا الرسالة من بعده.
الحــزب الـذي لا يـمـوت
لقد أخطأ كل الذين كانوا يحسبون ان باستشهاد انطون سعاده يموت الحزب وتموت العقيدة، عندما قال انطون سعاده للقوميين وللجماهير في سورية " انني اخاطب اجيالاً لم تولد بعد " نسي كل الذين تآمروا على قتله ان هذه الاجيال التي خاطبها سعاده ستحمل الرسالة من بعده لتكمل مسيرة النضال حتى التحرير والنصر.
ان السوريين القوميين الاجتماعيين لم يموتوا بعد انطون سعاده ولن يموتوا ابداً ولعلهم اليوم اقوى منهم بالامس. فالنهضة السورية القومية نهضة قوية ترتكز الى قواعد متينة واسس صحيحة ومبادئ معلنة. ومهما حاولوا ان يطمسوها ستبقى الاقوى لانها الحقيقة الراسخة في تاريخ سورية.
نـاقـشـناه وكـان علـى حـق
اذكر انني قضيت ليلة كاملة حتى الفجر مع محي الدين النصولي في بيت سلمى الصايغ ونحن نحاور الزعيم سعاده حول مسألة الامة السورية والعروبة وكان حاضراً اللقاء الشاعر صلاح لبكي وكان رحمه الله من رواد نهضة الحزب. وأذكر انه في تلك الليلة دار بيننا وبين الزعيم نقاش طويل لم نستطع من خلاله ان نصل الى صيغة نتفاهم عليها حول مسألة العروبة. فعبثاً حاولنا بأن يعلن عروبة الامة السورية فكان يقول لنا جواباً على ذلك " ان هذا مفهوم ولا حاجة الى ذكره ". ولكن هذا لا يعني اننا كنا مختلفين معه في طروحاته الوطنية ومبادئه الاصلاحية.
تـجـربــة الـعـرب
وانني اقولها بكل صراحة بأننا نحن، تيارنا من العروبيين كنا مخطئين آنذاك في موقفنا السلبي تجاه مسألة العروبة. فاليوم نحن نتحسرعلى انطون سعاده ويا ليتنا آمنا بوجهة نظره من هذه المسألة لأنها الاصح. بحيث تحدد النظرة العلمية الصحيحة الشاملة لمفهوم العروبة في سورية والعالم العربي. فلو ادركنا لا بل لو ادرك العرب جميعهم حقيقة نظرة انطون سعاده وصوابية مبادئه لما كانوا وصلوا الى الحالة التي يتخبطون فيها الآن. او بالاحرى لما كانت اسرائيل موجودة. فأنطون سعاده لو قدر له الله ان يعيش اكثر لاستطاع ان يغير مصالح كثيرة في سوريا والعالم العربي ولغير مجرى التاريخ لانه كان قادراً على ذلك ولهذا تآمروا على قتله.
تـجـربــة لـبـنان
احب ان اعلق على ناحية مهمة تتعلق بالازمة اللبنانية. لقد طالب انطون سعاده في مبادئه الاصلاحية بفصل الدين عن الدولة ودعى المواطنين على مختلف مذاهبهم ومعتقداتهم الدينية للانصهار في بوتقة وطنية واحدة من اجل تماسك البلاد ونصرتها وعزتها وللابتعاد عن التفرقة والتشتت. وما الاحداث الاليمة التي عاشها لبنان عام 1975 وما يزال يعيشها الا الدليل الواضح على صوابية دعوة سعاده لفصل الدين عن الدولة وبناء المجتمع العلماني والدولة الوطنية القومية المتماسكة بوحدتها. فمثلاً لو لم يدخل القوميون الحرب لاستطعنا الجزم بأن المعركة طائفية تدور بين مسيحي ومسلم وكان هذا يخدم مصلحة العدو لأنه يريد ذلك. ولكن عندما شاهدنا القرى القومية المسيحية الوطنية في المتن الشمالي وفي الكورة وغيرهما تقف بوجه المسيحيين الانعزاليين أدركنا ان المعركة هي بين تقدميين ورجعيين عملاء وان القوميين الاجتماعيين باستشهادهم في تلك المناطق عمدوا بدمائهم الذكية النبيلة، الوطنية الحقة التي لا غبار عليها.
عـباقــرة لأنـهـم فـي الـحـزب
لست بحاجة الى تعدادهم فمعظمهم زملائي او تلاميذي وانا افتخر بهم وهؤلاء امثال صلاح لبكي وفؤاد سليمان وسعيد تقي الدين وأدونيس وغيرهم لو لم يكونوا عباقرة لما كانوا اعضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي فهم مفخرة للأدب وللوطنية وللعقيدة الصادقة.
لا يسعني الا ان اتمنى لهذا الحزب الوطني الدوام والتعاون في ما بين اعضائه. ويحميهم من آفات التفرقة وهي كثيرة ويا للأسف وان يبعد الاعداء وهم كثيرون ايضاً. ورسالة انطون سعاده " السورية القومية الاجتماعية " رسالة خالدة ما تزال في بداية عهدها والمستقبل يبقى للثابتين.
الأربعاء، 13 أبريل 2011
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق