الجمعة، 5 مارس 2010
بترومين والحزب السوري القومي الاجتماعي
"رافقت بلدة بترومين نشوء الحزب في اولى سنوات التأسيس، ومنها الرفيق الياس خوري نجار، وهو أول رفيق انتمى في لبنان الشمالي.
عنه كتب الأمين لبيب ناصيف نبذة تعريفية ضمن سلسلة "من رجالات النهضة" سنعيد تعميمها لاحقاً.
من المعروف ان الامين الراحل جبران جريج من ابناء بلدة بترومين"
نعتذر عن التأخير بسبب وفرة المواد الثقافية المعممة.
الرفيــق اليـــاس خــوري نجــــار
أول من انتمى في الشمال اللبناني
إذا كان الرفيق إيليا ربيز (أحد الخمسة عشر الأوائل) هو أول قومي اجتماعي تواجد في منطقة الشمال اللبناني عندما انتقل إليها بعد تخرجه من الجامعة الأميركية للعمل في شركة نفط العراق ، إلا أن الرفيق الياس خوري نجار (من بلدة بترومين) هو أول من انتمى من أبناء الشمال اللبناني ، وأول من تولى مسؤولية ناظر مالية في منفذية الشمال (باسم منفذية طرابلس) وأول مسؤول عن الإدخال في المنطقة .
وإذا كان الرفيق نجار لم يستمر طويلاً في العمل الحزبي ، إلا أننا ، وفاء لنضاله في الثلاثينات ، خصوصاً أنه يعتبر المؤسس الأول للعمل الحزبي في شمال لبنان ، نكتب هذه الحلقة تعريفاً عنه وتقديراً لكل من بنى لهذه النهضة مدماكاً ولكل من ساهم في نموها وسعى إلى انتصارها .
كيف انتمى
ـــــــــــ
يشرح ذلك الأمين جبران جريج في كتابه "من الجعبة " فيقول :
" كان الرفيق الياس خوري نجار موظفاً في دائرة المحاسبة في شركة نفط العراق التي كان انتقل الرفيق إيليا ربيز للعمل فيها . رئيس الدائرة أجنبي . صدف ذات يوم أن دخل مكتب الدائرة أحد الموظفين الكبار وهو مغتاظ ، وبشكل غير مهذب اتجه نحو أحد الموظفين "الوطنيين" ملوحاً بورقة في يده وتوجه إليه بألفاظ نابية بالإنكليزية تحملها الموظف المذكور صاغراً ذليلاً . ذهل الموظفون الباقون من هذا الموقف الشاذ ، ان من جهة الأجنبي الكبير الرتبة والمقام أو من جهة زميلهم المحترم . فراح يتطلع بعضهم إلى بعض كأنهم يتدارسون هذا الوضع المزري فالمسألة ليست وظيفة بين رئيس ومرؤوس إنما هي مسألة كرامة واحترام وعزة نفس .
فوراً انتصب الياس نجار واقفاً ، يخاطب الأجنبي الكبير الرتبة قائلاً له أن لهذا المكتب حرمة وعليه أن يحترمها وبالتالي عليه أن يعتذر فوراً ثم ينصرف .
" بهت هذا الأجنبي من جرأة الياس وكأن هذه الكلمات أعادته إلى وعيه المفقود ، وبعد أن جال بعينيه في وجوه الموجودين قرأ فيها - على ما يظهر- علائم العزم والغضب ، تضامناً مع زميلهم الياس ، تقدم نحوه ومد يده إليه مصافحاً وهو يقول : "إنك على حق ، أيها الفتى ! إن لهذا المكتب حرمة وعلي أن أحترمها ، وانصرف بهدوء .
" فما كاد ينصرف حتى نهض الجميع يهنئون الياس ، كل على طريقته . وبينما هم على هذه الحال دوت صفارة المحطة تعلن حلول الظهيرة فأخذ كل موظف يستعد للذهاب باستثناء موظف واحد الذي ، بعد أن ترك المجال لزملائه للتعبير عن عواطفهم ، اقترب من الياس وصافحه ضاغطاً على يده وانهال عليه يضمه ثم خرجا معاً . كان هذا الجار شاباً بيروتياً هو الرفيق إيليا ربيز ، من رأس بيروت" .
بعد الظهر عند انتهاء الدوام سار الرفيق إيليا ربيز مع زميله الياس نجار وهما يتبادلان الحديث بمودة وإذ وصلا إلى طرابلس ، اتفقا على أن يلتقيا خارج الشركة لمزيد من البحث .
بعد عدة مواعيد تعرّف الياس نجار على وجود مؤسسة سرية تعمل للنهوض بالبلاد ، وآمن بمبادئها، مما جعل سعاده يتوجه خصيصاً إلى طرابلس لإجراء عملية الانتماء بنفسه ، وعلى الأثر سلم الرفيق الياس نجار تفويضاً يخوّله إجراء عمليات انتماء ، وورقتين كتب عليهما بقلم رصاص ، المبادئ الأساسية والإصلاحية ، ونص قسم الانتماء .
بهذا لا يكون الرفيق الياس نجار أول قومي اجتماعي من أبناء منطقة لبنان الشمالي فحسب ، إنما هو أيضاً أول مسؤول حزبي له صفة "مفوض إدخال" .
وتمضي فترة ، ليكون الرفيق الياس نجار وراء انتماء ابن بلدته بترومين ، الرفيق جبران جريج ، إلى الحزب .
لقاؤه به والرفقاء فؤاد خوري ، فؤاد حداد وعمر اللبان في طرابلس ، في العام 1934 ، حادثة تروى ، كمثال على كيف انتمى الرفقاء الأوائل ، فناضلوا وكان للبعض منهم شأنه في تاريخ الحزب . هذا ما يورده الأمين جريج في كتابه "من الجعبة" ننقل عنه ما يلي :
" أن أنسى لن أنسى عصر ذلك النهار ، السادس عشر من شهر تموز سنة 1934 ، في مدينة طرابلس . كنت أتعجل الخطى من ساحة التل إلى أمام " كاراج أبو وديع " حيث كانت تقف سيارات منطقة الكورة ، لمحت الياس ، ابن الضيعة ، ومعه ثلاثة أشخاص واقفين قرب سيارة ، فقلت في نفسي " عظيم ، اكتمل العدد، لن أنتظر طويلاً " توجهت بطبيعة الحال نحوهم وحييت . تلقاني " الياس " بغبطة كأني وصلت في موعد مضروب .
" قدمني فوراً إلى الأشخاص وقدمهم إلي : فؤاد خوري ، طالب ، فؤاد حداد ، ابن صاحب مطعم في بيروت ، عمر اللبان ، طالب ، أيضاً ، في الجامعة الأميركانية . تبادلنا اللياقات الاجتماعية المعهودة . أذكر أننا تحدثنا قليلاً وكان الكلام مقتضباً .
" سحب فؤاد خوري آلة تصوير واستأذنني لالتقاط صورتي تذكاراً لهذا اللقاء . سمحت له بذلك مع استغرابي الطلب ولما تمض دقائق على تعارفنا . عندما انتهى من عملية التصوير توجه إلى الياس نجار وقال "صار ممكن يحصل على جواز سفر" وانصرفوا مودعين على أمل اللقاء ثانية في بيروت .
" ما أزال أذكر أن الحديث ، كله ، على اقتضابه ، كان غامضاً بالنسبة إلي ، إنما لاحظت أنه لم يكن كذلك بالنسبة إليهم ، خصوصاً عندما تلفظ فؤاد خوري بالجملة الأخيرة . فما هذا السفر ؟ وما هذا الجواز ؟ والتفت إلى الياس أطلب منه تفسيراً .
" يبدو أن تقديري للغموض كان في محله فأجابني على الفور بلغته العربية المكسيكانية (فهو قد ولد وترعرع في المكسيك) : في الضيعة ، وإذ لم يحضر راكب جديد قررنا أن نستقل السيارة وحدنا ، إذ أن كلاّ منا كان بشوق للوصول إلى الضيعة وكشف السر .
" حاولت في أثناء وجودنا في السيارة وحيدين أن استدرج الياس للكلام ، ولكني فشلت ، إذ أني في كل محاولة كنت اصطدم بالكتمان الشديد وكانت تصدر عنه حركات تزيدني اهتماماً بالموضوع بالنسبة لتمسكه بهذا الكتمان مع إني كنت أخاطبه باللغة الأسبانية التي نجيدها ويجهلها السائق . ومع ذلك فما أن أفتح فمي للتحدث عن "جواز السفر" . حتى يضع سبابته على فمه فانكفئ واصمت حالاً .
" ما كدت أصل إلى بيتي وأرتاح قليلاً حتى كان الياس نجار يدخل الغرفة في الطابق العلوي ويسأل " ما في حادا ؟ " قلت له " هات ما عندك وخلصني من هذا الجو الذي لا أرى له أي مبرر " . وهنا استرسل في التحدث عن ثقته بي وعن تقديره واحترامه لي فأنا أكبر منه سناً وقد كنت معلمه ، بعد عودته من المكسيك ودخوله المدرسة الأميركانية في طرابلس ، وقد اختبر فيّ الروح الوطنية الشريفة ، فوجدني أهلاً للإطلاع على هذا السر الخطير الذي لا بد لي من أن أقسم بشرفي على أن لا أبوح به لأحد من الناس . ففعلت حباً بالإطلاع .
" مد يده إلى جيب بنطلونه الخلفية وأخرج منها ورقة دفتر عادية ، مطوية بتأن . أخذتها منه وبسطتها وتفرست بها فإذا مكتوب عليها بقلم رصاص ما يلي: المبادئ الأساسية ، وتحت هذا العنوان المبدأ الأول ، الثاني ، الثالث ، إلى الثامن ثم عنوان آخر – المبادئ الإصلاحية وتحت هذا العنوان المبدأ الأول ، الثاني ، إلى الخامس .
" قرأتها مثنى وثلاثاً ورباعاً ، قرأتها ملياً وأعجبتني ثم أعدت الورقة إليه وقلت له : " مبادئ أساسية ومبادئ إصلاحية وماذا بعد ؟ " . فبرقت عيناه بريق رضى وأخذ يشرح لي ما معناه ، إن هذه المبادئ تحدد بصورة واضحة ، صريحة ، بسيطة ، الغاية التي يجب على كل مواطن يحب بلاده أن يسعى إليها فلم يعد ثمة شيء مبهم فالوطن معروف والأمة معروفة والتكوين معروف وما يجب عمله معروف " علمانية ، إلغاء الإقطاعية ، الروح الجندية " . أي أنه متى كان القصد معروفاً ، واضحاً ، جلياً ، يعطي العمل في سبيلها نتيجة تلمس باليد ، لا بالخيال أو بالكلام أو بالخطابات والمحاضرات ولذلك فوراء هذه المبادئ جهاز – أي حزب – وهذا الحزب أسسه أستاذ في الجامعة الأميركانية في بيروت واسمه حزب قومي ، يرمز إليه بحرفين – ح و ق – أي حق .
" سألته " من هو هذا الأستاذ المؤسس ؟ " . أجاب أنه لا يستطيع الإفضاء باسمه قبل أن انتمي إلى الحزب ، قلت " وكيف أنتمي إلى حزب أجهل مؤسسه ؟ " . فكان الجواب أنه طالما تعجبك المبادئ فلا ريب أن واضعها سينال إعجابك . إنك تنتمي إلى حزب لا إلى شخص ، فأفحمني هذا الجواب وقد وقفت كثيراً عند "انتمائي إلى حزب لا إلى شخص" فقررت أن أضع حداً لهذا الحوار فأعلنت له قبول انتمائي .
" افترّ ثغره عن ابتسامة رضية وسحب ورقة دفتر عادية أخرى من جيب سترته الداخلية وقال لي : أقرأ ، أقرأ فتناولتها . وكانت الكتابة ، أيضاً ، بقلم رصاص . قرأت فحواها فإذا بها قسم رهيب اقشعر له جسدي . ترددت . لاحظ الياس هذا التردد وكأنه كان ينتظره فأخذ يخفف عني ويسهّل علي عملية الانتماء . إني أعترف أن شعوراً داخلياً لم أقدر أن أتغلب عليه كان يلح علي بأداء القسم والانطلاق لمصارعة المستقبل المجهول . أخذت أقرأ النص : أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي . فأوقفني الياس ، فتوقفت عن التلاوة . قام إلى النوافذ فأغلقها وإلى الباب فأقفله بالمفتاح ، ثم أخذ يرشدني إلى كيفية الأداء – وقفة مستقيمة كالوقفة العسكرية ، القدمان بشكل 7 ، اليد اليمنى مرفوعة بشكل زاوية قائمة والكف مبسوط والذراع بموازاة الكتف. فتبرّمت من هذه الأشكال ولكن الدافع الباطني كان ما يزال يلح علي بالإقدام فامتثلت وتلوت القسم وأنا أحسّ بخشوع الضمير وبعظم مسؤولية ما اندفعت في سبيله . "
هكذا انتمى الأمين جبران جريج إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي .
لم يكن الأمين جبران جريج أول رفيق انتمى بفضل نشاط الرفيق الياس نجار ، فقبله كان انتمى في بترومين الرفقاء عبدالله حريكة وشقيقه جورج (1) ، أنور قطريب وفهد المليس .
كذلك كان الرفيق نجار وراء انتماء أول رفيق في عكار ، هو اسحق كوسا – من بزبينا – الذي كان زميلاً له في دائرة المحاسبة في شركة نفط العراق .
هذه الانتماءات وغيرها التي تمت في منطقتي الكورة وطرابلس ، جعلت سعاده يقوم في أواخر أيلول 1934 بأول زيارة حزبية له إلى الشمال اللبناني يرافقه فيها نعمة ثابت وفؤاد سليمان . في تلك الزيارة أنشأ سعاده منفذية للشمال (باسم منفذية طرابلس) وعين الرفيق الدكتور سميح علم الدين منفذاً عاماً لها (2) والمحامي عبدالله حريكة ناموساً ، والياس نجار ناظراً للمالية ، على أن يصار لاحقاً إلى تعيين ناظر للإذاعة ، وآخر للميليشيا (3) عندما ينمو العمل ويتوسع . أما بالنسبة للكورة فقد شكل من أعضائها القلائل مديرية تتبع منفذية طرابلس ، تسمى مديرية الكورة ، وعين الرفيق جبران جريج مديراً لها .
من المرويات التي يوردها الأمين جبران جريج في كتابه "من الجعبة" والتي تعطي دلائل على كيف كان سعاده يوجه ويبني أعضاء حزبه في سنوات التأسيس الأولى ، أنه كان (الأمين جبران) والرفيقان مصطفى المقدم (4) والياس نجار في زيارة ترفيهية إلى بيروت ، وصدف أن التقوا سعاده ، وكان بادياً على وجوههم إمارات السهر الطويل . تقدم منه الأمين جبران موضحاً أنهم كانوا في زيارة ترفيهية ويعتذر عن عدم زيارته وهو سيفعل ذلك في مناسبة أخرى . جواب سعاده حفر عميقاً في نفس الأمين جبران : "لابأس من اللهو اليوم ، فستأتي أيام لا يبقى فيها مجال لأي لهو من أي نوع" . فلقد كان سعاده مدركاً أي عمل كبير أقدم عليه بتأسيسه الحزب ، وأي صعوبات سيواجهها وحزبه .
ولعل هذه إحداها :
عند انكشاف أمر الحزب في تشرين الثاني عام 1935 وإقدام السلطات على اعتقال سعاده ومعاونيه، ورفقاء مسؤولين في المركز ، وفي المناطق ، ووصول نبأ توقيف الرفيقين عبدالله وجورج حريكة إلى بلدتهما بترومين ، راحت أمهات الرفقاء يبدين تخوّفهن من تعرض أبنائهن للسجن ، ويندب البعض منهن مستقبل أبنائهن . يقول الأمين جبران جريج ، وكان تولى مسؤولية منفذ عام الكورة أنه بحث هذا الأمر مع ناظر المالية الرفيق الياس خوري نجار فوجدا أن أفضل معالجة لوضع الأمهات هي أن يقوما بجولة على أمهات الرفقاء للتوضيح أن أبناءهن ، فيما لو أوقفوا وسجنوا ، إنما يفعلون ذلك في سبيل قضية عظيمة مقدسة ، ثم إذا كن فعلاً خائفات على أولادهن ، فليتوقفن عن إظهار تخوفهن ، لأنهن بذلك يكشفن انتماء أبنائهن للحزب ، ويسببن بالتالي معرفة السلطات بهم فاعتقالهم . كان هذا التفسير كافياً لتتوقف الأمهات عن ندب حظهن .
واستمر الرفيق الياس نجار على نشاطه . في منزله في بترومين ، انتمى الرفيق زكريا لبابيدي وكان في تلك الأثناء يعمل كاتباً للمحكمة في أميون ، والرفيق زكريا من مناضلي الحزب ، تولى مسؤوليات محلية ومركزية وعرف السجون كثيراً .
وعندما قام الأمين جبران جريج بجولة إلى منطقة البصيرة – طرطوس ، وصافيتا حيث لديه صداقات ، رافقه الرفيق الياس نجار ونتج عن الجولة انتماء الرفيقين خليل فائق عرنوق وأديب الطيار .
***
هوامـش
ـــــ
(1) عبدالله حريكة : محام ، انضم بعد ذلك إلى الحزب الشيوعي وخاض انتخابات الكورة عن الحزب المذكور .
جورج حريكة : مهندس ، تخرج من جامعات فرنسا . يورد الأمين جريج عنه أنه " توفي في دمشق وهو يحضر جلسة لإحدى لجان مجلس الشعب الشامي الذي انتخب عضواً فيه عن منطقة حماه " .
(2) الدكتور سميح علم الدين : صهره السياسي الكبير عبد الحميد كرامي (زوج شقيقته) انتمى بواسطة عبدالله حريكة ، واعتبر انضمامه إلى الحزب في تلك الأثناء كسباً كبيراً .
(3) اعتمدت تسمية " ناظر ميليشيا " في تلك السنوات الأولى من التأسيس . بدورها شهدت عمدة الدفاع التسميات التالية : عمدة الحربية ، عمدة الرياضة ، عمدة التدريب ، فعمدة الدفاع .
(4) مصطفى المقدم : من أوائل الرفقاء في طرابلس ، تولى مسؤولية منفذ عام فيها ، منح رتبة الأمانة .
***
بطاقة هوية
- اسم الأب : موسى .
- ولد في هافانا – كوبا في 28/11/1914 .
- انتقل طفلاً مع والديه إلى المكسيك ثم إلى لبنان ولم يكن يتجاوز الـ 17 من عمره .
- اقترن من السيدة ياسمين لطف الله الخوري ورزق منها : موسى ، ادغار وميكال .
- توفي في 7/12/2002 .
* * *
هوامش
· يفيد الأستاذ ادغار الياس نجار أن والده انتقل للعمل في منطقة كركوك في الثلاثينات ، ويضيف أنه عمل مع الجيش البريطاني في تعهدات طريق طرابلس – جبيل الساحلية ، ثم مع الأمين مصطفى المقدم في صيدليته في طرابلس قبل أن يعود إلى شركة نفط العراق ويبقى عاملاً فيها حتى إحالته إلى التقاعد . ويذكر أن سعاده زار منزل والده أكثر من مرة .
· اقترن الأستاذ ادغار من السيدة يمنى ابنة الرفيق المرحوم أديب بربر (من بتعبورة – الكورة) .
· أورد الأمين جبران جريج في الجزء الثالث من " من الجعبة " وفي معرض الحديث عن الزيارة التي قام بها سعاده إلى منطقة طرابلس – الكورة صيف العام 1937 ، والتي صنفت من أيام الحزب التاريخية ، ما يلي :
" كان الاجتماع في بترومين قرب البيادر خلف بيت الياس خوري نجار ، فوقف الزعيم يخاطب المجتمعين من على شرفة البيت المطلة على المكان . أجاب في كلمته على إشاعة روّجها بعض الشيوعيين مفادها أن الزعيم سيتخلف عن الحضور بسبب تهديدهم له بعظائم الأمور فيما إذا قرر الزيارة وختمها بقوله المأثور المشهور : " لو أردنا أن نهرب من النجاح فلا مفر لنا منه " .
" استراح قليلاً في البيت فيما كانت نكات والد الياس تضفي على الجو مسحة من المرح والسرور ، ثم انتقلنا إلى تناول طعام الغداء في منزل الرفيق أنور القطريب ترافقه أدعية النساء بالتوفيق والنجاح ، وعلى طول طرقات الضيعة كانت الصبايا ترش موكبه بماء الزهر والرياحين والسكان يحيطونه بالزغاريد والهتافات " .
في بداية الحرب العالمية الثانية وقد راحت السلطات الفرنسية تشن حملة اعتقالات في صفوف الرفقاء ، اتخذت القيادة الحزبية مقراً سرياً لها في رأس بيروت . يقول الأمين جبران جريج في الجزء الرابع من مجلده "من الجعبة" أن شقيقه الرفيق حنا وفيما كان يتمشى في قريته بترومين ، صادفته دورية من الأمن كانت تداهم القرية وتبحث عن القوميين الاجتماعيين ، ففرّ من أمامها إلا أنها أطلقت عليه النار وأصابته في أسفل قدمه . مع ذلك استمر في فراره وأفلت من قبضتها ، في الوقت الذي تجمع أهالي القرية على صوت الرصاص ، فآثرت الدورية الانسحاب وبالتالي عدم تعقب الرفيق الجريح .
راح رفقاء القرية يبحثون عن رفيقهم حنا جريج إلى أن وجدوه في أحد الحقول . "أوصلوا الخبر إلينا في مقرنا السري فطلبنا منهم إيصاله إلى بيروت للمعالجة . وهكذا كان ، نقله إلينا الرفيقان الياس خوري نجار واسكندر ضاهر . حلّ المشكلة طالب الطب الرفيق عبدالله سعاده الذي اتصل بالرفيق الدكتور جورج صليبي في مستشفى الجامعة الأميركية حيث أجرى الدكتور جيداجيان ما يلزم وأعاده إلينا للراحة والنقاهة . هكذا انضم الرفيق حنا جريج إلى زمرة المقر السري ، ملقى على سرير"
الـشـاعـر عـلـم الـديـن شـرّوف
على مدى تلك السنوات لم اعرفه سوى طود شامخ من المناقب والوطنية. صادقاً، غيوراً، محباً، وفياً، لم يتراجع لحظة امام جبروت الاحتلال الاسرائيلي، يقاومه بالفكر والكلمة والموقف، ويقدم لمواطنيه في حاصبيا والجوار قدوة في الوطنية كان لها أثرها البالغ في صمودهم، وفي رفضهم للاحتلال وعملائه.
شاعراً شعبياً كان، يقرضه عفوياً في كل مناسبة، ويعتلي المنابر.
عنه أصدر الشاعر المعروف الرفيق شريف ابراهيم كتابه " الأرض لا تموت. علم الدين شروف الشاعر والانسان "، حكى فيه عن ولادته، نشأته، التزامه القومي، نضاله في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، تعرّضه للاعتقال. كما قدم شرحاً وافياً عن شاعريته، وعن قصائده في المناسبات القومية.
في تقدمته للكتاب، يتحدث الرفيق الشاعر شريف ابراهيم عن ولادات ثلاث للرفيق علم الدين شروف. نورد هنا الولادة الثالثة والأخيرة.
حوالي نصف قرن من الزمن، وبالتحديد على مساحة ثماني وأربعين سنة امتدّ جهاد الرفيق علم الدين شرّوف في سبيل تحقيق مبادئ حزبه وغايته فقضاها مصارعاً ضد ما يعيق تقدّم ونهوض أمته من تخلّف وجهل وضد الانظمة الكيانية التي لم تحبل هزائمها سوى بالجنين الصهيوني، فأنظمة المجتمع المفكك- الممزّق، تبقى حرّيتها ملجومة، وهويتها ملغومة، وبطولاتها وهمٌ يمارس خلف الميكروفونات في مهرجانات التحرير الكرنفالية ومحاضرات الزنى الفكري.
وبما أن السوري القومي الاجتماعي هو مشروع شهيد للدفاع عن بلاده ومجتمعه لُقّب الرفيق علم الدين شرّوف بالشهيد الحي ومنحه حزبه وسام الواجب..
وكما كان بين دمه وأرضه قامة شهادة، كان بين وطنه وقلبه مسافة شعر، وكما توهّج بشمس العقيدة، اشتعل شعراً مضيئاً في سماء وقفات العز يغني بطولات الرفقاء والشهداء والقادة الكبار من أبناء شعبه، فكانت قصائده، للشهيد يوسف العظمة، والسلطان باشا الاطرش، والشهيد غسان جديد، والاديب سعيد تقي الدين، والشهداء سعيد فخر الدين وسعيد العاص وحسين البنا، والأمينة الاولى، وشهداء المقاومة: وجدي الصايغ، سناء محيدلي، مالك وهبي، خالد الأزرق، ابتسام حرب، علي طالب، مريم خير الدين، وعمار الاعسر... الخ. فانشد فيهم البطولة، كما انتقد المتخاذلين من أبناء شعبه وادان جنابتهم و" كواير رخاوتهم" لأنهم وقفوا موقف المتفرّج والمهزوم.
كما أنشد المحطات الحزبية الرئيسية التي يحييها القوميون الاجتماعيون كل عام وهي ذكرى ميلاد الزعيم في الاول من آذار، وذكرى استشهاده في الثامن من تموز، وذكرى تأسيس الحزب في السادس عشر من تشرين الثاني.
ولم تكن قصائده القومية من صنع الخيال، بل إن إصغاءه الحقيقي لنبض الواقع القومي الذي عاشه هو الذي كان الدافع الأساسي في تحريك الملكية الشعرية لديه في هذا المجال.
إنه الرفيق الرفيق، والشاعر الشاعر، والانسان الانسان، والرجل الرجل، عاش حياته من ألفها إلى يائها رفيقاً مؤمناً بعقيدته، وشاعراً مشتعلاً بالقصيدة، وإنساناً مشعاً بجوهر حقيقته، ورجلاً لا يتراجع في سبيل الحق.
فرغم هول الاجتياح الاسرائيلي بقي في وطنه مع أبناء بلدته في حاصبيا، ورغم اعتقال سلطات الاحتلال له واسره في معتقل " الخيام" لم ينثنِ ولم يتراجع ولم يستسلم، ورغم تقدمه في السن ومداهمة المرض له، لم ينهزم امام أسواط الجلادين- المحتلين، لأن إرادته لم تعرف الختيرة، بل كانت تتجدّد شباباً كلما تقدم في السن.
في أيامه الاخيرة زار البرازيل لرؤية ابنته الوحيدة ورفيقته وداد، وصهره محمود عز الدين وحفيديه زهير وثريا وشقيقه أحمد، وعندما أحسّ أن المرض سيشتد عليه أصرَّ على العودة الى الوطن، وعندما ألحوا عليه في البقاء أصرَّ أكثر على العودة فكان له ما اراد، فودّع البرازيل بقصيدته الرائعة " الثواني الاخيرة ".
كان شاعراً رقيقاً وإنساناً مناقبياً، والشعر كالشمس يُضيء ويُنير ويُحرق في آن، وليس من أحد يستطيع أن يمد يده إلاّ إذا كان شاعراً وإنساناً مثل الرفيق علم الدين شرّوف وإلاّ أصبح رماداً.. أضاء وانار بقصائده واحترق بها احتراقاًَ مبدعاً..
والآن يستمر في حزبه وفي شعره..
الآن يستمر إلى الأبد في ولادته الثالثة، لأنه يتوزّع في تراب حاصبيا وأرضها، والأرض لا تموت ".
*
مـن قصـائـده
في الحنيـن الى الوطـن
الثواني الاخيرة (*)
يـا بـرازيـلْ يـا نـارِ اغـترابـي بـمـهـجـرْ حـلـوْ يـا سـارق حـبابـي
يـا قـلب كبـير بالقلـب احتـواني يـا حـب مـعـتّـق بـريـقِ الـخـوابـي
قـطفت من الشّـعر دمـع الْمَعـاني تـعـبـر عـن حـنـيـنـي واكـتـئابـي
وقـطـفت من الوجـع خفـقةِ معاني تـوصّـلـك مـعـانـاتـي وعـتــابـي
انـزرعـتـي بْـدَقّـةِ القلب وكياني انـزرعـتـي بـبـتـعـادي واقـتـرابـي
رمـانـي الـدهر في ارضك رمـاني وصـار فـي بـيّـنـا عـهـد وقـرابــي
بـ "وداد وابـنـها وبنتا"(1) وحـناني لـحـبّــك صـرتْ قــدِّم انـتـسـابـي
أمـانـي فـي الـي عـنـدك أماني كـونــي الإمْ إلـهـنْ فــي غـيـابــي
قَصَـدْتـّك زائـر وكان لي مكانِهْ (2) بـيـن رفـاق دروبـي وبَـنِ صِـحــابـي
هَـجَرْتِ الـوطن كنـتي وطـن تاني سـألـتي كـتـيـرْ وسْـمـعـتي جـوابـي
لأنـو ظــل حـبّـي الأولانــي لأرضـي يخـفـق بـقــوّة وصــلابــة(3)
وطـنّـا تـيـابـنـا ومـهما كواني بـبـرد اذا بــطـلـع مـن تــيــابـي
وطـنّـا للـحـضـارة مـهد هاني جـبـال الـمـجــد قـدّامــو روابــي
خـيـانة نتـركوا وحـدو خـيانِـة لـلأعـداء ولْـعـمـلــوا عـصــابــه
عـطـيـت بـلادنـا مـن دم قـاني سـنـين العـمـر فـي زهـرة شــبـابـي
اصـطـفاني حـزبنا الغالي اصـطفاني بـوسـام الـواجب(4) لحـضـرة جـنـابـي
يا ريـت بيسـمـح العـمر وزمـاني بـعـد أعـطـي قـبـل مـوتـي وذهـابـي
بجـسـد تـعبان صـار الظهر حـاني عــم بـيــزيــد آلامــي وعـذابـي
رهـاني صـار عـرفـاقي رهـانـي مـعُن(5) بـالحـزب بـاقـي انـسـيـابـي
واذا مـن مـرض قاسـي صرت عاني ومـرض فـتّـاك مـكّـنـلـي الإصـابــه
صـرت عـم عـد بسـنـيني الثواني وع غـصـن الـعـمـر عـم بيـنـعق غرابي
واذا الـزَّيـتـاتْ خلصوا مـش اهانة وقـدر محـتـوم طـفّـالـي شــهـابـي
بـدي كـل قـاســي وكـل داني يـوعـي مـقصـدي وجـوهـر خـطـابي
أنـا بـرجـع على المهد الكسـانـي حـنـان وحــب، تــارِدّ الـوديـعــه
وروحـي تـظــل بـأرضـي وتـرابـي
(*) القصيدة الاخيرة التي كتبها قبل عودته إلى الوطن وهي في وداع البرازيل.
(1) إشارة الى ابنته وداد وحفيده زهير عز الدين وحفيدته ثريا عز الدين.
(2) تُكتب مكانه وتلفظ مكاني وينطبق ذلك على إهانة تلفظ إهاني.
(3) صلابة، وعصابة وإصابة، تلفظ أثناء القراءة العامية صلابي، عصابي، إصابي.
(4) منح الرفيق الشاعر علم الدين وسام الواجب تقديراً لنضاله الحزبي الطويل.
(5) معُن: بالاصل معهم.
يـا زعـيـمـي
لـما رصـاصو البُـطـل عـا صـدرك طلـق بـكْـيتْ عـيـون الحـق مـن أول طـلـق
وجـه الـبـسـيطة تبـشـنق بمشـلح حداد وسـوس النـدم في قـلـب جـلادك خـرق
ومـا هي كبـيرة عليـك يـا فـادي البـلاد قلـبـك مسـيح الحـق عـا دربـك مـرق
تـارك رسـالـة حـب لـلأمــة وجـهـاد وللـخـصم طـعـنة وللحسـد رعبـة وقلق
ومـش متـل غـيرك عـا الهـوية بـها لعـباد بيـقـتل مـواطـن كـل مـا بحـيّـو مرق
حـرقـوا وطـنّـا وهـدّمـوا والـحـق زاد لـكـنـما الإيـمـان فـيـنـا ما احـترق
قـم يـا زعـيـمـي صـافح رجـال العـناد إنـت الـمـخلص للـقـراب وللـبـعـاد
لـلـيـوم غـيـرك بـعـد الـلـه مـا خـلـق
طـل الـزعـيـم (*)
آذار شـهـرك زَهـرْ، يـا زَهـرة العـبـي عـابـق أريـجو بْـمـوطنـي الحـرّ الأبـي
لـمـا فـتـى آذار فـاديـنـا الأمـيـن فـجّـر وجـود ونـور أجـلـى الْـغـيهبي
مـن قـلب قـومي مخـلص وشـاعرْ حكيمْ مـن عـمق روح العـبـقرية مـن الـصميم
مـن صـخر "سـوريـا"- وصلابتها- المقيم مـن هـياكـلـها القـديـمه مـن الـقديم
طـل الـزعـيـم وكـان بـالـطـلـة عـظـيـم
طـل الـزعـيـم وكـان بـالـطله عظيم عـامـوطنـي ... فـجـر بـأمـتنا الـوعي فـجـر بـطـولـه وتـضـحـيـه وكـان الـنـبـي
شاعر النبوغ نعمــــان نصـــــر
في تاريخ 19 كانون الثاني 2010 سيقام حفل تكريمي في بلدة قلحات للشاعر الراحل نعمان نصر، الذي قال فيه العلامة الشيخ ابراهيم المنذر مقدماً الطبعة الاولى من ديوان تلميذه الشاعر نعمان، فقيد النبوغ، "شقائق النعمان":
انـعمان اضرمت الاسى في قلوبنــا
وغـادرت ربـع الشـعر بعدك مجدبا
نشــأتَ بلبنــانٍ اديباً مدربــاً
كأنـك طفت الارض شـرقاً ومغـربا
رأيت بني الدنيا يهيمون في الشـقـا
وذا الكون فـي عين الحقيقـة كـالهبا
فآثرت تقصير الحيـاة ولـم تشــأ
بقـاءَك في الدنيـا اسـيـراً معـذبا
الى روحك يُهدى ديوانك
ولدت فقيراً، ونشأت أديباً مهذباً، وعانيت شظف العيش فتياً، وقضيت، في أول سن الشباب، دون ان تبلغ من دنياك مناك، فكان الخطب بك جسيماً واللوعة شديدة.
ذلك شأن الأديب، عقل كبير وعمر قصير، كأن الالم حليف القلم، في كل زمان ومكان.
رحم الله الذكاء والادب وبرّد بطيب العفو ثراك، يا نعمان!
*
وكتب مقدمة الديوان الأمين عبدالله قبرصي في كلمة رائعة سننشرها لاحقاً.
*
تعريفاً عن الشاعر نصر، نورد ما نشرته مجلة "المرأة الجديدة" غداة وفاته الباكر.
المـوت نـقـاد عــلـى كـفــه جـواهـر يـختـار مـنـهـا الجـيـاد
مات نعمان نصر – ذوى غصن الأدب الزاهر.
فوجئنا بنعي الشاب الأديب الناهض والشاعر الرقيق نعمان نصر صاحب قصيدة "الأمومة" التي نالت جائزة هذه المجلة في عامها الأول وغيرها من لطيف الشعر الذين زيّنا به صفحاتها، فكان لذلك النعي في النفوس حزن شديد وألم مبرح.
زارنا الفقيد قبل وفاته ببضعة أيام، وهو ممتلىء نشاطاً وهمة وأخبرنا عن مدرسته الوطنية الجديدة التي أسسها في "قلحات-الكورة" وترك بين أيدينا قصيدة جديدة من نظمه عن "اليتيم" فكأنه جاء مودعاً اذ لم يكد يفارقنا حتى انقض علينا خبر وفاته انقضاض الصاعقة فأذهلنا وأدهشنا وآلمنا كثيراً.
يا لهول النكبة ويا لعظم المصاب!
كان الفقيد، وهو لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، شعلة من الذكاء ولم يقتصر نبوغه على الشعر والخيال والادبيات، بل قرن العلم بالعمل، فأقدم، مع حداثة سنه، على تأسيس مدرسة وطنية جرت في سبيل النجاح شوطاً بعيداً في عهد قصير.
كان رحمه الله من أشد انصار المرأة الجديدة وله على صفحاتها أبيات خالدة وقد أعلنا اسمه بين الأدباء الذين يساعدوننا في انشائها وكان أهله واصدقاؤه وجميع عارفيه يعلقون عليه كبير الآمال ويقدرون لهذا الغصن النضير ان يجيء بأطيب الثمار، فجاء الموت وقصفه وقضى على كل هذه الآمال.
ولد الفقيد في "قلحات-الكورة" في شهر ايلول سنة 1902 وتوفي والده وهو صغير ثم فقد والدته من عهد غير بعيد، فانفرد في معاركة الدهر وهو لا يزال غض الاهاب لين العود فكان بجده ونشاطه يتغلب على جسام المصاعب ويخلد اسماً مذكوراً لو لم تعاجله المنية.
درس اللغة العربية على يد الأستاذ الكبير الشيخ ابراهيم المنذر في مدرسة البستان الداخلية في بكفيا قبل الحرب واللغة الافرنسية في مدرسة الفرير في طرابلس بعد الحرب ثم أنشأ مدرسة الصفا في قريته هذا العام وكان يعلل نفسه بدرس الهندسة او الحقوق حالما يجتمع لديه المال المقتضى لذلك فبطشت به يد القدر وقضت على مطامع نفسه الكبيرة.
واذا كـانـت الـنـفـوس كـبـاراً تـعبـت فـي مـرادهـا الاجـسـام
نظم الفقيد الشعر وهو في الثانية عشرة من عمره ونال جوائز كثيرة ولما بلغ الثامنة عشرة من العمر بدأت اشعاره وقصائده تظهر خارج جدران المدارس وعلى صفحات الصحف والمجلات فأحرزت اسماً كبيراً وكان للمرأة الجديدة النصيب الاوفر منها حتى أصبحت قصائده آيات بينات.
توفي الفقيد بسكتة قلبية عصر يوم الجمعة في 17 كانون الثاني سنة 1924 وهو يلقي الدروس على طلبته، فكان لمنعاه رنة حزن وأسف في جميع الأنحاء وأقيم له مأتم حافل استنزف الدموع. احتفلت به مدرسة المساواة في أنفة، وأبّنه سيادة مطران طرابلس والارشمندريت ايصائيا عبود وفريق من الأدباء ودفن مبكياً عليه بدموع نثرتها القلوب قبل العيون.اما المرأة الجديدة التي تربطها بالفقيد صلة أدبية تفوق كل صلة فحزنها عليه أشد وأسفها على فقده أعظم ونكبتها بموته لا تحد
الأمـيـن الـشـهـيـد كـمـال خـيـر بـك
الأمين الشهيد كمال خير بك، أسـم سـطـع فـي تـاريـخ الـحـزب وسطّر وقفات عزٍ لا تنسى على صعيد صراعه الحزبي، كما في مقارعة العدو الاسرائيلي، بحيث أن اي شرح آخر لا يضيف على حضوره المشع وتجلّيه.
صدر للأمين الشهيد، دواوين شعرية جمعها أصدقاؤه بعد رحيله:
وداعـاً أيهـا الشـعر 1982
دفـتر الغـيـاب 1987
أما ديوانه مظاهرات صاخبة للجنون فكان طبع مرة ثانية عام 1982 بعد أن صدرت الطبعة الأولى في بيروت عام 1965 تحت اسم مستعار: كمال محمد، واقتصر انتشارها على عدد محدود جداً.
خارج دواوين الشعر صدرت عام 1982 الترجمة العربية الكاملة للاطروحة التي نال على أساسها الأمين الشهيد، شهادة دكتوراه دولة في الآداب، وقد قام بالترجمة لجنة من أصدقائه. موضوع الاطروحة "حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر" وكانت صدرت بالفرنسية في باريس عام 1978.
كان الأمين الشهيد كمال خير بك قدم اطروحته للدكتوراه الى جامعة جنيف في 28/06/1972 ونالت بالاجماع درجة الشرف العليا مع تقدير اللجنة المناقشة.
قبل كا هؤلاء كان للأمين كان للأمين كمال خير بك ديوانه "البركان" الصادر عام 1960، حينما كان يوقع باسم " قدموس".
ولأن قلة من الرفقاء والاصدقاء لم يطلعوا على "البركان"، وقد يكون معظمهم لم يسمع به، نقدم عنه التعريف التالي، بقلم الامين عبد الله قبرصي الذي كتب مقدمة الديوان بعنوان "الشعر البركاني"، ننقل ابرز ما جاء فيها.
*
كمال خير بك أو قدموس. من ابناء الحركة القومية الاجتماعية، آمن بالحركة وناضل في سبيل انتصارها، وتحمل معها ألوان الألم والعذاب والحرمان. لقد رافقها منذ وعى حقيقته، في ايامها البيض وايامها السود، في صراعها الخلاق ضد القوى الرجعية المتآمرة عليها منذ وجودها، في حربها بالصبر وبغير الصبر. ومن روعة الألم، وعظمة النضال ومن صميم الحياة القومية الاجتماعية، استلهم قصائده. انها حصيلة انفجارات نفسية، في قومي اجتماعي، لا تمر شاردة أو واردة دون أن تسجل في أعماقه غلياناً وانفعالات، كان لا بد ان تطلق "البركان" الذي بين يدينا، بما فيه من نار ولهب.
ان لغة "البركان" هي لغة جيلنا الجديد الثائر، الذي يريد ان يهز ضمير الشعب، ان يثيره، ان يلهبه ويتطلع الى الآفاق التي من اجلها نتحمل ونقاتل ونستشهد.
لقد كنت اود الاّ اقرأ هذه القصائد. فقد سمعت بعضها في احتفالاتنا القومية الاجتماعية، في جو شعبي حماسي، فالهبت نفسي، وكل نفس سمعتها، وحملتني الى ايام الشباب، حيث كنت، قبل عهد النهضة، وخلال مقاييس تتآخى مع مقاييس قدموس، أنفث الألم الذي في صدري ضد مستعبدي بلادي وجلاديها، على قبور الشهداء في دمشق، وفي لبنان.
ان بيني وبين قدموس لا وحدة روحية، متأتية عن كوننا ابناء الحركة، ربينا فيها، وفعلت تعاليمها ومبادؤها وأحداثها في قلوبنا وعقولنا وخيالنا، فحسب، بل وحدة اسلوب ايضاً ووحدة نظر الى الشعر، من هذا اللون الخطابي الشعبي، الذي يفيض بالاعاصير والحمم، فيغني ألم الشعب وانتفاضاته الطويلة لتحطيم الظلمة، وسحق العدو. فتحس وراء كل بيت منه قنبلة، ووراء كل قصيدة معركة، وتحيا في حمّاه المستعرة، فاذا انت في ثورة واذا انت في قلب بركان.
من هنا ارى ان شعر قدموس هو شعر الثورة. انه مزمار الثائرين، المعذبين في الارض، الذين يأبون ان يذلوا، ويرفضون ما هو دون الحرية والعز.
الى أن يقول:
وبعد، فإن قدموس يقدم للشعب شعراً ثورياً يتأجج بالانفعالات العميقة الفائرة. انه يسفح قلبه ناراً وكبريتاً، ليذيب (الصخر) من ادمغة الناس، ويحرق فيهم اللامبالاة، ويدق ناقوس المعركة من اجل التحرر، ومن اجل النهضة، من اجل استعادة فلسطين، من اجل كسر شوكة الشرّ والعار والمفاسد، من اجل اجلاء الاجنبي عن ارض الوطن، حيث جثم غازياً ثقيلاً، وكأنه يجثم على صدر الشاعر وحواسه وكل دقيقة من حياته.
مثل هذا الشعر ليس ملتزماً. ليس سياسياً. انه يحيا في جوّنا الكالح، في حالنا المرّة التعبة. انه غذاء لنا. انه مهماز. انه نار تكوينا. انه نداء عالٍ، يكاد يملأ آذان الآلهة قبل ان يصل آذان اللامبالين من شعبنا.
نحن بحاجة الى المزيد من هذا الشعر الثائر، الى المزيد من تعميقه، وتفجير الطاقات التي يغرفها من وجودنا، ليأتي اكثر ذرية وفاعلية.
نحن بحاجة الى قدموس يشحن بركانه بقتابل اقوى. ان امتنا بخطر.. فليكم شعرنا عبى مستوى الخطر.
الـثــورة
هـذي عـواصـفـنـا تـغـلـي وتـصـطـخـب
تـبـارك الـجـرحُ، يـا لـبـنـان، والـلـهـبُ
صـدورنـا فـي طـريـق الـمـوتُ مـشـرعـةٌ
مـن كـل نـاحـيـة يـجـتـاحـهـا العـطـب
إنّـا نـعـمّـر مـن أشــلائـنـا وطــنـــاً
ونـكتـب الـمجـد، اذ نـمـحـو الـذي كتـبوا
*
نـيـوبـهـم مـا يـزال الحـرف يـذكـرهــا
والأم تــذكـر.. والاطــفــال والــخـربُ
لـبـنـان يـعـرف كـم عـانـى مـخالـبـهـم
وكــم أذلّـوا لـه وجـهـاً وكـم صـلـبـوا
تـاريـخ لـبـنـان لـن يـروي حـكـايـتـهـم
ألا ويــخـجـل فـيـه الـشــعــر والأدبُ
*
هـم شـوهـوا الأرز واغـتـالـوا نـضــارتــه
ونـحـن نُـرجع مـا هـدّوا ومـا ســلـبــوا
لـقــد ارادوك يـا لــبــنـان مـزرعـــةً
صـفـراء يـحـكـمـهـا الإرهـاب والغـضـب
لـقـد ارادوك، يـا لـبـنـان، مـقــبــــرةً
سـوداء تـعـلــك قـتـلاهـا وتـنـتـحــب
ونـحـن شـئـنـاك ضوءاً ضـاحـكـاً وغــداً
يـلـهـو عـلـى أفُـق الـدنـيـا ويـلـتـهـب
*
يـا ذلّـهـم.. أي ذئــب كـان يـلـبـسـهـم
وأيّ وحـلٍ عـلـى جـبـهـاتـهـم جــلـبـوا
أيـخـنـقـون هـديـر الـرعـد إن شـتـمـوا؟
أيــسـتـرون صـراخ الـعـار إن كــذبــوا؟
أيـخـمـدون ضـمـيـر الشـعـب إن غـدروا؟
أيـطـفـئـون صـيـاح الشـعـب إن صـخبـوا؟
الـشـعب أكـبـر.. لـن يـفـنـى عـلى يدهـم
ولـن يـهـادن أصــنـامـاً لـه نـصــبــوا
الـشعـب أكـبـر.. لـن يـرضـى عـروبـتـهم
ولــن يـــردد مـا شـــاؤوا ومـا رغـبـوا
*
إرادة الـشــعـب، لا ســيـفٌ يـزلـزلـهــا
ولا مـراســيـمُ تـعـلـيـــهـم ولا خشــب
لـيـسـتريـحـوا.. كـراسـي الحـكـم جائعـةٌ
إلـى الـتـمـاثيـل، ولـيـغـنـوا بمـا طـلـبـوا
مـن اجـلـهـا احـرقـوا الدنـيـا، وما شـبـعوا
مـن غـلـة الأمـس..كـم مـصّـوا وكـم نهـبـوا
كـرامـة الشـعـب. بات الشـعـب يـعـرفـهم
ولــن يـصــدق بـعــد الآن ان خـطـبــوا
هـم كـل كـارثــةٍ تـأتـيـه مـا بـقـيـت
لـهــم مـراتـب تـســتـهـويـه أو لـقـبُ
لـيـسـتريحـوا. فـخـلـف الصمـت جلجلـةٌ
ينـهـار تـحـت صـداهـا الـعـار والـكــذب
غــداً تـزمـجـر فـي لـبـنـان زوبـعــةٌ
حـمـراء، تـقـلـع مـا ســـدّوا ومـا (نصبـوا)
غـداً نـقـوّض عـرش الـرمـل تـحـتـهـمُ
فــلا يــظــل لـهـم عــرشٌ ولا رتـــب !!
بيروت، صيف 1958
الـرفـيـق الشـاعـر سـلـيمـان سـلـيـقـا
يورد الأمين نواف حردان في كتابه "على دروب النهضة" الرسالة التالية التي وجهها بتاريخ 20 آب 1941 الى صديقه سليمان سليقا في بلدة الفرديس. فيها اضاءة على كيف عمل رفقاؤنا تأسيساً لفروع الحزب، حيث كانوا يقطعون المسافات سيراً على الاقدام، من بلدة الى دسكرة الى قرية الى مزرعة، في البراري والأحراش والمناطق النائية، ينشرون التعاليم السورية القومية الاجتماعية ويعملون على انتماء المواطنين الى حزب النهضة.
أخي الحبيب سليمان
لقد تلاقى والدانا في الارجنتين فتصادقا ثم تآخيا.. وأصبحت علاقة كل منهما بالآخر مضرب المثل.. على كون الأول منهما مسيحياً والآخر درزياً.
أما أنت وأنا.. فقد تلاقينا منذ الصغر ثم درسنا على مقاعد المدرسة الواحدة، وتصادقنا وتآخينا.. وأشعر اليوم بأن الرابطة المتينة التي تربطني بك، هي أقوى وأعمق جذوراً من رابطة الاخوة.
وقلبي يحدثني الآن.. أن هذه الرابطة سوف تقوى وتشتد وتتعمق كل مرة أكثر، وسوف نحقق انت وأنا أموراً كبيرة وخطيرة من اجل مصلحة بلادنا في المستقبل.
كان اجتماعي بك أول امس اجتماعاً ناجحاً، ولقد اعجبت بالروح الوطنية المتوثبة التي تعصف بين جنبيك، فبوركت وبورك أمثالك من شباب الوطن الناهضين المخلصين.
ها نحن الآن نستريح من اعباء حرب ومعارك ضاربة، قاست منها منطقتنا الشيء الكثير، وجرت عليها الدمار والخراب، دون أن يكون لنا في هذه الحرب ناقة أو جمل.
ما رأيته ولمسته في هذه الحرب، ايقظ في نفسي افكاراً ومشاعر كثيرة، هي هادئة راكدة الآن، لتعصف قريباً.
تساؤلات عديدة صارت تنتصب أمامي، منها الاسئلة التالية:
هل لنا وطن يا سليمان؟ أين هو وطننا؟ هل نحن شعب يريد الاستقلال؟ لماذا لا نكون مستقلين؟
هل تصدق ما حملته منشورات الجنرال الفرنسي كاترو، عن ان فرنسة "ستعطي" الاستقلال لسورية ولبنان؟
وهل الاستقلال يعطى؟ أم يؤخذ بنضال أبناء الوطن وجهادهم، واستماتتهم في سبيل الحصول عليه؟
أسئلة أطرحها عليك وعلى نفسي.. وأزيد سؤالاً آخر: لماذا مات المئات من شباب بلادنا في هذه الحرب؟ ادفاعاً عن الوطن سقطوا قتلى؟ أم دفاعاً عن مصالح فرنسة وبريطانية؟
حديثنا أول أمس، وصل بنا الى الاعتقاد المشترك، بأنه لا ينقذ وطننا التاعس، الا حزب يلتف حوله شباب الوطن، صادق المبادئ شريف الغاية وذو قيادة مخلصة كفوءة.
انت وانا نميل للاعتقاد، بأن الحزب السوري القومي الاجتماعي، هو الحزب المنشود.. شعور داخلي تلقائي نابع من أعماقنا يجعلنا نعتقد كذلك.
ولكن قبل الاقدام على اتخاذ القرار النهائي، يجب ان تتولد لدينا القناعة العقلية اللازمة لذلك.. خاصة انا.. بناء على الثقة التي يمحضني اياها زملائي وأصدقائي في راشيا، الذين اعتبر نفسي مسؤولاً عن القرار الذي سيتخذونه أيضاً، والطريق التي سيسيرون عليها.
كم اعجبتني قصيدة عجاج المهتار "البلبل الشادي"، لقد حفظتها غيباً، وأنشدتها أمام الشباب، فاعجبوا وطربوا وصفقوا.
ما تزال نفوسهم بكراً.. وهم على استعداد تام لتقبل أي توجيه اذا كان صادراً عن اخلاص وطيب ونية وقصد، ويكون رد الفعل عكسياً، اذا اكتشفوا فيما بعد، أنه غرر بهم واستغلوا.
بعد أيام قليلة.. سيصل راشيا مواطن مسؤول في الحزب السوري القومي الاجتماعي، اسمه عادل عجيمي(1)، طالب في الجامعة الاميركية.
بعد طرح بعض الأسئلة عليه ومناقشته، سوف اتخذ القرار النهائي.. فاما الانتماء الى الحزب السوري القومي، واما الاستمرار في "جمعية البحث عن الحقيقة" التي حدثتك عن تأسيسها في راشيا واطلعتك على مبادئها وغايتها.
وكل ما اتمنى الآن.. هو ان تصح ظنوني في هذا الحزب، فلا يكون عدواً للعروبة، فننتمي اليه كلنا، ونحل الجمعية ونقدم ما تجمع في صندوقها للمسؤول الحزبي.
سأخبرك بكل ما يجد معي قريباً، فكن على استعداد، لنلتقي على طريق العمل للوطن الحبيب، كما التقينا ونحن اطفال وفتيان على طريق الصداقة العائلية المتينة.
*
بعد ذلك انتمى الرفيق سليمان سليقا، ومثله عدد كبير من رفقائنا في راشيا الفخار والقرى المجاورة إلى أن انشئت منفذية تولاها الأمين نواف حردان.
الرفيق سليمان لم يستمر على أرض الوطن بعد استشهاد سعاده في 8 تموز 1949، ملبياً دعوة والده وشقيقه فايز للاتحاق بهما في الأرجنتين.
فيها عمل في التجارة الثابتة والمتنقلة. تولى مهمة ممثل مشيخة عقل الطائفة الدرزية في الأرجنتين(2) ساعد الأمين الراحل عيسى سلامة في جمع آلاف الكتب المهجرية، التي عمل الأمين عيسى فيما بعد الى نقلها الى مكتبة الأسد في دمشق حيث قسم خاص يحمل اسمه.
*
في زيارته القصيرة الى الوطن صيف العام 1990 أصدر له نسيبه الأديب غالب سليقا ديواناً شعرياً حمل العنوان التالي "الشاعر سليمان سليقا شاعر عنيد وبلبل غريد".
في مقدمة الديوان قال الأديب غالب معرّفاً:
تربع على عرش الشعر أكثر من نصف قرن، قضى القسم الأكبر منه على ضفاف نهر "الفضة" (ريو دي لابلاتا) في الأرجنتين بعد أن أشبعه على ضفاف نهر الحاصباني موطنه الأصيل.
شاعر ألهبَ المشاعر والأكف، اذكى نار الفؤاد. أجاد وأشاد، اعتلى وسما، ترنّم وشذّف.. شاعر المناسبات العظمى والمواقف الرجولية الثابتة، شاعر قلّ ودلّ. أصاب الهدف بعد رميه السهام، وضع كل مرئ في قدره، ما كان التملّق هدفه يوماً ولا الاستزلام شعاره أو مطلبه، عاش فقيراً ولم يزل. وكما قال في هذا الصدد: " ما عرقت يوماً من التعب المضني ولا مددت يدي يوماً لاستلام مكافأة ولا نمت ليلة مشوش الضمير". لهذا أحبه كل من عرفه وكل من عاشره. أصبحت قصائده وأشعاره ترانيم دينية عند العقلاء الأجلاء وأناشيد وطنية عند الشباب في المناسبات وهمسات حبٍ وانبلاج وأشواق عند العاشقين والمتيّمين، لا بل أصبح يتناقل قصائده الكثيرون. وخاصة ممن عاشوا مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات شباباً قبيل تيمّم وجه الشاعر المذكور نحو المهجر المشؤوم.
ويضيف: "هنالك في المهجر وقف صادحاً ومنشداً فما أقيمت مناسبة أو حفلة ترفيهية وفي معظم النوادي اللبنانية أو السورية، أو في جميع المحافل العربية إلاّ وكان شاعرنا شاعرها وخطيبها ولسانها.
أليس هو المنشد في استقبال المطربة فيروز عندما قدمت الى الارجنتين؟..
لـبـنان جـنـة ربـنا مـن المـبـتـدا أرواحـنـا كـرمـال أرزا تـوفــدا
عـاكـل دولـة مـن الـدول ودّا سـفير لـكـن مـثل فـيروز مـا ودّا حـدا
- صحفي بارز ساهم في تحرير العديد من الجرائد والمجلات المهجرية في تلك الديار.
- مستشار رسمي لسفير لبنان بالارجنتين وسفير مقيم ودائم في تلك الديار.
- صديق وقريب من جميع سفراء العرب.
- المعتمد الرسمي لمشيخة عقل الطائفة الدرزية في الأرجنتين حيث يقوم بمهامه الدينية من عقود الزواج واقامة الصلوات أمام الجنائز واعظاً ومرشداً في الاجتماعات الدينية..
- كتب الكثير من المقالات وقاد العديد من المظاهرات للدفاع عن قضايا وطنه الأوّل في بلده الثاني الأرجنتين.
*
· ولد الرفيق سليمان سليقا في قرية الفرديس- قضاء حاصبيا- في 20 آب سنة 1920. نشأ وترعرع في كنف والديه الشيخ جبر سليقا والسيدة ورد جودية.
· تلقى علومه في مدرسة قريته أولاً ثم انتقل بعد ذلك إلى مدارس راشيا الفخار وحاصبيا لإكمال تحصيل علمه.
· بدأ حياته العلمية مدرساً في قريته (الفرديس) حيث ساهم في تثقيف الكثير من ابنائها، كما ساهم في العديد من النشاطات المحلية والحزبية.
· بدأ ينظم الشعر وهو في الخامسة عشر من عمره. سافر الى الارجنتين ملتحقاً بوالده وشقيقه فايز في 24 كانون الاول سنة 1949 ثم عاد الى وطنه في زيارة قصيرة بعد غياب واحد واربعين عاماً وذلك في 26 ايلول سنة 1990، لكنه رجع بعد ذلك بوقت قصير الى موطنه الثاني الارجنتين.
· بعد فترة من عودته الى الارجنتين، فارق الرفيق سليمان الحياة اثر نوبة قلبية.
(1)- هو الأمين عادل يعقوب العجيمي، أول رفيق في راشيا الفخار. تولى في الحزب مسؤوليات عديدة منها رئاسة مكتب عبر الحدود.
(2)- في الفترة ذاتها كان الرفيق نجيب العسراوي (من اوائل رفقائنا في البرازيل و أول منفذ عام فيها) يتولى معتمدية مشيخة عقل الطائفة الدرزية في البرازيل.
*
القصيدة التي القاها في 18 ايلول 1976 في الحفل التأبيني الذي اقيم في بيونس ايرس للأمينة الاولى جولييت المير سعاده.
بـذكرى جوليا الأم الرصـيــني رجـع للقلب أشـواقي وحنـينـي
ذكرى الحزب، وبلادي وجـهادي ورفـاقي، وضيعـتي وزخمـة يقينـي
فـيك روح متّـصلـي بسـعاده حمـلـت جـروح أمتنـا الحـزينـي
سـنين الحبـس، وقيود الأعـادي اسـاور فـي ايـديـكي يا (أمينـي)
لـو ما عواطفك ما هيـي رقيقـة مـع الزعـيم ما مشـيت دقيـقـة
كنـت الـزنبقـة الحـرة النقيـّة ورده مفتـحـة بأجمـل حـديـقـة
مشـيت بعـزم، وبهمّـة قـويّـة رفيقـة خـيـر، يا نـعم الـرفيقـة
رفـيقتِ الزوبعة الحـمـرا العليـة وزعيمـك قـال شـكراً للأعـاديبـعـد مـا سـجـل بـدمّـو الـوثـيـقـة
الأمـيـن حـسـن ريـدان أسـم خـالـد فـي تـاريـخ الـحـزب
بتاريخ 20/11/2009 نشرنا عن كتاب "كهفان" للأمين الراحل حسن ريدان، واوردنا نص الكلمة التي قدم بها الكتاب الأمين الراحل نواف حردان.
عن الأمين حسن ريدان كان كتب الأمين لبيب ناصيف ونشر ضمن سلسلة من رجالات النهضة، نعيد تعميمها لفائدة الاطلاع لمن لم يتسنَ له ذلك في وقت سابق.
يفيد الأمين جبران جريج في الجزء الأول من كتابه " من الجعبة " وفي القسم الذي يغطي " سنة الانتشار " 1934-1935 ، التالي : " اثنان لعبا دوراًَ بارزاً في هذه المنطقة المؤلفة من الشويفات ، بشامون وعين عنوب، هما رفيق الحلبي وشارل سعد "، ثم يوضح أن الرفيق نجيب طعان صعب (الأمين لاحقاً) انتمى على يد الرفيق رفيق الحلبي، والرفيق طنوس نصر (من الشويفات وأول من تولى مسؤولية منفذ عام منفذية الساحل الجنوبي) على يد شارل سعد.
ويضيف الأمين جريج : " أما في عين عنوب وبشامون فقد وصلت الدعوة إلى عين عنوب أولاً عن يد الرفيق حسن قائدبيه وهو من أبنائها الذي اطلع نسيبه حسن ريدان على وجود الحزب " السري " الذي كان انتمى إليه في الجامعة الأميركية. وبواسطة الرفيق فكتور أسعد الذي كان يتولى عمليات الإدخال في بيروت التقى حسن ريدان بالزعيم، فأقسم يمين الانتماء على يده. كان حسن ريدان قد تخرج من مدرسة سوق الغرب وأصبح معلماً في مدرسة الإنكليز في عين عنوب. ومن عين عنوب انتقل الامتداد الحزبي إلى بشامون فوقع اختيار حسن ريدان على خطار أبو إبراهيم فأقسم يمين الانتماء هو وعارف حسان وفؤاد الحلبي. ثم اتسعت الرقعة فشملت نسيم أبو ضاهر، إميل أبو ضاهر وفؤاد عازار.
وفي الصفحة 340 من الجزء الأول، يقول الأمين جريج أنه بفضل النشاط الحزبي الذي راح يبديه الرفيقان خطار أبو إبراهيم وحسن ريدان، أصبحت بشامون مديرية، مديرها الرفيق خطار وناموسها الرفيق عجاج أبو شكر، كذلك عين عنوب وقد تولى مسؤولية المدير الرفيق سليمان سعد.
*
ليس في ملفات الحزب ما يشير إلى المسؤوليات التي تولاها الرفيق حسن ريدان باستثناء ما أورده الأمين جريج في الجزء الرابع من " من الجعبة " من تولي الرفيق ريدان لمسؤولية منفذ عام الساحل الجنوبي الذي كان يتولاها الرفيق (الأمين لاحقاً) محمد أمين أبو حسن، وما كان أفادت به عقيلته الفاضلة هند من توليه لمسؤولية عميد ومنفذ عام دمشق.
بعد مغادرته إلى أفريقيا حيث كانت له أعمال ناجحة في سيراليون، وفي ليبيريا، تولى الرفيق ريدان مسؤوليات محلية في كل منهما، منها منفذ عام ومندوب مركزي.
منح الرفيق حسن رتبة الأمانة في أواسط العام 1956.
كان شاعراً وأديباً، وتمتع بمزايا المناقب القومية الاجتماعية، وبصدق الانتماء، وكان محط احترام وتقدير في الأوساط العامة التي احتك بها كما بالنسبة لرفقائه.
نشر الأمين حسن قصائده ومقالاته في صحف الحزب، وعرفته المنابر الحزبية والمناسبات خطيباً وشاعراً. عام 1945 أصدر كتابه "كهفان" (كهف سقراط وكهف زينون) عن دار المجاني للطباعة والنشر في بيروت. ثم أعاد طبعه مرة ثانية عام 1997، وقد توّجه بكلمة الشكر التالية : " يعود الفضل في إعادة نشر هذا الكتاب إلى الأمينين نواف حردان وعادل شجاع وإلى رفيقة حياتي هند "، أما المقدمة فكتبها الأمين نواف حردان.
في الطبعة هذه، نشر الأمين حسن ملحقاً تضمن التالي :
- ولادتي الثانية وفيها يشرح كيف انتمى إلى الحزب.
- قصيدة " نداء الأول من آذار ".
في مقالته، يقول الأمين حسن ريدان :
...بعد فترة وجيزة جاءني قائلاً أن موعدي مع القائد قد حان. ثم أوعز لي بأن ألحق به خطوة خطوة، بحذر شديد... ثم سار أمامي في ظلام تلك الليلة، متلفّتاً بين الفينة والفينة يميناً ويساراً إلى أن وقفنا أمام باب قبو قديم في جوار الجامعة الأميركية (تذكرت أنه بيت رفيق لي في الدراسة الثانوية في عين عنوب هو فكتور أسعد الجريديني) وما أن وطئت قدماي ذلك القبو الخافت النور حتى شعرت برهبة مؤنسة تلفّ كياني. في ذلك الصمت المهيب الأبكم تعرّفت إلى " عينيه " (يقصد عيني ونظرات سعاده) الناطقتين بما في قلبه من آمال. عينان تطلان من حدقتين صارمتين امتزجت فيهما روعة الجمال بهيبة القسوة.
كان جالساً إلى طاولة قديمة صغيرة متواضعة بقامته المنتصبة كأول حروف الهجاء وإلى جانبيه شابان يغمرهما الجلال... دخلنا فأشار لنا بالجلوس، أما أنا فأخذت عيناي تحدّقان بشغف وذهول في قسمات ذلك الوجه القاسية والعينين الحادتّي الجمال والعقدة الصارمة التي تربط الحاجبين بهالة من العزيمة والحزم.
أعطى الإيعاز فوقف الجميع بأيد منتصبة زاوية قائمة، ثم أعلن افتتاح تلك الجلسة الصغيرة، رسمياً. بعد ذلك أعطى الإيعاز بالجلوس، فجلس الجميع. ألقى عليّ نظرة العارف وقال: "إنني أذكر وجهك، لقد التقينا في مدرسة سوق الغرب للحتيين" (أصحابها من آل الحتي).
قلت: "نعم" قـال: "والآن بما أنّ طلبك قد قبل، انتبه إليّ بدقّة وافهم كلامي عبارة عبارة"...
ثم أخذ يقرأ لي المبادئ فقرة فقرة شارحاً إياها بإيجاز وإيقاع جدّي عذب... حدّق بي بعدها وقال: "لقد سمعت المبادئ فهل تؤمن بحقيقتها ؟" قلت: "نعم". قال: "وهل أنت مستعدّ لأخذها شعاراً لك ولأهل بيتك؟" قلت: "نعم"...
حدّقت عندها بصفاء عينيه العميق... وكبارق خاطف تجلّت لي صورة حبّي السابق لشراسة الجمال في عيني النسر مقترنةً بجمال الشراسة في عينيه. كل ذلك مرّ بذهني في أقلّ من لحظة خاطفة عدت بعدها أتابع ما يقرأ عليّ بتؤدة وبنبرات راحت تحرّك أعماقي الهاجعة برفقٍ آسر.
وكان بين كل جملة وجملة يرمقني بنظرة خاطفة متفحّصة.
في ذلك الجو الرهيب شعرت وكأنني أخلع عني قميصي القديم البالي لألبس بدلاً منه قميصاً جديداً لحياة جديدة تتعدّى فسحة العيش الضيّق المحدود إلى رحاب الحياة الهادفة.
بعد انتهائه من قراءة المبادئ وشرحها سألني إذا كنت قد قرأت قسَم العضوية بدقّة... فقلت: " نعم ". قال: " إذاً أصغ إليّ جيداً ". سوف أقرأ القسم وأنت ستردّده من بعدي كلمة كلمة وبصوت عال وواضح بادئاً بقولك : أنا حسن هاني ريدان " أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي على أن أنتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي بكل إخلاص وكل عزيمة صادقة، الخ...
بعد الانتهاء من مراسم وأداء القسم، تقدّم إليّ بعزّة لا أنساها وهزّ يدي بحرارة وحب ثم قال: " أنت الآن رفيق سوري قوميّ ". ثم تقدم بعده نحوي الرفقاء الحاضرون وهم مأمون أياس، نعمة ثابت، وحسن قائدبيه مصافحين مهنّئين. أما هو فأخذ يكتب بطاقة انتسابي بذلك الخط الفريد ببساطته والمتميّز بتناسقه وانحناءاته اللطيفة، ثم سلّمني تلك الهوية الغالية، فشعرت عندها أن ولادتي الجديدة قد تمّت في تلك اللحظة المقدسة، وأن العقيدة تضمني إلى صدرها أماً حنوناً، وإنه هو بذاته – باعث النهضة – يأخذني على ذراعيه أباً عطوفاً يعرف ماذا يريد من بنيه. هكذا اكتملت ولادة اللحم والدم بولادة الروح. عندها هتفت في أعماق كياني مردّداً:
ما أروع أن يشاهد المولود الجديد مراحل ولادته بنفسه !
ثم استهلّيت صلاتي الجديدة، بإيماني الجديد، هاتفاً من الأعماق : لتحي سورية ".
· يفيد الرفيق خطار علي سلمان من الرملية أنه تعرّف على الحزب بواسطة ابن عمته الأمين حسن ريدان. بعد أن اقتنع، توجه إلى بيت الأمين خطار أبو إبراهيم في بشامون. كان ذلك عام 1936.
· جاء في العدد 170 تاريخ 26/10/1946 من جريدة " صدى النهضة " :
غادرنا أمس إلى ليبيريا بطريق الجو الرفيق الشاعر حسن ريدان، فنحن نتمنى له سفراً سعيداً ولعمله في المهجر ازدهاراً ورقياً.
بطاقة هوية
ــــــــــــ
- حسن هاني ريدان
- الأم : آمنة سلمان
- ولد في عين عنوب عام 1916
- اقترن من السيدة هند أحمد صعب ورزق منها :
هاني، وسيم وكريم
من شعره
ـــــــــ
إلى أين في حمأة المعمعة؟ إلى أين تهرب والزوبعه عن العصف والقصف والزعزعه عن الغـار يذوي عليك شهيد
إلى أين بعد الصراع العنيد ؟ قريباً تهـب، وانـت بعيـد عن الثأر والنار تشوي الحديد، ويحني الوجود لديك الجبين!
إلى أين.. أين.. ؟
إلى أين تهجر ربعاً وحيّ واخوة دوحٍ سخيٍ نديّ إلى أين تنحر قلبا فتيّ وتثني الشباب على كل درب
وداراً وجاراً واماً واب ، ورفقة روح وأحباب قلب ؟ وروحاً عتيّا وحسّا وحبّ لتجمع ترب ، وتشبع طين
إلى أين.. أين.. ؟
يا من ختام رسالتو بدمّو مَهَرْ
وفي عبقرية إمْتو شعّ وظهَرَ
مثل ما عيونك علينا ساهري
عيونّا عا رسالتك جمر السَهَر
الأمين عادل شجاع الذي عرف الأمين حسن منذ مرحلة الطفولة، كان له هذه الشهادة الصادقة بالأمين حسن ريدان :
كلنا يشغل على مسرح الحياة مساحة في المكان والزمان ما دام على قيد الحياة، لكن الذين يستمرون في شغل مساحات في الزمان بعد وفاتهم فقلائل. الأمين حسن ريدان هو واحد من هؤلاء القلائل الذين ما زالوا يشغلون مساحة في الزمن بعد مماتهم.
تعرفت إليه وانا بعد في مرحلة الطفولة، على يده تلقيت دروسي الأولى في المدرسة الإنكليكانية وبعدها في مدرسة منهل الناشئة في عين عنوب، كان هو في ريعان الشباب لامع الذكاء فياض الحيوية أنيقاً ومحباً وفي كل ذلك كان مثلي الأعلى. على يده انتميت إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي سنة 1945 وعلى يده تتلمذت في مدرسة النهضة السورية القومية الاجتماعية، اما هو فقد انتمى إلى الحزب على يد الزعيم نفسه قبل ذلك بحوالي عشرة سنوات، قصة انتمائه مروية بأسلوب شيق وجميل في كتابه (كهفان) تحت موضوع " ولادتي الجديدة ".
كان الأمين حسن الشخص الثاني من شباب عين عنوب الذين انتموا إلى الحزب وكان ذلك قبل انكشاف أمر الحزب لدى سلطة الانتداب الفرنسي سنة 1935، أما الشخص الأول فكان قريبه الصيدلي حسن قائدبيه، ولقد كان للأمين حسن الفضل الأول في انتماء عدد من شباب عين عنوب إلى الحزب منهم الكاتب المعروف الرفيق يوسف سلامة الذي عاش طفولته وبعضاً من سني شبابه في عين عنوب برعاية والدته وأخواله منير وفريد وبهيج وبديع أبو فاضل، ومنهم الدكتور سامي قائدبيه والدكتور رياض خليفه وغيرهم.
لقد حمل الأمين حسن في عقله وقلبه مبادئ الحزب ومفاهيم النهضة وتابع التبشير بها حيثما حط به الرحال إن مدرساً في الشام أو في العراق أو تاجراً في جمهورية ليبيريا (غرب أفريقيا) حيث أسس منفذية ليبيريا التي كانت واحدة من أنشط منفذيات عبر الحدود وهي لا تزال حتى اليوم ناشطة نسبياً برغم الأوضاع الأمنية والاقتصادية التي تعرضت لها تلك البلاد في أواخر القرن الماضي.
شهاده أخرى للرفيق مكرم سعد وردت ضمن كلمة نشرها في مجلة " البناء – صباح الخير " في 10/1/1998 بعنوان تحيتي الأخيرة، نورد بعض ما جاء فيها :
إذا بدأت الكتابة، عما أعرفه عن حسن ريدان وكيف تعرّف وانتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في الثلاثينات وكيف تغيّر الوجه السياسي لمنطقة الغرب قضاء عاليه نتيجة نشاطه ومثاليته ثم كيف أسس الحزب في ليبيريا من عضو او إثنين ووصل العدد إلى ما يقارب المائتي عضو، وأصبحت المنفذية المثالية الأولى في عبر الحدود وذلك باعتراف القيادات المخلصة والمنصفة.
أقول إذا بدأت بسرد صفحات هذه المسيرة الفريدة لما اتسعت صفحات المجلة لذلك، لذلك سأكتفي بالقليل القليل من إضاءات هذا النجم الذي لو قدر وكان موجوداً عندما كان الحزب بحاجة لقيادات تاريخية لوفر علينا بعضاً من العثرات والنكسات.
لم أعرف واحداً ما أحب حسن ريدان ولم يبادله الأمين هذه المحبة.
بالمحبة كان ينفذ إلى القلوب والنفوس فيملؤها معارفاً وقيماً وأخلاقاً.
أجل لو سألني أحدهم أن أضيف كلمة على رسم حسن ريدان ورتبة الأمانة، لقلت أمين الأخلاق حسن ريدان.فالأخلاق والقيم كانت صفات تلقائية عنده ورثها عن السلف الكريم ومزجها مع المدرحية القومية الاجتماعية فوصلتنا تلك الصياغة الفريدة النادرة التي إمتاز بها حسن ريدان واكتسبنا ما استطعنا منها نحن من عاشرنا وعاشرناه وأحبنا وأحببناه
الـشـاعـر سـلـيـمـان نـصـر
كنا نشرنا عن " شاعر النبوغ " نعمان نصر من قلحات (الكورة). شاعر آخر من قلحات لا يقلّ عنه شاعرية وتميزاً، هو الذي اهتمت ابنته الفاضلة نعيمة نصر حنا بحري (أم رشا)(1) بمعاونة عدد من مقدريه، أخصّهم الرفيق سمير سليمان في اصدار ديوانه الشعري عام 2002
فمن هو الشاعر سليمان نصر ؟
تلك النبذة اوردها الرفيق سمير سليمان في مقدمة الديوان، ننشرها بالنص(2)
- ولد " المعلم سليمان " في قلحات – الكورة سنة 1893.
- نعم بطفولة هانئة، سرعان ما كدّر صفوها اغتراب الوالد وطول غيابه، والبحر يومها يأخذ ولا يردّ، ويفكك الاسر ونادراً ما يعيد لحمها! فإذا بابن الخامسة يشبّ عن طفولته قبل أوانه، ليقاسم أمه الهموم ويشاطرها شظف العيش، ويعينها على بلواها، التي لم تقتصر على هجر الزوج، بل تعدته الى فقدان البصر في عين، وشّحة في الثانية..
- تعلم مبادئ القراءة والكتابة في مدرسة القرية المحاذية لبيته، وتابع دراسته المتوسطة في مدرسة البلمند المجاورة لقريته، ثم غزّ السير بعيداً باتجاه " المحيدثة " – أم المدارس الوطنية في ذلك العهد – لينهي تحصيله العلمي وليتخرج بامتياز على يد العلاّمة الكبير الشيخ ابراهيم منذر، متضلّعاً من العربية وآدابها، ومتقناً للفرنسية، وملماً ببقية العلوم والمعارف.. وجدير بالذكر أن الفضل في تعلّمه يعود حصراً إلى " عرابه " وزوج عمّته – المدعو ابراهيم خليل، الذي كفله وقام بأمره في غياب الولّي الأصيل. فكان له من كلا " الابراهيمين " خير معلم وخير كفيل..
- بدأ مساره الطويل في حقل التربية والتعليم (1913-1963) في مدرسة دير البلمند (سنتان)، ومن ثمّ في مدارس الجوار أبرزها على التوالي: مدرسة بترومين (سنتان)، مدرسة " المساواة " في أنفة (غير محدد )، مدرسة " الصفا "(3) في قلحات(سنة يتيمة)، مدرسة الرّوم في طرابلس (1924-...)، ومدرسة عابا (خمس سنوات).. أما المحطة الاخيرة والاطول، فكانت " الكلية الوطنية " في الشويفات (زهاء ثلاثين سنة).
- أما الشعر، فدربه معه أطول، وبداياته فيه أبكر. وإن كان هو يُرجع تلك البدايات إلى الحين الذي " افترت فيه اكمامه وتصدّى العطر لأيامه، وتعرّى الوحي على بابه ورسا الالهام بأهدابه " (من القصيدة التي القاها في حفلة تكريم نسيم نصر في (13 أيار 1965)، نكاد نحن نجزم بأنه نطق بالشعر منذ انطق! ولقد نظمه بسلاسة وببساطة وبعفوية تامة، وأجرى " جداوله الخمرية في أعصاب الدنيا " رقراقة فيّاضة، تغامز الأبصار، وتهامس الأسماع، وتدغدغ المشاعر، وتسحر الالباب .. طرق معظم ابوابه، باستثناء ما كان يأنف منه، كالمدح والهجاء، او يعافه كالنوح والبكاء. ولم ينثر حكمه إلا لماماً! كتب القصيدة القصيرة والقصيدة الفضفاضة، وقارب الرواية كما في " راهبة عبرين "، وهي المطبوعة الوحيدة التي أصدرها في حياته، أما بقية قصائده وادبيّاته، التي تُعدّ بالمئات، فماذا عنها؟ ولماذا لا يضمّ هذا الكتاب سوى النزر اليسير منها ؟! والجواب بكل بساطة: لأنها ضاعت، لا بل ضُيّعت إثر وفاة صاحبها في أواخر تموز 1980، بعد أن كان قد أعدّها للطبع كاملة منقوصة، وقام بعض ذويه بإيداعها إحدى " دور النشر"، في بيروت، من أجل تلك الغاية، غير محتفظين بنسخ عنها، والدنيا يومها قائمة قاعدة، والعاصمة مشطرة ومحاصرة بالرعب والدمار والنار التي أكلت الأخضر واليابس، ودمّرت الحجر والاثر والبشر على مدى رقعة الوطن. ولقد كان في جملة ما أتت عليه الحرائق، تلك المطبعة على حدّ قول صاحبها المعروف منا ومن الكثيرين الذين تابعوا مسلسل ضياع تلك القصائد فصولاً مؤلمة لم تنته حتى تاريخ صدور هذه المجموعة، التي احرقت عملية إعادة لمّها وجمعها منا الأعصاب، واسترفت الجهد الجهيد، واستنفدت الوقت الطويل! ولقد وُفقنا إلى ذلك من خلال ما عثرنا عليه من أوراق مبعثرة هنا وهناك، أو مما تضمنته بعض المجلات القديمة التي كانت تنشر للشاعر أروع المختارات وأرقّها بين الحين والآخر. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: المرأة الجديدة، الأديب، الزهراء، صوت الشباب، وسواها...
علاوة عمّا استقيناه، ولو قليلاً، من مصادر عدد من ذويه وأصدقائه وتلامذته الذين احتفظوا بذلك الإرث الثمين في دفاترهم العتيقة، وأحياناً كثيرة في ذاكرتهم! هؤلاء جميعاً، وكما أسلفت ابنته في كلمة الإهداء، نخصهم بالشكر والتقدير، وندعوهم وسائر القرّاء إلى مائدة المحبة التي يقيمها على شرفهم سليمان نصر، مقدماً لهم أشهى الأطباق وألذّها، ومقلداً عروة كلٍّ منهم وردة جميلة من ورود هذا الديوان الزكية الرائحة والبديعة الألوان..
- وأخيراً نقول: ألا بوركت وخُلِّدت أيها الشاعر والمعلم الذي عاش مغموراً ومات مغموراً، ورحل كما ترحل الفراشات، لا حسّا ولا حسيساً..
ولقد قضى سليمان نصر عن عمر مديد سفحه على دروب العطاء، مشعلاً قناديله في عتمات الناس، وملقياً وروده الجميلة على نوافذهم وشرفاتهم، ومضى " مشرعاً خلفه دمه "، ولسان حاله يقول: "مجّاناً أخذت.. مجاناً أعطيت "، و" الطريق الذي ارتضيت سرت فيه وتممته "!!
*
مقدمة الديوان لمدير مدرسة الشويفات الاستاذ غسان عبد الباقي وفيه أيضاً " شهادة حق" نقلاً عن الراحل ميشال نادر(4)، يقول:
في بداية عهدهما بالتعليم في مدرسة الرّوم في طرابلس، هو وصديقه نسيم نصر، وفي مجلسٍ ضمّهما إلى أستاذ اللغة العربية في المدرسة – الشاعر "الضرير" حنا نقولا سعاده المعروف بالمقدسيّ والملقّب بمعّري أميون – يبادر " نسيم" مضيفهما بالقول: أعرّفك بالشاعر سليمان نصر. فيردّ المقدسي مخاطباً سليمان: هاتِ إذاً وأسمعنا من شعرك، وإذا كان ارتجالاً فأحسن. وكانت إلى جانب الشاعر ابنته الصبية "ميْ " – الدكتورة مي سعاده حالياً – تسمع وتشهد. فارتجل فيها لتوِّه القصيدة التالية:
ألا يـا مـيُّ حـبُّـك فـي فـؤادي سـيـصـحـبنـي إلـى يـوم الـنَّـفـادِ
ويحـرسُ فـي ظـلام القـبر روحـي ويـحـفـظـهـا عـلى رُغـم الـفسـادِ
إذا مـا جـاءَ يـومُ الديِّـن حـقّـاً وبُـوِّق بـالـنّـفـيـر إلـى الـعـبـاد
سـأبـقى دونهـم وحـدي رمـيماً إلـى أن تـنـفُـخـي بُـوقَ الـمـعـادِ
فصفق "المقدسي" طرباً، وقال له: حقَّاً إنك شاعر!
*
المقدمـة
بقلم الاستاذ غسان عبد الباقي (مدير مدرسة الشويفات)
بين الكورة والشويفات مئة شبه وألف عروة وثقى..
بينهما زيتون وصعتر وأنفاس أحبّة
وبينهما علم وشعر وأمجاد ووطنيات ووقفات عز..
طيّبون، مضيافون، مثقفون،
وإني لأكاد أجزم أن سليمان نصر عندما ترك قلحات ليقيم في الشويفات لم يجبهه كدر ولا ساورته غصة. فأنا من أهل البيت ولي فهم عشراء وأصفياء، ومن هؤلاء سليمان نصر.
يأتيك صوته نقياًَ كولادة الفجر، ندياً كزنابق الوادي، أنيساً، رقيقاً، صافياً كأمسيات الصيف فوق روابينا والتلال.
سليمان نصر والقراء على موعد، في هدأة ساعات السحر، أو في العشايا الحانيات شوقاً وحباً وعذوبة.
موعد يأخذك في غفلة من وقع الحياة السريع في مطلع الالفية الثالثة، إلى هناءة وطمأنينة العقود الماضية... حيث في الوقت وفي القلب متّسع للحب، للشوق، للعائلة، للاخوانيات.
في أفياء دوحتيّ الكورة والشويفات تفتحت شاعريته، وعلى دروبهما مشى خطوات عمره مدرّساً وشاعراً... نسج من أحداث الحياة اليوميّة ومن دفء العلاقات الانسانيّة التي قامت بينه وبين طلابه وزملائه قصائد لا تزال تنبض بنعمة المحبة وصدق الانتماء.
من هنا، وحين طلب مني أن أقدّم ديوانه للقرّاء، أحسست أنني على صلة أليفة مع الشاعر سليمان نصر، أكاد أسمع صوته في أرجاء مدرستنا، بل أكاد ألمح إطلالته في كل منعطف .. يحتفل مع طلابها في حفل توديعي:
ونودع جو الكليّة
جوّ الوثبات الفكرّية
دنيا الاحلام الشعريّة
أو ينشد معتزاً بمسيرتها التربوية في عامها السبعين:
أطـلـعت لـلأوطـان جـيـشـاً مـن الأحـرار
مـوطّــد الايـمـان مـنّــور الأفــكــار
تـعـنـو لــه الأقــدار
أو مهنئاً رئيسها حين قُلِّد وساماً:
يا واسع الخدمات ما أعلى مقامك ذا الوسام
الزُّهر تعرف بعض فضلك والشواطيء والغمام
هكذا يشدك الحنين، وتحس أنّك تعرف سليمان نصر.. تشاركه نبض وجدانه، تخطو معه على دروب ألفتها، تناجي من خلال أبياته أحبّاء وأصدقاء همت بهم وأسكنتهم سواد العين..
هذه هي معجزة الشعر، تلك المشاركة الوجدانية التي تمتّد بين الشاعر وقرّائه حين يختصر تجارب العمر، ويصوغ نبضات القلب قصائد أنيقة اللغة، ساحرة البيان..
*
1- عقيلة جميل حنا بحري، والدة كل من الرفيق الراحل رشا بحري (تولى مسؤوليات حزبية عديدة في الوطن وعبر الحدود ومنها منفذ عام ملبورن) الرفيقة سميرة عقيلة الأمين الراحل نبيل سيف (منفذ عام ملبورن، معتمد الحزب في استراليا) الرفيق جورج، والمواطنة فدا نعيم عفيش.
2- قد لا تكون هذه النبذة دقيقة بالكامل، نظراً لتعدد المصادر المستقاة منها.
3- اسّسها الشاعر نعمان نصر في قريته قلحات (1923-1924) وانتهى اجلها بانتهاء أجله في نفس العام.ابن أخت الشاعر سليمان نصر. والد الأمين كمال نادر، الرفيق جان، الرفقاء والأصدقاء طلال، رينيه، نادر وزياد.
أبـنــاء المنفي - للأمين نواف حردان
الرواية للكاتب الاسباني فرناندو كونساليز. احداثها في بلاد الاندلس العام 1546 وما يليه.
عرّبها بتصرف الامين نواف حردان والشرح يرد في المقدمة التالية:
كنت سائراً ذات يوم في أحد شوارع سان باولو اقصد مكتبة كبيرة معروفة، لاشتري منها بعض الكتب التاريخية التي تستهويني.
وفجأة.. رأيت الى يساري على رصيف الشارع رجلاً يعرض في واجهة مفتوحة، كتباً قديمة وجديدة، مكدسة بدون ترتيب. توقفت امامها، ورحت بعد الاستئذان اقلبها واتفحصها باناة ودقة، علّني أجد بينها ما يهمني، الى أن عثرت على كتاب عتيق أستأثر عنوانه العربي باهتمامي، على كونه بورتغالياً. وكان عنوانه: "أبناء المنفي".
أمسكت الكتاب بلهفة، ورحت اقلب صفحاته الصفراء باهتمام وأقرأ بعض سطوره وأحدق برسومه العربية، الى أن تبين لي بأن مؤلفه الكاتب الاسباني الكبير فرناندو كونساليز، كتبه بالاصل بالاسبانية عام 1840 أي منذ 152 عاماً. والنسخة بين يدي كانت بالبورتغالية مترجمة ومطبوعة في ليشبونية عام 1876 أي منذ 116 عاماً.
ادركت بعد نصف ساعة من التقليب والقراءة، ان الكتاب مدهش فعلاً، وأنه رواية تاريخية تقع في مجلدين من اربعة أجزاء و1453 صفحة تروي من وجهة نظر اسبانية قصة الحروب الأخيرة التي دارت بين العرب والاسبان قبل أن يلقي العرب سلاحهم نهائياً بعد خسارتهم اسبانية، وادركت ايضاً باني وجدت نفسي صدفة أمام تحفة ادبية تاريخية نادرة رائعة كبيرة القيمة.. تعادل كنزاً ثميناً.
اشتريت الكتاب بثمن زهيد، وعدت ادراجي الى حيث عكفت على قراءته. وكنت كلما استغرقت بالقراءة، كلما ازداد اعجابي وتضاعفت دهشتي وما ان انتهيت الا وكانت الرغبة بترجمته للعربية قد استولت عليّ، رغبة كبيرة ملحة ضاغطة لا تقاوم.
ولكن قبل ان ابدأ الترجمة، استدعيت أديباً اسبانياً صديقاً لي، كنت اعرف عن ادبه وسعة اطلاعه وعمق ثقافته الشيء الكثير، واطلعته على الكتاب وسألته عن مؤلفه فأظهر استغرابه ودهشته عندما تصفحه وقال بأنه قرأ الكثير من الادب الاسباني ورواياته التاريخية، ولكنه لم يقرأ هذا الكتاب ولم يسمع به ثم طلب مني ان اعيره اياه لمدة اسبوع لكي يقرأه فنزلت عند طلبه.
عاد الي بعد اسبوع وقال لي ان الرواية من اجمل روائع الادب الاسباني ولا شك وأنه بحث ونقّب كثيراً ليعرف سيرة مؤلفه الى ان اكتشف بأنه كان (راهباً) اشتهر بجرأته وصراحته وانتقاداته اللاذعة وحملاته العنيفة على السلطات الاسبانية ومحاكم التفتيش التي اغرقت اسبانية بالطغيان والمظالم البربرية التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً من جهة، وبكونه كاتباً مرهف الحساسية مجنّح القلم، من اكبر وانجح كتّاب الروايات العالمية والكلاسيكية الخالدة من جهة ثانية.
شكرت صديقي الأديب الاسباني وقد ازدادت رغبتي بترجمة الرواية للعربية، عندما علمت ذلك، وبنوع خاص لأنها كانت مكتوبة باسلوب بديع مؤثر أخاذ، وتحتوي معلومات كثيرة مستقاة من مصادر موثوقة لا تزال مجهولة من العدد الكبير منا وتسجل حوادث تاريخية صادقة باسلوب روائي بلغ فيه الكاتب قمة الابداع، وأنصف العرب انصافاً عادلاً شريفاً ودعا الاسبان للتكفير عن الظلم الذي انزلوه بهم والاعتراف بما قدموه لاسبانية من علم وثقافة ومعرفة وحضارة والانحناء أمام ما حققوه واعطوه اعجاباً واحتراماً.
ولأن الرواية أيضاً تنبش، من زوايا التاريخ تفاصيل المقاومة البطولية التي قادها يحيى بن الاحمر، آخر الامراء العرب في اسبانية وتلقي الأضواء على الاسباب التي أدت الى فشله واندحاره وأفول المجد العربي عن الاندلس. ولعل أكثر ما استحث رغبتي بترجمة الكتاب الى العربية كانت تلك النفسية العالية النبيلة النزيهة التي تحت تأثيرها نظر المؤلف الاسباني الى الامور، وبحث وقارن وحلل وخرج بحكمه العادل الشريف على الاحداث، وقال كلمته الكبيرة الحقة للتاريخ ولاسبانية وللعالم.
أكتفي لكي أعطي برهاناً للقارئ على روح المؤلف العالية وتجرده ونزاهته وحكمه العادل على الاحداث، أن اسجل في هذه المقدمة كلمة له جاءت في أحد فصول الكتاب رائعة كبيرة داوية ما تزال ولا شك تقرع ضمير الاسبان وتلامس قلوبهم كما ستنال اعجاب قراء العربية وتزيد شعورهم بالفخر والاعتزاز.
قال المؤلف:
"يشعر المؤلف باشمئزاز كبير من الهول والوحشية اللذين تجسدا في تلك الحقبة المصبوغة بالدماء من تاريخ اسبانية لأن ما سيكتب عنه المؤلف لم يخلقه خياله العاطفي الثائر، بل كان وقائع مخيفة، نتيجة الضغط المخيف من سلطة طاغية أثيمة على العرب".
خلال هذه الحقبة من الزمن، التي دامت 97 عاماً في مملكة غرناطة لم يعامل العرب كبشر، ولكن كأشياء كان يتصرف بها الفاتح المتوحش بحسب ارادته.
كل المظالم التي يمكن أن ترتكب، كل التجاوزات والاعتداءات على كرامة الانسان، كل الاهانات والاضطهادات تعرّض لها العرب في اسبانية.
لم يشاء الفاتح ان يترك لعامل الزمن الفرصة اللازمة لكي تساعد على ان يهضم الاسبان العرب باعتدال وتساهل، بمعونة الدين والشرائع والعادات، لم يحاول أن يخفف عنهم ثقل النير كما كانت تقضي شروط التعامل الشريف وشروط السياسة، ولماذا لا نقول شروط الرحمة؟
منذ البدء، منذ اليوم الاول لفتح غرناطة، بدأ السعي لتدمير العرب.
اسبانية التي افقرها الرهبان، اسبانية المتعصبة العمياء، كانت تجهل تمام الجهل كم هي مدينة للحضارة العربية. فاذا كان لديها صناعة ما في تلك الايام، فهي صناعة العرب. اذا كانت نفسيتها الغوتية القاسية قد ارتقت، فبفضل احتكاكها بهم. واذا كانت زراعتها قد ازدهرت، واذا كانت اراضيها التي كانت قبلاً قفراء بائرة تحولت الى حقول خصبة ترويها أقنية الري، فتلك الاقنية حفرها العرب. اذا كان اطباؤها ومثقفوها يعرفون شيئاً ما، فلانهم شربوا المعرفة من مدارس قرطبة وسلامنكا، أو قرأوا الكتب التي طلعت من تلك المدارس أقباساً من النور.
ان روح الحضارة العربية تغلغلت بعمق في الشعب الاسباني. منها سمع الكاستلياني أصواتاً لا تحصى، ومن قوانينها أخذ عدداً كبيراً من الشرائع. حتى نفس نظامها المالي والاداري استعمله. حتى ألقاب قضاته وألقاب الموظفين الكبار في الدولة.
في الحقبة القليلة التي سيطر فيها العرب على اسبانية، كان رئيس القوات البحرية الاسبانية يدعى أمير البحر (اميرال) والقاضي يدعى (القاضي) والقائد كان رئيس الجند (والوالي) كان المحافظ، (والوكيل) كان موظفاً كبيراً.
عمارات الاسبان، ملبوساتهم، وأسلحتهم تلونت باللون الشرقي الذي كان يميزها عن عمارات وملبوسات وأسلحة الشعوب الاوروبية الأخرى، حتى في طقوس دينهم يوجد تأثير عربي على القداديس الموزارايية. حتى في الوظائف الدينية العربية للرابط والمرابط، تأثرت الوظائف الدينية- السياسية الاسبانية.
ومن أعيادهم العامة تركوا لنا (لعبة السيف والترس) و(سباق الخيل) ومصارعة الثيران.
في الشعر كما في الموسيقى أعطونا ميزاتهم وآلاتهم. الشعر الاسباني الجيد في أيامنا هذه لا يزال يحتفظ بالايقاع الجميل والشكل المقفى المقطع للشعر العربي.
لا نزال نحتفظ بالقيثارة كآلة طرب مفضلة.. والصنوج والطبول كآلات تستعمل في الحروب. شارات وعلامات الشرف، الاعلام التي رفعناها مرات عديدة في الحروب والانتصارات، ليست الاعلام والنسور الرومانية، ولكنها الأعلام ذات الجناحين التي نقلد بها الاعلام العربية التي كانت تخفق في قرطبة وطليطلة وغرناطة.
ولكن لماذا نجهد النفس لكي نبرهن على تأثر حضارتنا بالعادات العربية؟
يكفي أن تطأ قدم غريبة ما الأرض الاسبانية حتى يجد صاحبها آثار ذلك الشعب الذي مر من هنا: الحصن، الكنيسة، المدينة، الحقول، تدل بوضوح في كل اسبانية على الاثر العربي.
اللغة، العادات، الاغاني الشعبية، الاعياد، لا تزال تحفظ حية روح ذلك الشعب الذي مر من هنا كالشهاب، مع طيران الفتح السريع الذي امتد من اليمن حتى جبال البيرنيه، زارعاً في كل مكان آثار مروره التي لا تمحى.
وبدون اي خشية من ان يكذب القول، يمكن التأكيد بان نصف دماء الشعب الاسباني هي عربية.
وبكلمة مختصرة: اذاً كان اجدادنا هم المتحدرون من بيلاجو وتيودورويمو، فأجدادنا هم أيضاً المتحدرون من طارق بن زياد وموسى بن نصير.
أتريدون أن تروا امرأة عربية أصيلة؟ اذهبو الى الاندلس وفالنسيا. اتريدون أن تروا هذه المرأة بكل صفاتها وكل اشعاع جمالها الرائع الاخاذ؟ توغلوا في جبال البوخراس، وسيروا على شواطئنا من حويفلة إلى جبل طارق، وعلى شواطئ البحر المتوسط من جبل طارق الى فالينسيا. اختلطوا بسكانها، تعرفوا على لغتهم ولهجاتهم، ولاحظوا عاداتهم، وادرسوا عواطفهم، عندئذ تتأكدون بانكم ترون بين أولئك السكان، المرأة الشرقية التي أتى بها العرب الى اسبانية.
واصغوا للانشاد الشعري عند ذلك الشعب.
تجدون الخيال العربي بكل حقيقته واتساعه وشموله وكل احاسيسه. شعر حب، شعر ألم، شعر أمل، بأربعة أبيات مقطعة شعر غير مكتوب يرتجله القلب وتنشده السعادة طوراً وطوراً ينشده اليأس وأحياناً يغنيه الشرق العارم.
وتفرجوا على الرقص يرافقه الغناء والقيثارة. لاحظوا التنورة الطويلة التي ترتديها الراقصة بكل طياتها وألوانها الزاهية، والصدرية المشدودة الى قد أهيف، والكتفين المتحركين والصدر البارز والذراعين البضين الشهيين، لاحظوا ذلك المنديل الجميل ذي الالف لون الذي يغطي شعراً أسود كاليل تنحدر جدائله لتلامس وجهاً ضاحكاً أسمر أو أبيض نقياً، ذا عينين سوداوين ترشان نظرات تبرق حباً، وذا شفتين توزعان الابتسامات كي تساعد العينين في معارك الحب الكبير.
حدقوا جيداً بذلك الشاب الذي يرافق الراقصة في رقصها، وبزناره العريض الملون، وسرواله المشدود العريض، وجزمته اللامعة أو حذائه الأبيض. لاحظوا سكينه أو موساه يطل من جيبه الداخلية، واصغوا جيداً الى اصوات الفقاشات وتصفيق الحضور يرافق القيثارة والأغاني والرقص والمشهد الجميل الذي يبدو امامكم وارفعوا عيونكم لتروا فوقكم سماء صافية تغمر ذلك المشهد بأنوار حارة فتتأكدون عندئذ بانكم تشهدون رقصاً عربياً..
ترك ذلك الشعب في الارض الاسبانية جذوراً عميقة، فامتزجت دماء الغالب بدماء المغلوب، حتى أنه لم يبق فرق بينهما سوى كتابين، كتابين متشابهين جداً لا يتعارضان هما القرآن والانجيل.
اذا نزعتم القرآن من ايدي عرب اسبانية واعطيتموهم الانجيل، واذا نزعتم الانجيل من الاسبان واعطيتموهم القرآن، عندئذ لا يبقى أمامكم سوى شعب واحد، شعب ممتاز.
يقول البعض بأن العرب أخذوا كثيراً من اخلاق الاسبان. أما نحن فنقول بأن الاسبان أخذوا من العرب، كل ما تمكنوا من أخذه حتى أنهم صاروا وكأن لا فرق بينهما".
هذا بعض ما قاله الأسباني الكاتب فرناندو دي كونساليز مؤلف هذه الرواية في أحد فصولها: كلمات صادقة حارة كبيرة، نابعة من وجدان كبير، أنصف العرب فيها، كما أنصفهم في سرده لحوادث الرواية، وسلط أضواء ساطعة على وطنيتهم واخلاصهم وشجاعتهم، وتمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم وتشبثهم بايمانهم وتعاليم دينهم، واستبسالهم في الدفاع عن حقهم بالحرية والكرامة والاستقلال والسيادة والمعتقد وممارستهم البطولة، حتى ليكاد يتراءى للبعض أن البطولات العربية التي تصفها الرواية تشبه البطولات الاسطورية. وما هي باسطورية بل واقعية تاريخية القواعد والاسس أضفى عليها قلم الكاتب الكبير تلك المسحة السحرية البديعة التي لونتها بالجمال والشعر والحماس والحب والقوة والفروسية والشهامة والعز وببعض الخيال الرائع أحياناً، وبألف لون ولون من العواطف الانسانية العديدة التي يتصارع فيها الحب الشامل الغامر الناكر الذات الذي لا حدود له، مع الحقد العنيف الجموح الطاغي، والبخل الشديد الحقير، مع العطاء السمح الذي لا يقيس التضحيات، والقومية المدافعة الصامدة المجابهة المتفانية، مع الرغبة النبيلة بالسلامة الشخصية والراحة وانقاذ الذات، والطموح الفولاذي المجنح الذي لا يرتد ولا يلتوي، فيدوس مشاعر النفس النبيلة الشاعرة المتألمة ويسحق نزعاتها الشريفة أحياناً في سبيل بلوغ الأهداف والغايات المرسومة.
لم يكتف المؤلف بذلك بل تغلغل بثاقب نظره وحدة ذكائه الى اغوار النفس العربية فسبرها وخبرها ورسم بريشة الفنان المبدع كبر تلك النفس وعزتها وكبرياءها شموخها وقوة جلد العربي وصبره وقدرته على تحمل الشدائد.. كما اقتلع من اعماق التاريخ الكثير من الاسرار التي كانت مدفونة منسية في زواياه، فأخبرنا مثلاً كيف امتدت ايدي آخر المحاربين العرب (المنفيين) الى العالم الجديد المكتشف عندئذ، أميركا، تنتزع منها الذهب والكنوز وتغذي بها حربهم الاخيرة. وكيف كانت عيون أمير (المنفيين) يحيى بن الاحمر لا تعجز حتى عن النفاذ الى قصر الامبراطور الاسباني عدوه اللدود تراقبه وتحصي عليه الانفاس.
لماذا أخفق العرب في دفاعهم الاخير عن وجودهم في اسبانية؟ تعطي هذه الرواية الجواب التاريخي الاسباني على السؤال. ومن واجب العرب كما من حقهم الاطلاع على هذا الجواب وعلى رأي الاسبان فيهم وفي حضارتهم وفي أسباب فقدانهم اسبانية.
ومن أجل ذلك قررتُ ترجمة هذه الرواية للعربية.ولأنها علاوة على ذلك كما قلت في بدء هذه المقدمة: تحفة ادبية تاريخية رائعة كبيرة القيمة
الأمين الراحل ابراهيم الشمالي
جريدة "النهضة" الصادرة في دمشق أوردت تفاصيل اضافية عن التشييع المذكور، نرى فائدة من تعميمها بالنظر لما كان يتحلى به الأمين الراحل من نضال حزبي وحضور فاعل في متحده.
· كان في وداع الأمين الراحل حشد كبير من المواطنين والقوميين الاجتماعيين من بينهم الأمناء: معين عرنوق، فايز شهرستان، أنطون أسبر، سهيل رستم، ميشال معطي، سميح ديب، ميخائيل معطي، نجيب حنا، جمال القحط، ومنفذ عام صافيتا الرفيق وائل يازجي ومنفذ عام دمشق الرفيق سمير حجار.
· أدت مجموعة من القوميين الاجتماعيين تحية الوداع للأمين الراحل على مدخل بيته.
· تقبّل التعازي الى جانب أفراد العائلة الأمين أنطون إسبر عضو المجلس الاعلى ومنفذ عام صافيتا الرفيق وائل يازجي، حيث كان قد نعي الأمين الراحل بإسم الحزب والعائلة معاً.
· بعد الدفن حضر الأمين عصام المحايري من دمشق وقدم التعازي لأفراد العائلة.
نبذة عن الأمين الراحل ابراهيم الشمالي:
ولد الأمين ابراهيم الشمالي في قرية اليازدية-صافيتا عام 1931. انتمى الى الحزب في أواخر الاربعينيات، أسس مديرية للحزب في قريته وقادها قبل ان ينتقل الى حلب للتدريس في المدرسة الانجيلية بحلب.
تخرج من كلية الحقوق في دمشق، وسافر الى بيروت بعد أحداث 1955 في الشام، حيث تسلّم هناك مسؤولية ناظر تدريب منفذية بيروت.
في أواسط السبعينيات سافر الى الخليج وبقي نحو 30 عاماً وحقق بعض النجاح، الذي لم يبخل بنتائجه على الحزب والمجتمع عند أول إشارة تعطى له محلياً أو مركزياً، من أهم إنجازاته في هذا المجال إنشاء وتجهيز مستوصف كامل لقريته والقرى المجاورة وسيارة اسعاف كاملة التجهيز ايضاً.
**
عن المستوصف، أورد الأمين ابراهيم الشمالي قصة تبرعه ببنائه ضمن كتيب حمل اسم "خواطر"، موضحاً انه كتب، رداً على الرسالة التي كانت جاءته من صديقه ميشال ايوب موسى، يفيده فيها " انه على استعداد لتغطية كلفة البناء وثمن التجهيزات الكاملة بالاضافة الى سيارة اسعاف من آخر طراز، شريطة أن يسمى المستوصف بإسم الدكتور شاكر طعمة الشمالي(1) فنقل هذه الرغبة الى ذوي الشأن وتم الاتفاق على أن يسمى المستوصف بإسم مستوصف اليازدية وأن يعلق على جانب المدخل لوحة رخامية مكتوب عليها (شُيّدَ وجُهِزَ هذا المستوصف على نفقة ابراهيم سليمان الشمالي احياء لذكرى الدكتور شاكر طعمة الشمالي)... وهكذا انطلق مشروع المستوصف حيث أنجز البناء وتم توريد التجهيزات في آب 1998 وتم الافتتاح الرسمي بتاريخ 06 تشرين الأول من العام نفسه ولم أحضر الافتتاح لأنني كنت في أبو ظبي.
من جميل المصادفات ان يجري هذا الافتتاح في الذكرى الـ 22 لوفاة والدي بتاريخ 06 تشرين الاول 1966.
وبتاريخ 05/03/1999 وصلت سيارة الاسعاف الى المنطقة الحرة في طرطوس وفي داخلها 17 صندوقاً مليئاً بالاجهزة واللوازم الطبية الحديثة جداً ".
(1)ابن عم الأمين ابراهيم. ولد في اليازدية عام 1904 وتوفي في الولايات المتحدة الاميركية عام 1976. لم يرزق بصبي يحمل اسمه، لذلك اقترح الأمين الشمالي ان يسمى المستوصف بإسمه.
الـرفـيـق الشـاعـر ســعـيـد صــعـب
الرفيق سعيد صعب الذي كان رحل جسدياً منذ سنوات، كان له حضوره يوم السبت 5 كانون أول في بلدة الشويفات حيث التقى رفقاؤه وعارفوه واهله في حفل اصداره ديوان "آلام الغربة" الذي عملت رفيقة حياته، الرفيقة مهى على جمع قصائده والاهتمام بطبعه.
الحفل الذي دعا اليه "أصدقاء ورفقاء الشاعر الرفيق سعيد طعان صعب" بالاشتراك مع "دار فكر للابحاث والنشر" تكلم فيه كل من الامينين الجزيلي الاحترام فرحان حيدر وغالب نور الدين، وكانت قراءات من شعر الرفيق سعيد، للرفيق علاء صعب، أما كلمة العائلة فألقتها عقيلته الفاضلة الرفيقة مهى صعب التي زودتنا بالنبذة التالية عنه.
ولد الرفيق سعيد طعان صعب في بيت قومي اجتماعي في 13 آذار العام 1913. والداه: طعان قاسم صعب ولطفة صعب، شقيقاه الأمين نجيب طعان صعب والرفيق الشاعر رضا صعب، وشقيقتاه دعد ونبيهة.
كان يقيم في منزل والده الذي كان ملجأ للرفقاء في الايام التي كان العمل الحزبي سرياً ولما صار الحزب مطارداً من قبل الدولة، لم يكن الرفيق سعيد قد التحق في صفوف الحزب بعد، فكان يقوم بمهام صلة الوصل بين القوميين وعائلاتهم.
كان يعمل في مطبعة لصف الأحرف للجرائد في بيروت وسافر الى فنزويلا عام 1950 عندما سنحت له الفرصة تحت وطأة ظروف حياتية قاسية. وصل الرفيق سعيد الى بلدة كابيماس في ولاية سوليا التي تبعد ساعة عن مراكيبو عاصمة الولاية حيث كان ينتقل عن طريق البحر في ما يعرف بـ أل "Ferry".
كتب الشعر وهو في السادسة عشرة من عمره. أول قصيدة له حملت عنوان "هكذا اعبد ربي"
عاد الى الوطن عام 1959 وتزوج من الرفيقة مهى فؤاد صعب في شهر تشرين الثاني ورزقا بخمسة أولاد هم: سمر ويسرى ووليد وفيصل وعمر الذي توفي وهو في الخامسة والعشرين من عمره. مركزه النهائي مع عائلته كان في بتشاكيرو حيث استقر فيها إلى آخر يوم من حياته.
أقسم اليمين في فنزويلا ومارس نشاطاته الحزبية دون كلل ودون تردد من العام 1959 حتى يوم مماته. أعتقد أنه حمل مسؤولية مدير، لم يُضع هو أو شقيقه الرفيق رضا صعب أي مناسبة من المناسبات الحزبية إلا وساهما فيها عبر قصائدهما. كان يلقب بشاعر النهضة في فنزويلا. تميز بذاكرة قوية حيث لم يحتج مرة للاستعانة بورقة أثناء إلقاء قصائده، وكان لحضوره اثره الفعال في تلبية المواطنين للمناسبات الحزبية. توفي وهو في الواحدة والتسعين من عمره.
*
"آلام الغربة"، 226 صفحة من الحجم الوسط صادر عن دار فكر للابحاث والنشر، قدم له الأمين الجزيل الاحترام جبران عريجي.
من قصائد الديوان:
حـلـمٌ يـراودنـي بـأن بـلادنـا سـتـعـود لـلـخـيـرات لـلأنـعـام
ويـعـود أهـلي لـلصـفاء وللـبقا ويـعـود حـلـو الـعـيـش لـلأيـتـام
*
الـى ســعـاده
قـلـبي يحـدّثـني بـأن زعـيـمنـا بـاقٍ بـرغـم الـمـوت والإعــدام
يـهـدي يـعـلم كل من طلب الهـدى ويـقـول لـلـحـكـام يـا ظـلامي
أنـا رغـم حـكـمكم أعيش وها أنـا فـي كـل فـجـرٍ مـشـرقٍ بـسّـام
أول آذار 1988
***
إلـى الــشـهـداء
إلى وجـدي الصـايـغ
خُـذْ مـن عـيوني ومن قلـبي ومن كبدي شـعراً يُـجـسـدُ إيـمـاني ومـعـتـقدي
والشـعر إن لم تـكـن لـلـعـز وقـفته مـن عالم الشـعر يا وجـدي نفـضت يــدي
يـا "صـائـغـاً" حـوّل الايمان (قـنبلةً) وفـجّـر المـوت فـي مـن فـجـروا بـلدي
أعـطـيـت أمـتـك العـظمى وديـعتها أعـطـيـت أمّـك فـخـر الأم بــالـولـد
ألـبسـت غـابـة "شـارون" قـلادتـها وغـابــة الأُسْـدِ تـبـقـى غـابـة الأسـد
*
روحـي تـرفّ عـلـى شـارون تحسدُها مـا أشـرف الجسـد المحـمـود "يـا جسـدي"
كـم كـنـت أوثـرُ لـو أني قضيت غداً عـن كـل مـلـتـزمٍ بـالحـزب مـعـتـقد
روحـي تـحـاول أن تـوفي بمـا وعدت لـكـنـما الـعـجز "يـاحزباه" في جـسـدي
يا صـانع المجـد والأمـجـاد شـيمتـنا لك الـتـحيات مـن روحـي ومـن كـبـدي
ذكـراك تـبـقى لـنـحيـيها ممارسـة وأنـت بـاقٍ بـرغـم الـمـوت لــلأبــدِ
18/04/1985
إلى ابتســام حـرب
بــلاد لا تُــذلُ ولا تــضـام لهـا فـي عـيـن خـالـقـها مـقامُ
لهـا الـنصر الأكـيد وقد تسـامت الـى الـعـلـيـا وعـززها الحسـامُ
إذا ابتسـمت لهـا الدنـيا ابتسـمنا فـإن الـعـز نـصـرٌ وإبـتـسـامُ
***
إلى سـناء مـحيـدلي
بـلادي فـي ربـاهـا وفـي علاها ضـيـاءً لا يـغـيـب ولا يضـاهى
تـعمـلقت الجـبـال إلـى الأعالي ورفـرف فـوق قـمتـها لـواهـا
وقـالـت للسـمـاء وبـاعـتزاز وأسـمـعت الـنجوم ومـن وراهـا
لـكـم فـي أفـق جنـتكم ضياءٌ ونهـضـتنا ضـيا الـدنـيا سـنـاها
12/07/1986
***
إلى الشـهيد ميشـال الـديـك
يـا أمـتـي صوت إيماني يـناديـكِ أيـن المـحـبةُ تبـنيـك وتُعلـيك
أيـن الكرامات حد السـيف يحـفظها لا تطـلب الـعـزّ من قـوم صعاليك
الـعـزّ أنشـودة الأبـطـال لـحَّـنهـا صـوت الـشـهيد عـلى قيـثارة الديك
جنـاح بيـروت مـا أسـمو جنـاحـي ارتـقوا وابنـوا عـلى الفـرقد جناحي
رد الـديـك لـعـيـونـك جـنـاحـي جـنـاح الـنـسـر يـسـطي عالغراب
1952
جناح بيروت: مكان إعدام الزعيم.الديك: الشهيد ميشال الديك.
الـرفـيـق الـشـاعـر رضـا طـعـان صـعـب
ديوانه " صلاة الخرطوش" أصدره بعد عودته الى الوطن عام 1979 وكتب مقدمته الأمين عبدالله قبرصي، وفيه اضاءة وافية عن الرفيق الراحل رضا، شاعريةً والتزاماً قومياً إجتماعياً.
رضا صعب الشاعر القومي العائد
عاد اخيراً الى الوطن بعد غياب عشرين عاماً ونيّف الشاعر القومي الاجتماعي رضا صعب (الشويفات)، فاحتضنه الوطن كما تحتضن الأم الرؤوم ابناءها العائدين من غيبة طويلة. لعل في هذا الاحتضان بعض الوفاء للشاعر الذي اغترب دون ان تغترب بلاده عن قلبه ولا عن خياله ولا عن شعره الرقيق.
لقد حرّضته يوم كنا كلانا مغتربين في فنزويلا المضيافة، وكنت قد سمعت قصائده، ان ينشرها بأي ثمن فهي عصارة أشواقه وإيمانه معاً. وها أن امنيتي تتحقق على خطين: تنشر المجموعة أولاً وأقدمها انا الى القراء ثانياً.
لقد سبق وكتبت مقدمة لمجموعة الشاعر المهجري بولس الدويهي وأسمها " شهر ورد" كما قدمت للشاعر الرفيق رفعت سليم ديوانه "بندقية شاعر". وهذه المقدمة الثالثة. صحيح أني لست مختصاً بالشعر الشعبي فقط ، فقد قدمت أيضاً لديوان أحد كبار شعراء النهضة كمال خير بك في باكورته " البركان " كما قدمت لديوان معلمي نعمان نصر، وقد توفي منذ ما يقارب النصف جيل تاركاً لنا " شقائق النعمان ".
إلا أن إيماني بالشعب حملني دائماً ان اطرب واصفق للشعر المكتوب بلغته، اقتناعاً مني أن للشعر فعل السحر في المشاعر والضمائر، وان الشاعر الشعبي مركز اشعاع اعلامي، وانه من اقوى المحرضين، متى آمن والتهب، على الثورة في سبيل التغيير والتقدم.
وكنت اتصور ان السنين التي احملها على منكبي أضعفت في نفسي الحماس الثوري وأن شجرتي أدركها الجفاف أو اليباس، فإذا بي وأيماني بالقضية القومية الاجتماعية يتصاعد بلا حدود، وبفعل هذا الايمان، اشعر وكأن شبابي ما رحل ولا استضعف، وأن كياني لا يزال يغلي. من هنا تجاوبي المطلق مع قصائد الشاعر رضا صعب، الذي ينطلق من عنوانين معبرين كل التعبير عن شعره القومي: الشاعر الناري وصلاة الخرطوش.
إن هذه القصائد هي بالفعل- في مجملها- نار ورصاص وصواريخ... يذوب فيها كما في قوله:
وهـيـكـي حـيـاة الـشـاعـر الـنـاري مـع كـل بـيت بـينـظـمـو بـيـذوب
ولـولا الـلـهـيـب مـا ذابـت الـشـمـعـة
وبعد فالطابع العام لكل هذا الكتاب هو الطابع القومي، حتى عندما يتغنى بالحب، والفدائيين والشام وفلسطين... ففي كل صفحة نبرة أو نبضة أو نفس قومي. ومن مثلنا العليا، من عقيدتنا، من نضالنا المستميت، يستلهم رضا صعب ابياته واناشيده.
اسمعه يتغزل بالحبيبة، فتتصور أنها احدى عرائسه من لحم ودم، فاذا هي سوريا:
محـبـوبـتي وبالكـون محبـوبـات متـشـابهـه ومتخـالـفه الهـيـآت
لـكـن بـشـكـلا يـنـوجـد هـيـهـات
محـبـوبتي أرقى مـن كـل محبـوبه لـكـنها غـرقى والحـق مسـلوبـه
وقلـبي انكنـو داب هـالـدوبـه عـالـســفـيـنـة قـد مـا دور
سـوريـة الغـرقى ببحـر مـواج سـفـينة خـلاصك شـقت الامواج
المآل اذن والمعاد والأمل والاصلاح والاشواق هي سورية. محور التصور ومدار الخيال ومنبع الوحي والالهام. لا حب فوق حبها ولا غرام أغلى من الغرام بها. وطريق خلاصها في الحزب السوري القومي الاجتماعي " السفينة التي شقت الامواج "...
إن الايمان بالحزب هو الصوت الهادر في أعماق كل منا، وأعماق كل شاعر من شعرائنا. وما سعاده، المؤسس والزعيم إلا التجسيد الحي للحزب، فكأنما هو الحزب من لحم ودم وفكر ومناقب.
لنسمع رضا صعب يغني "الخميرة " فإذا به ينطلق من سعاده ليعود اليه.
سـفـك دمـو فـدى الـغـايـه الـكـبـيـري
ســعـاده جــن فـي الـمــده الاخـيـري
قـلـت يــا نـاس هـذا الـقـول فـاســخ
حـاجـة تـجـادلـوا بـحـجـه قـصـيـري
مــا بـيـطـلـع خـبــز طـيـب ورافـخ
بـلا مـا تـذوب بـالـعـجـنـة الخـمـيـري
اذن القوت الدائم لرضا صعب وشعره هو القضية القومية ومؤسسها سعاده, ومن قُوته الدائم يبدع ديوانه فنأخذ من معجنه
" الخبز الطيب والرافخ ". ليس في هذه المجموعة، فوق السطور أو تحتها إلا الحزب فإذا لم يجدوه باسمه، يجدوا ثماره وتعاليمه ومبادءه وممارساته، أو يجدوه في الفدائيين أو حرب التحرير أو اللاجئين أو صلاة الخرطوشة (قصيدته للمطران الثائر البطل ايلاريون كبوجي، مطران القدس في المنفى).
لنقرأ، هكذا دون انتقاء ولا اختيار- فالمجموعة كرمة كل عنقود فيها طيب- لنقرأ موطن العز.
يـا مـوطـن الـعـز يـا فـردوســنـا المـعـبـود
مـيـن قـال مـيـن قـال انـك ضـايـع ومـفـقـود
بـالـدم بـالـروح بــالـنـيــران بـالـبــارود
مـنـسـتـرجـع الحـق، ومـنـحـفظ وطـن وحـدود
العز اذن بأن نسترجع الحق ونحمي الوطن، واسترجاع الحق وحماية الوطن لا تكون بالاستسلام، كما استسلم السادات في سبيل سلم الخيانة، بل بالدماء والأرواح. انه نداء النهضة، نداء القضية، نداء سعاده، نداء أحرار الأمة، وأحرار العرب واحرار العالم، يعبر عنه الشاعر ببساطة وصفاء. ليس بالكلام ولا بالاستسلام تسترد الحقوق وتحمى الحدود، بل ببذل المهج والأرواح، بالعطاء الاسمى، عطاء الدم بلا حساب. ما كان الحق حجراً ملقى على الطريق (كما قال سعاده في دده الكورة في 16 ايلول 1948) انه في فك الظالمين والغاصبين، أنه في قلب الحيتان والكواسر. لا يمكن انتزاعه إلا بالدم، بالقوة وحدها يسترد الحق وتحمى الحدود والسيادة.
لا تعني البساطة والصفاء في شعر رضا صعب، أنه لا يتصدى للمواضيع الصعبة، لنستمع اليه في الفدائيين واللاجئين ويا شام وشجرة النور وتحيات الى الرفقاء عبر البحار، ولنستمع اليه كيف يقارع الجهل والجهلة.
لـكـن اذا الجـاهـل عـلـى غـيـو ظـل، شـو هـم الـقـمـر عـيـو
الـبـدر بـدر ومــا خـلـق زيــو وان طـل يمـا غـاب بلـيل او بنهـار
مشـعشـع ولـهَّاب وسـاطـع الانـوار بالـقـلـب بـالـروح بـالافـكـار
يـتـابـع حـيـاة وسـنـة الـتـكـويـن
أجل في هذا البيت عمق. ان القمر هنا رمز الحقيقة. فاذا انكرها الناس أو اعترفوا بها تظل هي هي لأنها نابعة من منطق الوجود، بل من منطق المعرفة. اقرارها أو انكارها سيان طالما هي كائنة. القادرون على كشفها والمصارعون من اجلها هم الرابحون، انهم رأوا القمر، فما همّهم أن غاب. انه يظل مشرقاً في عقولهم ونضالهم. بالعقل المصارع تغير وجه التاريخ، لا بالانكار المجاني أو الاقرار المجاني، بالعقل المصارع المنتصر في صميم الشعب، انتصر الحق...
والحب والغزل والحلوات، اليس لها اثر في ديوان صلاة الخرطوش؟ بلى. لأن لا شاعر بلا حب ولا حب بلا شاعر. كل حب فيه شعر، وكل حبيب وحبيبة قصيدة. الشاعر وحده يضفي على الحب وعرائسه الوانه وانغامه، فاذا هن الساحرات الخالدات. صحيح أن الحلوات يملأن الارض، ولكن الشعر وحده يرفعهن من السفوح الى القمم، فمن حصى براقة على الدروب، يصبحن لالئ في أعناق الجبال والجمال.
لنقرأ رضا صعب يتغزل بحبيبته:
وسـاعـه بـعـصـر قـلـبي خمـور وعـا عـونـك بـعـمـل جـولـه
وبـسـكـب شـعر وبسـقي شـعور وبـيـحـي الـشـارب والسـاقـي
والعاطفة المتأججة البالغة حدود الهيام بهذه النهضة العظيمة، تعود فتثور وتتألق وتشتعل عند استقبال الأمينة الاولى زوجة سعاده، بعد خروجها من السجن، وقد مرت في فنزويلا شرقاً وغرباً، وكان لي شرف مرافقتها، فأقيمت لها حفلة في مركيبو- عاصمة فنزويلا الثانية، فاذا برضا صعب يخاطبها باسم القوميين، فيما كانت توزع بركتها وحنوها عليهم وذلك في شهر ايلول 1967:
يـا أخـلـص مـؤمـنة وأول أمـيـنه وإحـدى جـواهـر سـعـادي الـثـمينـة
تـسـع سـنـين ضـليتك سـجـينه وتـسـع مـعـارك بـاسـمـك ربـحـنا
سـعـاده بـالـقـلـوب وبـالمـآقي وبـالافـكـار لـيـل نـهــار بـاقــي
سـعـاده بـزوجـتـو جـينا نـلاقي وجـايـي زوجـتو تـشـوفـو بـنـحنـا
وليس أفضل من أن نختم هذه المقدمة بآية من آيات رضا صعب وهي آية قومية اجتماعية صاخبة اذ يقول:
سـاعـة مـا قـلـب الـوطن بـيـصـيـر كـلـو جـراح
أفـضـل صـلا بـيـنـسـمـع مـن تـم خـرطـوشــه
(من قصيدة في لقاء المطران كبوجي)
لو ان رضا صعب يطل الآن شاعراً لكنت ادعو بأن تدق له البشائر ولكنه من زمان ينظم وينشر، فاذا لم ندق له البشائر عند ميلاده، فلندقها بولادة هذا الديوان... ولنقرأه في هذا الزمن الرديء لنتحول الى نار وخرطوش، لأن لغة الحرب وحدها تفضي الى اقامة مملكة السلم والسلام. سلام الاقوياء هو السلام. سلام الضعفاء هو الاستسلام.
19/04/1979
عبد الله قبرصي
***
من قصائده
الاهدَاء
سـألـنـي لـيـش هالـمسـلـك سـلـكـتـو؟
وفـكـر الـقـارئ مـشـوشـر تـركـتـو؟
جـمـعـت كـتـاب يـا أصـدق صـحــابـي
ومـا هـديـتـو تـا تـتـبـحـبح بـركتـو
ابـتـسـمـت وقـلـت لا تـغـالي بـعـتـابـي
ولا تـسـبّـق عـلـى شـعـري ومـلـكتـو
تـأنـى وخــود عــالــرايــق جــوابــي
انـا هـالـدهـر عـاركـنـي وعـركـتــو
وبـحـب الــواجــب مــذوّب شــبـابـي
وبـفـكـري كـل وجـدانـي شــبـكـتـو
وبــلادي لأجــلـهــا حــامـل عـذابـي
وروحـي بـحـبـهـا جـوهـر ســبـكـتـو
ولأرقـى مـؤسـسـه بـفـضـل انـتـسـابـي
غــزوت الـشـمـس والـبـدر امـتـلـكـتو
ومـشـيّــت الـكـواكــب عــاجـنـابـي
وظــلام الـلـيـل بـمـغـارة حـشـكـتـو
وعـمـمـت الـرســالـي بــاغـتــرابـي
ودم الـتـهـويـد والـعـزلـي ســفـتـكـو
وصـــار الـمـنـبـر يـعـن بـغـيـابــي
اذا جـمـعـه عــلى جـمـعــه تـركـتـو
وبـكــرا عـنــد مـا اطـبـع كـتـابــي
قـبـل مـا جـلـدو بـيـكــرج لـحـالـو
مـشـرّع بـاط لـســعـادي وحـركـتـو
02/02/1979
***
زعـيـمـي
زعـيـمــي مـنـقــذ بــلادي ورجـاهـا
وامـلـهــا فـي مـلـمـتـهـا وشــقـاهـا
أمـلهـا بكـل نكـبـي وكل ضيـقة ضـيـقـة
وحـارســـهـا ورافــع مـســـتـواهــا
أمـلـهـا بـكـل نـكـبـي وكـل ضـيـقـة
وحـارســـهـا عــلـى مـر الـلــيـالـي
هـدم فـيـهـا الابـاطـيـل الـعـتـيـقــة
وابــنـي صـروح عـا بـراج الـمـعــالــي
وعـلـيـهـا أشـرق بـنـور الـحـقـيـقـه
وبــرز فــي جـوهـا بــروز الـغــزالــي
ونـشـلـهـا بـعـد مـا كـانـت غـريـقـه
تتـخـبــط بـلـجـــه مــن دمــاهــا
زعـيـمـي مـطـلـع الـفـجـر ومـطـلـو
ومــبـعـث كـل نــور وكــل هــلــي
عـمـر بـلادنـا الـمـاضـي اســتـهـلـو
بـعـمـر جـديــد خـالـي كــل عـلــي
وجــعلـنـا مـثـل مـا الغـيـر اسـتـقـلوا
بــالافـكـــار امــي مـســتـقـلــي
وبـاسـتـعـداد حـتــى اللـي اسـتـحـلـوا
دمـاهــا نـزتـهـم خــارج حـمــاهــا
زعـيـمـي زهـرة الـعــمـر الـرطـيـبــي
وروح التضـحـيي وقـلــب الـحـمـيــي
ظـهـر فـي بـلاد حـالـتـهـا عـصـيـبــي
الاشــعـة مـن ربــاهـا مـنـطـفـيـــي
ورآهـا بـحـالـة الـثـكـلـى الـكـئـيـبـي
وبـاحـلاك الـديــاجــي مـخـتـفــيـي
سـحــب أنـوار مــن روح الـشــبـيـبـي
وشـكشكـهـا كـواكـب فـي ســمـاهــا
زعـيـمـي كـتـلــة نـبــوغ ومـواهــب
اول مــرســـل ســيــاســي أتـانــا
ولا بـمــذهـب مـذاهــب يــوم ذاهــب
حـتــى نــقـول خـاتــم انـبـيـانــا
نـبـي الــديــن بــالاحــقــاد لاهــب
قـلـب بــلادنــا حــتــى كــوانــا
ونـبـيـنـا بـالـدنـي مــوحـد مـذاهــب
بـمـذهـب ســوريــه لـكـل ســـوري وفـداه بـدمـنـا نـضـحـي وفـداهـا
قصــة تمثــال الدكتور خليـل ســعاده
كل من يمر في ضهور الشوير متوجهاً الى نصب سعاده، الى العرزال، والى مشروع دار سعاده الثقافي الاجتماعي، لا بد أن يلفته تمثالاً وسط ساحة وحديقة.
البعض يعرف أن التمثال هو للدكتور خليل سعاده، انما لا يعرف شيئاً عنه ولا عن ناحت التمثال، وقصته. أما معظم المارين، فهم لا يعرفون أن التمثال هو لوالد زعيم الحزب، الدكتور خليل سعاده.
قصة تمثال الدكتور خليل سعاده يرويها الأمين لبيب ناصيف.
***
قصة كتاب "الرابطة"
وتمثال الكتور خليل سعاده في ضهور الشوير
يشرح الأديب والروائي الأمين نواف حردان أن تأثره بالدكتور خليل سعاده كان قد بدأ عندما كان الأمين نواف ما زال على مقاعد المدرسة، وكان يرسل اليه احد اقربائه في البرازيل بعض الصحف الصادرة في المهجر، وبينها جريدة "الرابطة" التي كانت تصدرها جمعية الرابطة الوطنية السورية في سان باولو ويرأس تحريرها الدكتور خليل سعاده.
وسافر الأديب حردان الى البرازيل عام 1953، وهناك صدف ان قرأ في عدد قديم من جريدة "الرابطة" كان يحتفظ به قريب له، ان الدكتور خليل سعاده توفي عام 1934 وان الرابطة السورية أقامت له مأتماً كبيراً جداً، ثم أقامت احتفالاً آخر بعد مرور اربعين يوماً على وفاته، أعلنت فيه انها ستنشر آثار الدكتور خليل الفكرية والأدبية والسياسية في سلسلة كتب تصدر تباعاً، تخليداً لذكراه وتقديراً لتلك الآثار القيمة.
الا ان الرابطة التي كانت اعلنت ذلك، تراجعت لاحقاً عن تعهدها واخلفت بوعدها الذي قطعته على نفسها.
وراحت الايام تدور، والفكرة في ذهن الاديب الامين نواف حردان وتصميمه، الى ان امكن له بعد سنوات عديدة ان يستقر في سان باولو وان يعطي من اهتمامه اكثر للقراءة والمطالعة، وللكتابة، فكان ان اصدر عام 1970 كتابه "اضواء وحقائق" الذي يفضح فيه اباطيل اليهود، وفي العام 1972 اصدر روايته التاريخية الرائعة "حفيد النسور"، التي ترجمت لاحقاً الى البرتغالية واصدرتها "دار اديكون".
وفي هذه الاثناء اتصل الامين نواف حردان باحد اصدقاء الدكتور خليل سعاده القدامى، الذي ما زال وفياً لذكراه، السيد غطاس خوري(1) والذي كان تولى مسؤولية امين صندوق الرابطة الوطنية السورية. فاهتم بالامر، ونتج عن ذلك تأليف لجنة من هؤلاء الاصدقاء اعضاء الرابطة قديماً تدعى "لجنة طبع آثار الدكتور خليل سعاده" تقوم بطبع آثاره الادبية والفكرية. بدوره راح الامين حردان يبحث عن آثار الدكتور خليل سعاده، الضائعة والمبعثرة هنا وهناك، المخبأة في صناديق عتيقة بين اوراق شبه بالية، إلى أن عثر على مجموعة مجلة "المجلة" التي اصدرها الدكتور خليل في سان باولو في الفترة 1923-1925، وعلى مجموعة "المجلة" التي اصدرها الزعيم فيما بعد في بيروت عام 1933، وعلى عدد من مقالات الدكتور خليل في جريدة "الرابطة" التي تولى تحريرها من العام 1930 حتى وفاته عام 1934.
اثر ذلك طلب الأمين نواف حردان من السيد غطاس خوري ان يجمع من اعضاء "لجنة طبع آثار الدكتور سعاده" بعض التبرعات لنفقات طبع كتاب يضم مقالات للعلامة الدكتور خليل، بعد أن كان اختار مما عثر عليه منها، ثم كتب مقدمة الكتاب باسم "الرابطة" واشرف على تصحيحه واخراجه الى ان صدر.
وفي 30/01/1972 اصدرت "لجنة طبع آثار الدكتور خليل سعاده" كراساً صغيراً تعلن فيه صدور كتاب "الرابطة" وتطلب الى الاصدقاء الذين يرغبون في اقتناء نسخة من الكتاب الاتصال بامين صندوق اللجنة الاول، السيد غطاس خوري، أو بأمين صندوق اللجنة الثاني الشاعر فارس بطرس.(2)
تلك كانت بداية الاهتمام بآثار الدكتور خليل سعاده، التي تابعها بعد ذلك اكثر من اديب وكاتب، منهم الصحافي الكاتب الرفيق بدر الحاج، الاديب الرفيق جان داية وغيرهما.
***
اما عن تمثال الدكتور خيل سعاده الذي تمّ صنعه في البرازيل، وشحن الى لبنان، ثم أقيم الاحتفال بازاحة الستار عنه في 13 ايلول 1981، فقصته يرويها الفنان الرفيق عارف ابو لطيف(3)
يقول: في العام 1969 تعرفت الى الامين نواف حردان في مدينة غويانيا عاصمة ولاية غوياس في البرازيل، وعرف اني ادرس الفن والنحت، فشجعني قائلاً ان الفن ارقى درجات الثقافة في التاريخ.
بعد اشهر على لقائنا الاول، كتب لي طالباً حضوري الى مدينة سان باولو على عنوان تبين لاحقاً انه عنوان مكتب السيد غطاس خوري. لبيت الدعوة، وكان الامين نواف ينتظرني ومعه السيد غطاس خوري، وهو كان واستمر صديقاً مخلصاً وفياً للدكتور خليل سعاده. فاجأني الامين نواف عن سبب الدعوة وهي أن أقوم بصنع تمثال للدكتور خليل. ترددت متهيباً المشروع. الا ان الأمين نواف شجعني معيداً على مسمعي ما قاله الزعيم الخالد: "ان فيكم قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ".
انصرفت الى عملي لمدة ستة اشهر، وكنت اثناء ذلك اطالع كتاب "الرابطة" فتأثرت كثيراً بحياة الدكتور العلامة، وبمقالاته.
اتصلت بالأمين نواف، بعد أنْ كنت انجزت نحت التمثال، وقبل ان اصبه بمادة البرونز. فتوجه الى غويانيا مع السيد غطاس خوري وحلاّ ضيفين كريمين في منزل الاب الرفيق ميشال خوري راعي الكنيسة الارثوذكسية في غويانيا ومؤسس مدرسة مار نقولا. في اليوم الثاني لوصولهما توجهنا الى مكان التمثال في "فندوري دي غوياس" واذكر أن السيد غطاس خوري بكى عند رؤيته التمثال واستعاد حنينه الى صديقه الدكتور خليل.
هذا وقد نشرت مجلة "بلادي" الصادرة في سان باولو لصاحبها الاستاذ عمر نشابي ريبورتاجاً مصوراً عن الزيارة "اشادت فيه بدور النحات المبدع عارف ابو لطيف وبالاهتمام الذي يقوم به الاب ميشال خوري لجهة التمثال، كما لتأسيسه المدرسة التي تضم 300 تلميذاً، ويسعى الاب ميشال لادخال الصفوف الثانوية اليها، ومن المنتظر ان تتحول الى كلية جامعة تدرّس اللغة العربية الى جانب البرامج البرازيلية، وأيضاً لدوره الوطني في غويانيا "حيث حصل على ثقة مواطنينا جميعهم على اختلاف مذاهبهم فهو خوري المسلمين والدروز والمسيحيين في وقت واحد".
في 14 تموز 1973 وصل الفنان الرفيق عارف ابو لطيف الى الوطن حاملاً معه رسائل من اللجنة ومن الأمين نواف حردان وقام باتصالات مع عديدين نذكر منهم الامين وديع الياس مجاعص والسادة فيليب قيامة، جورج مجاعص، المحامي فؤاد غصن الى ان كان لقاؤه في 21 تموز مع رئيس بلدية ضهور الشوير الدكتور جبرائيل صوايا. ثم جرى البحث عن المكان الافضل لوضع التمثال، وكانت هناك آراء عدة في هذا الصدد الى أن قرّ الرأي بوضعه في مكانه الحالي.
في هذه الاثناء وصل السيد غطاس خوري، كما تمّ شحن التمثال، ووضعه في مركز بلدية الضهور. وتتابعت الاتصالات، الا أنّ اندلاع الاحداث الدامية عام 1975 جعل كل شيء يتأجل، ثم ليتابع مجدداً كلما كانت الاوضاع الامنية تهدأ، حتى كان يوم 13 ايلول 1981 حينما شهدت ضهور الشوير احتفالاً حاشداً ازاح فيه وزير السياحة الاستاذ مروان حمادة الستار عن تمثال الدكتور خليل سعاده، وتكلم فيه، الى الوزير حمادة كل من: الرفيق سمير ابي ناصيف عريفاً، المحامي الرفيق انطون داغر باسم المجلس الشعبي لمنطقة المتن الشمالي، الامين عصام حريق باسم اهالي ضهور الشوير، يحيى خلف أمين عام اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، أحمد سويد باسم اتحاد الكتاب اللبنانيين، باسم السبع باسم نقابة الصحافة اللبنانية، الأمين مروان فارس باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، والرفيقة صفية سعاده.
**
1- من بلدة كفرقوق (راشيا) قدم منزله في البلدة، بعد ترميمه، ليكون مقراً للبلدية. كان من اعيان الجالية في سان باولو، وطنياً، صديقاً للحزب، ومن أكثر أصدقاء الدكتور خليل سعاده.
2- الرفيق الشاعر فارس بطرس كان أيضاً من عارفي ومقدري الدكتور خليل سعاده. من بلدة خربا (محافظة السويداء).هو من قرية عيحا "راشيا" ولد عام 1936 وغادر الى البرازيل عام 1956 واقام في مدينة غويانيا، حيث التحق بكلية الفنون الجميلة التابعة لجامعة غوياس الفدرالية ونال شهادة الفنون ثم تابع تخصصه في الرسم والنحت. قام ببعض الأعمال الفنية، منها: رأس أبي العلاء المعري "لجبران"، رأس مجنون ليلى "لجبران أيضاً"، رأس بتهوفن، وغيرهم وقد نالت أعماله استحساناً كبيراً من النقاد كما من أساتذة الجامعة
المسألة الكرديـة والقوميات العنصرية في العراق - للـرفيق لـوقا زودو
في مقدمة للكتاب يقول فيكتور حنا (المعروف بـ "فكتور أسعد"):
لا يقاس ما يسمعه قارئ اللغة العربية عما يجري في الشمال العراقي، بما يكتب ويقال في هذه الايام باللغات الاجنبية، عن المشروع الذي يرمي الى انشاء وطن عنصري كردي يفصل المنطقة البترولية عن جسم العراق، ويبلورها في جمهورية ذات استقلال ذاتي. وليس انشغال الاجانب الفجائي بهذا المشروع ناجماً عن اهتمام أصيل بتاريخ الاكراد وأمانيهم ومصالحهم، بل يعود القسم الأكبر منه، لسوء الحظ، لما تقتضيه مرامي السياسة العليا من تحضير الرأي العام لأية أحداث قد تنشأ بسبب هذا المشروع.
ولما كان الأمر أكثر خطورة مما يبدو، ولا يجوز أن ينحصر المعروف عنه في مقالات عابرة تنشرها الصحف بين الحين والآخر، لا سيما وأن الموقف في هذا الجزء الثمين من العراق قابل للانفجار في أية لحظة، فقد عم الشعور بالحاجة الى كتاب شامل يتناول أسس هذا الموضوع وتاريخه. ولا نعرف رجلاً عاش تاريخ تلك المنطقة اللاهبة يوماً يوماً وعرفها شبراً شبراً، مثل لوقا زودو الكاتب الاشوري المعروف، فهو من أبناء (باروار) معقل البرازاني المنيع في اعالي جبال الهيكاري، وهو فضلاً عن ذلك، يتتبع منذ خمس وعشرين سنة كل حادث سياسي أو عسكري ذي علاقة ببلده، فيشاهد الاحداث من لبنان بغير العين التي يشاهد بها المقيمون في المنطقة، ويسمع ويقرأ ما لا يسمعون ويقرأون، فيستطيع أن يفهم بادراك بارد هادئ، ما لم يكن يتاح له فهمه لو كان مقيماً في ساحة المعركة وقد جرفه تيار عواطفها وأحداثها القريبة، وطغت على حواسه روائح بارودها وجثثها، وصمّت اذناه بازيز طائراتها وصفير قنابلها
وينهيه بالقول
"في هذا الكتاب معلومات كانت حتى طبعه أسراراً تحرص الدول على كتمانها. وفيه تاريخ قرن كامل لمنطقة كانت مسرحاً لمذابح لا معنى لها ولا فائدة، هلك فيها نصف مليون كردي ومليون يزيدي ونصف مليون آشوري ومليون ارمني. وصارت قاعاً صفصفاً بعدما كانت مهداً لمدينة آشور- بابل، أقدم وأعظم حضارة في الارض".
أما الكتاب فيحتوي على الفصول التالية:
الفصل الأول: كيفية نشوء النوع البشري وتحديده العلمي للأمة
الفصل الثاني: التاريخ العراقي القديم
الفصل الثالث: اصل الاكراد ومميزاتهم اللغوية والانسانية
الفصل الرابع: اليزيدية
الفصل الخامس: الصابئة السومرية
الفصل السادس: الآشوريون في التاريخ الحديث
الفصل السابع: مستندات ومذكرات كردية للتاريخ
الفصل الثامن: المسألة الكردية والعهد العراقي الجديد
*
عن الرفيق الراحل لوقا زودو، كتب الأمين لبيب ناصيف النبذة التالية عنه بعنوان:
الرفيق لوقا زودو: الكاتب والبحاثة في تاريخ الآشوريين والأكراد
دارس تاريخ نشوء الحزب السوري القومي الاجتماعي وانتشاره في الوطن السوري ، يدرك أن لا طائفة أو مذهب أو أثنية عرقية ، على امتداد الوطن السوري ، عصت على فكر الحزب ، ولم تشهد انتماء أبنائها إليه . لقد أثبت انتشار الحزب في كل " تضاريس " الأمة السورية انه الفكر الأصيل المؤهل للحياة في هذه الأمة ، لأنه أتى علاجاً لأمراضها وحلاً لمشاكلها وتناقضاتها . هو الفكر الموحد لكل الطوائف والمذاهب والأعراق والأثنيات ، لذا كان مطلوباً من أعداء الأمة ضرب هذا الحزب وتفكيكه والحؤول دائماً دون تمكينه من الانتصار . هو حرب على كل ما يعيق توحد المجتمع السوري وقدرته على النهوض ، وهم حرب على الحزب لما يحمل من فكر مضيء ، أثبتت التجارب والمحن والكوارث التي شهدها تاريخ أمتنا الحديث ، على صحته وأهليته للحياة .
أحد الأمثلة ، الرفيق لوقا زودو ، الآشوري ، الباحث ، الكاتب والمؤرخ ، نحكي عنه .
* * *
في كتابه " أيام في الذاكرة " يقول الرفيق أنور فهد في الصفحة 94 : " بعد ذلك كلفت بالعمل في مكتب " الأنباء " الذي كان يديره الأمين كميل جدع ، لقد كان هذا المكتب مثل خلية النحل إذ إن جميع عناصره تعمل بجد ونشاط وتنفيذ ما يعهد إليهم ، وإنني لا أنسى ديناميكية الرفيق لوقا زودو " .
الرفقاء الذين تواجدوا في بيروت ، في فترة الحصار فالاجتياح " الإسرائيلي " ، عام 1982، يذكرون ذلك الرفيق القصير القامة ، الحاد النظرات ، الحامل بين أنامله حيناً وشفتيه أحياناً ، الغليون ، يرافقه كما الكتاب والصحيفة ، ينتقل من مكان إلى مكان يساهم مع رفقائه في الاتصالات مع الصحافيين ورجال الإعلام الأجانب شارحاً الوضع ، موضحاً ، مدافعاً عن موقف الحزب ، ومفنّداً مزاعم الصهاينة وأراجيفهم .
قبلهم ، يذكر الرفقاء في كسروان ، ناظر الإذاعة ، فالمنفذ العام ، الرفيق لوقا زودو .
قبلهم أيضاً ، يذكر الرفقاء الذين عملوا في مكتب الأمن " الأنباء " الرجل المحنّك أمنياً ، الذي لم تكن تخفيه شاردة أو واردة ، يذكرنا بالمكتب المختص (م.أ.م.) الذي كان أنشأه سعاده في الثلاثينات وكان يقوم بمهام ناجحة أشار إليها الأمين جبران جريج في مجلده " من الجعبة " حيث يورد في الجزء الرابع – صفحة 260 – نقلاً عما كتبه سعاده في " سورية الجديدة " بتاريخ 11 آذار 1939 ، ما يلي : " .. وفي الحقيقة.. إن هذه الملاحقة الرابعة التي أظهرت فشل الحكومة اللبنانية وتفوّق مؤسسات الحزب عليها ، كانت بناء على ما بلغ دائرة الاستخبارات الفرنسية من قيام الحزب بتوسيع دائرة التدريب التطوعي وتوزيع بعض الخبراء العسكريين على بعض المناطق الاستراتيجية وإعداد الزعيم برنامج رحلته إلى المهاجر ، فأوعز إلى مكتب " التحريات " بملاحقة الحزب والقبض على زعيمه وأركانه ، ويظهر أن دوائر استخبارات الحزب (م.أ.م.) كانت أقوى وأسرع من دوائر استخبارات جيش الشرق (الفرنسي) و "مكتب التحريات " ، إذ إن دوائر الحزب العليا أخذت علماً بالتدابير جميعها ، فأمرت بإحداث تنقلات لبعض الموظفين والمدربين بحيث يتعذر على أعداء الحزب تطبيق معلوماتهم وتعليماتهم ، وباشر الزعيم رحلته في الوقت الذي كان معيناً ولم يطلع عليه غير أعضاء المجلس الأعلى " .
أما غيرهم ، خارج الحزب ، في العراق ، في الشام ، في لبنان ، في المغتربات ، فالأوساط المهتمة بتاريخ سورية تعرف جيداً الرفيق لوقا زودو البحاثة في تاريخ الآشوريين والأكراد والقوميات العنصرية ، الذي ألف كتباً في هذا الصدد وألقى محاضرات ، وكان في آخر سني حياته مديراً لبرنامج تلفزيوني باللغة الآشورية في ولاية كاليفورنيا بعد أن اضطرته ظروف الحرب للمغادرة إلى الولايات المتحدة ، إلى أن وافاه الأجل ودفن في مدينة فرسنو ، كاليفورنيا ، في 22/6/1990 .
فمن هو الرفيق لوقا زودو ؟
في مقابلة له أجراها أحد الرفقاء في الولايات المتحدة يقول الرفيق لوقا :
" ولدت عام 1918 في عقرا - الموصل ، تعرفت إلى الحزب عندما كنت طالباً في الجامعة الأميركية في بيروت حيث تعرّفت إلى سعاده ، وبتّ متأثراً بشخصيته الفذة . أبدى الزعيم اهتماماً بي نظراً لجرأتي وأسئلتي المتواصلة فكلّف الرفيق فكتور حنا (معروف أيضاً بفكتور أسعد) بمتابعتي وكان ناموساً للزعيم .
" انتميت إلى الحزب عام 1937 . بعد تخرجي من الجامعة بدأت التدريس في الشويفات، ثم تركت التدريس عام 1939 لألتحق بالصحافة ، ثم عيّنت مذيعاً لمديرية رأس بيروت حيث ساعدني الرفيق فيكتور حنا بتدبر الأمور الإدارية نظراً لحداثة انتمائي . بعدها عيّنت مديراً لمديرية رأس بيروت الأولى في فترة رئاسة نعمة ثابت " .
وجواباً على سؤال عن البرنامج التلفزيوني الذي يقدمه الرفيق لوقا باللغة الآشورية لمدة نصف ساعة أسبوعياً ، يقول الرفيق لوقا : " البرنامج هو برنامج منوع ويذاع باللغة الآشورية نظراً لوسع وكبر الجالية الآشورية التي أنا موجود فيها ، يتناول البرنامج أخبار المواطنين الآشوريين في الوطن ، بالإضافة إلى أخبار الوطن السوري ، كما أني أركز على مواضيع ثقافية وتاريخية . فأتحدث عن أصالة الآشوريين في الأمة السورية وتاريخهم المليء بالبطولات وغيرها، كما أتحدث عن مساهمة الآشوريين في بناء الحضارة السورية العريقة " .
في كتابه " اتفاق الجزائر " الصادر في بيروت عام 1975 يقول عنه الأديب سعيد علي معرّفاً كما يلي :
" ..فما بلغ السنة الرابعة من عمره حتى يمّم لبنان فدرس في كل من مدرستي السريان الأرثوذكس والطليان ، ثم في الجامعة الأميركية . ثم توفر على دراسة التاريخ والجغرافيا فوسمته جامعة لندن شهادة الدكتوراه الفخرية في ما تفرغ له من هذا العلم " .
وفي مقدمة كتاب الرفيق لوقا زودو " المسألة الكردية والقوميات العنصرية في العراق " الصادر عام 1969 يقول الرفيق فكتور أسعد حنا :
" لا نعرف رجلاً عاش تاريخ تلك المنطقة (يقصد شمال العراق) اللاهبة يوماً يوماً وعرفها شبراً شبراً مثل الرفيق لوقا زودو وهو الكاتب الآشوري المعروف . فهو من أبناء " باروار " معقل البرازي المنيع في أعالي جبال الهيكاري ، وهو فضلاً عن ذلك يتتبع منذ خمس وعشرين سنة كل حدث سياسي أو عسكري ذي علاقة ببلده ، فيشاهد الأحداث من لبنان بغير العين التي يشاهدها بها المقيمون في المنطقة ، ويسمع ويقرأ ما لا يسمعون ويقرأون ، فيستطيع أن يفهم بإدراك بارد هادئ ما لم يكن يتاح له فهمه لو كان مقيماً في ساحة المعركة " .
أما الدكتور فرد (Fred) نجار آدم فيقول مقدماً الرفيق لوقا قبل إلقاء محاضرة له في جامعة تورلوك – كاليفورنيا بتاريخ 4 شباط 1989 أمام جمهور آشوري تابع لجمعية تطلق على نفسها اسم حاملي الشهادات العليا :
" إن الدكتور لوقا زودو غني عن التعريف ، فإلى جانب تحصيله العلمي من شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في حقل التاريخ والعلوم السياسية والقوميات الأثنية له عشرات المؤلفات باللغات العربية ، الفرنسية والآشورية ، كما له ثلاث مؤلفات جاهزة للطبع :
- " المسيحية الأممية والنصرانية اليهودية " .
- " ثلاثة عشر سنة في الولايات المتحدة الأميركانية – إسرائيل الكبرى " (باللغة الإنكليزية) .
كما لديه كتاب آخر جاهز للطبع تحت عنوان " هذه فلسفتي " .
" أما مؤلفاته المطبوعة ، فثمانية منها باللغة الفرنسية ، وثمانية باللغة العربية ، وتسعة باللغة الآشورية . ولقد عرفه قراء العربية منذ الستينات في كتابه الشهير " المسألة الكردية والقوميات العنصرية في العراق " الذي كان بنفس الوقت أطروحته التي نالت إعجاب الأساتذة في جامعتي لندن وشيكاغو . كما لي الشرف أن أبلغكم بانضمام الدكتور لوقا زودو إلى الأكاديمية الآشورية وهو عضو بارز في مجلس الإدارة : "Assyrian Accademy Board of director " .
* * *
توفي الرفيق لوقا زودو بعد مرض عضال أصاب الكريات البيضاء . ووري الثرى في مدينة فرسنو (كاليفورنيا) في 22/6/1990 ، وكان يعد للطبع كتاباً له بالعربية حول الديانات السورية ، كذلك كان باشر ترجمة " كتيب التعاليم السورية القومية الاجتماعية " إلى اللغة الآشورية .
كتبه ومؤلفاته
ــــــــــــــ
بالإضافة إلى ما ورد في صلب المقالة عن كتب الرفيق لوقا زودو ، مطبوعة أو معدة للطبع ، تفيد الرفيقة كارمن كيروز أن الرفيق لوقا أصدر الكتابين التاليين :
- " تاريخ الآشوريين " باللغة الآشورية .
- " إقامتي في بلاد ما بين النهرين " باللغة الفرنسية .
إلى كتبه " المسألة الكردية " ، " اتفاق الجزائر " ، " من هو قورش " ، للرفيق لوقا الكتب والدراسات التالية ، ننقلها كما وردتنا من ابنته الرفيقة كارمن :
- L ̉Aigle Assyrien (Assyro-Chaldeen-1935 Imp. Catholique-Beyrouth) .
- Le patriote Assyro-Chaldeen (Pome Assyro-Chaldeen 1936 Imp. Assyrien National Guard, Chicago) .
- En l’Honneur de Nos Martyrs (Assyro-Chaldeen 1938 Imp. Athra Beyrouth) .
- L’Exemple de Nos Ancétres (Assyro-Chaldeen 1940 Imp. Athra Beyrouth) .
- Crimes et Atrocites (Français 1942 Imp. Le jour Beyrouth) .
- Droit des Assyriens sur L’Assistance Allie (Français 1943 Imp. Jeanne d’Arc Beyrouth) .
- Le Monde Apres l’Ecrasement Germano-Faciste (Français 1944 Imp. Le jour Beyrouth) .
باللغة العربية :
- " ملحق النهار " : " الأكراد والمسألة الكردية " .
- جريدة " الصفاء " البيروتية دراسة وتحقيق .
- الأقليات في العراق .
- اليزيدية ، الصابئة .
- نشاط المرأة الآشورية في لبنان .
· الكتب المعدة للطبع :
- كلنا مسلمون ...
- الوطن ملك للجميع وكلنا مسؤولون عن حمايته والدفاع عنه .
· للطبع باللغة الآشورية – الكلدانية :
- " جلجامش " .
- خفايا وملابسات المسألة الكردية .
باللغة الفرنسية :
Mon Sejour Aux Etats – Unis d’Amerique 1968 .