الجمعة، 5 مارس 2010
الـشـاعـر سـلـيـمـان نـصـر
كنا نشرنا عن " شاعر النبوغ " نعمان نصر من قلحات (الكورة). شاعر آخر من قلحات لا يقلّ عنه شاعرية وتميزاً، هو الذي اهتمت ابنته الفاضلة نعيمة نصر حنا بحري (أم رشا)(1) بمعاونة عدد من مقدريه، أخصّهم الرفيق سمير سليمان في اصدار ديوانه الشعري عام 2002
فمن هو الشاعر سليمان نصر ؟
تلك النبذة اوردها الرفيق سمير سليمان في مقدمة الديوان، ننشرها بالنص(2)
- ولد " المعلم سليمان " في قلحات – الكورة سنة 1893.
- نعم بطفولة هانئة، سرعان ما كدّر صفوها اغتراب الوالد وطول غيابه، والبحر يومها يأخذ ولا يردّ، ويفكك الاسر ونادراً ما يعيد لحمها! فإذا بابن الخامسة يشبّ عن طفولته قبل أوانه، ليقاسم أمه الهموم ويشاطرها شظف العيش، ويعينها على بلواها، التي لم تقتصر على هجر الزوج، بل تعدته الى فقدان البصر في عين، وشّحة في الثانية..
- تعلم مبادئ القراءة والكتابة في مدرسة القرية المحاذية لبيته، وتابع دراسته المتوسطة في مدرسة البلمند المجاورة لقريته، ثم غزّ السير بعيداً باتجاه " المحيدثة " – أم المدارس الوطنية في ذلك العهد – لينهي تحصيله العلمي وليتخرج بامتياز على يد العلاّمة الكبير الشيخ ابراهيم منذر، متضلّعاً من العربية وآدابها، ومتقناً للفرنسية، وملماً ببقية العلوم والمعارف.. وجدير بالذكر أن الفضل في تعلّمه يعود حصراً إلى " عرابه " وزوج عمّته – المدعو ابراهيم خليل، الذي كفله وقام بأمره في غياب الولّي الأصيل. فكان له من كلا " الابراهيمين " خير معلم وخير كفيل..
- بدأ مساره الطويل في حقل التربية والتعليم (1913-1963) في مدرسة دير البلمند (سنتان)، ومن ثمّ في مدارس الجوار أبرزها على التوالي: مدرسة بترومين (سنتان)، مدرسة " المساواة " في أنفة (غير محدد )، مدرسة " الصفا "(3) في قلحات(سنة يتيمة)، مدرسة الرّوم في طرابلس (1924-...)، ومدرسة عابا (خمس سنوات).. أما المحطة الاخيرة والاطول، فكانت " الكلية الوطنية " في الشويفات (زهاء ثلاثين سنة).
- أما الشعر، فدربه معه أطول، وبداياته فيه أبكر. وإن كان هو يُرجع تلك البدايات إلى الحين الذي " افترت فيه اكمامه وتصدّى العطر لأيامه، وتعرّى الوحي على بابه ورسا الالهام بأهدابه " (من القصيدة التي القاها في حفلة تكريم نسيم نصر في (13 أيار 1965)، نكاد نحن نجزم بأنه نطق بالشعر منذ انطق! ولقد نظمه بسلاسة وببساطة وبعفوية تامة، وأجرى " جداوله الخمرية في أعصاب الدنيا " رقراقة فيّاضة، تغامز الأبصار، وتهامس الأسماع، وتدغدغ المشاعر، وتسحر الالباب .. طرق معظم ابوابه، باستثناء ما كان يأنف منه، كالمدح والهجاء، او يعافه كالنوح والبكاء. ولم ينثر حكمه إلا لماماً! كتب القصيدة القصيرة والقصيدة الفضفاضة، وقارب الرواية كما في " راهبة عبرين "، وهي المطبوعة الوحيدة التي أصدرها في حياته، أما بقية قصائده وادبيّاته، التي تُعدّ بالمئات، فماذا عنها؟ ولماذا لا يضمّ هذا الكتاب سوى النزر اليسير منها ؟! والجواب بكل بساطة: لأنها ضاعت، لا بل ضُيّعت إثر وفاة صاحبها في أواخر تموز 1980، بعد أن كان قد أعدّها للطبع كاملة منقوصة، وقام بعض ذويه بإيداعها إحدى " دور النشر"، في بيروت، من أجل تلك الغاية، غير محتفظين بنسخ عنها، والدنيا يومها قائمة قاعدة، والعاصمة مشطرة ومحاصرة بالرعب والدمار والنار التي أكلت الأخضر واليابس، ودمّرت الحجر والاثر والبشر على مدى رقعة الوطن. ولقد كان في جملة ما أتت عليه الحرائق، تلك المطبعة على حدّ قول صاحبها المعروف منا ومن الكثيرين الذين تابعوا مسلسل ضياع تلك القصائد فصولاً مؤلمة لم تنته حتى تاريخ صدور هذه المجموعة، التي احرقت عملية إعادة لمّها وجمعها منا الأعصاب، واسترفت الجهد الجهيد، واستنفدت الوقت الطويل! ولقد وُفقنا إلى ذلك من خلال ما عثرنا عليه من أوراق مبعثرة هنا وهناك، أو مما تضمنته بعض المجلات القديمة التي كانت تنشر للشاعر أروع المختارات وأرقّها بين الحين والآخر. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: المرأة الجديدة، الأديب، الزهراء، صوت الشباب، وسواها...
علاوة عمّا استقيناه، ولو قليلاً، من مصادر عدد من ذويه وأصدقائه وتلامذته الذين احتفظوا بذلك الإرث الثمين في دفاترهم العتيقة، وأحياناً كثيرة في ذاكرتهم! هؤلاء جميعاً، وكما أسلفت ابنته في كلمة الإهداء، نخصهم بالشكر والتقدير، وندعوهم وسائر القرّاء إلى مائدة المحبة التي يقيمها على شرفهم سليمان نصر، مقدماً لهم أشهى الأطباق وألذّها، ومقلداً عروة كلٍّ منهم وردة جميلة من ورود هذا الديوان الزكية الرائحة والبديعة الألوان..
- وأخيراً نقول: ألا بوركت وخُلِّدت أيها الشاعر والمعلم الذي عاش مغموراً ومات مغموراً، ورحل كما ترحل الفراشات، لا حسّا ولا حسيساً..
ولقد قضى سليمان نصر عن عمر مديد سفحه على دروب العطاء، مشعلاً قناديله في عتمات الناس، وملقياً وروده الجميلة على نوافذهم وشرفاتهم، ومضى " مشرعاً خلفه دمه "، ولسان حاله يقول: "مجّاناً أخذت.. مجاناً أعطيت "، و" الطريق الذي ارتضيت سرت فيه وتممته "!!
*
مقدمة الديوان لمدير مدرسة الشويفات الاستاذ غسان عبد الباقي وفيه أيضاً " شهادة حق" نقلاً عن الراحل ميشال نادر(4)، يقول:
في بداية عهدهما بالتعليم في مدرسة الرّوم في طرابلس، هو وصديقه نسيم نصر، وفي مجلسٍ ضمّهما إلى أستاذ اللغة العربية في المدرسة – الشاعر "الضرير" حنا نقولا سعاده المعروف بالمقدسيّ والملقّب بمعّري أميون – يبادر " نسيم" مضيفهما بالقول: أعرّفك بالشاعر سليمان نصر. فيردّ المقدسي مخاطباً سليمان: هاتِ إذاً وأسمعنا من شعرك، وإذا كان ارتجالاً فأحسن. وكانت إلى جانب الشاعر ابنته الصبية "ميْ " – الدكتورة مي سعاده حالياً – تسمع وتشهد. فارتجل فيها لتوِّه القصيدة التالية:
ألا يـا مـيُّ حـبُّـك فـي فـؤادي سـيـصـحـبنـي إلـى يـوم الـنَّـفـادِ
ويحـرسُ فـي ظـلام القـبر روحـي ويـحـفـظـهـا عـلى رُغـم الـفسـادِ
إذا مـا جـاءَ يـومُ الديِّـن حـقّـاً وبُـوِّق بـالـنّـفـيـر إلـى الـعـبـاد
سـأبـقى دونهـم وحـدي رمـيماً إلـى أن تـنـفُـخـي بُـوقَ الـمـعـادِ
فصفق "المقدسي" طرباً، وقال له: حقَّاً إنك شاعر!
*
المقدمـة
بقلم الاستاذ غسان عبد الباقي (مدير مدرسة الشويفات)
بين الكورة والشويفات مئة شبه وألف عروة وثقى..
بينهما زيتون وصعتر وأنفاس أحبّة
وبينهما علم وشعر وأمجاد ووطنيات ووقفات عز..
طيّبون، مضيافون، مثقفون،
وإني لأكاد أجزم أن سليمان نصر عندما ترك قلحات ليقيم في الشويفات لم يجبهه كدر ولا ساورته غصة. فأنا من أهل البيت ولي فهم عشراء وأصفياء، ومن هؤلاء سليمان نصر.
يأتيك صوته نقياًَ كولادة الفجر، ندياً كزنابق الوادي، أنيساً، رقيقاً، صافياً كأمسيات الصيف فوق روابينا والتلال.
سليمان نصر والقراء على موعد، في هدأة ساعات السحر، أو في العشايا الحانيات شوقاً وحباً وعذوبة.
موعد يأخذك في غفلة من وقع الحياة السريع في مطلع الالفية الثالثة، إلى هناءة وطمأنينة العقود الماضية... حيث في الوقت وفي القلب متّسع للحب، للشوق، للعائلة، للاخوانيات.
في أفياء دوحتيّ الكورة والشويفات تفتحت شاعريته، وعلى دروبهما مشى خطوات عمره مدرّساً وشاعراً... نسج من أحداث الحياة اليوميّة ومن دفء العلاقات الانسانيّة التي قامت بينه وبين طلابه وزملائه قصائد لا تزال تنبض بنعمة المحبة وصدق الانتماء.
من هنا، وحين طلب مني أن أقدّم ديوانه للقرّاء، أحسست أنني على صلة أليفة مع الشاعر سليمان نصر، أكاد أسمع صوته في أرجاء مدرستنا، بل أكاد ألمح إطلالته في كل منعطف .. يحتفل مع طلابها في حفل توديعي:
ونودع جو الكليّة
جوّ الوثبات الفكرّية
دنيا الاحلام الشعريّة
أو ينشد معتزاً بمسيرتها التربوية في عامها السبعين:
أطـلـعت لـلأوطـان جـيـشـاً مـن الأحـرار
مـوطّــد الايـمـان مـنّــور الأفــكــار
تـعـنـو لــه الأقــدار
أو مهنئاً رئيسها حين قُلِّد وساماً:
يا واسع الخدمات ما أعلى مقامك ذا الوسام
الزُّهر تعرف بعض فضلك والشواطيء والغمام
هكذا يشدك الحنين، وتحس أنّك تعرف سليمان نصر.. تشاركه نبض وجدانه، تخطو معه على دروب ألفتها، تناجي من خلال أبياته أحبّاء وأصدقاء همت بهم وأسكنتهم سواد العين..
هذه هي معجزة الشعر، تلك المشاركة الوجدانية التي تمتّد بين الشاعر وقرّائه حين يختصر تجارب العمر، ويصوغ نبضات القلب قصائد أنيقة اللغة، ساحرة البيان..
*
1- عقيلة جميل حنا بحري، والدة كل من الرفيق الراحل رشا بحري (تولى مسؤوليات حزبية عديدة في الوطن وعبر الحدود ومنها منفذ عام ملبورن) الرفيقة سميرة عقيلة الأمين الراحل نبيل سيف (منفذ عام ملبورن، معتمد الحزب في استراليا) الرفيق جورج، والمواطنة فدا نعيم عفيش.
2- قد لا تكون هذه النبذة دقيقة بالكامل، نظراً لتعدد المصادر المستقاة منها.
3- اسّسها الشاعر نعمان نصر في قريته قلحات (1923-1924) وانتهى اجلها بانتهاء أجله في نفس العام.ابن أخت الشاعر سليمان نصر. والد الأمين كمال نادر، الرفيق جان، الرفقاء والأصدقاء طلال، رينيه، نادر وزياد.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق