صحيح أن الامين موسى مطلق ابراهيم كان شاعراً له "ليلى" ويعنين"، وغيرها من دواوين وقصائد عديدة لم يصدرها في ديوان، إلا أنه كان بحاثة، عميقاً في كشفه للحقائق ومتميزاً باسلوبه الشيق والعلمي.
"شعب" و"وعد التوراة" مؤلفان جديران بالاطلاع، وبأهدائهما لكل مواطن يرغب أن يتعرف على حقائق في التوراة، الانجيل والقرآن.
عن "وعد التوراة" كتب مازن محمد في جريدة "الحياة" في 23/03/1995 ننقله للإضاءة على كتاب قيِّم.
*
ليس هذا الكتاب الاول الذي يسعى الى اظهار التناقضات الكامنة في العديد من المرويات والاحداث والاساطير التوراتية، اذ سبقته مئات الابحاث والدراسات – وبعضها باقلام علماء توراتيين من اليهود والمسيحيين – وكلها تؤكد على ان التوراة اليهودية الموجودة بين ايدينا حالياً عرفت الكثير من التحريفات والاضافات منذ وضعها في صيغتها النهائية بحدود القرن الخامس قبل الميلاد.
واذا كان عمل موسى مطلق ابراهيم يتضمن الكثير من النقاشات التي سبق ان طرحت على بساط البحث اللاهوتي والتاريخي في ما يتعلق بالتوراة العبرية، فإن الزاوية التي ينطلق منها كتابه هذا هي الشيء الجديد تماماً بحيث أن القاريء يتمكن في نهاية الكتاب من ربط الاحداث التوراتية كما سجلها الحاخامون قبل حوالي الفي سنة بتطورات الاوضاع المعاصرة مع انطلاق الحركة الصهيونية خلال القرن الماضي.
يركز المؤلف اساساً على مفهوم (الوعد) في التوراة منذ أن ظهر يهوه على ابرام في ارض كنعان ووعده: (أرفع عينيك وانظر من الموضع الذي انت فيه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، لأن جميع الارض التي انت ترى لك اعطيها ولنسلك إلى الابد). وصولاً إلى وعد بلفور للحركة الصهيونية في مطلع القرن العشرين والذي كان (الاساس الحقوقي) لقيام الدولة اليهودية في فلسطين في وقت لاحق.
وكانت مسألة (الوعد) هذه استوقفت الكثير من الباحثين، خصوصاً انها تكررت مرات عدة في اسفار التوراة العبرية من ابرام الى موسى الى يشوع بن نون. وجاء وعد يهوه لابرام اربع مرات، وفي كل مرة بحدود جغرافية مختلفة. وتكرر مع موسى ست مرات مع تبدل جغرافي كذلك. أما الوعد ليشوع بن نون فتكرر مرتين وكان في الحالتين مشابهاً لبعض الوعود المتقدمة لموسى.
لكن لماذا هذا التشديد على (الوعد) في المرويات التوراتية كما وصلت الينا اخيراً؟
يعتقد المؤلف أن كتبة التوراة في القرن الخامس ق.م. اما كانوا يسجلون ما توارد اليهم من احداث قديمة بعد ادخال العديد من التحريفات عليها بما يتناسب مع ظروفهم في ظل السبي البابلي أولاً، ومن ثم إعادتهم إلى فلسطين بعد الإنتصار الفارسي على الامبراطورية البابلية آنذاك. وانطلاقاً من هذه القاعدة، يعمد موسى مطلق ابراهيم إلى مناقشة السرد التوراتي، كاشفاً الثغرات التاريخية والجغرافية والمنطقية التي اعتورته من جراء تضارب اتجاهات الكتبة من جهة، وكذلك لأن الاضافات التي لحقت به جاءت على فترات متلاحقة.
ويلاحظ المؤلف كذلك ان حدود (الوعد) كانت مطاطة للغاية حتى مع الشخص ذاته، مما يعكس التناقضات التي وقع فيها كتبة التوراة الذين كانوا يزعمون انهم (يسجلون بدقة) ماحدث قبل أكثر من الف سنة على كتابة اسفار التوراة. ومن الامثلة البارزة على ذلك وعد يهوه لأبرام عندما كان ما يزال في اوركلدان: (اذهب من ارضك ومن عشيرتك ومن بيت ابيك إلى الأرض التي اريك فاجعلك أمة عظيمة واباركك واعظم اسمك وتكون بركة، وابارك مباركيك ولأعفك العفة، وتتبارك فيك جميع قبائل الارض).. وصولاً إلى الوعد التالي: (لنسلك اعطي هذه الارض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات).
غير اننا نجد من الضروري طرح السؤال التالي: هل هذه التناقضات في الحدود الحغرافية للوعد عبارة عن مجرد اخطاء وقع فيه كتبة التوراة العبرية ابتداء من القرن الخامس ق.م أم أنها إجراءات مقصورة الهدف منها ابقاء المجال مرناً ومفتوحاً ليتناسب مع أوضاع الجماعات العبرية البدوية التي كانت تجوب بعض انحاء جنوب الهلال الخصيب في مرحلة موغلة في القدم؟
للاجابة على هذا السؤال لا بد من ان نأخذ البحث في اتجاه آخر، لا يتناقض مع مفهوم (الوعد) بقدر ما يغنيه ويؤكده ويبرز الخطورة الكامنة فيه. ونقصد بذلك مفهوم (شعب الله المختار) الذي يشير اليه المؤلف في سياق مناقشته للوعود التوراتية المتنوعة. فإذا كان كتبة التوراة شددوا على التزام يهوه بتحقيق الوعود التي قطعها على نفسه لصالح ابرام ونسله من بعده (ويقصدون بذلك النسل العبري اليهودي)، فإن ذلك كان لأن هذه الجماعة هي (الشعب المختار) الذي فضله يهوه على جميع الناس، بغض النظر عن الارتكابات والأخطاء والانحرافات الدينية التي ارتكبها خلال تاريخه...كما هو وارد في اسفار التوراة العبرية نفسها!
ومن الواضح ان المؤلف لم يتناول هذا الموضوع بعيداً عن معانيه السياسية القومية التي تمس أوضاعنا الراهنة.
فإذا كانت الوعود التوراتية المتكررة مع ابرام وموسى ويشوع بن نون حملت الكثير من المتناقضات المطاطة، فإن قيام الدولة العبرية الحالية كان تعبيراً معاصراً عن تشرب الفكر المسيحي الغربي بمرويات التوراة بحيث صارت مسألة انشاء دولة يهودية في فلسطين بمثابة التحقيق الديني كما هو ممثل في (العهد القديم) و(العهد الجديد). ولذلك يعمد موسى مطلق ابراهيم الى رصد الادوار التي يلعبها بعض الكنائس المسيحية الغربية لجهة دعم الحركة الصهيونية بإعتبارها الوسيلة الوحيدة لتحقيق (وعود) يهوه لصالح (شعب الله المختار).
نحن في هذا الكتاب امام مناقشة علمية لمرويات التوراة اليهودية في ما يتعلق بالوعود المعطاة من يهوه لكل من ابرام وموسى ويشوع، وفي الوقت نفسه أمام اسقاطات معاصرة لأوضاعٍ تمر بها المنطقة العربية في صراعها المصيري مع الدولة العبرية. ولولا ان موسى مطلق ابراهيم اضاف في آخر الكتاب مجموعة من المقالات نعتقد انها في مكانها غير المناسب لأنها تتناول موضوعات مختلفة، لتبقى لنا بحث موثق يعتمد النصوص التوراتية نفسها، ومعها آخر المكتشفات الآثارية في فلسطين والمناطق المجاورة، من أجل كشف خطل الوعود التوراتية للشعب المختار، والتهديد الذي يشكله الايمان الطوباري بهذه الوعود ليس على المنطقة العربية فحسب بل على شعوب العالم قاطبة.
*
- ولد الأمين موسى مطلق ابراهيم في شعب (قضاء عكا) عام 1929. قاتل في فلسطين وغادرها عام 1948 الى بعلبك (مخيم الجليل) تولى مسؤوليات محلية و مركزية وانتخب عضواً في المجلس الأعلى للحزب السوري القومي الاجتماعي أكثر من مرة. شارك في الثورة الانقلابية 1961-1962 وسجن. في المعتقل اصيب بداء السرطان وخسر صوته. عرف عنه انكبابه على المطالعة بشغف كبير.
وافته المنيّة اثر مرض عضال وشيّع إلى مثواه الأخير في مقبرة الشهداء - شاتيلا يوم السبت 18 تشرين أول 2003.
يوم الاربعاء 22 تشرين أول تقبلت قيادة الحزب وذوو الأمين الراحل التعازي في مركز الحزب، الروشة.ويوم الاحد 9 تشرين الثاني 2003 اقامت منفذية المتن الجنوبي احتفالاً تأبينياً في مخيم برج البراجنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق