الجمعة، 5 مارس 2010
الأمـيـن الـشـهـيـد كـمـال خـيـر بـك
الأمين الشهيد كمال خير بك، أسـم سـطـع فـي تـاريـخ الـحـزب وسطّر وقفات عزٍ لا تنسى على صعيد صراعه الحزبي، كما في مقارعة العدو الاسرائيلي، بحيث أن اي شرح آخر لا يضيف على حضوره المشع وتجلّيه.
صدر للأمين الشهيد، دواوين شعرية جمعها أصدقاؤه بعد رحيله:
وداعـاً أيهـا الشـعر 1982
دفـتر الغـيـاب 1987
أما ديوانه مظاهرات صاخبة للجنون فكان طبع مرة ثانية عام 1982 بعد أن صدرت الطبعة الأولى في بيروت عام 1965 تحت اسم مستعار: كمال محمد، واقتصر انتشارها على عدد محدود جداً.
خارج دواوين الشعر صدرت عام 1982 الترجمة العربية الكاملة للاطروحة التي نال على أساسها الأمين الشهيد، شهادة دكتوراه دولة في الآداب، وقد قام بالترجمة لجنة من أصدقائه. موضوع الاطروحة "حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر" وكانت صدرت بالفرنسية في باريس عام 1978.
كان الأمين الشهيد كمال خير بك قدم اطروحته للدكتوراه الى جامعة جنيف في 28/06/1972 ونالت بالاجماع درجة الشرف العليا مع تقدير اللجنة المناقشة.
قبل كا هؤلاء كان للأمين كان للأمين كمال خير بك ديوانه "البركان" الصادر عام 1960، حينما كان يوقع باسم " قدموس".
ولأن قلة من الرفقاء والاصدقاء لم يطلعوا على "البركان"، وقد يكون معظمهم لم يسمع به، نقدم عنه التعريف التالي، بقلم الامين عبد الله قبرصي الذي كتب مقدمة الديوان بعنوان "الشعر البركاني"، ننقل ابرز ما جاء فيها.
*
كمال خير بك أو قدموس. من ابناء الحركة القومية الاجتماعية، آمن بالحركة وناضل في سبيل انتصارها، وتحمل معها ألوان الألم والعذاب والحرمان. لقد رافقها منذ وعى حقيقته، في ايامها البيض وايامها السود، في صراعها الخلاق ضد القوى الرجعية المتآمرة عليها منذ وجودها، في حربها بالصبر وبغير الصبر. ومن روعة الألم، وعظمة النضال ومن صميم الحياة القومية الاجتماعية، استلهم قصائده. انها حصيلة انفجارات نفسية، في قومي اجتماعي، لا تمر شاردة أو واردة دون أن تسجل في أعماقه غلياناً وانفعالات، كان لا بد ان تطلق "البركان" الذي بين يدينا، بما فيه من نار ولهب.
ان لغة "البركان" هي لغة جيلنا الجديد الثائر، الذي يريد ان يهز ضمير الشعب، ان يثيره، ان يلهبه ويتطلع الى الآفاق التي من اجلها نتحمل ونقاتل ونستشهد.
لقد كنت اود الاّ اقرأ هذه القصائد. فقد سمعت بعضها في احتفالاتنا القومية الاجتماعية، في جو شعبي حماسي، فالهبت نفسي، وكل نفس سمعتها، وحملتني الى ايام الشباب، حيث كنت، قبل عهد النهضة، وخلال مقاييس تتآخى مع مقاييس قدموس، أنفث الألم الذي في صدري ضد مستعبدي بلادي وجلاديها، على قبور الشهداء في دمشق، وفي لبنان.
ان بيني وبين قدموس لا وحدة روحية، متأتية عن كوننا ابناء الحركة، ربينا فيها، وفعلت تعاليمها ومبادؤها وأحداثها في قلوبنا وعقولنا وخيالنا، فحسب، بل وحدة اسلوب ايضاً ووحدة نظر الى الشعر، من هذا اللون الخطابي الشعبي، الذي يفيض بالاعاصير والحمم، فيغني ألم الشعب وانتفاضاته الطويلة لتحطيم الظلمة، وسحق العدو. فتحس وراء كل بيت منه قنبلة، ووراء كل قصيدة معركة، وتحيا في حمّاه المستعرة، فاذا انت في ثورة واذا انت في قلب بركان.
من هنا ارى ان شعر قدموس هو شعر الثورة. انه مزمار الثائرين، المعذبين في الارض، الذين يأبون ان يذلوا، ويرفضون ما هو دون الحرية والعز.
الى أن يقول:
وبعد، فإن قدموس يقدم للشعب شعراً ثورياً يتأجج بالانفعالات العميقة الفائرة. انه يسفح قلبه ناراً وكبريتاً، ليذيب (الصخر) من ادمغة الناس، ويحرق فيهم اللامبالاة، ويدق ناقوس المعركة من اجل التحرر، ومن اجل النهضة، من اجل استعادة فلسطين، من اجل كسر شوكة الشرّ والعار والمفاسد، من اجل اجلاء الاجنبي عن ارض الوطن، حيث جثم غازياً ثقيلاً، وكأنه يجثم على صدر الشاعر وحواسه وكل دقيقة من حياته.
مثل هذا الشعر ليس ملتزماً. ليس سياسياً. انه يحيا في جوّنا الكالح، في حالنا المرّة التعبة. انه غذاء لنا. انه مهماز. انه نار تكوينا. انه نداء عالٍ، يكاد يملأ آذان الآلهة قبل ان يصل آذان اللامبالين من شعبنا.
نحن بحاجة الى المزيد من هذا الشعر الثائر، الى المزيد من تعميقه، وتفجير الطاقات التي يغرفها من وجودنا، ليأتي اكثر ذرية وفاعلية.
نحن بحاجة الى قدموس يشحن بركانه بقتابل اقوى. ان امتنا بخطر.. فليكم شعرنا عبى مستوى الخطر.
الـثــورة
هـذي عـواصـفـنـا تـغـلـي وتـصـطـخـب
تـبـارك الـجـرحُ، يـا لـبـنـان، والـلـهـبُ
صـدورنـا فـي طـريـق الـمـوتُ مـشـرعـةٌ
مـن كـل نـاحـيـة يـجـتـاحـهـا العـطـب
إنّـا نـعـمّـر مـن أشــلائـنـا وطــنـــاً
ونـكتـب الـمجـد، اذ نـمـحـو الـذي كتـبوا
*
نـيـوبـهـم مـا يـزال الحـرف يـذكـرهــا
والأم تــذكـر.. والاطــفــال والــخـربُ
لـبـنـان يـعـرف كـم عـانـى مـخالـبـهـم
وكــم أذلّـوا لـه وجـهـاً وكـم صـلـبـوا
تـاريـخ لـبـنـان لـن يـروي حـكـايـتـهـم
ألا ويــخـجـل فـيـه الـشــعــر والأدبُ
*
هـم شـوهـوا الأرز واغـتـالـوا نـضــارتــه
ونـحـن نُـرجع مـا هـدّوا ومـا ســلـبــوا
لـقــد ارادوك يـا لــبــنـان مـزرعـــةً
صـفـراء يـحـكـمـهـا الإرهـاب والغـضـب
لـقـد ارادوك، يـا لـبـنـان، مـقــبــــرةً
سـوداء تـعـلــك قـتـلاهـا وتـنـتـحــب
ونـحـن شـئـنـاك ضوءاً ضـاحـكـاً وغــداً
يـلـهـو عـلـى أفُـق الـدنـيـا ويـلـتـهـب
*
يـا ذلّـهـم.. أي ذئــب كـان يـلـبـسـهـم
وأيّ وحـلٍ عـلـى جـبـهـاتـهـم جــلـبـوا
أيـخـنـقـون هـديـر الـرعـد إن شـتـمـوا؟
أيــسـتـرون صـراخ الـعـار إن كــذبــوا؟
أيـخـمـدون ضـمـيـر الشـعـب إن غـدروا؟
أيـطـفـئـون صـيـاح الشـعـب إن صـخبـوا؟
الـشـعب أكـبـر.. لـن يـفـنـى عـلى يدهـم
ولـن يـهـادن أصــنـامـاً لـه نـصــبــوا
الـشعـب أكـبـر.. لـن يـرضـى عـروبـتـهم
ولــن يـــردد مـا شـــاؤوا ومـا رغـبـوا
*
إرادة الـشــعـب، لا ســيـفٌ يـزلـزلـهــا
ولا مـراســيـمُ تـعـلـيـــهـم ولا خشــب
لـيـسـتريـحـوا.. كـراسـي الحـكـم جائعـةٌ
إلـى الـتـمـاثيـل، ولـيـغـنـوا بمـا طـلـبـوا
مـن اجـلـهـا احـرقـوا الدنـيـا، وما شـبـعوا
مـن غـلـة الأمـس..كـم مـصّـوا وكـم نهـبـوا
كـرامـة الشـعـب. بات الشـعـب يـعـرفـهم
ولــن يـصــدق بـعــد الآن ان خـطـبــوا
هـم كـل كـارثــةٍ تـأتـيـه مـا بـقـيـت
لـهــم مـراتـب تـســتـهـويـه أو لـقـبُ
لـيـسـتريحـوا. فـخـلـف الصمـت جلجلـةٌ
ينـهـار تـحـت صـداهـا الـعـار والـكــذب
غــداً تـزمـجـر فـي لـبـنـان زوبـعــةٌ
حـمـراء، تـقـلـع مـا ســـدّوا ومـا (نصبـوا)
غـداً نـقـوّض عـرش الـرمـل تـحـتـهـمُ
فــلا يــظــل لـهـم عــرشٌ ولا رتـــب !!
بيروت، صيف 1958
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق