الثلاثاء، 19 يوليو 2011
صدور كتاب نشوء الامم باللغة البورتغالية للرفيق يوسف المسمار
سبق ان نشرنا عن صدور كتاب " نشوء الامم " باللغة البورتغالية بعد ان حقق ترجمته، الرفيق الكاتب والشاعر يوسف المسمار، كما نشرنا في حينه الكلمة القيّمة التي علق بها على الكتاب رئيس اتحاد المحامين البرازيلي الاسبق الدكتور الياس مطر.
للدكتور جوزي جيل دي الميدا، صاحب ومدير تحرير جريدة اغوا فيردي (كوريتيبا، البرازيل) التعليق التالي الذي ننشر ترجمته عن البورتغالية، كما وردنا من الرفيق يوسف المسمار.
كان المترجم والمفكر يوسف المسمار سعيدا جـدا في قـراره الذي اتخذه لإطلاع مجموع الشعب البرازيلي على واحد من أهم أعمال الفكر الحديث المعاصر وتوفيره معرفة هذا الفكر بترجمته كتاب " نشوء الأمم " لأنطون سعاده .
إن البلدان الغربية جميعها مصابة وملـوثة بعـدوى بكتيـريا ضارة ومـدمـرة يمكن تسميتها :( نـمط الحياة في أميـركا الشمالية ) اي الولايات المتحدة الأميركية . وعـدوى هذا المكروب أصابت جميع شرائح المجتمع . والأسوأ من هذا كله أن فكر الشبيبة الـذي ذهب بعيدا في اهانته للمرأة ،وإدمانه على المخدرات،وانحرافه وتحـوله الصريح ، بكل بساطة ، عن مواجهة المشاكل الرئيسية والقضايا الانسانية. وذلك كله بسبب تفشي النزعة الانحلالية والاستهلاكية الجامحة غير المنضبطة . وقد زرعت هذه البكتيرية الجرثومية في صدر المجتمع الاميركي الشمالي من قبل الصهيـونية ، والعنصرية اليهـودية. وعن طريق ادارة دولة الـولايات المتحـدة الاميـركانية ، بما تملكه من قـوة اقتصادية ، و انـتـشار كبير في المجال الثقافي تسربت عـدواه الى اغلبية الامم الغربـية . وعدوى هذا المكروب حوّلت الشعـوب الى مجرد عبـيـد لفكـر سطحي وخادع ولصوصي مفترس . وهـذه الفلسفة الشاذة التي يسمـونها " حـداثـة " تستـنـزف اليوم مـوارد البلدان الطبيعية وتصيب الأنهار والبحار بالتلوث والعـدوى، مسببة حروب التدمير الشامل لإرضاء جشع أقطاب صناعة النفط ، ونهم أصحاب المصارف. إن النظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه الصهيونية هـو أعظم مصيبة تـحـل بالشعـوب والأمم وتـعـني : إفـقار الطبقة الوسطى ، وإتعاس الفقـراء ، وخداع وإفساد الأثرياء. وضمن هـذا النظام الفاسد والتعسفي ينبثـق ضوء بشكل تـفكيـر ابتكاري وإنساني جـديـد في مـؤلف أنطـون سعاده محللا ً بروح نـقـدية جميع مـراحل تـطـورالإنسان بطـريقـة مـوجـزة وواضحة لتسهـيـل الدراسة والفهم ، وذلك انطلاقا من بـداية ظهور النوع الإنساني في تحليل للسلالات ،والأرض ، والجغرافيا ، والاجتماع البشري والحيـاة الإجتماعية حتى الـوصول الى نشـوء الـدولة وتطورها . وهذه المواضيع المذكورة وضعت وبحثت بطريقة منهجية متقـنة وموضوعية - يمكنها وينبغي- أن تساهم بشكل كبيروفاعل في تربية واعداد أدبي وأخلاقي ومعـنوي لشبابنا ،وكذلك تساهم في تصويب التعاليم وتوضيحها وتعليم الراشدين أيضا. نـأمل من الأساتذة والمثقفين في مجتمعنا أن يكونوا على استعداد وإرادة طيبة للإطلاع والتعـرف على هذا العمل الذي هوعلى أهمية كبيرة وذي معنى فلسفي بارز ، والذي لا يقصِّر عن مواكبة أحدث ما توصلنا اليه في أيامنا الحاضرة،والذي يمكن أن ينقل الى الأجيال الجديدة والآتية هذا التراث الثقافي، السياسي، والفلسفي لإحداث تغيير أفضل للعالم الذي نعيش فيه.
*
نـص الكلـمة باللـغة البـورتغـالـية:
O tradutor e intelectual Youssef H. Mousmar foi muito feliz em sua decisão de trazer para o público brasileiro o conhecimento de uma das obras mais importantes do pensamento moderno, o livro “Gêneses das Nações”, de Antoun Saadeh.
Os países ocidentais estão todos contaminados por uma bactéria nociva e destrutiva chamada “modo de vida norte-americano”. Essa bactéria contamina todos os segmentos das sociedades, e o que é pior, o pensamento da juventude que se deixa levar pelo sexismo, pelo consumo de drogas e pela alienação pura e simples diante dos principais problemas e questões da humanidade, em função do consumismo desenfreado. Essa bactéria foi inoculada no seio da sociedade norte-americana pelo sionismo, o racismo judaico, e através dos EUA – pelo seu poder econômico e conseqüente difusão no domínio cultural – chegou à maioria das nações ocidentais, transformando os povos em escravos de um pensamento superficial, ilusório e predatório. Essa anomalia filosófica a que chamam “modernidade” está esgotando os recursos naturais dos países, contaminando e poluindo os rios e os mares, causando guerras de destruição em massa para satisfazer os magnatas da indústria do petróleo ou os banqueiros perdulários. O sistema financeiro internacional, dominado pelo sionismo, é a maior desgraça dos povos e nações: empobrece a classe média, torna miseráveis os pobres, ilude e corrompe os ricos.
Dentro desse sistema caótico e arbitrário, surge uma luz na forma de um pensamento inovador e humanista, na obra de Antoun Saadeh. Analisando com espírito crítico todas as fases evolutivas do Homem, de forma resumida para facilitar o estudo e a compreensão, vai do Surgimento da Espécie Humana, analisa as raças, terra, geografia, sociabilidade, até a formação do estado e seu desenvolvimento.
Essas colocações feitas de forma magistral e objetiva podem – e devem – contribuir de forma significativa para a formação ética e
moral da nossa juventude, e para corroborar ensinamentos ou mesmo esclarecer também os adultos.
Esperamos que os professores e intelectuais da nossa sociedade tenham disposição e boa vontade para conhecer essa obra da maior importância e significado filosófico, que não perde a atualidade, e que possam transmitir às novas e futuras gerações esta herança cultural, política e filosófica, para mudar para melhor o mundo em que vivemos
حفل توقيع كتاب الامين د. ادمون ملحم
حـفـل توقيـع كـتاب الاميـن د. ادمـون ملحـم فـي سـدني
بعد ان نظمت منفذية ملبورن حفل توقيع الكتاب القيّم الذي اصدره الامين د. ادمون ملحم، Antun Sa’adeh National Philosopher نظمت منفذية سدني حفلاً مماثلاً يوم الاحد اول ايار 2011 في صالة Belmore Senior Citizens Center بحضور حشد من الرفقاء والاصدقاء والمهتمين من الاستراليين.
فيما يلي التقرير كما وردنا من نظارة اذاعة منفذية سدني.
افتتح الرفيق جيمس حرب الحفل بالحديث عن الواقع المفكك للأمة وعن ضرورة العمل الثقافي الذي لا ينفصل عن العمل السياسي والحزبي، كما تحدث بايجاز عن فكر سعاده الفلسفي الوحدوي و أبرز اهمية كتاب الدكتور ادمون ملحم في هذا الاطار، ثم قدم المحاضرين وفي مقدمتهم المُحاضرة في جامعة سيدني السيدة الأستاذة شاديا حجار.
اسهبت السيدة حجار في شرح مضامين الكتاب كما افصحت عما شعرت به من احساس بالمسؤولية تجاه هذه الفلسفة الرائدة التي أوجدت مفاهيم جديدة في قاموس اللغة العربية وخاصة مفهوم المتحد ومفهوم التفاعل وفلسفة المدرحية. كما اشارت الى اهمية اتخاذ سعاده للعقل شرعاً اعلى في جميع منطلقاته الفكرية. كذلك اشادت بجهد الدكتور ملحم في الإضاءة على هذه الفلسفة باللغة الانكليزية التي هي لغة الشبيبة في استراليا. كما عبرت عن مدى فرحها عندما اكتشفت الاحساس و الذوق الأدبي و الفني الكبير عند سعاده، و عندما رأت مدى تأثيره في الأدباء والفنانين والشعراء والفلاسفة السوريين.
بعدها تحدث الإعلامي الاستاذ سركيس كرم باللغة الانكليزية فأوضح تأثير سعاده الفعَال على جميع الأصعدة الفكرية والأدبية والفنية حيث شكلت طروحاته الفكرية الوحدوية سداً منيعاً في وجه طروحات الإنعزال والتشرذم والإنقسام. كما اشار الى ان سعاده كان قد جمع في نفسه مواهب متعددة حيث استطاع ان يبني عمارة فلسفية شامخة ملتزمة بقيم الحق والخير والجمال. كما تحدث عن قدرة الدكتور ملحم على ابراز جميع هذه الجوانب في شخصية سعاده الفلسفية والقيادية. وأقرَّ الإعلامي كرم بأنه تعمّق من خلال كتاب الدكتور ملحم بفكر سعاده الفلسفي واطلع على تراثه الفكري ونتيجة لذلك تكونت لديه فكرة مختلفة نوعاّ ما عن سعاده.
بعد ذلك تحدث ناظر الاذاعة والاعلام الرفيق جعفر بعلبكي عن مفهوم الفلسفة ونشأتها و بيّن بالأدلة والبراهين الواضحة عن جمع سعاده بين قطبي الفلسفة النظري والعلمي، كما اشار الى ان فلسفة سعاده هي فلسفة هادية لجميع الأمم و دعا الى تبني هذه الفلسفة في واقع التعددية الثقافية في استراليا، كما أبرز ان سعاده هو داعية حقوق الانسان وداعية السلام الأول في العالم و ذلك من خلال تحديده لأعداء السلام ودعوته للوقوف ضدهم، و لذلك اعلن ترشيحه الدائم لنيل جائزة نوبل للسلام. ثم أبرز قدرة الأمين الدكتور ملحم في الاضاءة على ذلك.
وفي الختام، تكلم الأمين الدكتور ملحم شاكراً المتكلمين والحضور، ثم اشار الى اهمية فلسفة سعاده في توليدها لنهضة فكرية وانتاجية وفي اعتمادها للمنطق الزينوني الرواقي وقوانينه، كما تحدث عن شخصية سعاده العبقرية وسعة ادراكه ومواهبه المتعددة في شؤون الفكر والفلسفة والأدب والفن والعلوم واللغات وعلى قدوته النضالية وتجسيده الفعلي والعملي لكل مبادئه، كما تحدث ايضاً عن فلسفة التفاعل الغير معنية بالتأويلات الماورائية و الفرضيات العقيمة، بل الساعية الى العناية بقضايا المجتمع الأساسية ومطالب الحياة و مثلها السامية.
وفي ما يلي النص الكامل لكلمة الأمين الدكتور ادمون ملحم:
*
مساءَ الخيرِ وأشكرُ حضورَكم ودعمَكم لهذا العملِ الثقافيِّ ولكلِّ أعمالِ ونشاطاتِ الحزبِ السوريِّ القوميِّ الإجتماعيِّ المتنوعة. أشكرُ كلَّ الذينَ تكلّمُوا وتناولوا الكتاب بكلماتِهمِ القِّيمة، المعبِّرةِ والصادقة.. أشكرُ الدكتورةَ شاديا حجّار والصديقَ الأستاذ سركيس كرم وحضرةَ ناظرِ الإذاعةِ والإعلامِ الرفيق جعفر بعلبكي والرفيقَ جيمس حرب. كما أشكرُ هيئةَ منفذيةِ سيدني لقرارِها بإقامةِ هذا الحفلِ والأعدادِ لهُ وأنوّهُ بجهودِ كلِّ الرفقاءِِ الذينَ ساهمُوا في هذا العملِ..
يسرُّني ويشرِّفُني أنْ أقفَ بينكم في هذا اليوم، وهو يومُ العملِ في بلادِنا، يومُ العمالِ والفلاحينَ وأصحابِ الفنونِ والحرف، يومُ المنتجينَ علماً وفكراً وصناعةً وغلالاً.. في هذا اليوم، أحييكم جميعاً وأحيي من خلالِكم ومن خلالِ وجوهِكُم النيّرةِ والتي أرى فيها وجوهَ أهلِنا وشعبِنا الكريمِ الخيّرِ في طبيعتِهِ والمعطاءِ في نفسيتِهِ والمبدعِ في إنجازاتِهِ، أحيي أرواح الشهداء الذين سقطوا مؤخراً في الوطن نتيجة المؤامرة المجرمة التي تحاول النيل من شام الصمود والممانعة وأحيي أمتَنا بكلِّ أبنائِها الصامدينَ والمقاومينَ والمنتجينَ فكراً وصناعةً وغلالا...
نحنُ نمجّدُ العملَ المنتجَ ونعتبرُهُ قيمةً إنسانيةً عليا وطاقةً مجتمعيّةً للإنتاجِ والنهوضِ الإجتماعيّ.. ونحنُ هنا اليومَ في صددِ تقديمِ إنتاجٍ فكريٍّ متواضعٍ لنْ يأتيَ تامًّا وكاملاً وقد يتضمّنُ ثغراتٍ ولكنّهُ محاولةٌ بحثيةٌ جديةٌ وصادقةٌ حاولْنَا فيها الدخولَ إلى عمارةٍ فكريةٍ فلسفيةٍ كاملةٍ أرسى مداميكَها ابن الأول ِمن آذارَعلى أسس ِالمبادىءِ المناقبيةِ الساميةِ التي تشكِّل ُقواعدَ انطلاقِِ الفكرِ ومكتنزاتِهِ ومراكزَ انطلاقٍ في اتجاهٍ واضحٍ في الحياة.. هذه العمارةُ الفكريّةُ التي حاولْنَا التعريفَ بمحتوياتِها وركائزِها هي الفلسفةُ القوميّةُ الاجتماعيّةُ الجليّةُ، الخاليةُ من الأوهامِ والمعبِّرةُ عن روحيةِ الأمةِ السوريّةِ وحقيقتِها. قبلَ التعريفِ بهذِهِ الفلسفةِ التي ولَّدَتْنهضةً قوميّةً عظيمةً كانَ لها أثرُهَا الواضحُ في المشرقِ، لا بُدَّ لنا منَ التحدّثِ بعضَ الشيءِ عنْ سعاده الفيلسوفِ وعنِ العدةِ المهنيّةِ التي استعانَ بها ليُنتجَ فلسفتَهُ الجديدةَ:
أنطون سعاده، أيهاالحاضرونَ المحترمون، كانَ موسوعةً جليلة في الفكر ِوالثقافةِ والأدبِ وكانَ كاتباًغزيرَالإنتاجِ تميَّزَ بالدّقةِ والتحليل ِوالإبداع ِونشأ على حبِّ اللغاتِ فبرزَ مثقفاً منَ الطرازِالرفيعِ ومطلعاً بعمقٍ على علوم شتَّى وعلى فلسفات وتياراتٍ فكريّةٍ ورسالاتٍ دينيّةٍ وحضاراتٍ إنسانيّةٍ وفنونٍ متنوعةٍ وكانَ لهُ فيها نظراتٌ عميقةٌ وصريحةٌ جداً. كمَا برزَ أديبا ًوناقداً مُبدعاً وصاحبَ رسالة ٍأدبيّةٍ إنسانيّةٍ خالدةٍ تدعو للتجديدِ في الأدب والشعور والحياة ولإنتاجِ أدبِ الحياةِ الرفيعِ. وقد تجلَّى إبداعُه ُفي أبحاث ٍومقالاتٍ نقديّةٍ عالج َفيها موضوعَ الأدبِمن ْأساسِهِ مُتعرِّضًا لحالةِ الفوضى السائدةِ في الساحةِ الأدبيّةٍ ومنتقد الطائفة ٍكبيرةٍ من الأدباءِ والشعراء ِوالكُتَّابِ الصّحافيين َالمعروفين َفي الساحةِ الأدبيّةِ في سورية وفي العالمِ العربيّ.
وتجلََّتْ عظمةُ هذاالرجلِ الثقافيّةُ في النتاجِ الفكريّ ِالضخم ِالذي تركَهُ للأمَّةِ والذي تضمنَ منظومةً منْ الأفكارِ والآراءِ العميقة ِفي الفلسفة ِوالاجتماع ِوالاقتصاد ِوالسياسة ِوالدين ِوالأدبِ والموسيقى وغيرِهَا من ْميادينِ الفكرِوالعلم ِوالفنونِ.
وآمنَ سعاده بالعلمِ والعقلِ الشرعَالأعلى والشرعَ الأساسيَّودعَا إلى استخدامِ العلومِ ومواكبةِ عصرِ الإختصاصِ الراقِي الذي نعيشُ فيه. وبرأيهِ "إذا قصَّرَ بعضُ شعبِنا عنْ هذِهِ المواكبةِ فعلىالمتعلّمينَ ألاّ يتعامَوْا عنْ "قوّةِ الحقائقِ العلميّةِ.." فالعلمُ برأيهِينقذُنا منَ السذاجةِ، وبخاصةً في القضايا الاجتماعيّةِ السياسيّة.
وسعاده اعتمدَ المنطقَ الزينوني وقوانينَهُ واستندَ إلى الحقائقِ العلميّةِ والأدلّةِ القاطعةِ وإلى ما توصلَتْ إليهِ دراساتُ العلماءِ وأبحاثُهُمفي مختلفِ المجالاتِ. ومنْ يقرأْ كتابَهُ العلميَّ:"نشوءُ الأممِ"، على سبيلِ المثالِ، يُلاحظْ أنَّهُاعتمدَ المناهجَ العلميّةَ واستمدَّ الحقائقَ الاجتماعيَّةَ منْ دراساتٍ وأبحاثٍ قرأَهَافي لغاتٍ أجنبيّةٍ لعلماءِ الجيولوجيَا والجغرافيَا والانتروبولوجيّةِ والآثارِ والتاريخِوالفلكِ وغيرِهم.وفي كتابِهِ "الإسلامُ في رسالتيه" يُوضِحُ سعاده أنَّهُ وضعَ أطروحتَهُ منْ أجلِ مُحاربةِالتدجيلِ العلميِّ والتدجيلِ الدينيِّ والاستهزاءِ بالتعاليمِ على الإطلاقِ، سواءَ أكانَتْدينيّةً أمْ غيرَ دينيّةٍ..."
وسعاده الفيلسوف شدّدَعلى قاعدةِ الوضوح ِوالانضباطِ الفكريِّ والتشديدِ اللفظيِّ و"اجتهد َكيلا يبقى كلامُه مطلقاً،بدونِ شواهدَ واضحةً. قرأَ الكُتبَ الأجنبيّةَ والعربيّةَ بتعمُّقٍ، وسفّّهَ بعقلِهِ العلميِّ الواقع يِّالمغالطةَ والتفكيرَالعامّيَّ المنحطَّ الخالي َمنْ كل ِثقافة ٍودراسة ٍصحيحةٍ. كما سفّّهَا لتأويلاتِ السطحيّة والأحكام َالغامضة َوالتعاميمَ المطلقةَ والآراءَ المُضللةَ المرتكزةَ على الوهم ِوالخيال ِوالتعصُّب وقدَّمَ لنا التعاريفَ الواضحةَ والتحديداتِ الدقيقةَ والنتائجَ المُنسجمة والمُترابطةَ والمُستندةَ على أسسٍ علميّة ٍوواقعيّةٍ. وباختصارٍ نقول ُأنّ سعاده كانَ صاحبَ تفكيرٍمنهجيّ ٍوكان منطقيًّا في أفكارِهِ وخلاّقًا برؤيتِه ِوواضحًا بمفاهيمٍهِ وآرائِهِ.
هذاالرجل ُالزعيم ُالمعبِّرعن حقيقة الأمة وتطلعاتها والذي عاشَ كلماتِه ِوجسَّد َالمثل َوالمناقبَ في ذاتِه ِوفي مسيرةِ حياتِهِ،هذا القائد الجريء الذي تمتّعَ بنفسٍ كبيرة ٍفي إيمانِه َاوحبِّهَ اوإخلاصِه َاوغنيّةٍ في أحلامِه َاالكبيرةِ ورغائبِهَ االعاليةِ، هذا المعلم – القدوة الذي خاطب أجيالاً لم تولد بعد شقَّ الطريقَ لحياةِ الأمّة بالمبادىءِ الجديدةِ التي وضعَهَا والتي كوّنت فلسفةَ نهضةِ الأمّةِ ماديًّا وروحيًّا. هذه الفلسفة المدرحية التي ترى أنَّ أساس َالارتقاءِ الإنسانيِّ هوأساسٌ ماديٌّ روحيٌّ هي فلسفةُ التفاعلِ الموحَّدِ الجامعِ لقوى الإنسانيةِ القائلةِ بتعاونِ المادّةِ والرّوحِ في كلِّ معركةٍ إنسانيةٍ غايتُها تحسينَ الحياةِ وتجويدَهَا.
والحقُّ نقولُ، إنَّ المدرحيةَ لا تعنى بالماورائيّاتِ ولا تقدِّمُ نظرياتٍ مجرّدةً وتصوّراتٍ خياليّةً أو افتراضيّةً بلْ هي فلسفةٌ وجوديّةٌ صراعيّةٌ عمليّةٌ تصّبُ اهتمامَهَا على الوجودِ وقضاياهُ وتسعى لتحقيقِ الحياةِ الحرّةِ الجميلةِ، حياةِ العزِّ والخيرِ والشرفِ والانتصارِ.فهي فلسفةٌ غائيةٌ لحياتِنَا القوميّةِ لأنَّهَا تبغي خروجّنَا منَ التفسّخِ الروحيِّ والبلبلةِ الفكريّة ِوالتمزّقِ الاجتماعيّ والشك ِوالفوضى إلى حالةِ الوحدةِ والوضوحِ والجلاءِ واليقين ِوالثقةِ بالنفسِ. وهي دعوة ٌللحداثةِ لأنَّهَا تبغي تأسيسَ عقليّةٍ أخلاقيّة جديدةٍ وبناءَ الإنسانِ الجديدِ في فكرِهِ وشعورِهِ، الإنسانِ - المجتمعِ الذي يعملُ لخيرِ مجتمعِهِ ورقيِهِ والذي يرفُضُ الاستزلامَ والعيشَ الذليلَ ويحيا لقضايا الحياةِ العاليةِ وغاياتِهَا العظيمةِ. وهي دعوةٌ للعصرنةِ لأنَّها تبغي الإصلاحَ الحقيقيَّ لا الشكلي، إصلاحِ النفوسِ وتحريرِهَامنالمساوىءِوالأهواءِ والنزواتِالفرديّةِ وبناءَ الدولةِ العصريّةِ الديمقراطيةِ المنبثقةِ عنْ إرادةِ الشعبِ التي تُساوي بينَ كلِّ المواطنينَ في الحقوقِِ والواجباتِ.. وهي دعوةٌ للبناءِ لأنَّهّا ترفُضُ حالةَ الفسيفساءِ والانقساماتِ النفسيّةِ والاجتماعيةِ في حياتِنَا وتريدُ بناءَ المجتمعِ القوميِّ الاجتماعيِّ الجديدِ المتحصّنِ بوعي أبنائِهِ ووحدتِهِم والخالِ منَ الظلمِ والتعسُّفِ والجهلِ والانحطاطِ الأخلاقيِّ ومنْ ثقافةِ التعصُّبِ والخوفِ والتقوقعِ والانغلاقِ وكلِّ أشكالِ التفرقةِ والانقساماتِ.
والمدرحيةُ هي فلسفةٌ لمصلحةِ الإنسانيّةِ وعمرانِهَا لأنَّها ُتعبِّرُ عنْ حاجاتٍ إنسانيّةٍ عامّةٍ وتقدِّمُ رؤيةً حضاريّةً جديدةً لإنقاذِ العالمِ منْ تخبُّطِهِ و"لإعادةِ النبوغِ السوريِّ إلى عملِهِ في إصلاحِ المجتمعِ الإنسانيِّ وترقيتِهِ".
وهذه الفلسفةُ القائمةُ على الولاءِ للمجتمعِ وعلى الحبِّ لهُ لا تعترِفُ بالدجلِ والتكاذبِ والرياءِ ولا بالبُغضِ والحقدِ والضغينةِ أساسًا للحياةِ. بلْ هي تُنادي بالتسامحِ القوميِّ وبالمحبّةِ القوميّةِ الصافيةِ وتعملُ للوحدةِ والألفةِ والوئامِ بينَ أبناءِ المجتمعِ الواحدِ. فهي تدعونَا لأنْ نكونَ طغاةً على الأنانيةِ القبيحةِ والمفاسدِ الاجتماعيّةِ وحربًا على الحزبياتِ الدينيّةِ والتعصبِ الطائفيِّ لأنَّ المجتمعَ يهلَكُ بالطائفيةِ ويحيا بالآخاءِ القوميِّ.
والفلسفةُ القوميّةُ الاجتماعيّةُ التي تدعونا للإيمانِ الُمطلقِ بحقيقتِنا الجميلةِ وتؤكّدُ أنَّ في النفسِ السوريّةِ أجملَ المثلِ العليا، هذه الفلسفةُ الأصيلةُتزرعُ في نفوسِنَا الوجدانَ والأملَ والإيمانَ وفيضًامن الحبِّ الذي يُغني الذاتَ بالسعادةِ والنبلِ والوفاءِ ويمنحُهَا القوّةَ والقدرةَ على الخلقِ والإبداعِ. يقولُ سعاده: "إذا اضمحلَّ الحبُّ فماذا يبقى من الحقيقةِ؟ ويقولُ أيضاً: "متى وجدَ الإنسانُ الحبَّ فقدْ وجدَ أساسَ الحياةَ والقوّةِ التي ينتصرُ بها على كلِّ عدوٍّ ". هذا الحبُّ الذي بِهِ وحدَهُ يحيا الإنسانُ وتُبنى الأوطانُ لا يراهُ سعاده خدودًا ونهودًا وشهواتٍ بلْ يراهُ حبًّا مدرحيًّا ساميًا إذا قرّبَ فمًا إلى فمٍ سكبَ نفسًا في نفسٍ، هو حبُّ النفوسِ الجميلةِ المؤمنةِ التي تشتركُ في فهمِ جمالِ الحياةِ، هو حبُّ النفوسِ المصمّمةِ على الوقوفِ معًا في تحقيقِ غاياتِهَا ومطالبِهَا العُليا في الحياةِ، هو حبُّ الأرضِ والمجتمعِ والإنسانِ، حبُّ العملِ والبناءِ، حبُّ العطاءِ والتضحيةِ حتّى الفداءِ، حبُّ العزّةِ والحياةِ الحرّةِ الشريفةِ، حبُّ الموتِ متَى كانَ طريقًا للحياةِ.
ختامًا، نقولُ أنَّ سعاده الفيلسوفَ لم يأتِنَا بالخوارقِ والمُعجزاتِ ولم يأتِنَا بتعاليمَ فيها أباطيلُ ومبالغاتٌ، بل أتانَا مؤمنًا بالحقائقِ الراهنةِ التي هي نحنُ. جاءَنَا بالعقيدةٍ القوميّةِ الاجتماعيةِ المناقبيّةِ ودعَانَا لنشقَّ طريقّ الحرّيّةِ والحياةِ لأمَّتِنّا العظيمةِ الجديرةِ بالخلودِ والمجدِ. فإليكُمْ نقدِّمُ هذهِ العقيدةَ وندعوكُمْ لتبنُوْا معَنَا المستقبلَ بالعقلِ والعلمِ والمعرفةِ والانفتاحِ ليكونَ لنا وطنٌ جميلٌ فيهِ الخيرُ والبحبوحةُ والحبُّ والجمالُ وفيهِ النورُ والدفءُ والخصبُ والحياةُ.
*
كلمة الاديب سركيس كرم باللغة الانكليزية
"There is no greater satisfaction than in the task of promoting knowledge and spreading enlightenment through the launch of a book which contains the thoughts and vision of inspiring leaders. Today, we witness the launch of an extremely important book by Edmond Melhem whose tremendous work and impressive research to further explore and analyse the ideology and philosophy of Antun Sa'adeh confirms the sustainment of cultural wealth and creative talent that prevails within the ranks of the Syrian Social Nationalist Party.
Sa'adeh said in 1935 "I organized the party in the fashion that focuses on the quality of each recruit." Clearly, the quality of recruits is in evidence with the number of scholars and thinkers like Edmond Melhem who have distinguished the SSNP with the presence of an abundant assembly of intellects. The constant release of publications, analytical journals and literature which tackle various social and national issues reaffirm the Sa'adeh inspired culture.
I must admit that Edmond Melhem's book has given me a chance to discover in depth the philosophical thought of Sa'adeh and to view Sa'adeh's legacy with a slightly different perspective. For a 45-year old, born on 1st of March 1904 and blatantly assassinated on the 8th of July 1949, Sa'adeh left an enormous legacy that could not only redeem the nation if embraced and implemented properly, but would also establish a solid humanitarian platform for a better present and even a better future.
During his lifetime, with his sharp intellectual talent, unwavering national principles and exceptional leadership qualities, Sa'adeh represented a worrying dilemma to ignorant and in many cases corrupt politicians; thus it was not surprising to learn that they were relieved to see him executed and eliminated from the political scene as quick as was then possible. This trend of dreaded thinking continued after Sa'adeh and was carried out in various forms against members of his party. One of the main anti-Sa'adeh aims was to distort his image, his national drive and his social ambitions whether in Syria, Lebanon or the rest of the world. By publishing this book in English, Edmond Melhem succeeds in his quest to clarify certain issues in relation to Sa'adeh to the confused and often misinformed English speakers especially the Anglo-Saxon. This book drastically rectifies the situation by providing a well-documented and researched reference through which the ideas of Sa'adeh will certainly pave the way for clearer and more comprehensive mode of understanding among Western writers and readers.
Although, I am not here to engage in the debate on whether Sa'adeh was an ideologue or was a philosopher, I would be more than willing to disagree with those determined to fully restrict Sa'adeh's vision to constricted dimensions. I would rather declare him a universal visionary with a solid commitment to establish and preserve an obvious Syrian national renaissance capable of producing intellectual and national independence. The publication of Melhem's book in particular in English tend to take Sa'adeh's vision away from the narrowed viewpoint and into a new worldwide dimension without undermining the core of Sa'adeh's Syrian national drive.
According to Melhem on page 144, "The Ten Lectures," which contains Sa'adeh's speeches, has become a reference and the teaching book for the SSNP. This teaching book outlines the principles of the party and Sa'adeh's motives to form it. The basic characteristics of Sa'adeh's national ideology are summed up as such: a national and social ideology that seeks to unify the fragmented Syrian nation, a rational secular ideology that advocates a complete process of secularism, an authentic ideology rooted in the heart of Syrian life, a futuristic ideology for a better future and a humanistic ideology with a mission to guide other nations of the world and to carry the peace, prosperity and creativity. The humanistic ideology consolidates beyond doubt the universal outlook of Sa'adeh.
Sa'adeh focused on combining national consciousness and social duties to produce dynamic and progressive secular society. Such a drive could well be endorsed by any society anywhere in the world. His views on politics reflected a revolutionary concept. "Politics for the sake of politics could not possibly constitute a national act," he declared. A universal leader is one who envisages a set of ideals that could be embraced by people all over the world. Sa'adeh was certainly of that unique calibre. He was a writer, a thinker, a visionary, an advocate of moral values and a brave nationalist leader. Secularization was a key factor in his ideology. Sa'adeh listed the secular concept as number one when outlining his reform principles when he announced: "I also laid down a number of reform principles, namely, the separation of religion from the state, turning production into an infrastructure for the distribution of wealth and labour, and the establishment of a strong army that can play an effective role in determining the destiny of the nation and the homeland."
Edmond Melhem examines Sa'adeh's national concern to develop among his people a sentiment of nationality or as he said "to awaken the national consciousness of his compatriots." Melhem notes that "like many national ideologues and leaders, Sa'adeh assumed the role of national educator to instil in his people a sense of being a nation with great history, bound together by certain special attributes. Melhem stresses that the geographical environment constitutes an integral part of Sa'adeh definition of a nation. Sa'adeh agreed with Pascal Mancini that the "nation is a natural society" while he saw "the geographic environment is as essential for the life of the community or society as the earth is for life." Sa'adeh placed obvious importance on the building of a viable, solid and superior nation by the commitment of well-educated nationalist society. Such a nation would enjoy real independence in every respect and would cease to be under the hegemony of foreign powers.
Throughout the book which is written in a flowing elegant and academic style, Edmond Melhem underlines the essential chapters of Sa'adeh's life and ideas; his background, character, writings, national ideology, thoughts, literature and impact. Every chapter reinforces the universal leadership attributes of Antun Sa'adeh still very much relevant for today's world. On page 289, Melhem sheds light on Sa'adeh's "Islam in Two Messages" in which he explains the essence of religion and promotes the unity of Christianity and Islam. The "Impact" is another important chapter which ascertains that Sa'adeh's impact was not strictly political, but rather influenced key aspects of social culture. The chapter displays the impact of Sa'adeh's school of thought on literature and leading writers such as Adonis, Yusuf al-Khal, Khalil Hawi, Said Taqi al-Din, Salah Labaki, Muhammed al-Maghut and others. Sa'adeh's impact also influenced Arab art, music and theatre.
Edmond Melhem concludes his extremely valuable book by saying: "Antun Sa'adeh was the creator of a national renaissance that aimed to eliminate reactionary and backwards social mentalities, and inspire people with a sense of national consciousness, through which they would strengthen their national unity and put an end to their division and miseries." With his latest work, Melhem proves once more that Sa'adeh's thoughts are well and truly alive and often invigorated through loyal nationalists like him. Out of this context, the SSNP will remain a standout in as far as preserving and promoting Sa'adeh's legacy via cultural and inspirational means in order to advance the nation.
Finally, I extend sincere congratulations to Dr Edmond Melhem and may he continue to produce similar brilliant work in the future."
بعد ان نظمت منفذية ملبورن حفل توقيع الكتاب القيّم الذي اصدره الامين د. ادمون ملحم، Antun Sa’adeh National Philosopher نظمت منفذية سدني حفلاً مماثلاً يوم الاحد اول ايار 2011 في صالة Belmore Senior Citizens Center بحضور حشد من الرفقاء والاصدقاء والمهتمين من الاستراليين.
فيما يلي التقرير كما وردنا من نظارة اذاعة منفذية سدني.
افتتح الرفيق جيمس حرب الحفل بالحديث عن الواقع المفكك للأمة وعن ضرورة العمل الثقافي الذي لا ينفصل عن العمل السياسي والحزبي، كما تحدث بايجاز عن فكر سعاده الفلسفي الوحدوي و أبرز اهمية كتاب الدكتور ادمون ملحم في هذا الاطار، ثم قدم المحاضرين وفي مقدمتهم المُحاضرة في جامعة سيدني السيدة الأستاذة شاديا حجار.
اسهبت السيدة حجار في شرح مضامين الكتاب كما افصحت عما شعرت به من احساس بالمسؤولية تجاه هذه الفلسفة الرائدة التي أوجدت مفاهيم جديدة في قاموس اللغة العربية وخاصة مفهوم المتحد ومفهوم التفاعل وفلسفة المدرحية. كما اشارت الى اهمية اتخاذ سعاده للعقل شرعاً اعلى في جميع منطلقاته الفكرية. كذلك اشادت بجهد الدكتور ملحم في الإضاءة على هذه الفلسفة باللغة الانكليزية التي هي لغة الشبيبة في استراليا. كما عبرت عن مدى فرحها عندما اكتشفت الاحساس و الذوق الأدبي و الفني الكبير عند سعاده، و عندما رأت مدى تأثيره في الأدباء والفنانين والشعراء والفلاسفة السوريين.
بعدها تحدث الإعلامي الاستاذ سركيس كرم باللغة الانكليزية فأوضح تأثير سعاده الفعَال على جميع الأصعدة الفكرية والأدبية والفنية حيث شكلت طروحاته الفكرية الوحدوية سداً منيعاً في وجه طروحات الإنعزال والتشرذم والإنقسام. كما اشار الى ان سعاده كان قد جمع في نفسه مواهب متعددة حيث استطاع ان يبني عمارة فلسفية شامخة ملتزمة بقيم الحق والخير والجمال. كما تحدث عن قدرة الدكتور ملحم على ابراز جميع هذه الجوانب في شخصية سعاده الفلسفية والقيادية. وأقرَّ الإعلامي كرم بأنه تعمّق من خلال كتاب الدكتور ملحم بفكر سعاده الفلسفي واطلع على تراثه الفكري ونتيجة لذلك تكونت لديه فكرة مختلفة نوعاّ ما عن سعاده.
بعد ذلك تحدث ناظر الاذاعة والاعلام الرفيق جعفر بعلبكي عن مفهوم الفلسفة ونشأتها و بيّن بالأدلة والبراهين الواضحة عن جمع سعاده بين قطبي الفلسفة النظري والعلمي، كما اشار الى ان فلسفة سعاده هي فلسفة هادية لجميع الأمم و دعا الى تبني هذه الفلسفة في واقع التعددية الثقافية في استراليا، كما أبرز ان سعاده هو داعية حقوق الانسان وداعية السلام الأول في العالم و ذلك من خلال تحديده لأعداء السلام ودعوته للوقوف ضدهم، و لذلك اعلن ترشيحه الدائم لنيل جائزة نوبل للسلام. ثم أبرز قدرة الأمين الدكتور ملحم في الاضاءة على ذلك.
وفي الختام، تكلم الأمين الدكتور ملحم شاكراً المتكلمين والحضور، ثم اشار الى اهمية فلسفة سعاده في توليدها لنهضة فكرية وانتاجية وفي اعتمادها للمنطق الزينوني الرواقي وقوانينه، كما تحدث عن شخصية سعاده العبقرية وسعة ادراكه ومواهبه المتعددة في شؤون الفكر والفلسفة والأدب والفن والعلوم واللغات وعلى قدوته النضالية وتجسيده الفعلي والعملي لكل مبادئه، كما تحدث ايضاً عن فلسفة التفاعل الغير معنية بالتأويلات الماورائية و الفرضيات العقيمة، بل الساعية الى العناية بقضايا المجتمع الأساسية ومطالب الحياة و مثلها السامية.
وفي ما يلي النص الكامل لكلمة الأمين الدكتور ادمون ملحم:
*
مساءَ الخيرِ وأشكرُ حضورَكم ودعمَكم لهذا العملِ الثقافيِّ ولكلِّ أعمالِ ونشاطاتِ الحزبِ السوريِّ القوميِّ الإجتماعيِّ المتنوعة. أشكرُ كلَّ الذينَ تكلّمُوا وتناولوا الكتاب بكلماتِهمِ القِّيمة، المعبِّرةِ والصادقة.. أشكرُ الدكتورةَ شاديا حجّار والصديقَ الأستاذ سركيس كرم وحضرةَ ناظرِ الإذاعةِ والإعلامِ الرفيق جعفر بعلبكي والرفيقَ جيمس حرب. كما أشكرُ هيئةَ منفذيةِ سيدني لقرارِها بإقامةِ هذا الحفلِ والأعدادِ لهُ وأنوّهُ بجهودِ كلِّ الرفقاءِِ الذينَ ساهمُوا في هذا العملِ..
يسرُّني ويشرِّفُني أنْ أقفَ بينكم في هذا اليوم، وهو يومُ العملِ في بلادِنا، يومُ العمالِ والفلاحينَ وأصحابِ الفنونِ والحرف، يومُ المنتجينَ علماً وفكراً وصناعةً وغلالاً.. في هذا اليوم، أحييكم جميعاً وأحيي من خلالِكم ومن خلالِ وجوهِكُم النيّرةِ والتي أرى فيها وجوهَ أهلِنا وشعبِنا الكريمِ الخيّرِ في طبيعتِهِ والمعطاءِ في نفسيتِهِ والمبدعِ في إنجازاتِهِ، أحيي أرواح الشهداء الذين سقطوا مؤخراً في الوطن نتيجة المؤامرة المجرمة التي تحاول النيل من شام الصمود والممانعة وأحيي أمتَنا بكلِّ أبنائِها الصامدينَ والمقاومينَ والمنتجينَ فكراً وصناعةً وغلالا...
نحنُ نمجّدُ العملَ المنتجَ ونعتبرُهُ قيمةً إنسانيةً عليا وطاقةً مجتمعيّةً للإنتاجِ والنهوضِ الإجتماعيّ.. ونحنُ هنا اليومَ في صددِ تقديمِ إنتاجٍ فكريٍّ متواضعٍ لنْ يأتيَ تامًّا وكاملاً وقد يتضمّنُ ثغراتٍ ولكنّهُ محاولةٌ بحثيةٌ جديةٌ وصادقةٌ حاولْنَا فيها الدخولَ إلى عمارةٍ فكريةٍ فلسفيةٍ كاملةٍ أرسى مداميكَها ابن الأول ِمن آذارَعلى أسس ِالمبادىءِ المناقبيةِ الساميةِ التي تشكِّل ُقواعدَ انطلاقِِ الفكرِ ومكتنزاتِهِ ومراكزَ انطلاقٍ في اتجاهٍ واضحٍ في الحياة.. هذه العمارةُ الفكريّةُ التي حاولْنَا التعريفَ بمحتوياتِها وركائزِها هي الفلسفةُ القوميّةُ الاجتماعيّةُ الجليّةُ، الخاليةُ من الأوهامِ والمعبِّرةُ عن روحيةِ الأمةِ السوريّةِ وحقيقتِها. قبلَ التعريفِ بهذِهِ الفلسفةِ التي ولَّدَتْنهضةً قوميّةً عظيمةً كانَ لها أثرُهَا الواضحُ في المشرقِ، لا بُدَّ لنا منَ التحدّثِ بعضَ الشيءِ عنْ سعاده الفيلسوفِ وعنِ العدةِ المهنيّةِ التي استعانَ بها ليُنتجَ فلسفتَهُ الجديدةَ:
أنطون سعاده، أيهاالحاضرونَ المحترمون، كانَ موسوعةً جليلة في الفكر ِوالثقافةِ والأدبِ وكانَ كاتباًغزيرَالإنتاجِ تميَّزَ بالدّقةِ والتحليل ِوالإبداع ِونشأ على حبِّ اللغاتِ فبرزَ مثقفاً منَ الطرازِالرفيعِ ومطلعاً بعمقٍ على علوم شتَّى وعلى فلسفات وتياراتٍ فكريّةٍ ورسالاتٍ دينيّةٍ وحضاراتٍ إنسانيّةٍ وفنونٍ متنوعةٍ وكانَ لهُ فيها نظراتٌ عميقةٌ وصريحةٌ جداً. كمَا برزَ أديبا ًوناقداً مُبدعاً وصاحبَ رسالة ٍأدبيّةٍ إنسانيّةٍ خالدةٍ تدعو للتجديدِ في الأدب والشعور والحياة ولإنتاجِ أدبِ الحياةِ الرفيعِ. وقد تجلَّى إبداعُه ُفي أبحاث ٍومقالاتٍ نقديّةٍ عالج َفيها موضوعَ الأدبِمن ْأساسِهِ مُتعرِّضًا لحالةِ الفوضى السائدةِ في الساحةِ الأدبيّةٍ ومنتقد الطائفة ٍكبيرةٍ من الأدباءِ والشعراء ِوالكُتَّابِ الصّحافيين َالمعروفين َفي الساحةِ الأدبيّةِ في سورية وفي العالمِ العربيّ.
وتجلََّتْ عظمةُ هذاالرجلِ الثقافيّةُ في النتاجِ الفكريّ ِالضخم ِالذي تركَهُ للأمَّةِ والذي تضمنَ منظومةً منْ الأفكارِ والآراءِ العميقة ِفي الفلسفة ِوالاجتماع ِوالاقتصاد ِوالسياسة ِوالدين ِوالأدبِ والموسيقى وغيرِهَا من ْميادينِ الفكرِوالعلم ِوالفنونِ.
وآمنَ سعاده بالعلمِ والعقلِ الشرعَالأعلى والشرعَ الأساسيَّودعَا إلى استخدامِ العلومِ ومواكبةِ عصرِ الإختصاصِ الراقِي الذي نعيشُ فيه. وبرأيهِ "إذا قصَّرَ بعضُ شعبِنا عنْ هذِهِ المواكبةِ فعلىالمتعلّمينَ ألاّ يتعامَوْا عنْ "قوّةِ الحقائقِ العلميّةِ.." فالعلمُ برأيهِينقذُنا منَ السذاجةِ، وبخاصةً في القضايا الاجتماعيّةِ السياسيّة.
وسعاده اعتمدَ المنطقَ الزينوني وقوانينَهُ واستندَ إلى الحقائقِ العلميّةِ والأدلّةِ القاطعةِ وإلى ما توصلَتْ إليهِ دراساتُ العلماءِ وأبحاثُهُمفي مختلفِ المجالاتِ. ومنْ يقرأْ كتابَهُ العلميَّ:"نشوءُ الأممِ"، على سبيلِ المثالِ، يُلاحظْ أنَّهُاعتمدَ المناهجَ العلميّةَ واستمدَّ الحقائقَ الاجتماعيَّةَ منْ دراساتٍ وأبحاثٍ قرأَهَافي لغاتٍ أجنبيّةٍ لعلماءِ الجيولوجيَا والجغرافيَا والانتروبولوجيّةِ والآثارِ والتاريخِوالفلكِ وغيرِهم.وفي كتابِهِ "الإسلامُ في رسالتيه" يُوضِحُ سعاده أنَّهُ وضعَ أطروحتَهُ منْ أجلِ مُحاربةِالتدجيلِ العلميِّ والتدجيلِ الدينيِّ والاستهزاءِ بالتعاليمِ على الإطلاقِ، سواءَ أكانَتْدينيّةً أمْ غيرَ دينيّةٍ..."
وسعاده الفيلسوف شدّدَعلى قاعدةِ الوضوح ِوالانضباطِ الفكريِّ والتشديدِ اللفظيِّ و"اجتهد َكيلا يبقى كلامُه مطلقاً،بدونِ شواهدَ واضحةً. قرأَ الكُتبَ الأجنبيّةَ والعربيّةَ بتعمُّقٍ، وسفّّهَ بعقلِهِ العلميِّ الواقع يِّالمغالطةَ والتفكيرَالعامّيَّ المنحطَّ الخالي َمنْ كل ِثقافة ٍودراسة ٍصحيحةٍ. كما سفّّهَا لتأويلاتِ السطحيّة والأحكام َالغامضة َوالتعاميمَ المطلقةَ والآراءَ المُضللةَ المرتكزةَ على الوهم ِوالخيال ِوالتعصُّب وقدَّمَ لنا التعاريفَ الواضحةَ والتحديداتِ الدقيقةَ والنتائجَ المُنسجمة والمُترابطةَ والمُستندةَ على أسسٍ علميّة ٍوواقعيّةٍ. وباختصارٍ نقول ُأنّ سعاده كانَ صاحبَ تفكيرٍمنهجيّ ٍوكان منطقيًّا في أفكارِهِ وخلاّقًا برؤيتِه ِوواضحًا بمفاهيمٍهِ وآرائِهِ.
هذاالرجل ُالزعيم ُالمعبِّرعن حقيقة الأمة وتطلعاتها والذي عاشَ كلماتِه ِوجسَّد َالمثل َوالمناقبَ في ذاتِه ِوفي مسيرةِ حياتِهِ،هذا القائد الجريء الذي تمتّعَ بنفسٍ كبيرة ٍفي إيمانِه َاوحبِّهَ اوإخلاصِه َاوغنيّةٍ في أحلامِه َاالكبيرةِ ورغائبِهَ االعاليةِ، هذا المعلم – القدوة الذي خاطب أجيالاً لم تولد بعد شقَّ الطريقَ لحياةِ الأمّة بالمبادىءِ الجديدةِ التي وضعَهَا والتي كوّنت فلسفةَ نهضةِ الأمّةِ ماديًّا وروحيًّا. هذه الفلسفة المدرحية التي ترى أنَّ أساس َالارتقاءِ الإنسانيِّ هوأساسٌ ماديٌّ روحيٌّ هي فلسفةُ التفاعلِ الموحَّدِ الجامعِ لقوى الإنسانيةِ القائلةِ بتعاونِ المادّةِ والرّوحِ في كلِّ معركةٍ إنسانيةٍ غايتُها تحسينَ الحياةِ وتجويدَهَا.
والحقُّ نقولُ، إنَّ المدرحيةَ لا تعنى بالماورائيّاتِ ولا تقدِّمُ نظرياتٍ مجرّدةً وتصوّراتٍ خياليّةً أو افتراضيّةً بلْ هي فلسفةٌ وجوديّةٌ صراعيّةٌ عمليّةٌ تصّبُ اهتمامَهَا على الوجودِ وقضاياهُ وتسعى لتحقيقِ الحياةِ الحرّةِ الجميلةِ، حياةِ العزِّ والخيرِ والشرفِ والانتصارِ.فهي فلسفةٌ غائيةٌ لحياتِنَا القوميّةِ لأنَّهَا تبغي خروجّنَا منَ التفسّخِ الروحيِّ والبلبلةِ الفكريّة ِوالتمزّقِ الاجتماعيّ والشك ِوالفوضى إلى حالةِ الوحدةِ والوضوحِ والجلاءِ واليقين ِوالثقةِ بالنفسِ. وهي دعوة ٌللحداثةِ لأنَّهَا تبغي تأسيسَ عقليّةٍ أخلاقيّة جديدةٍ وبناءَ الإنسانِ الجديدِ في فكرِهِ وشعورِهِ، الإنسانِ - المجتمعِ الذي يعملُ لخيرِ مجتمعِهِ ورقيِهِ والذي يرفُضُ الاستزلامَ والعيشَ الذليلَ ويحيا لقضايا الحياةِ العاليةِ وغاياتِهَا العظيمةِ. وهي دعوةٌ للعصرنةِ لأنَّها تبغي الإصلاحَ الحقيقيَّ لا الشكلي، إصلاحِ النفوسِ وتحريرِهَامنالمساوىءِوالأهواءِ والنزواتِالفرديّةِ وبناءَ الدولةِ العصريّةِ الديمقراطيةِ المنبثقةِ عنْ إرادةِ الشعبِ التي تُساوي بينَ كلِّ المواطنينَ في الحقوقِِ والواجباتِ.. وهي دعوةٌ للبناءِ لأنَّهّا ترفُضُ حالةَ الفسيفساءِ والانقساماتِ النفسيّةِ والاجتماعيةِ في حياتِنَا وتريدُ بناءَ المجتمعِ القوميِّ الاجتماعيِّ الجديدِ المتحصّنِ بوعي أبنائِهِ ووحدتِهِم والخالِ منَ الظلمِ والتعسُّفِ والجهلِ والانحطاطِ الأخلاقيِّ ومنْ ثقافةِ التعصُّبِ والخوفِ والتقوقعِ والانغلاقِ وكلِّ أشكالِ التفرقةِ والانقساماتِ.
والمدرحيةُ هي فلسفةٌ لمصلحةِ الإنسانيّةِ وعمرانِهَا لأنَّها ُتعبِّرُ عنْ حاجاتٍ إنسانيّةٍ عامّةٍ وتقدِّمُ رؤيةً حضاريّةً جديدةً لإنقاذِ العالمِ منْ تخبُّطِهِ و"لإعادةِ النبوغِ السوريِّ إلى عملِهِ في إصلاحِ المجتمعِ الإنسانيِّ وترقيتِهِ".
وهذه الفلسفةُ القائمةُ على الولاءِ للمجتمعِ وعلى الحبِّ لهُ لا تعترِفُ بالدجلِ والتكاذبِ والرياءِ ولا بالبُغضِ والحقدِ والضغينةِ أساسًا للحياةِ. بلْ هي تُنادي بالتسامحِ القوميِّ وبالمحبّةِ القوميّةِ الصافيةِ وتعملُ للوحدةِ والألفةِ والوئامِ بينَ أبناءِ المجتمعِ الواحدِ. فهي تدعونَا لأنْ نكونَ طغاةً على الأنانيةِ القبيحةِ والمفاسدِ الاجتماعيّةِ وحربًا على الحزبياتِ الدينيّةِ والتعصبِ الطائفيِّ لأنَّ المجتمعَ يهلَكُ بالطائفيةِ ويحيا بالآخاءِ القوميِّ.
والفلسفةُ القوميّةُ الاجتماعيّةُ التي تدعونا للإيمانِ الُمطلقِ بحقيقتِنا الجميلةِ وتؤكّدُ أنَّ في النفسِ السوريّةِ أجملَ المثلِ العليا، هذه الفلسفةُ الأصيلةُتزرعُ في نفوسِنَا الوجدانَ والأملَ والإيمانَ وفيضًامن الحبِّ الذي يُغني الذاتَ بالسعادةِ والنبلِ والوفاءِ ويمنحُهَا القوّةَ والقدرةَ على الخلقِ والإبداعِ. يقولُ سعاده: "إذا اضمحلَّ الحبُّ فماذا يبقى من الحقيقةِ؟ ويقولُ أيضاً: "متى وجدَ الإنسانُ الحبَّ فقدْ وجدَ أساسَ الحياةَ والقوّةِ التي ينتصرُ بها على كلِّ عدوٍّ ". هذا الحبُّ الذي بِهِ وحدَهُ يحيا الإنسانُ وتُبنى الأوطانُ لا يراهُ سعاده خدودًا ونهودًا وشهواتٍ بلْ يراهُ حبًّا مدرحيًّا ساميًا إذا قرّبَ فمًا إلى فمٍ سكبَ نفسًا في نفسٍ، هو حبُّ النفوسِ الجميلةِ المؤمنةِ التي تشتركُ في فهمِ جمالِ الحياةِ، هو حبُّ النفوسِ المصمّمةِ على الوقوفِ معًا في تحقيقِ غاياتِهَا ومطالبِهَا العُليا في الحياةِ، هو حبُّ الأرضِ والمجتمعِ والإنسانِ، حبُّ العملِ والبناءِ، حبُّ العطاءِ والتضحيةِ حتّى الفداءِ، حبُّ العزّةِ والحياةِ الحرّةِ الشريفةِ، حبُّ الموتِ متَى كانَ طريقًا للحياةِ.
ختامًا، نقولُ أنَّ سعاده الفيلسوفَ لم يأتِنَا بالخوارقِ والمُعجزاتِ ولم يأتِنَا بتعاليمَ فيها أباطيلُ ومبالغاتٌ، بل أتانَا مؤمنًا بالحقائقِ الراهنةِ التي هي نحنُ. جاءَنَا بالعقيدةٍ القوميّةِ الاجتماعيةِ المناقبيّةِ ودعَانَا لنشقَّ طريقّ الحرّيّةِ والحياةِ لأمَّتِنّا العظيمةِ الجديرةِ بالخلودِ والمجدِ. فإليكُمْ نقدِّمُ هذهِ العقيدةَ وندعوكُمْ لتبنُوْا معَنَا المستقبلَ بالعقلِ والعلمِ والمعرفةِ والانفتاحِ ليكونَ لنا وطنٌ جميلٌ فيهِ الخيرُ والبحبوحةُ والحبُّ والجمالُ وفيهِ النورُ والدفءُ والخصبُ والحياةُ.
*
كلمة الاديب سركيس كرم باللغة الانكليزية
"There is no greater satisfaction than in the task of promoting knowledge and spreading enlightenment through the launch of a book which contains the thoughts and vision of inspiring leaders. Today, we witness the launch of an extremely important book by Edmond Melhem whose tremendous work and impressive research to further explore and analyse the ideology and philosophy of Antun Sa'adeh confirms the sustainment of cultural wealth and creative talent that prevails within the ranks of the Syrian Social Nationalist Party.
Sa'adeh said in 1935 "I organized the party in the fashion that focuses on the quality of each recruit." Clearly, the quality of recruits is in evidence with the number of scholars and thinkers like Edmond Melhem who have distinguished the SSNP with the presence of an abundant assembly of intellects. The constant release of publications, analytical journals and literature which tackle various social and national issues reaffirm the Sa'adeh inspired culture.
I must admit that Edmond Melhem's book has given me a chance to discover in depth the philosophical thought of Sa'adeh and to view Sa'adeh's legacy with a slightly different perspective. For a 45-year old, born on 1st of March 1904 and blatantly assassinated on the 8th of July 1949, Sa'adeh left an enormous legacy that could not only redeem the nation if embraced and implemented properly, but would also establish a solid humanitarian platform for a better present and even a better future.
During his lifetime, with his sharp intellectual talent, unwavering national principles and exceptional leadership qualities, Sa'adeh represented a worrying dilemma to ignorant and in many cases corrupt politicians; thus it was not surprising to learn that they were relieved to see him executed and eliminated from the political scene as quick as was then possible. This trend of dreaded thinking continued after Sa'adeh and was carried out in various forms against members of his party. One of the main anti-Sa'adeh aims was to distort his image, his national drive and his social ambitions whether in Syria, Lebanon or the rest of the world. By publishing this book in English, Edmond Melhem succeeds in his quest to clarify certain issues in relation to Sa'adeh to the confused and often misinformed English speakers especially the Anglo-Saxon. This book drastically rectifies the situation by providing a well-documented and researched reference through which the ideas of Sa'adeh will certainly pave the way for clearer and more comprehensive mode of understanding among Western writers and readers.
Although, I am not here to engage in the debate on whether Sa'adeh was an ideologue or was a philosopher, I would be more than willing to disagree with those determined to fully restrict Sa'adeh's vision to constricted dimensions. I would rather declare him a universal visionary with a solid commitment to establish and preserve an obvious Syrian national renaissance capable of producing intellectual and national independence. The publication of Melhem's book in particular in English tend to take Sa'adeh's vision away from the narrowed viewpoint and into a new worldwide dimension without undermining the core of Sa'adeh's Syrian national drive.
According to Melhem on page 144, "The Ten Lectures," which contains Sa'adeh's speeches, has become a reference and the teaching book for the SSNP. This teaching book outlines the principles of the party and Sa'adeh's motives to form it. The basic characteristics of Sa'adeh's national ideology are summed up as such: a national and social ideology that seeks to unify the fragmented Syrian nation, a rational secular ideology that advocates a complete process of secularism, an authentic ideology rooted in the heart of Syrian life, a futuristic ideology for a better future and a humanistic ideology with a mission to guide other nations of the world and to carry the peace, prosperity and creativity. The humanistic ideology consolidates beyond doubt the universal outlook of Sa'adeh.
Sa'adeh focused on combining national consciousness and social duties to produce dynamic and progressive secular society. Such a drive could well be endorsed by any society anywhere in the world. His views on politics reflected a revolutionary concept. "Politics for the sake of politics could not possibly constitute a national act," he declared. A universal leader is one who envisages a set of ideals that could be embraced by people all over the world. Sa'adeh was certainly of that unique calibre. He was a writer, a thinker, a visionary, an advocate of moral values and a brave nationalist leader. Secularization was a key factor in his ideology. Sa'adeh listed the secular concept as number one when outlining his reform principles when he announced: "I also laid down a number of reform principles, namely, the separation of religion from the state, turning production into an infrastructure for the distribution of wealth and labour, and the establishment of a strong army that can play an effective role in determining the destiny of the nation and the homeland."
Edmond Melhem examines Sa'adeh's national concern to develop among his people a sentiment of nationality or as he said "to awaken the national consciousness of his compatriots." Melhem notes that "like many national ideologues and leaders, Sa'adeh assumed the role of national educator to instil in his people a sense of being a nation with great history, bound together by certain special attributes. Melhem stresses that the geographical environment constitutes an integral part of Sa'adeh definition of a nation. Sa'adeh agreed with Pascal Mancini that the "nation is a natural society" while he saw "the geographic environment is as essential for the life of the community or society as the earth is for life." Sa'adeh placed obvious importance on the building of a viable, solid and superior nation by the commitment of well-educated nationalist society. Such a nation would enjoy real independence in every respect and would cease to be under the hegemony of foreign powers.
Throughout the book which is written in a flowing elegant and academic style, Edmond Melhem underlines the essential chapters of Sa'adeh's life and ideas; his background, character, writings, national ideology, thoughts, literature and impact. Every chapter reinforces the universal leadership attributes of Antun Sa'adeh still very much relevant for today's world. On page 289, Melhem sheds light on Sa'adeh's "Islam in Two Messages" in which he explains the essence of religion and promotes the unity of Christianity and Islam. The "Impact" is another important chapter which ascertains that Sa'adeh's impact was not strictly political, but rather influenced key aspects of social culture. The chapter displays the impact of Sa'adeh's school of thought on literature and leading writers such as Adonis, Yusuf al-Khal, Khalil Hawi, Said Taqi al-Din, Salah Labaki, Muhammed al-Maghut and others. Sa'adeh's impact also influenced Arab art, music and theatre.
Edmond Melhem concludes his extremely valuable book by saying: "Antun Sa'adeh was the creator of a national renaissance that aimed to eliminate reactionary and backwards social mentalities, and inspire people with a sense of national consciousness, through which they would strengthen their national unity and put an end to their division and miseries." With his latest work, Melhem proves once more that Sa'adeh's thoughts are well and truly alive and often invigorated through loyal nationalists like him. Out of this context, the SSNP will remain a standout in as far as preserving and promoting Sa'adeh's legacy via cultural and inspirational means in order to advance the nation.
Finally, I extend sincere congratulations to Dr Edmond Melhem and may he continue to produce similar brilliant work in the future."
الاعلامي والاديب ارفيق خالد حميدان
الاعـلامــي والاديـب الرفـيق خـالـد حمـيدان
عرفته في الفترة 1966 – 1967 طالباً جامعياً، فصحافياً واديباً.
واذ غادر الى كندا انقطعتُ عن معرفة اخباره، الى ان اطلعت عبر فرعنا الحزبي في تورنتو على نشاطه الادبي والاعلامي، ناشراً جريدة باسم " الجالية " ومحتلاً في اوساط الجالية حضوراً فاعلاً، عضواً ورئيساً لعدد من المؤسسات.
وتراسلنا، الى ان زار لبنان مؤخراً فالتقينا، لنستعيد معاً ذكريات الماضي الحلوة ونستذكر عشرات الرفقاء ممن نشطوا حزبياً في تلك السنوات الصعبة، ولأتعرف بفرح على نجاحه في المغترب الكندي، اديباً واعلامياً،
انه الرفيق خالد حميدان.
عنه هذه النبذة كما وردت في كتبه التي اطلعت عليها بشغف وتوقفت بتقدير امام الكثير من المقالات والدراسات التي احتوتها، ولعل ابرزها قصته الممتعة مع الاديب الكبير ميخائيل نعيمة، وقد اوردها في الطبعة الثانية من كتابه " الابله الحكيم " الصادرة في تورنتو عام 2008.
*
- من مواليد بيروت – لبنان، مقيم في كندا منذ العام 1988.
- مجاز في الحقوق/ صاحب المركز الاستشاري للاعلام.
- عمل بين 1995 و 2008 على اصدار عدد من المطبوعات الصحفية في كندا كان ابرزها: مجلة " الصفاء " عن الجمعية الدرزية الكندية وجريدة " المستقبل " عن مؤسسة ميديا آر.
- ناشر ورئيس تحرير مجلة " اضواء " – تورنتو / كندا.
- ناشر ورئيس تحرير جريدة " الجالية " – تورنتو / كندا.
النـشاطـات الاجـتماعـية:
- عضو مركز الجالية العربية في تورنتو.
- عضو الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية – فرع كندا.
- عضو مؤسس لجامعة اللبنانيين الكنديين.
- عضو ورئيس سابق للجمعية الدرزية الكندية في اونتاريو.
- عضو ورئيس سابق لرابطة الاعلاميين الكنديين العرب.
- عضو ورئيس سابق للمجلس الاثني الكندي للاعلام.
- مؤسس ورئيس مركز التراث العربي.
- مؤسس ورئيس المهرجان الكندي المتعدد الثقافات.
جـوائز تقـديـريـة:
حائز على جوائز تقديرية عديدة من جهات حكومية واهلية لمساهماته في النشاطات الثقافية والاعلامية المتعددة، لا سيما في مجال التعددية الثقافية. وابرز هذه الجهات: رئساة الحكومة الفدرالية، رئاسة حكومة اونتاريو، بلدية تورنتو، الاحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة، مركز الجالية العربية في تورنتو، مجلس الصحافة الاثنية في كندا، رابطة المسلمين التقدميين في كندا، الجمعية الدرزية الكندية في اونتاريو والاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية.
مـؤلـفـاتـه:
1- الابله الحكيم (الطبعة الاولى): 1974.
2- اصداء واضواء: 1978.
3- الابله الحكيم (الطبعة الثانية): 2008.
4- كلمات بلا حواجز: 2009.
5- بيت التوحيد بيت العرب: 2009.
6- اوراق حائرة: 2009.
7- الوصايا العشر:2009.
8- الابله الحكيم ( الطبعة الثالثة): 2011.
9- كلمات بلا حواجز (الطبعة الثانية):2011.
10- الوصايا العشر (الطبعة الثانية): 2011.
11- اواراق حائرة (الطبعة الثانية): 2011.
رسـالـة الاديـب ميخائـيل نعـيمة:
بسكنتا – لبنان
15 شباط 1974
عزيزي خالد،
استهواني في كتابك " الابله الحكيم " نفس شعري اصيل ونزعة باطنية لا تتهيب الغوص الى الاعماق، ولا تتلهى بظواهر الاشياء عن بواطنها، ولذلك فهي تخاطب الناس بمنتهى الجرأة:
" ايها العابثون بمشيئة الله، لا تقربوا اوكار الظلام، ولا تواكبوا قافلة الضباب ان كنتم تقصدون النور.... واعلموا انكم تسيرون في نفق من الضلال لن تهتدي فيهقلوبكم بغير ذكر الحق. وان ذكرتم الحق في انفسكم فإنكم سترشدون....".
تمنيت لو انك وضعت " الابله " في اطار فني يليق بالحكمة التي تنزلق عن لسانه وبالنفثات الشعرية التي تصعد من وجدانه....
لست اريد ان يفوتني التنويه بحسن ذوق رئبال نصر الذي وضع رسوم الكتاب، وبحسن ذوقك انت في اخراجه.... تباركت باكورتك والروح التي تمخضت عنها.
المخلص
ميخائيل نعيمة
تقديـم الدكتور كلوفيـس مقصـود لكـتاب " كلـمات بلا حـواجز ":
" كلمات بلا حواجز " عنوان كتاب يشمل مجموعة من افتتاحيات الصديق خالد حميدان – رئيس تحرير وناشر صحيفة " الجالية " في تورنتو – كندا. هذه الاسهامات، التي هي بمثابة تحليلات للأحداث في الوطن العربي منذ مستهل القرن الواحد والعشرين لغاية نهايات 2007، تشكل ذخيرة اعلامية تتسم بالتزام واضح وعمق في التحليل وبتصميم في ان تكون الكلمة مسؤولة والنص بمجمله وسيلة انارة واثراء للمعرفة..
هذا التوصيف الذي يميز " كلمات " خالد حميدان ان كونها في حقيقتها " بلا حواجز " مما يعني ان تلقائية صياغتها نابعة من ثراء التجربة – مهنياً وعقائدياً – وعن سلامة الاحاطة بمسببات ودوافع ما يحدث، وبرغبة ملحة في ان تبقى خاضعة لمقتضيات الامل رغم انها تنطوي على عوامل التشاؤم والاحباط. وهذه الرغبة هي تعبير عن ثقة في استقامة الامة رغم ما تعانيه من القمع والتهميش، وعن كون الاندثار الحاصل هو حالة مؤقتة... من هذا المنطلق يكتشف القارئ كيف ان الالتزام القوي لدى المؤلف يجعله بمنأى عن الاستقالة رغم سوداوية الحالة الراهنة.
..... والحالة الراهنة في مختلف ارجاء الوطن – أكان في فلسطين او العراق او لبنان او غيرها – تحول دون مؤشر يوحي بالتفاؤل. الا ان في " كلمات بلا حواجز " ما يدخلك الى فضاء من الامل كون خلاصة مضمونها ان الحواجز لن تثني الملتزم عن ارادة اخراج الامة من " المصيدة " التي جعلت الانظمة السائدة فيها تكاد ان تفقدها الحد الادنى من المناعة. هذا ما يفسر " بلا حواجز ": اي رفض ان تكون الحواجز القائمة معطلةً للارادة القومية وحائلاً بوجه ارتقاء الامة.
* * *
لعلّ ماهو لافت للنظر هو ان خالد حميدان عندما صمم على تأسيس " الجالية " اراد منها نقيضاً لمفهوم الاغتراب. او هكذا اعتقد، كون مضمون الثقافة السياسية التي تنطوي عليها " كلمات بلا حواجز " تشير الى ان كلمة " الجالية " تنطوي على ديمومة التواصل بين الوطن الام ووطن الانتماء والاقامة. وهذا المعنى له بنظري مدلولات هامة للغاية خاصة ان عاملي الاقامة والانتماء من شأهما ان يؤديا في حال غياب او نقص في عملية التواصل الى دفع شرعية الاقامة والانتماء ذوباناً وانصهاراً – وهذا لا يعني بأي حال انه يجب ألا يُعزز الانتماء الى بلد الاقامة. لا بل على العكس تماماً، فتمكين الانتماء يؤول الى توسيع آفاق المشاركة والاستفادة، خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة. لذلك كان لتسمية الصحيفة ان اعطت الجالية رسالة تجسير ومن ثم قيام ثنائية واعدة للمواطنة بحيث يصبح التواصل تمكيناً لمزيد من التفاهم وتعزيزاً للعلاقة دون اي انتقاص من تجذر الهوية القومية وما تمليه هذه الخيرة من دفء الاحتضان وضرورة المساندة.
لا ادري اذا كان الصديق الاستاذ خالد حميدان كان يهدف بتسمية صحيفته بـ " الجالية " الى هذا الدور المطلوب او ان معرفته لشروط التواصل جعلته واعياً بأن الجالية في كندا ليست " مغتربة " وان كنت بعض شرائحها تبدو كذلك. فما تضمنه كتاب " كلمات بلا حواجز " هو اصرار على استرجاعها الى الجالية بمعنى كونها آلية التواصل.
اعتقد جازماً ان الجالية العربية اجمالاً في مختلف ارجاء العالم مطالبة في ان تبلور مشاريع واضحة تمكن الوطن الام من الاستقواء في مواجهة التحديات المتكاثرة، وان تساهم في تحديد اولويات مشاريع الاستقلال والتنمية ونزع فتيل النزاعات الداخلية الذي يؤثر سلباً على حياة الامة ويجعلها عرضة لتصدعات اجتماعية وحقلاً للانتهاكات والتدخلات الاجنبية مما يؤدي الى تعجيز العرب في توخي توحدهم ونهضة اوطانهم.... يستتبع ذلك ان على الجالية العربية في مواقع الانتشار ان تكون خميرة لما يجب ان تكون عليه الاوطان الام لا مرآة لما هو عليه معظمها من تشرذم طائفي ومذهبي وتخلف تنموي وحرمان لممارسات حقوق الانسان... وان التواصل المطلوب يجب ان يكون مستداماً لا تعتريه تقطعات موسمية. ويستحضر هذا قيام مؤسسات للجالية العربية – كما هو حاصل في كندا – كذلك في سائر انحاء العالم، ةان يتم فيما بينها تناسق جدي وملزم للجاليات من خلال تكامل ادوارها والتأكيد على ان دورها في الوطن الام هو نابع من حقها في المشاركة وان هذا الدور هو تظهير لتداخل " مرغوب " لا كما يصفه الانعزاليون في الامة على نه " تدخل مرفوض ". ولعل اول هدف للجاليات العربية في العالم ان تعمل على الغاء وزارات " المغتربين " كون التواصل هو تعبير عن انغماس طوعي في معاناة وطموحات الشعوب المقيمة...
* * *
في ضوء " كلمات بلا حواجز " تحولت استساغتي الى قراءة الادب السياسي والالتزام بمشروع النهضة، والى ما اثبته خالد حميدان من قدرة على الدعوة كما على التقيد بكل الميزات القيادية التي رافقت مضامين ما احتوت عليها النصوص. وهذا ما دفعني الى ان اتجاوز التعليق الكلاسيكي الى " تحريض " الجالية – المنبر، كي تحرض بدورها الجالية العربية في كندا لتصبح طليعة التواصل خدمةً للوطن الام ولوضن الانتماء والاقامة عي حد سواء...
اما كيف...؟ فإن الرصيد الذي احتوته " كلمات بلا حواجز " والالتزام الذي ابداه " خالد حميدان " كفيلان بجعل تواصل الجالية في اداء رسالتها متوفراً.
هذه الاضاءة الموجزة التي بها نعرّف عن الاديب والاعلامي الرفيق خالد حميدان لا تحكي عن كل " خالد حميدان " الذي يصح ان يتناول بعطاءاته الكثيرة في ميدان الادب والصحافة.
ادباء واعلاميون، يقرأون بعمق مؤلفاته، يدققون في ما احتوته من مقالات ودراسات وادب وجداني.
انها دعوة لكل من اطلع، او يجب ان يطلع على مؤلفاته.
عرفته في الفترة 1966 – 1967 طالباً جامعياً، فصحافياً واديباً.
واذ غادر الى كندا انقطعتُ عن معرفة اخباره، الى ان اطلعت عبر فرعنا الحزبي في تورنتو على نشاطه الادبي والاعلامي، ناشراً جريدة باسم " الجالية " ومحتلاً في اوساط الجالية حضوراً فاعلاً، عضواً ورئيساً لعدد من المؤسسات.
وتراسلنا، الى ان زار لبنان مؤخراً فالتقينا، لنستعيد معاً ذكريات الماضي الحلوة ونستذكر عشرات الرفقاء ممن نشطوا حزبياً في تلك السنوات الصعبة، ولأتعرف بفرح على نجاحه في المغترب الكندي، اديباً واعلامياً،
انه الرفيق خالد حميدان.
عنه هذه النبذة كما وردت في كتبه التي اطلعت عليها بشغف وتوقفت بتقدير امام الكثير من المقالات والدراسات التي احتوتها، ولعل ابرزها قصته الممتعة مع الاديب الكبير ميخائيل نعيمة، وقد اوردها في الطبعة الثانية من كتابه " الابله الحكيم " الصادرة في تورنتو عام 2008.
*
- من مواليد بيروت – لبنان، مقيم في كندا منذ العام 1988.
- مجاز في الحقوق/ صاحب المركز الاستشاري للاعلام.
- عمل بين 1995 و 2008 على اصدار عدد من المطبوعات الصحفية في كندا كان ابرزها: مجلة " الصفاء " عن الجمعية الدرزية الكندية وجريدة " المستقبل " عن مؤسسة ميديا آر.
- ناشر ورئيس تحرير مجلة " اضواء " – تورنتو / كندا.
- ناشر ورئيس تحرير جريدة " الجالية " – تورنتو / كندا.
النـشاطـات الاجـتماعـية:
- عضو مركز الجالية العربية في تورنتو.
- عضو الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية – فرع كندا.
- عضو مؤسس لجامعة اللبنانيين الكنديين.
- عضو ورئيس سابق للجمعية الدرزية الكندية في اونتاريو.
- عضو ورئيس سابق لرابطة الاعلاميين الكنديين العرب.
- عضو ورئيس سابق للمجلس الاثني الكندي للاعلام.
- مؤسس ورئيس مركز التراث العربي.
- مؤسس ورئيس المهرجان الكندي المتعدد الثقافات.
جـوائز تقـديـريـة:
حائز على جوائز تقديرية عديدة من جهات حكومية واهلية لمساهماته في النشاطات الثقافية والاعلامية المتعددة، لا سيما في مجال التعددية الثقافية. وابرز هذه الجهات: رئساة الحكومة الفدرالية، رئاسة حكومة اونتاريو، بلدية تورنتو، الاحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة، مركز الجالية العربية في تورنتو، مجلس الصحافة الاثنية في كندا، رابطة المسلمين التقدميين في كندا، الجمعية الدرزية الكندية في اونتاريو والاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية.
مـؤلـفـاتـه:
1- الابله الحكيم (الطبعة الاولى): 1974.
2- اصداء واضواء: 1978.
3- الابله الحكيم (الطبعة الثانية): 2008.
4- كلمات بلا حواجز: 2009.
5- بيت التوحيد بيت العرب: 2009.
6- اوراق حائرة: 2009.
7- الوصايا العشر:2009.
8- الابله الحكيم ( الطبعة الثالثة): 2011.
9- كلمات بلا حواجز (الطبعة الثانية):2011.
10- الوصايا العشر (الطبعة الثانية): 2011.
11- اواراق حائرة (الطبعة الثانية): 2011.
رسـالـة الاديـب ميخائـيل نعـيمة:
بسكنتا – لبنان
15 شباط 1974
عزيزي خالد،
استهواني في كتابك " الابله الحكيم " نفس شعري اصيل ونزعة باطنية لا تتهيب الغوص الى الاعماق، ولا تتلهى بظواهر الاشياء عن بواطنها، ولذلك فهي تخاطب الناس بمنتهى الجرأة:
" ايها العابثون بمشيئة الله، لا تقربوا اوكار الظلام، ولا تواكبوا قافلة الضباب ان كنتم تقصدون النور.... واعلموا انكم تسيرون في نفق من الضلال لن تهتدي فيهقلوبكم بغير ذكر الحق. وان ذكرتم الحق في انفسكم فإنكم سترشدون....".
تمنيت لو انك وضعت " الابله " في اطار فني يليق بالحكمة التي تنزلق عن لسانه وبالنفثات الشعرية التي تصعد من وجدانه....
لست اريد ان يفوتني التنويه بحسن ذوق رئبال نصر الذي وضع رسوم الكتاب، وبحسن ذوقك انت في اخراجه.... تباركت باكورتك والروح التي تمخضت عنها.
المخلص
ميخائيل نعيمة
تقديـم الدكتور كلوفيـس مقصـود لكـتاب " كلـمات بلا حـواجز ":
" كلمات بلا حواجز " عنوان كتاب يشمل مجموعة من افتتاحيات الصديق خالد حميدان – رئيس تحرير وناشر صحيفة " الجالية " في تورنتو – كندا. هذه الاسهامات، التي هي بمثابة تحليلات للأحداث في الوطن العربي منذ مستهل القرن الواحد والعشرين لغاية نهايات 2007، تشكل ذخيرة اعلامية تتسم بالتزام واضح وعمق في التحليل وبتصميم في ان تكون الكلمة مسؤولة والنص بمجمله وسيلة انارة واثراء للمعرفة..
هذا التوصيف الذي يميز " كلمات " خالد حميدان ان كونها في حقيقتها " بلا حواجز " مما يعني ان تلقائية صياغتها نابعة من ثراء التجربة – مهنياً وعقائدياً – وعن سلامة الاحاطة بمسببات ودوافع ما يحدث، وبرغبة ملحة في ان تبقى خاضعة لمقتضيات الامل رغم انها تنطوي على عوامل التشاؤم والاحباط. وهذه الرغبة هي تعبير عن ثقة في استقامة الامة رغم ما تعانيه من القمع والتهميش، وعن كون الاندثار الحاصل هو حالة مؤقتة... من هذا المنطلق يكتشف القارئ كيف ان الالتزام القوي لدى المؤلف يجعله بمنأى عن الاستقالة رغم سوداوية الحالة الراهنة.
..... والحالة الراهنة في مختلف ارجاء الوطن – أكان في فلسطين او العراق او لبنان او غيرها – تحول دون مؤشر يوحي بالتفاؤل. الا ان في " كلمات بلا حواجز " ما يدخلك الى فضاء من الامل كون خلاصة مضمونها ان الحواجز لن تثني الملتزم عن ارادة اخراج الامة من " المصيدة " التي جعلت الانظمة السائدة فيها تكاد ان تفقدها الحد الادنى من المناعة. هذا ما يفسر " بلا حواجز ": اي رفض ان تكون الحواجز القائمة معطلةً للارادة القومية وحائلاً بوجه ارتقاء الامة.
* * *
لعلّ ماهو لافت للنظر هو ان خالد حميدان عندما صمم على تأسيس " الجالية " اراد منها نقيضاً لمفهوم الاغتراب. او هكذا اعتقد، كون مضمون الثقافة السياسية التي تنطوي عليها " كلمات بلا حواجز " تشير الى ان كلمة " الجالية " تنطوي على ديمومة التواصل بين الوطن الام ووطن الانتماء والاقامة. وهذا المعنى له بنظري مدلولات هامة للغاية خاصة ان عاملي الاقامة والانتماء من شأهما ان يؤديا في حال غياب او نقص في عملية التواصل الى دفع شرعية الاقامة والانتماء ذوباناً وانصهاراً – وهذا لا يعني بأي حال انه يجب ألا يُعزز الانتماء الى بلد الاقامة. لا بل على العكس تماماً، فتمكين الانتماء يؤول الى توسيع آفاق المشاركة والاستفادة، خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة. لذلك كان لتسمية الصحيفة ان اعطت الجالية رسالة تجسير ومن ثم قيام ثنائية واعدة للمواطنة بحيث يصبح التواصل تمكيناً لمزيد من التفاهم وتعزيزاً للعلاقة دون اي انتقاص من تجذر الهوية القومية وما تمليه هذه الخيرة من دفء الاحتضان وضرورة المساندة.
لا ادري اذا كان الصديق الاستاذ خالد حميدان كان يهدف بتسمية صحيفته بـ " الجالية " الى هذا الدور المطلوب او ان معرفته لشروط التواصل جعلته واعياً بأن الجالية في كندا ليست " مغتربة " وان كنت بعض شرائحها تبدو كذلك. فما تضمنه كتاب " كلمات بلا حواجز " هو اصرار على استرجاعها الى الجالية بمعنى كونها آلية التواصل.
اعتقد جازماً ان الجالية العربية اجمالاً في مختلف ارجاء العالم مطالبة في ان تبلور مشاريع واضحة تمكن الوطن الام من الاستقواء في مواجهة التحديات المتكاثرة، وان تساهم في تحديد اولويات مشاريع الاستقلال والتنمية ونزع فتيل النزاعات الداخلية الذي يؤثر سلباً على حياة الامة ويجعلها عرضة لتصدعات اجتماعية وحقلاً للانتهاكات والتدخلات الاجنبية مما يؤدي الى تعجيز العرب في توخي توحدهم ونهضة اوطانهم.... يستتبع ذلك ان على الجالية العربية في مواقع الانتشار ان تكون خميرة لما يجب ان تكون عليه الاوطان الام لا مرآة لما هو عليه معظمها من تشرذم طائفي ومذهبي وتخلف تنموي وحرمان لممارسات حقوق الانسان... وان التواصل المطلوب يجب ان يكون مستداماً لا تعتريه تقطعات موسمية. ويستحضر هذا قيام مؤسسات للجالية العربية – كما هو حاصل في كندا – كذلك في سائر انحاء العالم، ةان يتم فيما بينها تناسق جدي وملزم للجاليات من خلال تكامل ادوارها والتأكيد على ان دورها في الوطن الام هو نابع من حقها في المشاركة وان هذا الدور هو تظهير لتداخل " مرغوب " لا كما يصفه الانعزاليون في الامة على نه " تدخل مرفوض ". ولعل اول هدف للجاليات العربية في العالم ان تعمل على الغاء وزارات " المغتربين " كون التواصل هو تعبير عن انغماس طوعي في معاناة وطموحات الشعوب المقيمة...
* * *
في ضوء " كلمات بلا حواجز " تحولت استساغتي الى قراءة الادب السياسي والالتزام بمشروع النهضة، والى ما اثبته خالد حميدان من قدرة على الدعوة كما على التقيد بكل الميزات القيادية التي رافقت مضامين ما احتوت عليها النصوص. وهذا ما دفعني الى ان اتجاوز التعليق الكلاسيكي الى " تحريض " الجالية – المنبر، كي تحرض بدورها الجالية العربية في كندا لتصبح طليعة التواصل خدمةً للوطن الام ولوضن الانتماء والاقامة عي حد سواء...
اما كيف...؟ فإن الرصيد الذي احتوته " كلمات بلا حواجز " والالتزام الذي ابداه " خالد حميدان " كفيلان بجعل تواصل الجالية في اداء رسالتها متوفراً.
هذه الاضاءة الموجزة التي بها نعرّف عن الاديب والاعلامي الرفيق خالد حميدان لا تحكي عن كل " خالد حميدان " الذي يصح ان يتناول بعطاءاته الكثيرة في ميدان الادب والصحافة.
ادباء واعلاميون، يقرأون بعمق مؤلفاته، يدققون في ما احتوته من مقالات ودراسات وادب وجداني.
انها دعوة لكل من اطلع، او يجب ان يطلع على مؤلفاته.
ابن مدينة طبريا وكاتب تاريخها، الرفيق خليل محمود السعد
ابـن مديـنة " طبـريا " وكـاتـب تاريـخـها
الـرفيق الكـاتب خلـيل محمـود السـعـد
بتاريخ 03/03/2011 عممنا فصلاً من كتاب " طبرية تاريخ وامل " الذي كان اصدره احد بنائها، الكاتب الرفيق خليل محمود السعد، ونشرنا اضاءات موجزة عن سيرته.
هنا المزيد منها:
• ولد الرفيق خليل السعد عام 1935 في مدينة طبريا، ووالده مطارد من قبل قوات الاحتلال البريطاني لدوره في اغتيال احد القادة العسكريين الانجليز في المنطقة الشمالية من الاردن.
• تعرّف على الحزب السوري القومي الاجتماعي من خلال معلمه الرفيق يوسف الصايغ، وعرف بالموقف البطولي للرفيق الشهيد عباس حماد (ابن طبرية) وغيره من مناضلي الحزب، فانتمى عام 1952.
• قام بالعديد من المهمات الحزبية والقومية وحضر العديد من المؤتمرات الحزبية ممثلاً لمنفذية الاردن.
• عمل مدرّساً في وكالة الغوث الدولية منذ العام 1952 لغاية 1972، وكان طيلة خدمته، القومي الاجتماعي الملتزم، المعبّر عن امته، وكان له دور كبير في اذاعة تعاليم الحزب في الستينات من القرن الماضي.
• تعرّض عام 1971 لمؤامرة اغتياله في اربد من قبل احدى التنظيمات المناوئة الا انه نجامنها بعد ان حصلت خلافات بين العناصر المولجة بالتنفيذ، وقيادتهم، حول اختياره للتصفية الجسدية هو والرفيق الاعلامي المعروف جورج حداد وآخرين.
• منع من دخول الشام في فترة الوحدة مع مصر، بسبب اتخاذه موقفاً منها، وقد كان له حديث اذاعي من اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية صباح كل يوم، يتحدث عن الوحدة مبيّناً عدم صحتها، وانها لا بد زائلة.
• الى نشاطه الثقافي والاعلامي في مجلة " الدنيا " الدمشقية وصحف " الجهاد "، " فلسطين "، " الدستور "، " الجزيرة " و " الفيصل " السعوديتين، كان له دور فاعل في العمل الاجتماعي من خلال الجمعيات الخيرية ومنها " جمعية التضامن الخيرية " التي اسسها.
• عمل مدرّساً في المملكة العربية السعودية من العام 1972 لغاية 1991، حيث عاد الى الوطن وقد انهك المرض جسده، الا انه بقي على تواصل مع رفقائه، ناشراً التعاليم القومية الاجتماعية التي آمن بها.
• عمل على كتابة العديد من الدراسات في المسألة اليهودية، نشرت في جريدة " العرب اليوم " وفيها كشف عن اكاذيب اليهود، وفضح مؤامراتهم، فوضع اسمه مع آخرين ضمن قائمة " اعداء السلام " السوداء وكان ترتيبه السابع في القائمة.
وافته المنية بتاريخ 14/04/2000، وهذا اليوم هو ذكرى يوم بدء معركة طبريا عام 1948 قبل احتلالها من قبل اليهود تاريخ 19/04/1948.
الـرفيق الكـاتب خلـيل محمـود السـعـد
بتاريخ 03/03/2011 عممنا فصلاً من كتاب " طبرية تاريخ وامل " الذي كان اصدره احد بنائها، الكاتب الرفيق خليل محمود السعد، ونشرنا اضاءات موجزة عن سيرته.
هنا المزيد منها:
• ولد الرفيق خليل السعد عام 1935 في مدينة طبريا، ووالده مطارد من قبل قوات الاحتلال البريطاني لدوره في اغتيال احد القادة العسكريين الانجليز في المنطقة الشمالية من الاردن.
• تعرّف على الحزب السوري القومي الاجتماعي من خلال معلمه الرفيق يوسف الصايغ، وعرف بالموقف البطولي للرفيق الشهيد عباس حماد (ابن طبرية) وغيره من مناضلي الحزب، فانتمى عام 1952.
• قام بالعديد من المهمات الحزبية والقومية وحضر العديد من المؤتمرات الحزبية ممثلاً لمنفذية الاردن.
• عمل مدرّساً في وكالة الغوث الدولية منذ العام 1952 لغاية 1972، وكان طيلة خدمته، القومي الاجتماعي الملتزم، المعبّر عن امته، وكان له دور كبير في اذاعة تعاليم الحزب في الستينات من القرن الماضي.
• تعرّض عام 1971 لمؤامرة اغتياله في اربد من قبل احدى التنظيمات المناوئة الا انه نجامنها بعد ان حصلت خلافات بين العناصر المولجة بالتنفيذ، وقيادتهم، حول اختياره للتصفية الجسدية هو والرفيق الاعلامي المعروف جورج حداد وآخرين.
• منع من دخول الشام في فترة الوحدة مع مصر، بسبب اتخاذه موقفاً منها، وقد كان له حديث اذاعي من اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية صباح كل يوم، يتحدث عن الوحدة مبيّناً عدم صحتها، وانها لا بد زائلة.
• الى نشاطه الثقافي والاعلامي في مجلة " الدنيا " الدمشقية وصحف " الجهاد "، " فلسطين "، " الدستور "، " الجزيرة " و " الفيصل " السعوديتين، كان له دور فاعل في العمل الاجتماعي من خلال الجمعيات الخيرية ومنها " جمعية التضامن الخيرية " التي اسسها.
• عمل مدرّساً في المملكة العربية السعودية من العام 1972 لغاية 1991، حيث عاد الى الوطن وقد انهك المرض جسده، الا انه بقي على تواصل مع رفقائه، ناشراً التعاليم القومية الاجتماعية التي آمن بها.
• عمل على كتابة العديد من الدراسات في المسألة اليهودية، نشرت في جريدة " العرب اليوم " وفيها كشف عن اكاذيب اليهود، وفضح مؤامراتهم، فوضع اسمه مع آخرين ضمن قائمة " اعداء السلام " السوداء وكان ترتيبه السابع في القائمة.
وافته المنية بتاريخ 14/04/2000، وهذا اليوم هو ذكرى يوم بدء معركة طبريا عام 1948 قبل احتلالها من قبل اليهود تاريخ 19/04/1948.
الاثنين، 18 يوليو 2011
بناها الفينيقيون ورمّمها الكنعانيون وتخلت عنها الدولة
بناها الفينيقيون ورمّمها اليونانيون وتخلّت عنها الدولة
قلعة تبنين صمدت أمام الغزوات وانهارت بسبب الإهمال
المصدر: "النهار"28/02/2011
تربض القلعة الأثرية فوق تلة في وسط تبنين وتشرف على الجهات الأربع للبلدة. وعرفت عبر التاريخ باسم "طورون" أو "طور" نسبة الى موقعها الجغرافي وارتفاعها واشرافها على ما يحوطها من الجهة الشرقية – الشمالية بحيث تطل على قلعة الشقيف وسفوح جبل الشيخ ومناطق في الاراضي الفلسطينية المحتلة. أما من جهتيها الغربية والجنوبية، فتشرف على الحصن المواجه لها قرب كنيسة القديس جاورجيوس وعلى القرى المحيطة بتبنين.
لا تزال القلعة تمتد حتى اليوم، بفضل بقايا بنائها، على مساحة تزيد على 20 ألف متر مربع، وهي بمثابة الشاهدة الصامدة والصامتة على احداث رسمت حقبة مهمة من تاريخ جبل عامل، إن وفقاً لأهميتها العسكرية أو السياسية او حتى التجارية على مرّ الحقبات، منذ القرن السابع قبل الميلاد وصولاً الى عهد الانتداب الفرنسي، عندما استعملت كدائرة أساسية للمعاملات الرسمية انتهاء بعام 1942، تاريخ رحيل الجيش الفرنسي الذي كان يقيم فيها مع جنود مغاربة تعاونوا معه.
يعود تاريخ القلعة الى الحقبة الفينيقية، ثم جدد بناؤها في عهد الرومان. لكنها تعرضت للهدم في عهد الأشوريين والكلدانيين خلال حملاتهم العسكرية على مدينة صور. بعد تلك الفترة، رمّمت في العصر اليوناني، حيث تمركزت فيها فرقة عسكرية لحماية القوافل المتهجة الى المدن التجارية بين حوران وفلسطين.
إعادة تأهيل
دوّنت مراجع تاريخية عدة ان الحاكم الصليبي لمدينة طبريا في فلسطين هوغ ري سان أومير أعاد تأهيل القلعة خلال ثلاث سنوات من 1104 وحتى 1107، واتخذها موقعاً عسكرياً لشنّ هجماته على صور للإستيلاء عليها. ورغم احتلال الصليبيين صيدا وبيروت، بقيت صور صامدة، لكن الحاكم كان مصمماً على دخولها، فتقدم من طبريا الى قلعة تبنين في جبل عامل واتخذ منها موقعاً لشنّ هجماته العسكرية على المدينة العاصية.
بقايا المبنى الحالي للقلعة تعتبر طبقة وسطية كون القلعة مؤلفة من 4 طبقات، فمعالمها مستديرة الشكل وتعتبر من أوسع القلاع اللبنانية. يبلغ قطرها 180 متراً ومساحتها التقريبية نحو 20 ألف متر مربع وعدد أبراجها عشرة، أضخمها البرج الغربي المعروف باسم "برج أبي حمد" المطل على وادي السلطانية.
معالم لا تزول
مدخل القلعة عبارة عن باب واسع عرضه 2,60 مترين وارتفاعه 5 أمتار. ويبدو في الأعلى نقشان على حجرين لأسدين متقابلين وتظهر خلفهما بعض الزخرفات المنحوتة، أما بابها الحالي فقدمته الكتيبة النروجية التي عملت في المنطقة خلال فترة التسعينات، وصممته وفقاً لنموذج يتلائم مع مدخلها القديم الذي انتزعه أحمد باشا الجزار عندما احتل القلعة ونقله الى عكا، حيث وضعه على مدخل قلعتها.
من هذا الباب تدخل الى بهو كبير مستطيل الشكل، أرضه مرصوفة ببلاط صخري ينتهي في بهو آخر يضم باباً في وسطه عمود ضخم. اما من الناحية الشمالية فثمة بهوان تمتد امامهما فسحة مسقوفة بجدران سميكة، وتظهر قربهما بقايا لقصر رمّمت معالمه الكتيبة النروجية التي اعتنت بالقلعة، علماً أن مساحته لا تزيد عن 600 متر ويضم 4 أبراج، فيما يعتقد أنه بني بقصد المراقبة فوق تلة صغيرة يوازي علوها ارتفاع القلعة التي تحوطها من الناحية الغربية أراض تسمى الخندق وتعرف أيضاً باسم اراضي "تين الخندق".
وتعود هذه التسمية الى خندق يؤدي الى القلعة طمر في ما بعد.
أما من الناحية الشرقية فثمة آثار لحديقة صغيرة، إضافة الى سراديب وممرات تمتد من طبقة الى أخرى، لكنها ردمت مع مرور الوقت.
ويروي الطاعنون في السن انه خلال الحرب الأهلية الأخيرة، أمعن ناهبو الآثار تنقيباً وتفتيشاً في القلعة بقصد السرقة والتخريب. كذلك يفيد مالكو الاراضي التي تحوطها من الناحية الجنوبية انهم عثروا خلال أعمال الحراثة والبناء على حجارة صخرية ضخمة مستطيلة الشكل تشبه الصناديق، يرجّح انها من العهد البيزنطي.
حاضر القلعة ليس كماضيها، اذ لم يبق منها سوى بقايا ابراج وعقود يغزوها العشب وتحوطها الأشجار من الخارج، كما يسيطر الصمت الموحش على عقودها من الدخل. فآثار التخريب ظاهرة للعيان، بعدما سرقت حجارتها وحطّم مجهولون الاضواء الكهربائية التي كانت موجودة في داخلها لانارتها ليلاً، فيما قست العوامل الطبيعية على سورها الذي بدأ ينهار تدريجاً.
ولا شك في أن الأمر بات يتطلّب عملية انقاذ عاجلة وفقاً لمخطط متكامل يبعد عنها شبح الإهمال المزري، ويحافظ تالياً على معالمها الأثرية المهددة بالسقوط.
قلعة تبنين صمدت أمام الغزوات وانهارت بسبب الإهمال
المصدر: "النهار"28/02/2011
تربض القلعة الأثرية فوق تلة في وسط تبنين وتشرف على الجهات الأربع للبلدة. وعرفت عبر التاريخ باسم "طورون" أو "طور" نسبة الى موقعها الجغرافي وارتفاعها واشرافها على ما يحوطها من الجهة الشرقية – الشمالية بحيث تطل على قلعة الشقيف وسفوح جبل الشيخ ومناطق في الاراضي الفلسطينية المحتلة. أما من جهتيها الغربية والجنوبية، فتشرف على الحصن المواجه لها قرب كنيسة القديس جاورجيوس وعلى القرى المحيطة بتبنين.
لا تزال القلعة تمتد حتى اليوم، بفضل بقايا بنائها، على مساحة تزيد على 20 ألف متر مربع، وهي بمثابة الشاهدة الصامدة والصامتة على احداث رسمت حقبة مهمة من تاريخ جبل عامل، إن وفقاً لأهميتها العسكرية أو السياسية او حتى التجارية على مرّ الحقبات، منذ القرن السابع قبل الميلاد وصولاً الى عهد الانتداب الفرنسي، عندما استعملت كدائرة أساسية للمعاملات الرسمية انتهاء بعام 1942، تاريخ رحيل الجيش الفرنسي الذي كان يقيم فيها مع جنود مغاربة تعاونوا معه.
يعود تاريخ القلعة الى الحقبة الفينيقية، ثم جدد بناؤها في عهد الرومان. لكنها تعرضت للهدم في عهد الأشوريين والكلدانيين خلال حملاتهم العسكرية على مدينة صور. بعد تلك الفترة، رمّمت في العصر اليوناني، حيث تمركزت فيها فرقة عسكرية لحماية القوافل المتهجة الى المدن التجارية بين حوران وفلسطين.
إعادة تأهيل
دوّنت مراجع تاريخية عدة ان الحاكم الصليبي لمدينة طبريا في فلسطين هوغ ري سان أومير أعاد تأهيل القلعة خلال ثلاث سنوات من 1104 وحتى 1107، واتخذها موقعاً عسكرياً لشنّ هجماته على صور للإستيلاء عليها. ورغم احتلال الصليبيين صيدا وبيروت، بقيت صور صامدة، لكن الحاكم كان مصمماً على دخولها، فتقدم من طبريا الى قلعة تبنين في جبل عامل واتخذ منها موقعاً لشنّ هجماته العسكرية على المدينة العاصية.
بقايا المبنى الحالي للقلعة تعتبر طبقة وسطية كون القلعة مؤلفة من 4 طبقات، فمعالمها مستديرة الشكل وتعتبر من أوسع القلاع اللبنانية. يبلغ قطرها 180 متراً ومساحتها التقريبية نحو 20 ألف متر مربع وعدد أبراجها عشرة، أضخمها البرج الغربي المعروف باسم "برج أبي حمد" المطل على وادي السلطانية.
معالم لا تزول
مدخل القلعة عبارة عن باب واسع عرضه 2,60 مترين وارتفاعه 5 أمتار. ويبدو في الأعلى نقشان على حجرين لأسدين متقابلين وتظهر خلفهما بعض الزخرفات المنحوتة، أما بابها الحالي فقدمته الكتيبة النروجية التي عملت في المنطقة خلال فترة التسعينات، وصممته وفقاً لنموذج يتلائم مع مدخلها القديم الذي انتزعه أحمد باشا الجزار عندما احتل القلعة ونقله الى عكا، حيث وضعه على مدخل قلعتها.
من هذا الباب تدخل الى بهو كبير مستطيل الشكل، أرضه مرصوفة ببلاط صخري ينتهي في بهو آخر يضم باباً في وسطه عمود ضخم. اما من الناحية الشمالية فثمة بهوان تمتد امامهما فسحة مسقوفة بجدران سميكة، وتظهر قربهما بقايا لقصر رمّمت معالمه الكتيبة النروجية التي اعتنت بالقلعة، علماً أن مساحته لا تزيد عن 600 متر ويضم 4 أبراج، فيما يعتقد أنه بني بقصد المراقبة فوق تلة صغيرة يوازي علوها ارتفاع القلعة التي تحوطها من الناحية الغربية أراض تسمى الخندق وتعرف أيضاً باسم اراضي "تين الخندق".
وتعود هذه التسمية الى خندق يؤدي الى القلعة طمر في ما بعد.
أما من الناحية الشرقية فثمة آثار لحديقة صغيرة، إضافة الى سراديب وممرات تمتد من طبقة الى أخرى، لكنها ردمت مع مرور الوقت.
ويروي الطاعنون في السن انه خلال الحرب الأهلية الأخيرة، أمعن ناهبو الآثار تنقيباً وتفتيشاً في القلعة بقصد السرقة والتخريب. كذلك يفيد مالكو الاراضي التي تحوطها من الناحية الجنوبية انهم عثروا خلال أعمال الحراثة والبناء على حجارة صخرية ضخمة مستطيلة الشكل تشبه الصناديق، يرجّح انها من العهد البيزنطي.
حاضر القلعة ليس كماضيها، اذ لم يبق منها سوى بقايا ابراج وعقود يغزوها العشب وتحوطها الأشجار من الخارج، كما يسيطر الصمت الموحش على عقودها من الدخل. فآثار التخريب ظاهرة للعيان، بعدما سرقت حجارتها وحطّم مجهولون الاضواء الكهربائية التي كانت موجودة في داخلها لانارتها ليلاً، فيما قست العوامل الطبيعية على سورها الذي بدأ ينهار تدريجاً.
ولا شك في أن الأمر بات يتطلّب عملية انقاذ عاجلة وفقاً لمخطط متكامل يبعد عنها شبح الإهمال المزري، ويحافظ تالياً على معالمها الأثرية المهددة بالسقوط.
من قلب تايخ جبيل ... قرية إده
من قلب تاريخ جبيل.. قرية إدّه
ميراي برق – "البناء" 04/02/2011
إذا لم يكن لنا البصر الذي يمتّد الى الأزل وإلى الأبد، فنحن مُكرَهون أن نروي لبعضنا بعضاً ما كان من أمرنا مع الطبيعة، وأن نتشارك مع بعضنا بعضاً في المدى الضّيق من الزمان والمكان الذّي يتناوله وعينا وتسجّله ذاكرتنا، والذّي نرويه هو ما درجنا على تسميته «التاريخ».
قرية إدّه، واحدةٌ من قرى لبنان الجميلة الوادعة في أحضان الطبيعة، تعلو عن سطح البحر ابتداءً من 200 متر، ثم ترتفع تدريجياً لتصل في الحد الأقصى إلى علو 400 متر تقريباً. قائمة على رأس رابية فسيحة، في الجهة الشرقية الشمالية من مدينة جبيل التاريخية. تحدّها شرقاً كفرمسحون وبنتاعل وكفرحتّى، وشمالاً نهر عين الجديدة، وهو الفاصل بين عمشيت وغرفين، أما جنوباً فتحدها قرية حبوب، وغرباً مدينة جبيل والبحر الأبيض المتوسط.
في هذه القرية الوادعة المطلة على البحر والجبل في آن كيفما اتجهت الأنظار، تلتقي أشجار نخيل تخاطب السحاب، وأشجار غار طيبة الرائحة، تستقبل كل وافد إلى المنطقة بعبيرها الفوّاح. وتساعدها في واجب الاستقبال أشجار مثمرة وحرجية من كل نوع وصنف. على جانبي القرية، وضمن خراجها الواسع واديان تجملهما الأشجار الدائمة الاخضرار كالسنديان والعفص والصنوبر. المياه في إدّه صافية نقيّة ومعدنية، وتتوفر على عمق 250 مترا في جوف الارض.
المختار والتاريخ
«البناء» التقت مختار بلدة إدّه بطرس إدّه، واستطلعت منه تاريخ القرية وعائلاتها.
يقول المختار لـ«البناء»: «آل إده مثل عدد كبير من العائلات اللّبنانية، هم فرع من عائلة اخرى أكثر عدداً وأقدم عهداً. ذكر بعض المؤرخين أنه ربما كانت تربط هذه الأسرة صلة نسب بآل إده المتحدّرين من أسرة مالك أبي الغيث. لكن ليست هناك براهين مقنعة على ذلك، أما أكثر المؤرخين والباحثين القدامى فأجمعوا على أن العائلة – الأصل هي أسرة حبيش، نظراً الى أدلّة تاريخية مقنعة شرحها مؤرخون عرفوا بمقدرتهم ومصداقيتهم».
ويتابع: «في مستهل البحث التاريخي عن آل إدّه، لا بدّ من العودة الى الينبوع، إلى الأصل، مقدّمين لمحة تاريخية خاطفة عن آل حبيش، لكي نعرف كيف ولماذا وفي أي زمن تفرّعت عن هذه الأسرة العريقة».
«آل حبيش أسرة مسيحية قديمة متحدرة من قبيلة «الهوازن» اليمنيّة. هذه القبيلة، قبل العهد المسيحي، كانت مثل أغلبية سكان اليمن تدين بالصابئة، أي عبادة الأجرام السماوية كالشمس والقمر والنجوم. ويقول خليل حبيش: «جاء في معاجم اللغة أن كلمة «حبيش» تعني الذي يتحلّى بالقوة والظرف. وتثبت بعض الأدلة التاريخية أن لفظة حبيش هي كنية أطلقت على المتحدّرين من تزاوج نصارى الهوازن بأبناء مملكة الحبشة. ثم امتّد اللقب إلى الأبناء فالأحفاد. لقد غزا الأحباش اليمن مرتين. الأولى في العام 340 ميلادية، والثانية في أوائل القرن السادس. لذا فإن «ذو نؤاس» آخر ملوك «حِمَير» أراد الانتقام من الأحباش، فنكّل بنصارى اليمن مضطهداً إياهم في نجران العام 523. وأسفر هذا الاضطهاد عن مذبحة رهيبة ونزوحاً كبيراً من اليمن إلى البلدان المجاورة».
ويتابع المختار نقلاً عن خليل حبيش: «تعرّف أحد الحبيشييّن اللبنانيين في اليمن الى أفراد من عائلة حبيش إبّان الحرب العالمية الثانية، حيث كان من أعضاء الوفد الذّي زار اليمن مبعوثاً من قبل قيادة جيوش «الحلفاء»، وإن الحبيشيين المسلمين في اليمن، يعرفون الكثير عن أقاربهم النصارى في لبنان ويتنسّمون دائماً أخبارهم. ولمّا انتشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية، تفرّق كثيرون من مسيحيي اليمن في الحجاز، ثم انتقل بعضهم إلى العراق ومنه إلى تدمر في سورية، ثم دخلوا لبنان. ومن بين النازحين بعض عائلات من آل حبيش إستوطنت بلدة دير الأحمر. وبعد مدة من الزمن نزح أفراد منهم إلى المغيّرة التي كانت تسمّى يانوح. وهذه لفظة فينيقية الأصل. يانوح كانت ذات شأن في العهد الفينيقي. شيّد فيها هيكل أدونيس الذي قال عنه عالم الآثار أرنست رينان إنه كان معاصراً لهيكل أفقا. وفيها آثار نواويس وبقايا قصر يقال له قصر بنت الملك».
وأضاف المختار: «يانوح هذه موقعها بين قرطبا والعاقورة. سمّي القسم الأعلى منها تدمر، ربّما تيمّناً بتدمر السورية التي عرفها سابقاً الحبيشيون قبل انتقالهم إلى دير الأحمر. أما المنطقة بكاملها فهي جزء من جبة المنيطرة الممتدة من نهر الفيدار إلى نهر إبراهيم ومن البحر إلى سطح الجرد».
الحاج يونان وافتراق الإخوة
وتابع المختار حديثه لـ«البناء» قائلاً: «ذكر بعض المؤرخين أن أخوة حبيشيين ثلاثة نزحوا مع عيالهم من يانوح، على أثر تلك المعارك، إلى كفرسالي شمالي جبيل، وهم حبيش والحاج يونان وخليل. انتقل حبيش من كفرسالي إلى مدينة غزير مع جميع أفراد عائلته، في أوائل القرن السادس عشر، وربّما كما ذكر هؤلاء المؤرخون أنفسهم، في العام 1516. وصادفوا الراحة والأمان بعد معركة مرج دابق التي تكلّلت بانتصار السلطان العثماني سليم الأول ومصرع قانصو الغوري. وبعدئذ قصدوا مزرعة تدعى «كفرسالي» كائنة قرب بلدة عمشيت ومشرفة على «إده»، وما لبثوا أن هاجرو فانتقل يونان إلى «إده» واستوطنها عام 1515، وقصد حبيش بعد حين غزير وخدم الأمراء بأمورهم الهامة فأطلقوا عليه لقب «شيخ» مكافأة له على حسن خدمته، وهو الجد الأعلى لعائلة حبيش التي خرج منها رجال مشاهير في علوم الدين والدنيا. أما خليل فقصد مزرعة قرب قرية حبالين وأقام فيها، وهي لا تزال تعرف باسمه حتى أيامنا هذه، وبعد حين انتقل أعقابه إلى حبالين. وقد هاجر منهم كثيرون إلى أميركا وعادوا وشيّدوا في قريتهم دوراً حسنة الطراز.
وجوه.. مهاجرة
وعن الشخصيات التي لمعت في المغتربات يقول المختار: «من هاجر من أبناء إده إلى ما وراء البحار، هاجروا هجرة نهائية، وهذا في القرن التاسع عشر، والعدد الأكبر منهم هاجر إلى البرازيل. وقد عثر على أسماء أكثرهم في كنيسة مار جرجس إدّه في دفتر الوفيات». ومن تلك المدونات: «توفي مارون يوسف جرجس نوهرا إدّه في أميركا (البرازيل) في 20 أيار 1889»، «توفي منصور عبد الله منصور إدّه في أميركا (البرازيل) في 25 تموز 1889».
عائلات
الاصول التاريخية التي ترتكز عليها قرية إدّه هي الأصول نفسها التي ينتمي إليها أبناؤها أينما حلّوا. فالعلاقة بين الاثنين وطيدة عميقة، لا يمكن زعزعتها لا خلال الترحال المحلي، ولا بسبب الاغتراب.
وفي إدّه اليوم عائلات عديدة، مثل مرعي وفيّاض، وهي ليست في الأصل فرعاً من عائلة إدّه. لكن أفراد هذه العائلات نزلوا في القرية منذ القرن الثامن عشر أو التاسع عشر، وانسجموا في بيئتها، وصهروا في بوتقتها، وتمّ الاندماج التام بالاختلاط والزواج، فأصبح الأبناء والأحفاد من آل إدّه ولا فرق بينهم وبين الذين تفرعوا رأساً من الحاج يونان. والدليل على ذلك أوّل رئيس لنادي إدّه الثقافي كان المرحوم حنا مرعي.
التسمية
يقول بعض المؤرخين أن إسم إدّه مصدره لفظة سريانية معناها الغار. والسبب وجود أشجار الغار بكثرة في أراضيها. ويقول الرأي الثاني إن جذر «إدّه» سامي مشترك يرمز إلى القوة والمناعة والصلابة والشدّة. ولقد ورد في «التوراة» «إدّو» وهو اسم علم، وثمة رأي ثالث محوره تحريف الكلمة السيريانية «ايدو» أي يد، ومعناها اليد القوية.
آثار القرية
تاريخ إدّه بدأ مع تاريخ جبيل، لأنها كانت منذ القدم حياً من أحياء مدينة الأبجدية. ضمن نطاق خراجها يقبع الكثير من الآثار القديمة التي تعود إلى العهود الفينيقية والرومانية والبيزنطية وإلى أيام الصليبيين. فيها معابد وثنيّة تحوّلت إلى كنائس، ومنها أعمدة ضخمة أحنت الأيام ظهرها وأوهنت قوائمها فاستلقت على الأرض ممدّدة مستريحة أو مكسّرة، وتيجان منقوشة في الصخور وبقايا خرائب قديمة، حجارتها ضخمة ومبعثرة في كل ناحية، وصلبان.
ومن الآثار: كنيسة مار جرجس – كنيسة مار يوحنا ومارتادروس – كنيسة مار اليشاع – معابد في ضواحي القرية.
مشاهيرها
بعد الحديث عن الموطن الجديد للحاج يونان، قرية إدّه – جبيل وآثارها، لا بد للحديث أن يصل إلى بعض مشاهير هذه الأسرة، ومنهم الشيخ يوسف إدّه الذّي اشتهر بثقافته وبراعته في فنّ الكتابة وجمال الخط وحسن التدبير وبعد النظر في الإدارة والسياسة والمال. تزّوج الشيخ يوسف من فتاة من قريته اسمها ورده الملقبة «قمره» لفرط جمالها. أنجبا ولدين حازا على شهرة عظيمة. هما المعلّم الياس إدّه الشاعر وأخوه الخوري جرجس تلميذ روما».
واشتهر من أبناء الخوري تادروس، الشيخ منصور والآغا بطرس. هما من مواليد إدّه في القرن السابع عشر، ومنذ القرن الثامن عشر أدخلهما الشيخ يوسف إدّه في خدمة الأمراء الشهابيين فسّروا بذكائهما ورأوا فيهما ملامح النجاح والأمانة والفراسة، فخصوهما بخدمتهم ثقافياً وإدارياً وأجزلوا عليهما العطايا».
«المعلّم الياس إدّه الشاعر وأبناؤه: هو نجل الشيخ يوسف والسيدة قمره، ولد المعلّم الياس في إدّه سنة 1741، نشأ وترعرع في حمى والديه كريمَي الأخلاق. أبوه الذي كان أول من شق طريق الشهرة لأبناء إدّه سعى ليكون ابنه في طليعة المثقفين، فدرّبه على فنون الكتابة والمطالعة والإدارة والسياسة. فكتب الياس في ديوان الأمير منصور الشهابي. ثم جعله الأمير يوسف ابن الأمير ملحم كاتباً خاصاً به وأكرمه كثيراً وأصبح رفيقه المميّز في روحاته وغدواته». و لا ننسى الياس نعمه إدّه، الملّقب بـ«أعمى إدّه».
إدّه اليوم
وما يميّز بلدة إدّه في الوقت الحالي هو وجود الثانوية المهنية الرسيمية التّي تضمن عددا كبيرا من الاختصاصات المطلوبة في سوق العمل من ادارة الفنادق، سياحة وسفر، بيع وتسويق، الحضانة، فافتتاح هذا المعهد المهني في إدّه التابع لوزارة التربية والتعليم العالي، ساعد على تطور وازدهار هذه البلدة، وخفّف على الأهالي الأعباء المادية وتكاليف المواصلات إلى المعاهد البعيدة الأخرى. إنها تعطي فرصة لجميع أهالي المنطقة والبلدات المجاورة لإكمال تعليم أبنائهم الدراسة المهنية الثانوية، بمختلف شعبها وفروعها والانتقال بالتالي إلى الدراسة الجامعية.
ميراي برق – "البناء" 04/02/2011
إذا لم يكن لنا البصر الذي يمتّد الى الأزل وإلى الأبد، فنحن مُكرَهون أن نروي لبعضنا بعضاً ما كان من أمرنا مع الطبيعة، وأن نتشارك مع بعضنا بعضاً في المدى الضّيق من الزمان والمكان الذّي يتناوله وعينا وتسجّله ذاكرتنا، والذّي نرويه هو ما درجنا على تسميته «التاريخ».
قرية إدّه، واحدةٌ من قرى لبنان الجميلة الوادعة في أحضان الطبيعة، تعلو عن سطح البحر ابتداءً من 200 متر، ثم ترتفع تدريجياً لتصل في الحد الأقصى إلى علو 400 متر تقريباً. قائمة على رأس رابية فسيحة، في الجهة الشرقية الشمالية من مدينة جبيل التاريخية. تحدّها شرقاً كفرمسحون وبنتاعل وكفرحتّى، وشمالاً نهر عين الجديدة، وهو الفاصل بين عمشيت وغرفين، أما جنوباً فتحدها قرية حبوب، وغرباً مدينة جبيل والبحر الأبيض المتوسط.
في هذه القرية الوادعة المطلة على البحر والجبل في آن كيفما اتجهت الأنظار، تلتقي أشجار نخيل تخاطب السحاب، وأشجار غار طيبة الرائحة، تستقبل كل وافد إلى المنطقة بعبيرها الفوّاح. وتساعدها في واجب الاستقبال أشجار مثمرة وحرجية من كل نوع وصنف. على جانبي القرية، وضمن خراجها الواسع واديان تجملهما الأشجار الدائمة الاخضرار كالسنديان والعفص والصنوبر. المياه في إدّه صافية نقيّة ومعدنية، وتتوفر على عمق 250 مترا في جوف الارض.
المختار والتاريخ
«البناء» التقت مختار بلدة إدّه بطرس إدّه، واستطلعت منه تاريخ القرية وعائلاتها.
يقول المختار لـ«البناء»: «آل إده مثل عدد كبير من العائلات اللّبنانية، هم فرع من عائلة اخرى أكثر عدداً وأقدم عهداً. ذكر بعض المؤرخين أنه ربما كانت تربط هذه الأسرة صلة نسب بآل إده المتحدّرين من أسرة مالك أبي الغيث. لكن ليست هناك براهين مقنعة على ذلك، أما أكثر المؤرخين والباحثين القدامى فأجمعوا على أن العائلة – الأصل هي أسرة حبيش، نظراً الى أدلّة تاريخية مقنعة شرحها مؤرخون عرفوا بمقدرتهم ومصداقيتهم».
ويتابع: «في مستهل البحث التاريخي عن آل إدّه، لا بدّ من العودة الى الينبوع، إلى الأصل، مقدّمين لمحة تاريخية خاطفة عن آل حبيش، لكي نعرف كيف ولماذا وفي أي زمن تفرّعت عن هذه الأسرة العريقة».
«آل حبيش أسرة مسيحية قديمة متحدرة من قبيلة «الهوازن» اليمنيّة. هذه القبيلة، قبل العهد المسيحي، كانت مثل أغلبية سكان اليمن تدين بالصابئة، أي عبادة الأجرام السماوية كالشمس والقمر والنجوم. ويقول خليل حبيش: «جاء في معاجم اللغة أن كلمة «حبيش» تعني الذي يتحلّى بالقوة والظرف. وتثبت بعض الأدلة التاريخية أن لفظة حبيش هي كنية أطلقت على المتحدّرين من تزاوج نصارى الهوازن بأبناء مملكة الحبشة. ثم امتّد اللقب إلى الأبناء فالأحفاد. لقد غزا الأحباش اليمن مرتين. الأولى في العام 340 ميلادية، والثانية في أوائل القرن السادس. لذا فإن «ذو نؤاس» آخر ملوك «حِمَير» أراد الانتقام من الأحباش، فنكّل بنصارى اليمن مضطهداً إياهم في نجران العام 523. وأسفر هذا الاضطهاد عن مذبحة رهيبة ونزوحاً كبيراً من اليمن إلى البلدان المجاورة».
ويتابع المختار نقلاً عن خليل حبيش: «تعرّف أحد الحبيشييّن اللبنانيين في اليمن الى أفراد من عائلة حبيش إبّان الحرب العالمية الثانية، حيث كان من أعضاء الوفد الذّي زار اليمن مبعوثاً من قبل قيادة جيوش «الحلفاء»، وإن الحبيشيين المسلمين في اليمن، يعرفون الكثير عن أقاربهم النصارى في لبنان ويتنسّمون دائماً أخبارهم. ولمّا انتشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية، تفرّق كثيرون من مسيحيي اليمن في الحجاز، ثم انتقل بعضهم إلى العراق ومنه إلى تدمر في سورية، ثم دخلوا لبنان. ومن بين النازحين بعض عائلات من آل حبيش إستوطنت بلدة دير الأحمر. وبعد مدة من الزمن نزح أفراد منهم إلى المغيّرة التي كانت تسمّى يانوح. وهذه لفظة فينيقية الأصل. يانوح كانت ذات شأن في العهد الفينيقي. شيّد فيها هيكل أدونيس الذي قال عنه عالم الآثار أرنست رينان إنه كان معاصراً لهيكل أفقا. وفيها آثار نواويس وبقايا قصر يقال له قصر بنت الملك».
وأضاف المختار: «يانوح هذه موقعها بين قرطبا والعاقورة. سمّي القسم الأعلى منها تدمر، ربّما تيمّناً بتدمر السورية التي عرفها سابقاً الحبيشيون قبل انتقالهم إلى دير الأحمر. أما المنطقة بكاملها فهي جزء من جبة المنيطرة الممتدة من نهر الفيدار إلى نهر إبراهيم ومن البحر إلى سطح الجرد».
الحاج يونان وافتراق الإخوة
وتابع المختار حديثه لـ«البناء» قائلاً: «ذكر بعض المؤرخين أن أخوة حبيشيين ثلاثة نزحوا مع عيالهم من يانوح، على أثر تلك المعارك، إلى كفرسالي شمالي جبيل، وهم حبيش والحاج يونان وخليل. انتقل حبيش من كفرسالي إلى مدينة غزير مع جميع أفراد عائلته، في أوائل القرن السادس عشر، وربّما كما ذكر هؤلاء المؤرخون أنفسهم، في العام 1516. وصادفوا الراحة والأمان بعد معركة مرج دابق التي تكلّلت بانتصار السلطان العثماني سليم الأول ومصرع قانصو الغوري. وبعدئذ قصدوا مزرعة تدعى «كفرسالي» كائنة قرب بلدة عمشيت ومشرفة على «إده»، وما لبثوا أن هاجرو فانتقل يونان إلى «إده» واستوطنها عام 1515، وقصد حبيش بعد حين غزير وخدم الأمراء بأمورهم الهامة فأطلقوا عليه لقب «شيخ» مكافأة له على حسن خدمته، وهو الجد الأعلى لعائلة حبيش التي خرج منها رجال مشاهير في علوم الدين والدنيا. أما خليل فقصد مزرعة قرب قرية حبالين وأقام فيها، وهي لا تزال تعرف باسمه حتى أيامنا هذه، وبعد حين انتقل أعقابه إلى حبالين. وقد هاجر منهم كثيرون إلى أميركا وعادوا وشيّدوا في قريتهم دوراً حسنة الطراز.
وجوه.. مهاجرة
وعن الشخصيات التي لمعت في المغتربات يقول المختار: «من هاجر من أبناء إده إلى ما وراء البحار، هاجروا هجرة نهائية، وهذا في القرن التاسع عشر، والعدد الأكبر منهم هاجر إلى البرازيل. وقد عثر على أسماء أكثرهم في كنيسة مار جرجس إدّه في دفتر الوفيات». ومن تلك المدونات: «توفي مارون يوسف جرجس نوهرا إدّه في أميركا (البرازيل) في 20 أيار 1889»، «توفي منصور عبد الله منصور إدّه في أميركا (البرازيل) في 25 تموز 1889».
عائلات
الاصول التاريخية التي ترتكز عليها قرية إدّه هي الأصول نفسها التي ينتمي إليها أبناؤها أينما حلّوا. فالعلاقة بين الاثنين وطيدة عميقة، لا يمكن زعزعتها لا خلال الترحال المحلي، ولا بسبب الاغتراب.
وفي إدّه اليوم عائلات عديدة، مثل مرعي وفيّاض، وهي ليست في الأصل فرعاً من عائلة إدّه. لكن أفراد هذه العائلات نزلوا في القرية منذ القرن الثامن عشر أو التاسع عشر، وانسجموا في بيئتها، وصهروا في بوتقتها، وتمّ الاندماج التام بالاختلاط والزواج، فأصبح الأبناء والأحفاد من آل إدّه ولا فرق بينهم وبين الذين تفرعوا رأساً من الحاج يونان. والدليل على ذلك أوّل رئيس لنادي إدّه الثقافي كان المرحوم حنا مرعي.
التسمية
يقول بعض المؤرخين أن إسم إدّه مصدره لفظة سريانية معناها الغار. والسبب وجود أشجار الغار بكثرة في أراضيها. ويقول الرأي الثاني إن جذر «إدّه» سامي مشترك يرمز إلى القوة والمناعة والصلابة والشدّة. ولقد ورد في «التوراة» «إدّو» وهو اسم علم، وثمة رأي ثالث محوره تحريف الكلمة السيريانية «ايدو» أي يد، ومعناها اليد القوية.
آثار القرية
تاريخ إدّه بدأ مع تاريخ جبيل، لأنها كانت منذ القدم حياً من أحياء مدينة الأبجدية. ضمن نطاق خراجها يقبع الكثير من الآثار القديمة التي تعود إلى العهود الفينيقية والرومانية والبيزنطية وإلى أيام الصليبيين. فيها معابد وثنيّة تحوّلت إلى كنائس، ومنها أعمدة ضخمة أحنت الأيام ظهرها وأوهنت قوائمها فاستلقت على الأرض ممدّدة مستريحة أو مكسّرة، وتيجان منقوشة في الصخور وبقايا خرائب قديمة، حجارتها ضخمة ومبعثرة في كل ناحية، وصلبان.
ومن الآثار: كنيسة مار جرجس – كنيسة مار يوحنا ومارتادروس – كنيسة مار اليشاع – معابد في ضواحي القرية.
مشاهيرها
بعد الحديث عن الموطن الجديد للحاج يونان، قرية إدّه – جبيل وآثارها، لا بد للحديث أن يصل إلى بعض مشاهير هذه الأسرة، ومنهم الشيخ يوسف إدّه الذّي اشتهر بثقافته وبراعته في فنّ الكتابة وجمال الخط وحسن التدبير وبعد النظر في الإدارة والسياسة والمال. تزّوج الشيخ يوسف من فتاة من قريته اسمها ورده الملقبة «قمره» لفرط جمالها. أنجبا ولدين حازا على شهرة عظيمة. هما المعلّم الياس إدّه الشاعر وأخوه الخوري جرجس تلميذ روما».
واشتهر من أبناء الخوري تادروس، الشيخ منصور والآغا بطرس. هما من مواليد إدّه في القرن السابع عشر، ومنذ القرن الثامن عشر أدخلهما الشيخ يوسف إدّه في خدمة الأمراء الشهابيين فسّروا بذكائهما ورأوا فيهما ملامح النجاح والأمانة والفراسة، فخصوهما بخدمتهم ثقافياً وإدارياً وأجزلوا عليهما العطايا».
«المعلّم الياس إدّه الشاعر وأبناؤه: هو نجل الشيخ يوسف والسيدة قمره، ولد المعلّم الياس في إدّه سنة 1741، نشأ وترعرع في حمى والديه كريمَي الأخلاق. أبوه الذي كان أول من شق طريق الشهرة لأبناء إدّه سعى ليكون ابنه في طليعة المثقفين، فدرّبه على فنون الكتابة والمطالعة والإدارة والسياسة. فكتب الياس في ديوان الأمير منصور الشهابي. ثم جعله الأمير يوسف ابن الأمير ملحم كاتباً خاصاً به وأكرمه كثيراً وأصبح رفيقه المميّز في روحاته وغدواته». و لا ننسى الياس نعمه إدّه، الملّقب بـ«أعمى إدّه».
إدّه اليوم
وما يميّز بلدة إدّه في الوقت الحالي هو وجود الثانوية المهنية الرسيمية التّي تضمن عددا كبيرا من الاختصاصات المطلوبة في سوق العمل من ادارة الفنادق، سياحة وسفر، بيع وتسويق، الحضانة، فافتتاح هذا المعهد المهني في إدّه التابع لوزارة التربية والتعليم العالي، ساعد على تطور وازدهار هذه البلدة، وخفّف على الأهالي الأعباء المادية وتكاليف المواصلات إلى المعاهد البعيدة الأخرى. إنها تعطي فرصة لجميع أهالي المنطقة والبلدات المجاورة لإكمال تعليم أبنائهم الدراسة المهنية الثانوية، بمختلف شعبها وفروعها والانتقال بالتالي إلى الدراسة الجامعية.
من السويداء الى طبريا
مـن الـسـويـداء إلـى طـبـريـة
طبرية وبحيرتها في أوائل القرن العشرين
أنيس صايغ
"ملحق فلسطين"15/07/2011
"أنا دمشقي الهوى. أقول ذلك علنا وبصوت جهوري. ومن لم يعجبه كلامي أعتذر عنه ولا أعتذر منه. ولست أدري إذا كان العنصر الحوراني في انتمائي المثلث (الفلسطيني اللبناني السوري) هو مبعث هذا الهوى، أم أن الفضل يعود إلى فضائل المدينة، سعتها وبساتينها وحدائقها ومبانيها المتوسطة بين الأصالة والتجدد وكياسة أهلها وامتدادات شوارعها وعدم ارتفاع مبانيها... وغير ذلك من مميزات أعرق مدن العالم وأقدم العواصم بلا منازع. وأتساءل، بعد هذا التبرير لحب دمشق، هل هي صدفة أن يوزع قلبي بين مدن ثلاث تشكل رموزا لانتماءاتي الثلاثة، الفلسطينية والسورية واللبنانية؟ إن دمشق الثالثة بين الأوائل، بعد طبريا ثم بيروت. وحتى في هوى المدن يتغلب الإيمان بسوريا الطبيعية كجزء من الوطن العربي وكمنطلق للتآلف والتكاتف والتضامن العربي إن لم أستعمل تعبير الاتحاد العربي الذي أصبح في عالمنا المهترئ حلما لا يجوز البوح به.
إني لا أنسى تمسكي واعتزازي، شأن كل أفراد أسرتي، بنشأة الوالد الحورانية. فحوران وإن لم أزرها قط تظل دوما مبعث مشاعر قوية من الانتماء والحنين والحب الصامت. ولعلي أروي قصة اندفاع أحد أشقائي، فايز، في الدفاع عن حورانيته أمام أستاذه في الجامعة في أربعينيات القرن الماضي، شارل مالك. كان الأستاذ المعارض لفكرة العروبة والمغالي في لبنانيته الانعزالية والطائفية يتحدث في صف الفلسفة عن تأثير البيئة في الإنسان. وقارن بين اللبنانيين والحورانيين كدليل على نهضة شعوب وتخلف شعوب أخرى بالرغم من قرب المسافة الجغرافية بينهما. وتساءل متهكماً: هل يعقل أن يخرج شاب ذكي مثل فايز صايغ من بلد متخلف مثل حوران؟ فرد عليه فايز فورا: نعم. إني حوراني وأعتز بحورانيتي! وضج الطلاب بالضحك وصمت مالك خجلاً.
عرفت دمشق طفلا. في أول زيارة للعائلة إلى دمشق وكانت حوالى 1937، سرنا في شارع أبو رمانة، الفسيح والمحاط بالزهور. ومررنا أمام بيت كبير ولكن ليس له صفات القصر وعلى مدخله جندي واحد للحراسة. وسمعت أشقائي يتساءلون عمن يكون صاحب البيت الجميل. وقلت بدون تفكير: هاشم الأتاسي رئيس الجمهورية. وضحك الكل مني ومن تدخلي في أمور لا أفهمها. وسأل الوالد الحارس فأجابه "إنه قصر فخامة الرئيس هاشم الأتاسي". إذن فإن دمشق انتقمت لي أمام أشقائي الساخرين مني منذ سبعين سنة. أفلا يحق لي أن أحفظ لها الجميل وأنحاز لها من دون العواصم العربية الأخرى؟!
وبسبب خطأ غير مقصود من قريب لي كان يعمل "باشاكاتب" في دائرة نفوس السويداء (فريد الغريّب صهر زعيم مسيحي حوران عقلة القطامي) سجل اسمي في سجلات السويداء كأني مولود في حوران، استدعتني سلطات التجنيد الإجباري في الخمسينيات إلى الخدمة العسكرية. وكنت ما أزال طالبا. وتكرر الاستدعاء بعد التخرج 1953. ولم ألب لأني في الواقع لم أكن أحمل الجنسية السورية، وكان والدي قد حمل الجنسية الفلسطينية منذ العشرينيات. أدى ذلك إلى عدم ذهابي إلى سوريا عقدين كاملين، خوفا من أن أساق إلى السجن بتهمة التخلي عن أداء الواجب. وحينما زارني موفد من الرئيس حافظ الأسد أواخر 1972 يدعوني إلى سوريا لتكريمي أخبرته بوضعي "القانوني". وكان يعرف التفاصيل. وقال: نسجنك تسع سنوات ثم يكرّمك الرئيس! وذهبت. وكرّمني الرئيس. وترددت على سوريا في الثلاثين سنة الأخيرة حوالى مئة مرة. فلسنوات متعددة (1982 ـ 1993) كنت أشرف على مشروع "الموسوعة الفلسطينية" الذي كانت إدارته في دمشق وتحريره في بيروت. وكنت أزور دمشق مرة في الأسبوع تقريبا، أصرف فيها يومي السبت والأحد. وحتى بعد أن انتهى ارتباطي بالمشروع باغتياله، استمر التردد على دمشق لأسباب متعددة يجمع بينها كلها في الجوهر ذلك الهوى الدمشقي الجارف في أعماقي.
ربما كان الشغف بالعاصمة هو الذي جعلني أقصّر في زيارة مدن سوريا وبلداتها الأخرى، وبعضها يستحق الزيارة والتعرف عليه، إما لدواع سياحية وثقافية أو للمشاركة في ندوات واحتفالات. حتى أني لم أزر مسقط رأس الوالد في حوران. وكان الرئيس الأسد على علم بتاريخ الأسرة الحوراني. وسألني مرة: ألا ترغب في زيارة خربا ومشاهدة كنيستها التي بناها والدك؟ وطلب أن أحدد موعدا ليرتب لي أمر الزيارة في وقت يناسبني. ووعدته شاكرا. لكني بقيت أؤجل تلبية الدعوة سنة بعد أخرى، مع العلم أن لي في حوران والسويداء كما في دمشق عددا من الأقارب بينهم بعض أحفاد عماتي.
وهكذا انتقلت من مسقط الرأس في فلسطين إلى الإقامة (الموقتة لمدة سبع وخمسين سنة) في لبنان، وامتد عملي إلى سوريا حيث مسقط رأس الوالد، وتزوجت من أردنية. ولم أعد أسعد برؤية طبريا إلا من فوق بعض التلال. وكان ذلك كله دليلا حسيا ومقنعا لحقيقة الأمة الواحدة الموزعة على شعوب متآخية، وحقيقة الوطن الواحد الممزق في كيانات متجاورة. وبالتالي فإن سيرتي هي بحد ذاتها انتصار على المؤامرة الاستعمارية. وأشعر وأنا أعتز بتشابك انتماءاتي في إطار سوري عربي أني أصفع السير مارك سايكس والمسيو جورج بيكو كل يوم صفعة جديدة.
من هنا فأنا فلسطيني ولبناني وسوري، إلى حد ما وليس بالمطلق. أنا عربي موزع بين هذه الأقطار التي يتساوى عندي الولاء لها والانتماء إليها. إني أحمل قلبا إنسانيا يضخ دمه العربي في شرايين بعضها فلسطيني وبعضها لبناني وبعضها سوري: شريان النضال الفلسطيني من أجل التحرير الكامل وإسقاط الاغتصاب. وشريان الثقافة والعصرنة اللبناني المنفتح على الحضارة العالمية. وشريان الإباء والشموخ والاعتزاز السوري التواق إلى الوحدة والانطلاق. أنا إذن فلسطيني، وأنا لبناني، وأنا سوري، لكني عربي أولا وإنساني في نهاية الأمر، عروبة تخدم فلسطين ولبنان وسوريا مثلما تستمد منها كلها وجودها وقوتها، وتقوم على القيم والمثل الإنسانية العامة، ولا تتعارض هذه العروبة والإنسانية مع نقطة الارتكاز السورية التي تتفرع بين فلسطينية ولبنانية. فسورية، كما كتب فيليب حتي، هي أساس الحضارة في العالم. "إن لكل إنسان في العالم وطنين يدين لهما بالولاء: مسقط رأسه وسوريا".
أذكر هنا أني حصلت على "هوية" فلسطينية لأول مرة في أوائل العام 1948 لأتمكن من عبور الحدود إلى لبنان. واسترجعت "جنسيتي" اللبنانية مع معظم أفراد الأسرة، في الثاني من حزيران 1958. كما استرجعت «الجنسية» السورية في ربيع العام 1973. إلا أن ولائي العربي أهم من هذه البطاقات الثلاث! (وأود أن أذكر هنا أن يوم استرجاعي الهوية اللبنانية كان في الواقع يوم تشييع جنازة المطران الماروني مبارك الذي شذ عن إجماع الشعب اللبناني ودعا إلى إقامة كيان مسيحي في لبنان متعاون مع الكيان الصهيوني في فلسطين). وهذا ما يذكّرنا بأن الشاعر الماجن عمر بن أبي ربيعة وُلد يوم وفاة الخليفة التقي عمر بن الخطاب".
انظر: أنيس صايغ عن أنيس صايغ، بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 2006.
طبرية وبحيرتها في أوائل القرن العشرين
أنيس صايغ
"ملحق فلسطين"15/07/2011
"أنا دمشقي الهوى. أقول ذلك علنا وبصوت جهوري. ومن لم يعجبه كلامي أعتذر عنه ولا أعتذر منه. ولست أدري إذا كان العنصر الحوراني في انتمائي المثلث (الفلسطيني اللبناني السوري) هو مبعث هذا الهوى، أم أن الفضل يعود إلى فضائل المدينة، سعتها وبساتينها وحدائقها ومبانيها المتوسطة بين الأصالة والتجدد وكياسة أهلها وامتدادات شوارعها وعدم ارتفاع مبانيها... وغير ذلك من مميزات أعرق مدن العالم وأقدم العواصم بلا منازع. وأتساءل، بعد هذا التبرير لحب دمشق، هل هي صدفة أن يوزع قلبي بين مدن ثلاث تشكل رموزا لانتماءاتي الثلاثة، الفلسطينية والسورية واللبنانية؟ إن دمشق الثالثة بين الأوائل، بعد طبريا ثم بيروت. وحتى في هوى المدن يتغلب الإيمان بسوريا الطبيعية كجزء من الوطن العربي وكمنطلق للتآلف والتكاتف والتضامن العربي إن لم أستعمل تعبير الاتحاد العربي الذي أصبح في عالمنا المهترئ حلما لا يجوز البوح به.
إني لا أنسى تمسكي واعتزازي، شأن كل أفراد أسرتي، بنشأة الوالد الحورانية. فحوران وإن لم أزرها قط تظل دوما مبعث مشاعر قوية من الانتماء والحنين والحب الصامت. ولعلي أروي قصة اندفاع أحد أشقائي، فايز، في الدفاع عن حورانيته أمام أستاذه في الجامعة في أربعينيات القرن الماضي، شارل مالك. كان الأستاذ المعارض لفكرة العروبة والمغالي في لبنانيته الانعزالية والطائفية يتحدث في صف الفلسفة عن تأثير البيئة في الإنسان. وقارن بين اللبنانيين والحورانيين كدليل على نهضة شعوب وتخلف شعوب أخرى بالرغم من قرب المسافة الجغرافية بينهما. وتساءل متهكماً: هل يعقل أن يخرج شاب ذكي مثل فايز صايغ من بلد متخلف مثل حوران؟ فرد عليه فايز فورا: نعم. إني حوراني وأعتز بحورانيتي! وضج الطلاب بالضحك وصمت مالك خجلاً.
عرفت دمشق طفلا. في أول زيارة للعائلة إلى دمشق وكانت حوالى 1937، سرنا في شارع أبو رمانة، الفسيح والمحاط بالزهور. ومررنا أمام بيت كبير ولكن ليس له صفات القصر وعلى مدخله جندي واحد للحراسة. وسمعت أشقائي يتساءلون عمن يكون صاحب البيت الجميل. وقلت بدون تفكير: هاشم الأتاسي رئيس الجمهورية. وضحك الكل مني ومن تدخلي في أمور لا أفهمها. وسأل الوالد الحارس فأجابه "إنه قصر فخامة الرئيس هاشم الأتاسي". إذن فإن دمشق انتقمت لي أمام أشقائي الساخرين مني منذ سبعين سنة. أفلا يحق لي أن أحفظ لها الجميل وأنحاز لها من دون العواصم العربية الأخرى؟!
وبسبب خطأ غير مقصود من قريب لي كان يعمل "باشاكاتب" في دائرة نفوس السويداء (فريد الغريّب صهر زعيم مسيحي حوران عقلة القطامي) سجل اسمي في سجلات السويداء كأني مولود في حوران، استدعتني سلطات التجنيد الإجباري في الخمسينيات إلى الخدمة العسكرية. وكنت ما أزال طالبا. وتكرر الاستدعاء بعد التخرج 1953. ولم ألب لأني في الواقع لم أكن أحمل الجنسية السورية، وكان والدي قد حمل الجنسية الفلسطينية منذ العشرينيات. أدى ذلك إلى عدم ذهابي إلى سوريا عقدين كاملين، خوفا من أن أساق إلى السجن بتهمة التخلي عن أداء الواجب. وحينما زارني موفد من الرئيس حافظ الأسد أواخر 1972 يدعوني إلى سوريا لتكريمي أخبرته بوضعي "القانوني". وكان يعرف التفاصيل. وقال: نسجنك تسع سنوات ثم يكرّمك الرئيس! وذهبت. وكرّمني الرئيس. وترددت على سوريا في الثلاثين سنة الأخيرة حوالى مئة مرة. فلسنوات متعددة (1982 ـ 1993) كنت أشرف على مشروع "الموسوعة الفلسطينية" الذي كانت إدارته في دمشق وتحريره في بيروت. وكنت أزور دمشق مرة في الأسبوع تقريبا، أصرف فيها يومي السبت والأحد. وحتى بعد أن انتهى ارتباطي بالمشروع باغتياله، استمر التردد على دمشق لأسباب متعددة يجمع بينها كلها في الجوهر ذلك الهوى الدمشقي الجارف في أعماقي.
ربما كان الشغف بالعاصمة هو الذي جعلني أقصّر في زيارة مدن سوريا وبلداتها الأخرى، وبعضها يستحق الزيارة والتعرف عليه، إما لدواع سياحية وثقافية أو للمشاركة في ندوات واحتفالات. حتى أني لم أزر مسقط رأس الوالد في حوران. وكان الرئيس الأسد على علم بتاريخ الأسرة الحوراني. وسألني مرة: ألا ترغب في زيارة خربا ومشاهدة كنيستها التي بناها والدك؟ وطلب أن أحدد موعدا ليرتب لي أمر الزيارة في وقت يناسبني. ووعدته شاكرا. لكني بقيت أؤجل تلبية الدعوة سنة بعد أخرى، مع العلم أن لي في حوران والسويداء كما في دمشق عددا من الأقارب بينهم بعض أحفاد عماتي.
وهكذا انتقلت من مسقط الرأس في فلسطين إلى الإقامة (الموقتة لمدة سبع وخمسين سنة) في لبنان، وامتد عملي إلى سوريا حيث مسقط رأس الوالد، وتزوجت من أردنية. ولم أعد أسعد برؤية طبريا إلا من فوق بعض التلال. وكان ذلك كله دليلا حسيا ومقنعا لحقيقة الأمة الواحدة الموزعة على شعوب متآخية، وحقيقة الوطن الواحد الممزق في كيانات متجاورة. وبالتالي فإن سيرتي هي بحد ذاتها انتصار على المؤامرة الاستعمارية. وأشعر وأنا أعتز بتشابك انتماءاتي في إطار سوري عربي أني أصفع السير مارك سايكس والمسيو جورج بيكو كل يوم صفعة جديدة.
من هنا فأنا فلسطيني ولبناني وسوري، إلى حد ما وليس بالمطلق. أنا عربي موزع بين هذه الأقطار التي يتساوى عندي الولاء لها والانتماء إليها. إني أحمل قلبا إنسانيا يضخ دمه العربي في شرايين بعضها فلسطيني وبعضها لبناني وبعضها سوري: شريان النضال الفلسطيني من أجل التحرير الكامل وإسقاط الاغتصاب. وشريان الثقافة والعصرنة اللبناني المنفتح على الحضارة العالمية. وشريان الإباء والشموخ والاعتزاز السوري التواق إلى الوحدة والانطلاق. أنا إذن فلسطيني، وأنا لبناني، وأنا سوري، لكني عربي أولا وإنساني في نهاية الأمر، عروبة تخدم فلسطين ولبنان وسوريا مثلما تستمد منها كلها وجودها وقوتها، وتقوم على القيم والمثل الإنسانية العامة، ولا تتعارض هذه العروبة والإنسانية مع نقطة الارتكاز السورية التي تتفرع بين فلسطينية ولبنانية. فسورية، كما كتب فيليب حتي، هي أساس الحضارة في العالم. "إن لكل إنسان في العالم وطنين يدين لهما بالولاء: مسقط رأسه وسوريا".
أذكر هنا أني حصلت على "هوية" فلسطينية لأول مرة في أوائل العام 1948 لأتمكن من عبور الحدود إلى لبنان. واسترجعت "جنسيتي" اللبنانية مع معظم أفراد الأسرة، في الثاني من حزيران 1958. كما استرجعت «الجنسية» السورية في ربيع العام 1973. إلا أن ولائي العربي أهم من هذه البطاقات الثلاث! (وأود أن أذكر هنا أن يوم استرجاعي الهوية اللبنانية كان في الواقع يوم تشييع جنازة المطران الماروني مبارك الذي شذ عن إجماع الشعب اللبناني ودعا إلى إقامة كيان مسيحي في لبنان متعاون مع الكيان الصهيوني في فلسطين). وهذا ما يذكّرنا بأن الشاعر الماجن عمر بن أبي ربيعة وُلد يوم وفاة الخليفة التقي عمر بن الخطاب".
انظر: أنيس صايغ عن أنيس صايغ، بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 2006.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)