الأربعاء، 13 أبريل 2011

سعاده رجل عظيم ورسالته خالدة

لم يكن الصحافي عبد الله مشنوق عضواً في الحزب، ولا من اصدقائه. على العكس فهو في فترات عديدة كان من خصوم الحزب، وكانت جريدته " بيروت المساء " منبراً للنيل منه.
لذلك تعتبر كلمته في سعاده التي نشرت في العدد 222 تاريخ 07/11/1979 من مجلة " صباح الخير – البناء "، شهادة رجل مطلع، رافق الحياة السياسية – الاعلامية في لبنان، وعرف اسرارها ورجالاتها.
نعيد نشر كلمته لفائدة الاطلاع.

سـعـاده رجـل عـظـيـم ورسـالـته خــالـدة
عـبد اللـه المشنـوق
عندما نريد ان نتحدث او ان نتكلم عن الحزب السوري القومي الاجتماعي ومؤسسه الزعيم انطون سعاده لا بد لنا من وقفة تأمل كبيرة امام عظمة هذا الحزب وشخصية زعيمه الفذة. هذا الانسان الذي كتب التاريخ اسمه بأحرف من نور في صفحاته البيضاء الى الابد.
لقد عرفت انطون سعاده في مطلع الاربعينات. كان وطنياً كبيراً بكل ما للكلمة من معنى. صادق ومخلص في مبادئه، لا يساوم على القضية القومية. يرفض الطغيان ويكره المستعمر ويحاربه بكل ما يملك من قوة. وكان كل الذين يحيطونه يراقبونه بحذر ويتتبعون خطواته بخوف، واعتبروه خصمهم اللدود، فكانوا يحاربونه ويوجهون له الاتهامات للنيل منه لكنهم فشلوا لأنه كان اقوى منهم جميعاً ايماناً وعقيدة ووطنية. حتى ان المستعمرين الفرنسيين والانكليز الذين كانوا يخدمون اليهود ويساعدونهم في تثبيت دولتهم الصهيونية في فلسطين المحتلة. كانوا يحسبون للزعيم حسابه ويدركون انه جاء ليقول شيء للشعب المسحوق المغتصبة حقوقه القومية. فحاولوا بدورهم النيل منه ومن حزبه بشتى الوسائل لكنهم ايضاً فشلوا. الى ان استطاعوا اخيراً القضاء عليه حين اعدمته السلطات اللبنانية بعهد الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح عام 1949.
قبل اعدامه حاولت اقناع رياض الصلح بالعدول عن القرار لانقاذ الزعيم فلم يوافق فاستعنت بالرئيس عبد الله اليافي فلم يوفق ايضاً. وكانت ليلة سوداء حين عرفت بالخاتمة الاليمة لهذا الرجل العملاق. وقد ألمني كثيراً ان ارى رجل فكر عظيم كأنطون سعاده يحاكم بأربع وعشرين ساعة ويحكم بالاعدام، فكانت هذه المحاكمة لطخة عار في تاريخ لبنان. ويمكنني القول بكل صراحة وجرأة ان الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح لن يذكرهما التاريخ الا لأنهما اغتالا انطون سعاده. الزعيم والمعلم والقائد..... ولكن يخطئ كل من يعتقد ان مؤامرة اغتياله كانت من صنع رياض الصلح او بالأحرى كانت محلية او عربية، ابداً ان اغتيال انطون سعاده مؤامرة عالمية صهيونية هذه حقيقة يجب ان نجاهر بها وان يعرفها الجميع ويدركها. نعم كانت هناك مؤامرة عالمية صهيونية واسعة على انطون سعاده وعلى حزبه ولا تزال تلك المؤامرة مستمرة على اتباعه وتلاميذه الذين حملوا الرسالة من بعده.

الحــزب الـذي لا يـمـوت
لقد أخطأ كل الذين كانوا يحسبون ان باستشهاد انطون سعاده يموت الحزب وتموت العقيدة، عندما قال انطون سعاده للقوميين وللجماهير في سورية " انني اخاطب اجيالاً لم تولد بعد " نسي كل الذين تآمروا على قتله ان هذه الاجيال التي خاطبها سعاده ستحمل الرسالة من بعده لتكمل مسيرة النضال حتى التحرير والنصر.
ان السوريين القوميين الاجتماعيين لم يموتوا بعد انطون سعاده ولن يموتوا ابداً ولعلهم اليوم اقوى منهم بالامس. فالنهضة السورية القومية نهضة قوية ترتكز الى قواعد متينة واسس صحيحة ومبادئ معلنة. ومهما حاولوا ان يطمسوها ستبقى الاقوى لانها الحقيقة الراسخة في تاريخ سورية.
نـاقـشـناه وكـان علـى حـق
اذكر انني قضيت ليلة كاملة حتى الفجر مع محي الدين النصولي في بيت سلمى الصايغ ونحن نحاور الزعيم سعاده حول مسألة الامة السورية والعروبة وكان حاضراً اللقاء الشاعر صلاح لبكي وكان رحمه الله من رواد نهضة الحزب. وأذكر انه في تلك الليلة دار بيننا وبين الزعيم نقاش طويل لم نستطع من خلاله ان نصل الى صيغة نتفاهم عليها حول مسألة العروبة. فعبثاً حاولنا بأن يعلن عروبة الامة السورية فكان يقول لنا جواباً على ذلك " ان هذا مفهوم ولا حاجة الى ذكره ". ولكن هذا لا يعني اننا كنا مختلفين معه في طروحاته الوطنية ومبادئه الاصلاحية.
تـجـربــة الـعـرب
وانني اقولها بكل صراحة بأننا نحن، تيارنا من العروبيين كنا مخطئين آنذاك في موقفنا السلبي تجاه مسألة العروبة. فاليوم نحن نتحسرعلى انطون سعاده ويا ليتنا آمنا بوجهة نظره من هذه المسألة لأنها الاصح. بحيث تحدد النظرة العلمية الصحيحة الشاملة لمفهوم العروبة في سورية والعالم العربي. فلو ادركنا لا بل لو ادرك العرب جميعهم حقيقة نظرة انطون سعاده وصوابية مبادئه لما كانوا وصلوا الى الحالة التي يتخبطون فيها الآن. او بالاحرى لما كانت اسرائيل موجودة. فأنطون سعاده لو قدر له الله ان يعيش اكثر لاستطاع ان يغير مصالح كثيرة في سوريا والعالم العربي ولغير مجرى التاريخ لانه كان قادراً على ذلك ولهذا تآمروا على قتله.
تـجـربــة لـبـنان
احب ان اعلق على ناحية مهمة تتعلق بالازمة اللبنانية. لقد طالب انطون سعاده في مبادئه الاصلاحية بفصل الدين عن الدولة ودعى المواطنين على مختلف مذاهبهم ومعتقداتهم الدينية للانصهار في بوتقة وطنية واحدة من اجل تماسك البلاد ونصرتها وعزتها وللابتعاد عن التفرقة والتشتت. وما الاحداث الاليمة التي عاشها لبنان عام 1975 وما يزال يعيشها الا الدليل الواضح على صوابية دعوة سعاده لفصل الدين عن الدولة وبناء المجتمع العلماني والدولة الوطنية القومية المتماسكة بوحدتها. فمثلاً لو لم يدخل القوميون الحرب لاستطعنا الجزم بأن المعركة طائفية تدور بين مسيحي ومسلم وكان هذا يخدم مصلحة العدو لأنه يريد ذلك. ولكن عندما شاهدنا القرى القومية المسيحية الوطنية في المتن الشمالي وفي الكورة وغيرهما تقف بوجه المسيحيين الانعزاليين أدركنا ان المعركة هي بين تقدميين ورجعيين عملاء وان القوميين الاجتماعيين باستشهادهم في تلك المناطق عمدوا بدمائهم الذكية النبيلة، الوطنية الحقة التي لا غبار عليها.
عـباقــرة لأنـهـم فـي الـحـزب
لست بحاجة الى تعدادهم فمعظمهم زملائي او تلاميذي وانا افتخر بهم وهؤلاء امثال صلاح لبكي وفؤاد سليمان وسعيد تقي الدين وأدونيس وغيرهم لو لم يكونوا عباقرة لما كانوا اعضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي فهم مفخرة للأدب وللوطنية وللعقيدة الصادقة.
لا يسعني الا ان اتمنى لهذا الحزب الوطني الدوام والتعاون في ما بين اعضائه. ويحميهم من آفات التفرقة وهي كثيرة ويا للأسف وان يبعد الاعداء وهم كثيرون ايضاً. ورسالة انطون سعاده " السورية القومية الاجتماعية " رسالة خالدة ما تزال في بداية عهدها والمستقبل يبقى للثابتين.

الأربعاء، 6 أبريل 2011

الرفيق محمد علي الشماع

الرفيق محمد علي شماع، الوجه القومي الاجتماعي المضيء في صيدا، تكلم عنه كثيرون في حفل تكريم كان اقامه له عدد كبير من المؤسسات والجمعيات الفاعلة، وسيتكلم عنه كثيرون بفعل ما كان عليه من حضور مشعّ، على الصعيد القومي الاجتماعي، كما في مدينته صيدا.
أحد رفقائه الذين عرفوه جيداً، وكان من اكثر المقرّبين اليه، رغب ان يسطّر شهادة وفاء الى رفيق كان وفاؤه الى حزبه والى مجتمعه مضرب مثل، وتقدير الجميع.
فشكراً للرفيق حسن مرتضى، أحد قلاع الحزب في صور، وذي التاريخ القومي الاجتماعي الناصع نضالاً ومناقبية.

ما احـب يومـاً الحديـث عـنه طـوال ايـام حياتـه...
الرفيق الاديب حسن مرتضى

فهل يسمح لنا الآن ان نتحدث عنه بعد رحيله.. ولا أقول غيابه.. لأن امثال هذا الانسان المختلطة طينته بطينة القدسيين هيهات ان يغيب عن ضمير ابناء مجتمعه بعد أن ترك في كل زاوية من زواياه مآثر تبقى حديث الناس ومرويات عطاءاته.
محـمد علـي الشـماع....
ايقونة قداسه رسمها الالتزام بمبادئ وعقيدة وقيم فجرت في نفسه ينبوع عطاء لم يتوقف عن ضخ معانيه طوال ايام حياته.
فكان في مختلف مواقعه مسؤولاً ادارياً في حزبه ومسؤولاً مميزاً في الكثير الكثير من نوادي ومنتديات العمل الخيري والرعائي في مدينته، خير مثل للإنسان الملتزم والحركة التي لا تهدأ ولا تستكين الا وقد أكملت واجبها على افضل طريقة، وكان في محيط بيته يلتزم قسمه... وكم كانت تسكره تلك الوقفة العسكرية لأحفاده وهم يرفعون يمينهم زاوية قائمة وهم يهتفون تحيا سوريا...
ولا يكتفي كما يلزم قسمه بتقديم المساعدة للمحتاجين من الرفقاء بل يتجاوزه ويقدم المعونة والمساعدة لجميع من قصده من المحتاجين.
اذكر اولى ايام معرفتي به حين كنا على مقاعد الدراسة في صيدا.
كيف جمع رفاق صفه في حفل تكريمي لزميل لنا حصل على علامات مميزة في امتحانات نهاية السنة الدراسية مع انه لم يكن من رفقائه القوميين وقدم له في نهاية الاحتفال مغلفاً يحتوي على مبلغ مائة ليرة كانت تكفي في ذلك الحين لينتقل ذلك الطالب الفلسطيني او الجنوبي كما يسمونه في حزبه الى احدى دول الخليج. ليلتقي به بعد اعوام، وقد امسى مديراً مسؤولاً في احدى الشركات الكبرى هناك، حينما كان مع مجموعة من الناشطين في احدى المؤسسات الخيرية يجمعون التبرعات لإنشاء دار للأيتام، كم كانت مفاجأتهم عظيمة حين فتحوا المغلف الذي قدم لهم ذلك المدير بعد ان عانقه بحرارة زميله القديم محمد علي الشماع وتذكر ذالك المغلف الذي اوصله الى مركزه هذا، اذ كان يحتوي على شيك بمبلغ يتجاوز قيمة جميع ما كانوا قد جمعوه.
وماذا تراني اذكر من مآثر الرفيق محمد علي
فطوال رفقتي ومرافقتي له كانت عطاءاته ترافقه في جميع حركاته وسكناته.
اذكر مرة ونحن نعبر احد شوارع مدينة صور كيف استوقفني فجأة ليقترب من كهل كان منحنياً على مستوعب لنفايات كان يبحث عن شيء فيه ينتفع منه فيدس في جيبه ورقة نقدية قائلاً له لا تواخذني يا عم فقد وقعت منك هذه الورقة وانت تنحنى.
واستعجلني للإبتعاد عنه قبل ان يصحو الرجل من المفاجأة.
هذه بعض ملامح من حياة الرفيق محمد هذا الانسان الذي لا تجد على جدران منزله اي اثر لتلك الشهادات والتنويهات والميداليات التي اغدقت عليه في مسيرته النضالية والاجتماعية.
الرفيق محمد علي كان طوال ايام حياته هاوي عطاءات يعطي من سأله ويعطي من لم يسأله.
كانت الحياة عنده وقفة عز فقط فلم يحني هامته يوماً حتى في الايام العصيبة ولم يتراجع عن موقعه في الحزب في اشد الساعات حرجاً وخطراً.
فبقيت الحرية والواجب والنظام والقوة شعاراً له وايماناً، والتصدي لقوى الانعزالية والطائفية والاقطاعية موقفاً لا يحيد عنه، والايمان العميق بأننا سنبقى الامل والرجاء للعبور بأمتنا من جميع هذه المنزلقات الخطرة التي تواجهها الى الغد الافضل والى فجر لا غسق بعده.
هذا هو الانسان الجديد الدي بشّر به سعاده وراهن على امثاله لتحقيق اعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ.